أول ما يتبادر الى الذهن، ونحن بصدد مراجعة المفكرة الثقافية في الجزائر، أسماء جيلالي اليابس، الهادي فليسي، الطاهر جعوط، محمد بوخبزة، محفوظ بوسبسي، رابح زناتي، مصطفى عبادة، إسماعيل يفصح ... وهؤلاء جميعاً دفعوا حياتهم ثمن المواجهة القائمة منذ قرابة عامين، للحؤول دون سقوط الجزائر في ليل بلا قرار. واذا كانت قائمة الذين سقطوا برصاص التطرف الاعمى تكبر كل يوم، فان العزاء الوحيد مع نهاية هذه السنة الدامية ان الاصوليين لم يتقدموا خطوة واحدة، رغم كل الدماء التي سالت. هل بوسعنا القول اذاً، ان التضحيات لم تذهب هباءً؟ قبل عامين، بدت الجزائر وكأنها واقفة على كف عفريت، وهي اليوم ما زالت عند حافة البركان نفسه. فأول ما عكف الاصوليون على اعداده بعد فوزهم في الانتخابات كان اللوائح السوداء بأسماء غير المرغوب بهم! الثقافة ضد الموت! وفيما كان أهل السلطة يستعدون لكل التحالفات حفاظاً على مصالحهم الآنية الضيقة وامتيازاتهم، كانت النخبة المثقفة هي السباقة الى رفع صوتها، والى التصدي للسيناريو - الكارثة. فأهل الصحافة والاعلام لعبوا، الى جانب مختلف ممثلي المجتمع المدني، دوراً اساسياً في توعية الناس والدفاع عن قوانين الجمهورية. هكذا خرج الملايين للتظاهر في شوارع الجزائر العاصمة ضد "البعبع" الذي خرج من مصباح الرئيس بن جديد السحري: فهو لم يلجأ الى الديموقراطية الا مضطراً، بهدف امتصاص حركة التذمر الشعبي التي عبرت عنه احداث تشرين الاول اكتوبر 1988. كان الطبيعي، والحالة هذه، ان يدفع رجال الاعلام والثقافة ضريبة مواقفهم، وثمن تحملهم المسؤوليات التاريخية كاملة. مع العلم ان الكثير من هؤلاء يجدون انفسهم اليوم محاصرين بين مطرقة الارهاب، وسندان الحرية الغائبة في ظل سلطة لم تتغير ممارساتها دائماً في الاتجاه المطلوب. ومع هذا، فان سنة 1993 لم تكن سنة للموت فقط. فحركة النشر شهدت انتعاشاًَ نسبياً، حيث صدر العديد من الاعمال الادبية، اهمها رواية "فاجعة الليلة السابعة بعد الألف" للأديب واسيني الاعرج، ومجموعة "فوانيس" للقاص الراحل عمار بلحسن، ورواية احلام مستغانمي "ذاكرة الجسد"، ومجموعتها الشعرية الجديدة "أكاذيب سمكة". وشهدت المجلات الثقافية المتخصصة وبدورها، بعض الانتعاش. اذ عادت مجلات مثل "الثقافة" و"ألوان" الى الصدور عن وزارة الاعلام والثقافة، بعد غياب عقد وأكثر فيما واصلت جمعية "الجاحظية" نشاطاتها، برئاسة الأديب الطاهر وطار، مشرفة على اصدار مجلتيها "التبيين" و"القصيدة"، كما استمرت الشاعرة زينب لعوج في اصدار مجلتها الفصلية "دفاتر نسائية". وفي وهران صدر عن "معهد الادب العربي" العدد الاول من مجلة "تجليات الحداثة". اما اسبوعية "الشرق" توزع حوالي 350 الف نسخة!، فشرعت في اصدار صحيفة ثقافية نصف شهرية تحمل تسمية: "الشروق الثقافي". المسرح والسينما وفي مجال المسرح قدمت فرقة "القلعة" التي يديرها المخرج زياني شريف عياد، عملين جديدين هما "الحب، ثم بعد؟" و"ألف تحية لمتشردة" عن نص للأديب الكبير محمد ديب. ومن جهته قدم "مسرح وهران" ثلاث مسرحيات: "أرلوكان"، "البلعوط" و"زريبة المدينة". وقدم "مسرح بجاية الجهوي" عرضاً فردياً مونودراما جديداً للممثل محمد فالق. والاخير اسندت اليه ادارة هذا المسرح الذي بقي من دون مدير منذ وفاة مالك بوفرموح، مديره السابق وصاحب اول عمل مسرحي تصدى للمد الاصولي. كان ذلك عام 1989، وكانت المسرحية بعنوان "يا رجال يا حلالف"، اقتبسها بوقرموح عن مسرحية أوجين يونسكو الشهيرة "الخرتيت"، قبل ان قضي في حادث سير. اما الانتاج السينمائي، فشهد حركة حقيقية هذا العام. اذ فاقت المشاريع التي تم تنفيذها خلال الاشهر الماضية، انتاج السنوات الخمس الاخيرة مجتمعة! ففي مهرجان سينمائي جزائري انعقد في منتصف تشرين الثاني نوفمبر، عرضت عشرة أفلام روائية وخمسة عشر شريطاً وثائقياً. بين ابرز الاعمال الروائية، لا بد من الاشارة الى "يوسف وأسطورة النائم السابع" لمحمد شويخ، "الفصل الثالث" لرشيد بن براهيم، "توشية" لرشيد بلحاج، "الاربعاء مساءاً" لعيسى دبوب، و"الظل الابيض" لسعيد ولد خليفة. اما الافلام الوثائقية، فأهمها: "فاطمة الحواتة" لناديا شرايبي، و"صمت النسيان" لسعيد عولمي، و"تبسة: متحف في الهواء الطلق" لبوعلام عيساوي. ويعيش المبدعون والمثقفون والاعلاميون والمفكرون في الجزائر اليوم، على ايقاع السؤال المقلق عينه: ترى ماذا يخبئ لنا العام المقبل؟...