قصدت نجمة السينما المعروفة ناستاسيا كنسكي أخيراً باريس في زيارة خاصة بعد عرض فيلمها الالماني للمخرج فيم فاندرز "بعيد جداً وقريب في آن" في معظم الصالات الاوروبية، والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان "كان" الاخير. "الوسط" التقت ناستاسيا في المناسبة وحاورتها في امورها الفنية. بدأت ناستاسيا كنسكي مشوارها الفني في الثالثة عشرة من عمرها تحت ادارة المخرج نفسه الذي منحها بطولة "بعيد جداً وقريب في آن" فيم فاندرز، والذي اطلقها كنجمة عالمية في العام 1984 بفيلمه "باريس تكساس" الفائز في حينه بالسعفة الذهبية في مهرجان "كان". كان هذا أول ادوار ناستاسيا الدرامية القوية. واذا كان الجمهور لفته جمال الفنانة الشابة من قبل في فيلم "تيس" مثلاً الذي اخرجه رومان بولانسكي في 1979، فهو اكتشف بفضل "باريس تكساس" ممثلة موهوبة قادرة على منافسة اكبر النجمات العالميات. وناستاسيا هي إبنة النجم الالماني الراحل كلاوس كنسكي، وقد مثلت افلاماً عالمية عدة اهمها "مارياز لافرز" لكونتالوفسكي، و"الشمس حتى في الليل" للاخوين تافياني، و"القمر في مجرى المياه" للفرنسي جان جاك بنيكس، و"واحدة من القلب" لفرانسيس كوبولا. تزوجت ناستاسيا من المنتج المصري ابراهيم موسى، وأنجبت طفلين ثم ما لبثت ان تطلقت منه لتعيش مع الموسيقي كوينسي جونز الذي أنجبت منه طفلة احضرتها معها الى "كان" وما لبثت بعدها ان تركته دون اعلان اي سبب. وفي فندقها الباريسي حيث قضت ناستاسيا بعض الوقت التقتها "الوسط" وكان معها الحوار الآتي: أهمية فاندرز يلعب السينمائي فيم فاندرز دوراً هاماً في حياتك. ما تفسيرك للامر؟ - أنا عملت مع فاندرز مرات عدة وأهميته في نظري تكمن في كونه المخرج الذي فتح امامي باب السينما. وأنا اعيش معه حكاية حب سينمائية عمرها الآن 18 سنة ولا تزال قوية، وهذا شيء يندر حدوثه في حكايات الحب الحقيقية بين الناس في أيامنا الحالية. والمرأة لا تنسى حبها الاول ابداً، كذلك أنا لا انسى "مخرجي" الاول فيم فاندرز. ثم انه في ما بعد وقف ايضاً وراء نجاحي الجماهيري الاول مما دعم قوة علاقتي معه. أنت تسألني عن تفسيري للدور الذي يلعبه فاندرز في حياتي المهنية، وأنا اعتقد بكل بساطة أن اكتشافه لي وأنا بعد في الثالثة عشرة من عمري هو شيء جعله يشعر بنوع من الابوة تجاهي، فراح يهتم بيّ ويتبع مشواري الفني ويعود الى استخدامي مرات جديدة في افلامه. وربما إنه ايضاً مقتنع بموهبتي الفنية تضحك وإلا لما منحني ادواراً هامة مثل تلك التي أؤديها في افلامه. هل اعجبك دورك البريء في الفيلم الاخير؟ - تبتسم طبعاً. هل هناك إمرأة ترفض ان تكون وجهاً بريئاً؟ أنا عشت تجربة مثيرة في خلال تصوير الفيلم، فلأول مرة لم اعرف أين وكيف ابحث بطريقة ملموسة عن شيء يفسر لي طريقة تقمص الشخصية المطلوب مني اداءها. اضطررت الى تشغيل خيالي ولا شيء سواه وإلى فهم نظرة فاندرز الى عالم الطهارة حتى اعطيه ما كان يتمناه. أنت تؤدين الدور بنوع من الحزن فهل هذا تصورك للطهارة والبراءة؟ - هذا تصوري لهذا الدور بالتحديد. أنت إبنة الفنان الراحل كلاوس كنسكي. هل ساعدتك هذه النقطة في خوض تجربة العمل الفني؟ - لا، أو على الأقل بطريقة لاشعورية. لقد انفصلت أمي عن ابي حينما كنت أنا في الثامنة من عمري وعشت بقية طفولتي معها. لم يتدخل أبي في أي شيء يمس حياتي المهنية. لذلك اقول ان تدخله الوحيد، ان وجد، كان على الصعيد اللاشعوري. وأقصد اني ربما اكون ورثت عنه حب الفن لا اكثر ولا اقل. كان والدك اشتهر بمزاجه الصعب والجنوني خلال عمله في استوديوهات السينما. هل ورثت عنه اي شيء من هذه الناحية ايضاً؟ - لا أحب الكلام عن أبي. إن حكاية مزاجه الصعب لم تتحدد في إطار استوديوهات السينما بل كانت موجودة في حياته اليومية مع كل من كان يحيط به. وأنا عانيت في طفولتي من مزاجه وأمي عانت ايضاً. وفي الوقت نفسه لم تتلخص شخصيته في هذه النقطة، فهو كان فناناً كبيراً. أما عن نفسي فأتمنى ألا أكون ورثت عنه مزاجه في أوقات إصابته بحالات الازمات الشديدة التي اشتهر بها في الوسط السينمائي. هذه امنيتي، بالنسبة الى حقيقة شخصيتي فمن الافضل توجيه السؤال الى الذين يعرفونني عن قرب ويتعاملون معي مثل فيم فاندرز، وهو موجود هنا في "كان" فيمكنك سؤاله. المصادفة في سهرة فهمنا إذاً ان فاندرز منحك أول ادوارك على الشاشة. لكنه من الغريب ان يكون اكتشفك وأنت في الثالثة عشرة. كيف تم لقاؤكما الأول؟ - إنها فعلاً حكاية طريفة تختلف عن الشيء التقليدي. أنا كنت مولعة بالسينما وبالوسط السينمائي، وكنت اعرف فنانة اسمها ليزا كروزر. إنها ممثلة ألمانية تعمل في السينما والمسرح. وفي احدى الليالي اصطحبتني الى سهرة أقيمت في ناد معروف بمدينة ميونيخ وقدمتني الى فيم فاندرز الذي كان يبحث في ذلك الوقت عن مراهقة لأداء احد ادوار فيلمه الجديد. هكذا تم اللقاء الاول وما حدث في ما بعد هو استدعائي من اجل الاختبار امام الكاميرا وحصولي على الدور. ألم يلعب إسمك دوره في المسألة عندما عرف فاندرز انك إبنة كلاوس كينسكي؟ - لم يهتم فيم فاندرز بهذه النقطة دقيقة واحدة حسب ما اعرفه شخصياً، لكني مرة جديدة أنصحك بسؤاله هو. ماذا حدث بعد الفيلم الاول؟ - كانت شهيتي فتحت على التمثيل فقررت متابعة حصص الدراما عند المعلم المعروف لي سترازبرغ في مدرسة اكتورز استوديو. فعلت ذلك وبالتالي عشت فترة في الولاياتالمتحدة الاميركية ودمجت بين التعليم المدرسي العادي والآخر الفني. وأشكر أمي على مساندتها لي في هذه الفترة من حياتي. إن رومان بولانسكي هو الذي لاحظني بعد فيم فاندرز وطلب مني الوقوف امام عدسته في جلسة مصورة من اجل صفحات مجلة "فوغ". أطلق بولانسكي على مجموعة الصور اسم "قراصنة". والطريف ان هذا هو عنوان احد الافلام التي صورها بولانسكي بعد حوالى سبع سنوات على الحدث المذكور. ورومان منحني ايضاً بطولة فيلمه "تيس"، وأنا من بعد ذلك لم اتوقف عن العمل وأصبحت ممثلة محترفة. أنت حصلت على جائزة أحسن ممثلة بالنسبة الى دورك في "تيس". ماذا كان مفعول هذا الحدث على مستقبلك حينذاك وأيضاً على نفسيتك علماً انك كنت في الثامنة عشرة فقط؟ - أنا كنت في الثامنة عشرة حينما بدأت العمل في الفيلم ودام التصوير اكثر من سنة كاملة ولم ينزل الفيلم الى صالات السينما قبل سنة من انتهاء العمل فيه. أنا فزت في الحقيقة بجائزتين كأحسن ممثلة عن دوري في "تيس"، الاولى في فرنسا وهي جائزة "سيزار" والثانية في الولاياتالمتحدة الاميركية وهي جائزة "غولدن غلوب". وكان عمري في ذلك الوقت عشرين سنة. من الصعب ان أتكلم عن أي مفعول فوري من الناحية المهنية. أنا عثرت على ادوار اخرى في ايطاليا وإلمانيا وهوليوود لكنها لم تنتج في رأيي عن الجائزتين. والشهرة الحقيقية جاءت بعد اشتراكي في فيلم "باريس تكساس" وذلك بعد مرور ثلاث سنوات على حكاية "أحسن ممثلة". هناك جائزة اخرى حصلت عليها بعد عامين من "تيس" وهي جائزة "غولدن فيلم أوارد" أيضاً كأحسن ممثلة وعن دوري في الفيلم الالماني "فروهلكسنفوني" من اخراج بيتر شاموني. لم يوزع الفيلم عالمياً ولم تجلب لي الجائزة اي شيء سوى فرحة الفوز بها. وبشأن تأثير الجوائز على نفسيتي اقول إني في كل مرة بكيت مثل الطفلة التي تتسلم هدية او تسمع خبر تفوقها في الامتحان المدرسي. انا لم أعرف فرصة التفوق في الامتحانات المدرسية لأني لم اكن تلميذة مجتهدة. قضيت طفولتي الاولى في التنقل مع والديّ بين ايطاليا والمانيا وفنزويلا، وأصابتني جرثومة التحرك فلم أعرف الثبات حتى بعدما كبرت وعشت مع أمي. وقلة الاستقرار هذه منعتني من التمعن في الدراسة بالشكل اللائق. أنا اعوض عن النقص الذي اشعر به من ناحية التعليم، بفرحة تفوق حدود المعقول كلما تلقيت جائزة او حتى كلمة تهنئة بخصوص عملي كممثلة. ولا علاقة للأمر بعمري فأنا أبكي الآن أكثر مما فعلته في سن العشرين.