كيف ينظر الكويتيون الى قضاياهم ومشاكلهم وكيف يعيشون "همومهم" العربية والعراقية؟ هل احتمال قيام العراق بهجوم جديد على الكويت لا يزال وارداً؟ وهل الكويت مستعدة اليوم لمواجهة أية هجمات عراقية افضل مما كانت مستعدة لذلك حين وقع الغزو في الثاني من آب اغسطس 1990؟ وهل تنوي الكويت اعادة علاقاتها مع عدد من الدول العربية التي تعاطفت مع العراق او لم تتخذ موقفاً واضحاً وحاسماً بادانة الغزو والاحتلال؟ هذه التساؤلات طرحناها على شخصيات كويتية بارزة. وحصيلة الأجوبة في التحقيق الآتي: اللقاء الأول كان مع الشيخ ابراهيم الدعيج الصباح محافظ الجهراء، وهي أول نقطة التقاء بين الكويتوالعراق. سألنا المحافظ: ما هي الترتيبات والاجراءات المتخذة لمنع تكرار عملية غزو الكويت؟ أجاب: - العاقل هو الذي يستفيد من تجارب الآخرين، فكيف اذا مرّ هو نفسه بتجربة اقل ما يقال فيها بانها نكبة. ان الجهات المعنية بعد حصول الكارثة، اخذت تراجع حساباتها بما فعلته وما لم تفعله، معتمدة في الأساس على قوتها الذاتية المتمثلة باعتبار كل مواطن خفير، سواء للاستعداد القتالي او المعنوي. وقد اثبتت النكبة صحة القول بمجتمع الاسرة الواحدة، والتلاحم التام بين الشعب والقيادة. ومن جهة ثانية تقوم الحكومة الكويتية بمراجعة كثير من مفاهيمها لتصب جميع الانشطة في الاستعداد لكل الاحتمالات، من تقوية الجيش عدداً وعدة ومن تجهيز الحرس الوطني واجهزة وزارة الداخلية وتخطيط اعلامي وعلاقات اقتصادية وتطورات تربوية، الى العمل على ربط الديبلوماسية الكويتية والاعلام الخارجي والعلاقات مع بقية الدول، برباط الثقة والمصالح المتبادلة واعطاء كل ذي حق حقه. طبعاً ننطلق من كوننا خليجيين وعرباً ومسلمين وعضواً عاملاً في الاسرة الدولية. لهذا فمواقفنا ستكون من وحي ما تقدمه هذه الانتماءات من سلام واحترام لحقوقنا كدولة ذات سيادة، آخذين العبرة من الماضي المؤلم حين وقفت الجامعة العربية عاجزة عن حماية الصغير صاحب الحق تجاه "اخيه" الكبير المعتدي. ولعل الدرس الذي لن ننساه هو موقف بعض الدول العربية الشقيقة التي وقفت من المعتدي موقف المؤيد او المشجع او الساكت عن عدوانه الواضح. ان مواقف بعض الدول العربية هذه حدت بنا لبناء دفاعاتنا واستراتيجيتنا على اسس امتن وأضمن ابتداء من التلاحم الخليجي مروراً باعلان دمشق وانتهاء بالاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوقنا المشروعة. ما الفارق برأيكم بين كويت اليوم وكويت ما قبل آب اغسطس 1990؟ - اعتقد اني اجبت عن هذا السؤال، وما اود اضافته هنا هو ان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وان سياسة الايمان بجميع الاخوة العرب وتصديق كل ما يصدر عنهم لم تعد واردة. والمعاملة مع كل دولة عربية او اسلامية او اجنبية ستكون بوحي مما تقدمه للكويت والشعب الكويتي فعلياً وليس لسانياً. وهنا اتذكر قول الشاعر: قوم اذا اخذوا المذياع قالوا فاحسنوا ولكن حسن القول يعكسه الفعل هل انخفض عدد المتسللين من العراق الى الكويت؟ - طبعاً، ولا مجال للمقارنة، وفي الحقيقة اني كمحافظ لمنطقة حدود واسعة مع العراق مطمئن للاجراءات العملية التي تتخذها كل من وزارتي الداخلية والدفاع من اجل الحفاظ على الوطن والامن العام، ومع كل ذلك نحن على أتم يقظة وحرص. هل تعتقد بجدوى فكرة انشاء السور الرابع كحماية للكويت من أي اعتداء عراقي؟ - السور بيننا وبين العراق مهما كان عالياً وصلباً وسميكاً وآمناً فانه لا يعادل ايمان المواطن الكويتي بحقه في الوجود في دولة ذات سيادة، ووطن يستحق التضحية بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ عليه. هنا اقيمت جميع الاسوار، في نفوس ابناء الكويت الذين يرفضون تحدي نظامهم او شرعيتهم او ارضهم، وسور الاسوار هذا لا يعادله اي ضمان. الصقر: صعوبة تجاوز الصدمة قال لپ"الوسط" رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الامة الكويتي السيد حاسم الصقر "ان علاقة الكويت مع الدول العربية على النطاق الاقليمي، اي العلاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي علاقة يسودها التعاون والاخاء. والمحنة التي مرّ بها الخليج عززت هذه العلاقة، نظراً الى مواقف هذه الدول، وهي علاقة يسودها الود والتعاون على نطاق الشعوب وعلى نطاق القيادات. ولكن هذا لا يمنع ان مجلس التعاون يحتاج الى تطوير في بعض جوانبه كي يواكب ما تطمح اليه الشعوب الخليجية. اما على النطاق العربي، اي مع بقية الاقطار العربية، فالكويت جزء من الامة العربية، لا تستطيع ان تنفك عنها. لكن مواقف بعض الدول العربية السلبية تجاه غزو الكويت واحتلالها أحدثت صدمة لدى شعب الكويت ليس من السهل تجاوزها. ومثلما يقول الشاعر العربي "وظلم ذوي القربى أشد مضاضة" انني كعربي اتمنى ان تسود اقصى درجات الود والتفاهم بين جميع الدول العربية، لكنني لا ارى في الافق، خصوصاً من الجانب الكويتي، ان هناك توجهاً لاعادة العلاقات مع الذين وقفوا ضد الكويت. اما بالنسبة الى بقية الدول العربية والتي وقفت مع الكويت موقفاً ايجابياً فلها قناعاتها وظروفها الخاصة التي تدعوها لاعادة علاقاتها مع بعض الدول الاخرى التي اتخذت موقفاً سلبياً من التضامن العربي والدولي مع الكويت. فالكويت اختلفت اليوم عن الكويت ما قبل الغزو. ان هناك خطاً فاصلاً بين اليوم والامس مثلما ان هناك خطاً فاصلاً بين الليل والنهار. فالكويت قبل الغزو كانت علاقاتها مع كل الاقطار العربية يسودها الود والاخاء وكانت الكويت تقف موقفاً مؤيداً لجميع القضايا العربية. ولكن بعد محنة الغزو وما نتج عنها من تخاذل في مواقف بعض الدول العربية التي ايدت العراق في ظلمه، حدثت جروح في العلاقات الكويتية - العربية. وهذه نقطة تاريخية فاصلة. وانا لست من دعاة الفرقة او ذر الملح على الجروح، لكنني احترم مشاعر الرأي العام الكويتي، وأحترم الحقيقة. ولعل الزمن كفيل بتغيير المواقف. لقد اصيب الرأي العام الكويتي بصدمة عميقة ليس من السهل تجاوزها، ومثلما يقول المثل، الهدم سهل والبناء صعب". علاقات عربية جديدة من جانبه اكد الدكتور سليمان العسكري الامين العام المساعد للمجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، في حواره مع "الوسط": "لا يمكن تجاوز احداث غزو الكويت وشطبها من تاريخ المنطقة. لقد ادت كارثة الغزو الى ايجاد واقع جديد فرض نفسه على المنطقة العربية بل على منطقة الشرق الاوسط بكاملها. وتجاهل هذا الواقع الجديد، ورفض التعامل معه لن يغير من الحقيقة المؤلمة شيئاً سوى تخلفنا عن المشاركة في ادارة شؤوننا وتصميم مستقبلنا في هذه المنطقة ولربما لسنوات وسنوات، كما حدث عندما رفض العرب الاعتراف بواقع هزيمة 67 وأحجموا عن التعامل مع نتائجها، حتى ارغموا بعد ربع قرن من الهزيمة على الاعتراف بها". وأشار العسكري الى "ان الدعوة الى عودة العلاقات العربية - العربية السابقة، هو عنوان خاطئ ومدمر، واذا ما افترضنا حسن النوايا وصدق التوجه فلا بد ان تكون اقامة علاقات جديدة مختلفة عما كانت عليه في السابق. ولا بد من وضع اسس جديدة لأية علاقات كويتية - عربية او عربية - عربية تقوم على اساس الاعتراف المتبادل بين كل دول المنطقة بالتقسيمات القطرية والاقليمية الفعلية والقائمة وعدم القفز عليها، ومن ثم التعامل بين دول المنطقة حسب ما تراه كل دولة صالحاً لشعبها في الدرجة الأولى، وان تبنى العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين دول المنطقة انطلاقاً من رغبة شعوبها وخياراتها الحرة الصادرة عن مؤسساتها الديموقراطية التي تمثل تلك الشعوب وتنوب عنها وتنطق باسمها، ولا يسمح لأي طرف اياً يكن حجمه او تكن قوته ان يتخطى ارادة شعوب المنطقة ومصالحها. كما يجب ان يؤخذ في الاعتبار التساوي بين الدول فتنتهي أفكار الأكبر والأصغر والفتي والفقير، وتسود المساواة في الحقوق والواجبات، وتسقط عقلية الاستعلاء، وافكار حضارة النهر ومدن الصحراء! ان الواقعية الجديدة عليها ان تأخذ في الاعتبار واقع الجغرافيا الاقليمية، ودورها المؤثر ضمن اطار النظام العالمي الذي يتشكل الآن على امتداد الكرة الأرضية". وأضاف العسكري: "لا خيار امامنا الا ان نتحول من "العنترية" واللغة "المذياعية" و"بهلوانية" شاشة التلفزيون الى الحسابات المدروسة، والتفكير العقلاني الهادئ في امكاناتنا وقدراتنا لنستكشف المستقبل فنسير اليه بخطى حثيثة ونحن على ثقة من امرنا. وهذا يفرض علينا ان نتعامل مع جيراننا - كايران وتركيا - بواقعية شديدة". العراق وتهديد الكويت ويتحدث السيد سعود العصيمي وزير الدولة الكويتي السابق للشؤون الخارجية عن فكرة بناء "السور الرابع" بين الكويتوالعراق ومشاركة الشعب الكويتي في هذه العملية فيقول: "كلمة السور لا تعني بناء حاجز كسور برلين او الاسوار التي بنيت في الماضي. الفكرة ان الدولة ستقيم بيننا وبين العراق حاجزاً امنياً يعتمد في الدرجة الأولى على التقنيات التكنولوجية لوضع حد للمتسللين ونشاطات الطابور الخامس ولمنع تهريب المخدرات والخمور وخلافه. ومن الطبيعي ان تلجأ الدول لحماية امنها الداخلي من خلال المراقبة الصارمة على الحدود، وهذا السور جزء من الرقابة. نحن نعتقد ككويتيين ان العدو المنهزم اندحر عسكرياً، ولكن لا بد ان نفكر في احتمالات غزو آخر، ليس عسكرياً بالضرورة وقد يكون عن طريق محاولات لتفتيت وحدة المجتمع عن طريق الطابور الخامس او المخدرات. كما اننا نريد اثباتاً على أرض الواقع لحدودنا الدولية التي اقرتها اتفاقيات بين الكويتوالعراق عبر السنوات الطويلة، والتي ثبتتها الأممالمتحدة في الفترة الاخيرة". هل سيستمر هذا السور قائماً حتى بعد سقوط نظام صدام حسين؟ يجيب العصيمي: "هذا السور سيبقى، سواء تغير النظام العراقي أو لم يتغير. وكما قلنا فالأسوار والحواجز توضع لوقف نشاطات الخارجين عن القانون". هل ان النظام العراقي قادر على القيام بعمل مشابه لغزو الكويت في الثاني من آب اغسطس 1990؟ طرحت "الوسط" هذا السؤال على الخبير العسكري الكويتي العميد الركن طيار متقاعد علي محمد الفوداي فأجاب: "في الحقيقة ان العراق في وضعه الراهن عاجز عن القيام بمثل هذا العمل العسكري. ولكن مستقبلاً ومع تغير الاوضاع السياسية والعسكرية في المنطقة ومع وجود الاطماع العراقية في ارض الكويت يبقى هذا الاحتمال وارداً. ونتيجة لحرب تحرير الكويت تم تدمير معظم الآلية العسكرية العراقية، وهذا ادى الى ضعف القوة العسكرية التقليدية. لكن نظام صدام حسين استطاع بلا شك اعادة بناء قواته المسلحة مرة اخرى، لكن ليس بمستواها السابق. فقواته الحالية اقل من نصف قواته قبل الغزو، كما ان القوات العراقية لا تتمتع حالياً بمعنويات عالية او جيدة. وهذا يعني انه لا بد للكويت من النظر جدياً الى اهمية تطوير قواتها المسلحة. وعلى هذا الأساس عقدت صفقات اسلحة دبابات وطائرات متطورة وسواها مع اميركا ودول اخرى، كما أبرمت اتفاقات امنية مع اميركا وبريطانيا وفرنسا كخطوة رادعة لمواجهة اي تهديد عراقي".