إيزابيل باسكو نجمة سينمائية فرنسية شابة وصلت فجأة منذ عامين الى الشهرة العالمية بعدما عملت مع السينمائي البريطاني بيتر غريناواي في فيلمه "بروسبيروز بوكس". وبين اشهر ادوار ايزابيل، ذلك الذي ادته كمروضة اسود في فيلم "روزالين والاسود" لجان جاك بنيكس. اما آخر دور لها فكان مع انطوني ديلون، نجل الممثل الفرنسي ألن ديلون، في فيلم "ريزوس روميو". الى جانب التمثيل تهتم إيزابيل باسكو بالازياء وتحضر عروضها، كما حصل اخيرا عندما عرض المبتكرون تشكيلاتهم للموسم المقبل. "الوسط" التقت النجمة الحلوة ذات الشعر الاشقر والملامح الطفولية، وكان معها الحديث الآتي: ما الذي لفت انتباهك في ازياء الصيف المقبل؟ - لم احضر كل عروض الموضة، بل اكتفيت بمشاهدة تشكيلات اثنين او ثلاثة من المبتكرين. ان اهم ما لفت نظري العودة الى الازياء الجميلة، وهذا شيء جيد، فالعروض التي تشبه الاستعراضات ليست مفيدة في رأيي لأنها لا تقدم ما نقدر نحن النساء على ارتدائه في الحياة اليومية. اعجبني عرض كريستيان لاكروا المبتكر. انه جدد اسلوبه وقدم مجموعة هائلة من الموديلات التي تدمج بين البساطة والأناقة الفاخرة في آن. ما رأيك في الظاهرة المنتشرة التي تجعل من عارضات الازياء نجمات ربما اكثر شهرة من ممثلات السينما؟ - المسألة في رأيي تتعلق بالازمة الاقتصادية العالمية التي نعيشها في الوقت الحالي. ان الجمهور يحتاج الى ما يثير مخيلته في زمن الازمة، والعارضات الشهيرات يتمتعن بالمواصفات المثيرة للخيال. انهن يمتلكن كل ما هو براق، الجمال والمال والشباب وحياة الترف، والناس عادة يحلمون بكل ذلك. وفي الازمات العالمية السابقة كلها، كانت السينما تقدم الى جمهورها النجوم الذين تميزوا بالصفات المذكورة نفسها. ان مارلين مونرو وكلارك غيبل وغاري كوبر وبتي دايفيز وبريجيت باردو وصوفيا لورين وجان غابان كانوا يمتلكون بريق ليندا ايفانجليستا وكلوديا شيفر. كانوا بعيدي المنال وعرفوا كيف يشعلون مخيلة الجمهور العالمي العريض. والذي يحدث الآن هو ان السينما عاجزة سواء في هوليوود او باريس او روما وربما ايضاً في بلادكم في الشرق الاوسط، عن اطلاق نجوم من طراز هؤلاء الذين صنعوا بريق الفن السينمائي في الماضي. ان الصناعة السينمائية تعطي حالياً الكثير من المواهب التمثيلية الممتازة لكنها لا تنتج النجوم. وجاءت عارضات الازياء يسددن ثغرة نجوم السينما. خسارة للسينما طبعاً وفائدة لعالم الموضة. خطوة خطوة أنت مثلاً مشهورة الآن دولياً من بعد "روزالين والأسود" و"بروسبيروز بوكس". فما الذي ينقصك لاثارة مخيلة المتفرجين على طريقة نجمات زمان؟ - ينقصني المشوار الفني المبني خطوة خطوة طبقاً لخطة تكون وضعتها شركة من شركات الانتاج مثلاً. انا اعمل بطريقة مستقلة، اتسلم العروض وأقبلها او أرفضها طبقاً لدرجة جودتها في نظري، وهي على شكل سيناريو مكتوب. فأجد نفسي في فيلم ممتاز وناجح ثم في آخر متوسط النجاح او فاشل تجارياً، وقد احسن الاختيار مرة وأقع في فخ الخطأ خمس مرات، لأن المهنة لا تخضع الآن لأي قاعدة. لو كنت لمعت في الماضي لكانت السيناريوهات تكتب حول شخصيتي وبشكل يناسبني كي ابني لنفسي صورة لدى الجمهور. هذه الصورة تتحول في ما بعد الى علامة جودة يأتي الجمهور لمشاهدتها ولا يصاب بخيبة امل ابداً، فهو يجد كل فيلم أقوى وأجمل من الذي سبقه. لو كنت ممثلة في ايام زمان لصنعت انا شهرة افلامي بدلاً من ان يتقلب نجاحي بشكل مستمر طبقاً لنجاح او فشل الافلام التي اظهر فيها. في فرنسا الآن نجمة واحدة لا تزال تجذب الجماهير على طريقة ايام زمان وهي ايزابيل ادجاني. انها حالة فريدة ولا تعرف المنافسة. هل انت غاضبة على هذا الوضع؟ - ضد ادجاني؟ لا طبعاً. انا أقدرها وأبدي اعجابي الشديد بها، فليس من السهل تحقيق ما فعلته. انها مثلاً احتجبت عن السينما اربع سنوات كاملة دون ان تخسر ذرّة من شعبيتها، والجمهور يتلهف لمشاهدة فيلمها الجديد الآن، وأنا فرد من هذا الجمهور. وإذا اختفت ممثلة ثانية ولو نصف المدة المذكورة لنسيها العالم تماماً ولعجزت عن العثور على دور ما تعود به الى الشاشة. اما عن الوضع بصورة عامة فلست غاضبة عليه، وأنا متأقلمة مع الزمن الذي اعيش فيه وهذا شيء مهم فالعيش في الماضي يمنع التقدم، خصوصاً اني شخصياً لم اعرف كل ما تكلمت عنه تواً الا عبر الكتب التاريخية الخاصة بالسينما والنجوم. فأنا ولدت بعد انتهاء العصر الذهبي لنجوم السينما وأتلهف دائماً لمشاهدة افلام زمان كلما اعيد عرضها في الصالات، أو عن طريق شرائط الفيديو. انا مولعة بإنغريد برغمان، فكم كانت جميلة!... بدأت بفشل كيف بدأت مشوارك الفني؟ - بدأت بطريقة غريبة. كان المخرج جاك ريشار يبحث عن ممثلة مجهولة للقيام ببطولة احد افلامه. وكان المسكين يعتقد نفسه احد مكتشفي المواهب، وهو اكتشفني فعلاً لكن الفيلم لم ينجح على الاطلاق وبالتالي سقط جاك ريشار في هاوية السينمائيين الذين حاولوا فرض انفسهم وولوا بالسرعة التي ظهروا بها. كنت أتعلم الدراما في مدرسة متخصصة وسمعت خبر بحث هذا المخرج عن شابة شقراء للعمل في فيلمه. تقدمت الى اختبار الممثلات وخرجت منه متأكدة من فشلي التام وعدم فوزي بالدور. أقول ذلك لأن طلبات جاك ريشار بدت لي غريبة خلال الاختبار. انه صورني بالفيديو وأجرى حديثاً معي، لا علاقة له بالدور المطلوب تمثيله في الفيلم. سألني عن طفولتي ومشواري المدرسي وميولي الرياضية والثقافية بينما توقعت انا مقابلة مختلفة تماماً وقضيت ساعات طويلة في تحضير قطعة درامية كيّ امثلها في الاختبار. خرجت من اللقاء متعجبة وواثقة من ان جاك ريشار قرر عدم منحي الدور فور دخولي الى مكتبه. وشعرت بأكثر من ذلك في الواقع، شعرت انه ضحك عليّ وغضبت عليه وعلى اهل السينما عامة الذين يستغلون حلم الممثلات الناشئات بالعمل فيجرون المقابلات المصورة معهن لمجرد التسلية. هذا ما تخيلته ولا علاقة له بالواقع، والدليل اني تسلمت مكالمة هاتفية بعد اسبوعين من الاختبار المزعوم وعلمت اني حصلت على الدور. وكانت المقابلة اذاً اكثر من دردشة ودية، فهي سمحت لجاك ريشار بمراقبة طريقة تحركي امام الكاميرا وأسلوبي في الكلام. عملت اذاً في هذا الفيلم الأول وتعلمت الكثير من وراء تجربتي امام الكاميرا. تعلمت لأني راقبت ما يحدث وتابعت طريقة عمل سائر الممثلين ودونت كل ما لاحظته في دفتر صغير. انا لا أزال احتفظ بالدفتر وأضحك كلما فتحته وقرأت التفاصيل المكتوبة فوق صفحاته. اضحك لأني الآن تقدمت وفهمت مئات الاشياء، لكني اعترف بأن الدفتر افادني حينذاك وسمح لي بادراك مهنة التمثيل دون تأخير. هل علمك جاك ريشار كيف تستفيدين من قدراتك التمثيلية؟ - لا. الا ان الشيء الوحيد الذي اشكره عليه حقاً هو منحي فرصتي الاولى امام كاميرات السينما. اما غير ذلك فلم اعثر على أي ميزة في العمل معه. انه لا يجيد ادارة ممثليه ولا يعرف كيف يصنع فيلمه. ومن المفروض ان اتكلم عنه في صيغة الماضي بما ان السينما لم تعد تلجأ الى خدماته من بعد الفيلمين اللذين اخرجهما. وكان فيلمي انا معه هو الأول من اخراجه، وأعرف ان العمل الثاني فشل اكثر من الأول. عملت مع عمالقة مثل بنيكس في فرنسا وغريناواي في انكلترا، فما هو انطباعك عن ذلك؟ - عملت من بعد فيلمي الأول مع مجموعة من السينمائيين المتوسطي القدرات في فرنسا وفي ايطاليا. ومرة جديدة أقول ان رغبتي الشخصية في التقدم وتعلم الاشياء هي التي سمحت لي بالتطور والوصول الى مرحلة الاستعداد الكلي لمواجهة العمل مع مخرجين كبار. فلو كنت اعتمدت على المخرجين الذين تعاملت معهم في بدايتي، من اجل التطور وفهم تقنية مهنتي، لفشلت تماماً في اقناع بنيكس بمنحي بطولة "روزالين والأسود". فالفرصة تأتي مرة واحدة في الحياة فاذا كان المرء غير مستعد لانتهازها ضاعت منه. انا كنت مستعدة بفضل مثابرتي ومجهودي الشخصي طوال السنوات الخمس التي سبقت التقائي بنيكس. اما بشأن عملي مع بيتر غريناواي فالأمر يختلف ولا بد من ان اعترف بفضل بنيكس عليّ في تعليمي عشرات الاشياء التي امتلكها الآن مهنياً والتي تبدو واضحة منذ أول لقاء لي مع مخرج ما. هكذا اقنعت غريناواي بأنني كنت اصلح لبطولة فيلم "بروسبيروز بوكس". افلام كاللوحات يتميز غريناواي باسلوب خاص جداً في اخراج افلامه. كيف كان تعامله معك؟ - انه يخرج مثلما غيره يرسم. وأفلامه تشبه لوحات جميلة رائعة الألوان والتناسق. وهو يتميز بأسلوب عنيف قريب الى الجنون في معاملة ممثليه. عانيت من العمل تحت ادارته، لكن النتيجة فوق الشاشة جاءت ممتازة في نهاية الامر وهذا هو المهم. اني افضل المخرج الذي يعذبني ويجعل مني ممثلة قديرة في فيلم جيد على ذلك الذي يبتسم لي طوال الوقت بلا أي فائدة مهنية. بياتريس دال اكتشفها بنيكس، فهل تخيلت انك اكتشافه الثاني حينما عملت معه؟ - لا، فأنا لم انتظره لأبدأ العمل في السينما ولا أشبه بياتريس دال من اي ناحية. ان شخصيتي مختلفة الى ابعد حد عن شخصيتها، وإذا كان عملي مع بنيكس رفع شهرتي الى مستوى النجومية فلا يعني ذلك انه اكتشفني. انا لا احب ان اكون مدينة لأحد باكتشافي، فأنا موجودة بعيوبي وموهبتي وقدراتي وهناك الفرص التي تضعني في اوقات محددة في طريق هذا المخرج او ذاك. انها مسألة حظ وحسن تفاهم مع بعض الناس وعمل شاق من جانبي كي اكون على استعداد دائم لمواجهة التحديات. كيف كان العمل مع انطوني ديلون في الفيلم الذي جمع بينكما أخيراً؟ - كانت العلاقة بيننا جيدة. وهو ايضاً يعمل ويشقى ليحصل على اعتراف الجمهور به كفنان مستقل بذاته وليس فقط كنجل آلان ديلون. انا اقدّر جهوده وأحترمه، ولاحظت انه فعلاً فنان جيد يتمتع بحس مرهف وموهبة تنتظر الدور الذي يبلورها.