أمير جازان: آفاق واسعة من التقدم والازدهار    خادم الحرمين: نعتز بما قدمه أبناء الوطن وما تحقق جعل المملكة نموذجاً عالمياً    أعربت عن تعازيها لإيران جراء انفجار الميناء.. السعودية ترحب بالإجراءات الإصلاحية الفلسطينية    رؤية السعودية 2030 في عامها التاسع.. إنجازات تفوق المستهدفات ومؤشرات توثق الريادة    أمير القصيم: خارطة طريق طموحة لرسم المستقبل    381 ألف وظيفة في قطاع التقنية.. 495 مليار دولار حجم الاقتصاد الرقمي السعودي    أمة من الروبوتات    الأردن.. مصير نواب "العمل الإسلامي" معلق بالقضاء بعد حظر الإخوان    تفاهمات أمريكية سورية ومساعٍ كردية لتعزيز الشراكة الوطنية    ينتظر الفائز من السد وكاواساكي.. النصر يقسو على يوكوهاما ويتأهل لنصف النهائي    القيادة تهنئ رئيسة تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    أمير الشرقية: إنجازات نوعية لمستقبل تنموي واعد    الآبار اليدوية القديمة في الحدود الشمالية.. شواهد على عبقرية الإنسان وصموده في مواجهة الطبيعة    ضبط أكثر من 19.3 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    المملكة تفتح أبواب جناحها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    برعاية سمو وزير الثقافة.. هيئة الموسيقى تنظم حفل روائع الأوركسترا السعودية في سيدني    دفع عجلة الإنجاز وتوسيع الجهود التحولية    فخر واعتزاز بالوطن والقيادة    برشلونة يكسب "كلاسيكو الأرض" ويتوج بكأس ملك إسبانيا    مدرب كاواساكي: قادرون على التأهل    قدامى الشباب ينتقدون نتائج توثيق البطولات    خطى ثابتة نحو مستقبل مُشرق    تقرير يُبرهن على عمق التحوّل    الجبير يترأس وفد المملكة في مراسم تشييع بابا الفاتيكان    إطلاق مبادرة "حماية ومعالجة الشواطئ" في جدة    ترامب يحض على عبور "مجاني" للسفن الأميركية في قناتي باناما والسويس    المملكة تقفز عالمياً من المرتبة 41 إلى 16 في المسؤولية الاجتماعية    اللواء عطية: المواطنة الواعية ركيزة الأمن الوطني    1500 متخصص من 30 دولة يبحثون تطورات طب طوارئ الأطفال    الأميرة عادلة بنت عبدالله: جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان عززت المنافسة بين المعاهد والبرامج    تدشين الحملة الوطنيه للمشي في محافظة محايل والمراكز التابعه    رئيس مركز الغايل المكلف يدشن "امش30"    101.5 مليار ريال حجم سوق التقنية    الحكومة اليمنية تحذر موظفي ميناء رأس عيسى من الانخراط في عمليات تفريغ وقود غير قانونية بضغط من الحوثيين    اكتشاف لأقدم نملة في التاريخ    قدراتنا البشرية في رؤية 2030    تصاعد التوترات التجارية يهدد النمو والاستقرار المالي    الذهب ينخفض 2 % مع انحسار التوترات التجارية.. والأسهم تنتعش    800 إصابة بالحصبة بأمريكا    فواتير الدفع مضرة صحيا    الذكور الأكثر إقبالا على بالونة المعدة    الأهلي يكسب بوريرام بثلاثية ويواجه الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    انتهاء محادثات أمريكية إيرانية في عُمان وسط تفاؤل حذر    حين يعجز البصر ولا تعجز البصيرة!    السعودية تعزي إيران في ضحايا انفجار ميناء بمدينة بندر عباس    القيادة تهنئ تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    32 مليون مكالمة ل 911    قوانين الفيزياء حين تنطق بالحكمة    مكافحة المخدرات معركة وطنية شاملة    التحول الرقمي في القضاء السعودي عدالة تواكب المستقبل    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    "عبيّة".. مركبة تحمل المجد والإسعاف في آنٍ واحد    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفتي مصر محمد طنطاوي لپ"الوسط": لن يرهبني الرصاص ولن أتراجع عن كلمة حق . "تحاورت مع المتطرفين وبعضهم يتهم كل من يخالفه الرأي بالكفر"
نشر في الحياة يوم 22 - 02 - 1993

"لن يرهبني الرصاص ولن اتراجع عن كلمة الحق. وسأظل مصراً على كل فتوى قلتها". هذا ما قاله لپ"الوسط" الدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي مصر رداً على تهديد بعض المتطرفين له بالقتل على اساس انه "يجامل الحكومة المصرية" في ما يصدر عنه من فتاوى. وقد أكد مفتي مصر، في مقابلة خاصة مع "الوسط"، أنه تحاور مرات مع بعض قادة "المتطرفين" وذكر انه لا يفتي بشيء الا "ما يرتاح اليه ضميري". وقال انه لا يجوز اطلاق النار على السياح او الاعتداء عليهم. وتناولت المقابلة مجموعة امور وقضايا اسلامية مهمة وهذا نصها:
ما طبيعة العلاقة بينك وبين المتطرفين وهل التقيتهم فعلاً؟
- وظيفتي كمفتٍ تستلزم في ألا أفرق بين الناس وألا التقي فرداً دون آخر أو جماعة دون اخرى، وظيفتي تتطلب ان يكون قلبي مفتوحاً للجميع على اختلاف عقولهم وأعمارهم وثقافاتهم - وأيضاً - عقائدهم، واجب عليّ ألا افرق بين الناس وأن أجيب على استفساراتهم بما أراه حقاً وعدلاً - هذا هو الأساس الذي يحكم تعاملي مع الجميع، التقيت بالعلماء، من هم اكثر مني علماً ومن هم أقل، والتقيت الذين يوافقونني في الرأي ومن يخالفونني، والذين يسيئون الظن بالناس والذين يناقشونني وكأنهم وحدهم العلماء، اختلطت بطوائف متعددة من الناس ومن بينهم هؤلاء الابناء الذين وصفوا بالتشدد وهؤلاء لهم فكرهم ومعتقداتهم الخاصة وتكييفهم الخاص للأمور وناقشتهم وناقشوني ومنهم من اقتنع برأيي ومنهم من لم يقتنع، وأقول للجميع: الحكم بيني وبينهم هو الله "فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع اهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير" صدق الله العظيم.
هؤلاء الابناء ليسوا غرباء عني، التقيتهم وتحاورت معهم اكثر من مرة في القرى والمساجد وفي مكتبي وذات مرة في أسيوط القيت خطبة الجمعة وبعدها علق احد قادتهم على الخطبة بمعلومات مغلوطة فحاولت الرد عليها فحدث هرج ومرج من اتباعه حتى استولى على بعضهم الغضب واستبد بهم الشطط فتفوهوا بألفاظ خارجة، وكاد الامر يتطور ليصبح "معركة" لولا حسن تصرف المحافظ الذي احاطني وعدد كبير من الشباب حتى خرجت من المسجد.
هل يمكن ان ترسم لنا صورة وصفية لهؤلاء الشباب؟
- لا استطيع ان أحكم على الجميع حكماً واحداً فهذا ليس عدلاً، ولكني أقول: ان بعض هؤلاء يناقشون مناقشة موضوعية، بقصد الفهم والاستبيان ومعرفة الحق من الضلال في امور الدين وهذا يدل على سعة فكر وأفق هؤلاء الشباب وحسن ادبهم وصحة ايمانهم، وبعض آخر منهم يناقش بحدة ولا يريد ان يفهم من غيره، هو قرأ كتاباً أو كتابين وأخذ القشور منهما وأعطى لنفسه رخصة الحوار والفتوى في الدين، انه يتحدث في اتجاه واحد ويرى ان كل من يخالفه الرأي كافر وفاسق. انه الحوار المستبد.
ما جوهر الخلاف بينك وبينهم؟
- اصلاح المنكر وتغييره هو الجوهر في الخلاف، هم يرون ان من حق أي مسلم ان يغير المنكر بيده وأنا أرى ان هذا من حق ولي الامر فقط ومن حق الانسان في حدود ولايته فقط كالأب بالنسبة الى أولاده لأن ترك تغيير المنكر لكل "من هب ودب" يحكم عليه من وجهة نظره هو وربما تكون قاصرة يعني ان ينقلب الحال الى فوضى اجتماعية والاسلام يرفض الفوضى ويأمر بالنظام.
هل قرأت بعض الكتب التي يستقي منها الشباب هذا الفكر؟
- للامانة انا لم اقرأ "الفريضة الغائبة" ولكن بعض اولادنا يقرأون كتباً معينة وهذه ما هي الا تفسيرات اشخاص يخطئون ويصيبون وأنا من منطلق الحب والحرص على ابنائي الشباب أقول لهم لا تتوقفوا عند رأي فقهي واحد بل انهلوا من كتب وآراء الفقهاء جميعاً من القرطبي الى الشيخ شلتوت رحمهما الله.
مفتي الحكومة
أنت متهم من قبل هؤلاء الشباب المتشددين بأنك مفتي الحكومة تفصل الفتوى على هواها. ما رأيك في هذا؟
- نعم أنا مفتي الحكومة لأن الحكومة هي التي تعين المفتي ولكني أفتي بالحق لا بالباطل بالعدل لا بالظلم، انا اشغل هذا المنصب منذ اكثر من ستة أعوام، وأقولها: "وأنا مستريح الضمير" لم يحدث في يوم من الأيام ان طلب مني الرئيس او رئيس الحكومة ان أصدر فتوى معينة، الا مرة او مرتين طالبني فيها وزير الاوقاف الدكتور محمد علي محجوب بأن افتي بشيء لا يرتاح اليه ضميري ولا تطمئن اليه نفسي، وقد رفضت ذلك بشدة وعنف واختلفنا وانفصلنا، أعني لم نتقابل معا في قوافل التوعية وقلت لنفسي له منهجه ولي منهجي وخلاف الرأي لا يفسد للود قضية، اما كل الفتاوى التي صدرت عني خلال هذه الفترة اقسم بالله العظيم انها صدرت عن دار الافتاء بما يرضي الله ورسوله وبمحض ارادتنا واختيارنا وما نراه حقا قلناه للناس، وأتحمل مسؤولية هذه الفتاوى امام الله عز وجل يوم يجمع الله الناس ليوم لا ريب فيه، اعلم ان دار الافتاء المصرية بلغت سن الرشد وعمرها الآن نحو مئة عام.
هل أصدرت فتاوى ضد هوى الحكومة؟
- بالطبع وهي كثيرة، لقد أصدرت الفتوى الخاصة بضريبة التركات وقلت ان الضريبة ليست شرعية لأن الدولة ليست من بين الورثة الشرعيين الذين نص عليهم الاسلام في أحكامه، وقد اخذت الدولة موقفها بالغاء ضريبة التركات بعد شد وجذب في محافل كثيرة، ايضا مفتي الحكومة - اللي هو أنا - هو الذي قال: ان العلاقة بين المالك والمستأجر للأراضي الزراعية هي عقد منفعة يجب ان يكون محدد المدة لا يجوز فيه التأييد والتأييد يبطله ولا يصح التعويض الا عند حدوث الضرر، وكنت أرى ان يسلم المالك جزءاً من أرضه للمستأجر سواء الثلث أو الربع لكي يتصرف فيها كما يشاء، وقد اخذت الحكومة بجزء من هذه الفتوى وأصدرت قانوناً برفع القيمة الايجارية مع ابقاء الارض في يد المستأجر لمدة خمسة أعوام ونصت على تعويضه بنسبة محددة وعلى كل فقد صدر القانون وأصبح لا مجال للحديث عنه الآن، المهم ان المفتي قال كلمته لوجه الله وحده.
الرؤية الشرعية للهلال
فضيلة المفتي، لماذا تتضارب الآراء حول رؤية الهلال لتحديد أول شهر رمضان؟
- سبق لدار الافتاء المصرية ان أعلنت عن منهجها الذي تسير عليه في تحديد اوائل الشهور العربية بصفة عامة وشهري رمضان وشوال بصفة خاصة، ولكن احب ان يعرف الجميع أن: دار الافتاء المصرية تعتبر الرؤية الشرعية الصحيحة التي لا تهمة فيها هي الاصل في تحديد اوائل الشهور الهجرية وتستعين من اجل الوصول الى هذه الرؤية الشرعية الصحيحة بما تقرره اللجان المتخصصة. وكل لجنة من هذه اللجان تتألف من خمسة أفراد على الاقل، ثلاثة من الفقهاء واثنان من الخبراء في العلوم الفلكية لارشاد المستطلعين للهلال الى الاماكن التي يركزون نظرهم نحوها والى الهيئة التي يكون عليها الهلال، وهذه اللجان موجودة في كل ست محافظات بمصر، وفي كل عام يتأكد لنا ان الحسابات الفلكية السليمة لا تختلف مع الرؤية الشرعية الصحيحة.
ثانياً: ان دار الافتاء المصرية اذا ثبت لديها الرؤية الشرعية الصحيحة في مصر لأول شهر قمري اخذت بها أما اذا ثبتت في بلد آخر غير مصر ولم تثبت في مصر فان دار الافتاء المصرية لها أن تأخذ بها اذا ما اقتنعت بصحتها ولها الا تأخذ بها اذا لم تقتنع وليس لأحد ان يلزمها بالأخذ بها لأن دار الافتاء المصرية مع احترامها الكامل لكل دور الافتاء الاخرى لها موازينها الدقيقة في هذا الشأن.
ثالثاً: ان مسألة صيام او افطار جميع الاقطار الاسلامية لثبوت رؤية الهلال في قطر منها دون آخر، فهذه المسألة تعد من المسائل الاجتهادية التي للفقهاء فيها رأيان:
الأول: يرى اصحابه انه متى ثبت الهلال في بلد اسلامي كان على جميع المسلمين اتباع هذا البلد في صيامهم وفطرهم لأن الخطاب عام لجميع المسلمين متى بلغتهم رؤية الهلال ومتى كان يجمعهم في هذا البلد جزء من الليل ومتى كانت هذه الرؤية لم تتمكن منها التهمة، كمخالفتها للمشاهدة والواقع والحسابات الفلكية الموثوق بها والصادرة ممن يوثق به.
الثاني: يرى اصحابه ان لأهل كل قطر رؤيتهم ولا تلزمهم رؤية غيرهم فقد ثبت في الحديث الصحيح ان أهل الشام صاموا في يوم وأهل الحجاز صاموا في يوم آخر وكان ذلك في عهود الصحابة ولكل فريق أدلته المبسوطة في كتب الفقه.
رابعاً: يرى المفتي انه لا يستقيم الربط بين هلال شهر رمضان او هلال شوال وبين هلال ذي الحجة بالنسبة لما تقرره المملكة العربية السعودية، لأن دار الافتاء المصرية توافق السعودية في ما تقرره بالنسبة لأول أيام ذي الحجة ولوقفة عرفات، اذ جميع مناسك الحج الخاصة تقام على أرضها وليس من المقبول ان نخالفها في ما تقرره في هذا الشأن، حرصاً على وحدة المسلمين.
اما في ما يتعلق بشهر رمضان او شوال فالأمر مختلف، ولقد كتبت الى المسؤولين في السعودية اقترح عليهم انشاء مرصد في مكة المكرمة او في المدينة المنورة يتعاون في الاشراف علىه عدد من العلماء المتخصصين في العلوم الشرعية وخبراء في الحسابات الفلكية التي يأخذ بها المسلمون في مواقيت الصلاة وتكون كلمته - أي المرصد - هي الفاصلة والملزمة في تحديد اوائل الشهور العربية ولا سيما لأول وآخر رمضان، وهذا اعظم ما يؤكد وحدة المسلمين.
إطلاق النار على السياح
بما تفسر ظهور آراء معارضة بقوة لكثير من الفتاوى التي تصدر عن دار الافتاء في الفترة الاخيرة؟
- لعلك مثلاً تشير بقصد الى فتوى إباحة السياحة وما شابهها من لبس في مسألة الخمور، اذاً دعني اوضح الامور بالنسبة لما أُثير حول هذه المسألة من أقاويل البعض، الحقيقة انهم ابتعدوا عن القضية الاساسية الا وهي انه لا يجوز شرعاً اطلاق النار على السياح او الاعتداء عليهم. أرى ان بعض الناس - سامحهم الله - يتركون الجوهر ويتمسكون بالمظهر، قلت ان الخمر أم الكبائر وان المسلم اذا استحل شربها يكون مرتداً عن الاسلام، اما اذا شربها وهو معترف بحرمتها فيكون مسلماً عاصياً ويقام عليه الحد، اما بالنسبة الى غير المسلمين فالامام ابو حنيفة يرى انها مباحة لهم ما داموا لا يعتقدون حرمتها وهم لهم دينهم ولنا ديننا بشرط ان لا يسيئوا الى عقيدتنا وآدابنا اما استيرادها للسياح فانه لا يجوز لمسلم ان يشارك في ذلك سواء بتقديمها لهم او استيرادها. منذ أن أوجد الله الحياة والناس يختلفون في عقائدهم وآرائهم واتجاهاتهم، وقد اشار القرآن الكريم الى ذلك "ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم" وما دام الامر كذلك فمرحباً بالرأي والرأي الذي يخالفه بشرط ان تكون بغيتنا جميعاً الوصول الى الحق من كل طريق: وقد حدث ان اختلف الصحابة في بعض الامور الاجتهادية كصلاة العصر قبل الوصول الى دار بني قريظة، او بعد، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لنصلين العصر اليوم في بني قريظة". واختلف الفقهاء في مسألة مسح الرأس في الوضوء ودار الافتاء ترحب بالنقد والاختلاف في الرأي ما دام يقبل الخلاف ولها ان ترجح بالادلة والبراهين ما تراه راجحاً وان تأخذ به وشريعة الاسلام - منهجها في مثل هذه الامور الخلافية هو تحري الصواب وصولاً الى الحق والى خدمة المصلحة العامة في حدود ما شرع الله سبحانه ، وللحاكم او القاضي او المفتي ان يختار من بين الآراء الاجتهادية ما يراه مناسباً وفق القواعد الفقهية التي تقول: "ان حكم الحاكم في الامور الاجتهادية يقطع الخلاف" وما يقال في الحاكم يقال في القاضي، والمفتي، كما لا انكر ان هناك فريقاً يختلف معي في الرأي أنا احترم هذا الفريق ما دام خلافه المقصود منه الوصول الى الصواب، اما أسباب الخلاف بيني وبينهم فمنه ما هو خلاف علمي في تفسير نص قرآني أو حديث وهو رأي أقدره تماماً أما غير ذلك فأنا لا التفت اليه لأنه من قبيل الحسد!!
متى يتحقق لنا كمسلمين مشاركة كل الجهات العلمية والاسلامية القادرة على المشاركة بالرأي. متى تخرج الفتاوى بصفة الاجماع والالزام؟
- دار الافتاء كما قلت بلغت سن الرشد وعمرها تجاوز المئة عام، وهي في هذا العمر تبدو شباباً وصدرها مفتوح للتعاون مع كل الجهات العلمية والاسلامية ولا تتأخر في معاونة أي جهة علمية وظيفتها خدمة الاسلام والمسلمين ولا تختلف مع أي جهة علمية في ما ثبت من الدين ثبوتاً قطعياً والدار ترجع في كل امورها الى كتاب الله عز وجل، ومعاذ الله ان تحتكر دار الافتاء الفتوى او تصم أذنها عن الاستماع الى الرأي الآخر فالفتوى حق لكل من هو أهل للفتوى بشرط ان يتحقق له العلم بجوانب القضية وكل الآراء الفقهية في المسألة. ولكن في الامور الاجتهادية التي تأخذ صفة التجديد فمن حق دار الافتاء ان تأخذ بالرأي الذي تراه مناسباً ودون ان يلزمها احد بالرأي المخالف.
الوفاق الاسلامي
كان لمصر تأثير ايجابي وحاسم في قرارات مؤتمر وزراء الخارجية الذي عقد في جدة بشأن البوسنة - الهرسك، ماذا ترى من رأي الاسلام في هذه القضية وموقف المسلمين منها؟!
- رأي الشرائع السماوية كلها ولا أقول الاسلام فقط في المجازر الوحشية والاعمال اللاإنسانية التي يقوم بها الصرب المتطرفون ضد المسلمين وبنات المسلمين وديار المسلمين، هو رأي واضح ترفضه كل الاديان حتى المسيحية، والامة التي تقف موقفاً متخاذلاً في نصرة الدين والحق ولا تقف الى جانب المظلوم هي امة بعيدة عن الدين وعن الاخذ بما تحكم به الشرائع السماوية والدوافع الانسانية. ويجب على كل مسلم ان يقف مع اخوانه في الدين في خندق واحد، وبعد هذا الاعتداء الوحشي على المسلمين في البوسنة اصبح واضحاً لكل ذي عينين ان الأمم المتحدة غير محايدة وتكيل بمكاييل وموازين معوجة وان اميركا وأوروبا لا يريدان الخير للمسلمين، وانتظر موقفاً اسلامياً موحداً لوقف هذه المذابح.
جانب مهم من الخلاف بين المسلمين يرجع الى اختلافاتهم المذهبية وهناك اتجاه لاستغلال هذه الخلافات من قبل قوى خارجية لزرع الفرقة والانقسام بين المسلمين حتى تنكسر شوكتهم. متى يتحقق الوفاق الاسلامي حتى نفوّت عليهم الفرصة؟
- ان المسلم العاقل الحريص على اسلامه هو الذي يأخذ دينه من كتاب الله عز وجل ومن سنة حبيبه ومن أقوال السلف الصالح الذين انبثقت آراؤهم من الفهم السليم للقرآن والسنة.
ولا ننكر ان هناك خلافات مذهبية بين المسلمين ولكن هذه الخلافات يجب الا تصدع وحدتهم او توغر صدورهم او تثير الفتن بينهم، فنحن أهل السنة مثلاً منا من يتبع المذهب الحنفي أو الشافعي او الحنبلي أو المالكي ولكننا نتفق في اصول الدين ولا يختلف مذهب عن آخر في ما ثبت انه معلوم من الدين بالضرورة وبنص قاطع الدلالة، وإنما الخلاف في العادة يكون في الفروع والجزئيات مع وجوب بقاء الود والاحترام والتعاون والتراحم والتكاتف والتكافل بين المختلفين لأنهم ابناء أمة واحدة ودين واحد ولا يصح مطلقاً ان يكون الخلاف المذهبي هو شقاق وفرقة وتحاسد بين المسلمين، وإنما الذي يصح بل ويجب علينا كمسلمين ألا تكون الخلافات المذهبية مصدر نزاع بين المسلمين وشقاق. وعلى كل مسلم في تخصصه ان يحرص على التعاون مع غيره وان يأخذ بأسباب العلم والرقي والتقدم وان يحسن الظن بالناس وان يرجع في ما خفي عليه الى اهل العلم والذكر "فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون" صدق الله العظيم، وان يبعد تعاليم الدين السمحة عن مزالق السياسة والمصالح الدنيوية الخاصة. أتمنى ان يكون الحوار في ما اختلف عليه حواراً منطقياً هادفاً، بنّاءً ينتهي الى الحق والعدل بالمحاورة الخالصة لوجه الله حتى يحصل التقارب والتفاهم بين اصحاب جميع المذاهب الاسلامية، وهذا في النهاية يحقق وحدة الامة "وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.