* العنف الرسمي : أنا أو الفوضى * العنف الأصولي : أخطاء النظام تدفعنا الى التطرف * عنف المتطرفين الاسلاميين والعلمانيين : ضد الحوار ومع الحل الجذري في الثاني من الشهر الجاري اغتيل مواطن اسباني على الطريق بين مدينتي خميس مليانة والبرواقية غرب العاصمة الجزائرية. وفي اليوم التالي نجا مواطن ايطالي في العاصمة من محاولة اغتيال.. وبعد يومين سقطت مواطنة روسية متزوجة من جزائري قتيلة في أحد الأسواق الشعبية في العاصمة أيضاً. وتؤشر هذه العمليات الثلاثة الى تصاعد الارهاب الذي يستهدف الأجانب، تطبيقاً للتحذير الصادر عن "الجماعة الاسلامية المسلحة" والذي نقلته السيدة تيفنو الموظفة في القنصلية الفرنسية العامة التي أفرج عنها في نهاية تشرين الأول اكتوبر الماضي، بعد أن ظلت رهينة طيلة أسبوع كامل مع زوجها وأحد زملائها. وطلب التحذير يومها من الأجانب العاملين في الجزائر مغادرة البلاد في أجل أقصاه 30 الشهر الماضي. وقبل هذه الموجة الارهابية الجديدة التي تستهدف الرعايا الأجانب، اغتيل منذ مطلع الخريف عدد من الأجانب، بينهم فرنسيان وضابطان روسيان، وثلاثة عمال من جنسيات بيرونية وكولومبية وفيلبينية يشتغلون لمصلحة شركة ايطالية. وبسبب هذه العمليات الارهابية طلبت دول عدة من رعاياها مغادرة الجزائر والاحتفاظ بالحد الأدنى من الديبلوماسيين في سفاراتها. وكانت الولاياتالمتحدة وبريطانيا سباقتين في هذا المضمار، اذ أصدرتا تعليمات الى رعاياهما بتجنب السفر الى الجزائر والالتزام بالحذر في حال التنقل داخل البلاد، وذلك منذ الربيع الماضي. واستغلت فرنسا عطلة عيد جميع القديسين في مطلع الشهر الماضي لدعوة رعاياها الى مغادرة الجزائر بدءاً بتلامذة المدارس الفرنسية الذين لم يعد منهم سوى الثلث. وبعد الشروع في تنفيذ التهديد الصادر عن "الجماعة الاسلامية المسلحة"، قررت المصالح الثقافية الفرنسية في الجزائر تجميع التلامذة الباقين في مراكز محددة، مع تعزيز الحماية الأمنية لها. ويشكل الفرنسيون أهم جالية في الجزائر، وأكثرهم يعمل في مجالات التعاون المختلفة، مثل قطاعات التربية والتعليم والأعمال والصناعات وغيرها. وتأتي الجالية الروسية في المركز الثاني وأفرادها يعملون في قطاعات حساسة مثل الحديد والصلب والتدريب العسكري. ويقدر عدد أفراد الجالية الايطالية بحوالي ألف نسمة، غادر نصفهم الجزائر بطلب من حكومتهم، وأكثرهم رجال أعمال أو يعملون في صناعة السيارات وصيد المرجان. ولعل أخطر ما تحمله الحملة ضد الأجانب هو أنها تنسف جهود حكومة رضا مالك لتهيئة الظروف المناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية. وكانت "الجماعة الاسلامية المسلحة" هددت بضرب مصالح الدول التي تدعم الحكومة الجزائرية، وفي مقدمتها فرنسا. هذا التحقيق يلقي الضوء على مصادر العنف في الجزائر. الظاهرة الجديدة في مسلسل "العنف السياسي"، في الجزائر، ان مصادره تعددت في الآونة الأخيرة بشكل مثير، مع اقتراب العام 1994، ونهاية ولاية "المجلس الأعلى للدولة"، وعلى هامش المساومات الجارية في "جنان الميثاق" بين لجنة الحوار الوطني والأطراف المهمة في المجتمع السياسي. فالعنف السياسي الذي يحمل بصمات "الجبهة الاسلامية للانقاذ"، لم يعد حكراً على "الحركة الاسلامية المسلحة" التي يتزعمها "الأمير" عبدالقادر شبوطي أحد رفاق مصطفى بويعلي الذي شهر السلاح في وجه النظام القائم ما بين 1982 و1987. فقد ظهرت أجنحة مسلحة أخرى بأسماء مختلفة، منها "الجماعة الاسلامية المسلحة"، "حركة الدولة الاسلامية"، "المجلس الأعلى للقوات الاسلامية المسلحة" وغيرها. وتعددت أيضاً مصادر العنف السياسي الذي يحمل بصمات التحالف العلماني - الشيوعي الذي ما انفك يهدد بالرد على ارهاب الجماعات الاسلامية بارهاب "يستهدف الاسلاميين ودعاة المصالحة الوطنية". فقد ظهرت ثلاثة تنظيمات على الأقل من هذا الاتجاه، هي: "تنظيم الدفاع الذاتي" في منطقة القبائل، و"منظمة الشبان الجزائريين الأحرار"، و"منظمة الشباب الأمازيغي" البربري. ويؤكد وجود مثل هذه التنظيمات المختصة في ممارسة العنف السياسي فرضية القطب الثالث، الى جانب النظام والمتطرفين الاسلاميين. وتدل معاداة "الاسلاميين ودعاة المصالحة الوطنية" الى طبيعة هذه التنظيمات والجهات التي تحركها والأهداف التي تسعى الى تحقيقها. ووسط دوامة العنف السياسي الذي تعيشه الجزائر تظهر ثلاثة رؤوس هي: النظام القائم، والحركة الاسلامية، والنخبة المستفيدة من الوضع الحالي. أولاً: "العنف الرسمي"، والعنف الصادر عن نظام الحكم، ومرجعه اختلال موازين القوى بين الكتل النافذة في ظل الرئيس الشاذلي بن جديد، وهو اختلال زادت في حدته الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد ابتداء من منتصف الثمانينات. ويمكن تجسيد هذا الاختلال في انتصار الجناح النخبوي المتشبع بالثقافة الفرنسية على الجناح الشعبي. لقد حاول الجناح النخبوي في النظام - المتمحور أساساً حول السيد العربي بالخير - منذ منتصف الثمانينات، أن يستغل ضغوط الأزمة لتحجيم الجناح الشعبي المنافس الملتف حول جهاز "جبهة التحرير الوطني" بقيادة محمد الشريف مساعدية، بل لفرض اختيارات استراتيجية تتجاوز الاصلاحات الاقتصادية الضرورية الى اختيارات ثقافية "مشبوهة" في نظر عامة المواطنين الذين تربوا على الاتجاه العربي الاسلامي للثورة الجزائرية. وتجسدت هذه المحاولة في أحداث تشرين الأول اكتوبر 1988 التي هي في حقيقتها تكرار موسع لحوادث تيزي وزّو في نيسان ابريل 1980 التي أصبحت تعرف ب "الربيع القبائلي". وخلال هذه الأحداث التي كانت تمهد لاستيلاء الجناح النخبوي على مقاليد الأمور استيلاء كاملاً عرفت الجزائر ظاهرتين: * الأولى: التعذيب الذي أعاد الى الأذهان "عار الفرنسيين" في الجزائر. * الثانية: السيارات المجهولة التي تطلق النار على المتظاهرين وتهرب من دون أن يعثر لها على أثر. وعاودت هذه الظاهرة الظهور في العام 1991 أثناء "العصيان المدني" في أيار مايو الذي انتهى بسقوط حكومة مولود حمروش والقاء القبض على قادة "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في 30 حزيران يونيو التالي. هذا "الارهاب الرسمي"، ان صح التعبير، فُسر في بداية الأمر على أساس أن الجناح النخبوي في النظام يطرح معادلة "أنا أو الفوضى"، أي "القبول بسلطتي كأمر واقع أو اشعلها حرباً حارقة". ثانياً: "عنف الأصوليين".. العنف السياسي اختيار وارد في أدبيات الحركة الاسلامية وسلوكاتها كرد محتمل على عنف النظام نفسه. وليس مصادفة أن يشهر رجل مثل مصطفى بويعلي السلاح في وجه السلطة باسم الاسلام منذ مطلع الثمانينات.. وهذا الاختيار تحدث عنه الشيخ عباسي مدني في أول ندوة صحافية مباشرة بعد طلب اعتماد "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في آب اغسطس 1989، حيث صرَّح قائلاً: "التغيير لا بد منه بالحوار أو بالثورة". ويحذر الناطق الرسمي باسم "الانقاذ" منذ الوهلة الأولى من مغبة اغلاق باب الحوار فيقول: "ان الجبهة اختارت الحوار، وإذا أغلقت أبواب الحوار سترون ماذا سيقع وسيتحمل المسؤولية من يغلق الأبواب أمام الحوار"! في تشرين الأول اكتوبر 1989 أي بعد شهر واحد على اعتماد "الجبهة"، أثارت الصحافة المناوئة لها "قضية حراس الجبهة" الذين يلقون القبض على المواطنين ويحاكمونهم. وتدخل النائب العام بناء على ذلك ليأمر بالبحث والقبض على هؤلاء "الحراس". وحقيقة القضية ان مراهقاً ضريراً يدعى فيصل قندوزي من العاصمة، استعمل اسم الداعية الكفيف الهاشمي السحنوني للاحتيال على المواطنين في شرق البلاد وبلغ ذلك الشيخ السحنوني وكان يعرفه، فطلب من انصار "الجبهة" استدراجه واحضاره فجيء به الى الشيخ الذي اخلى سبيله بعد التعرف على حقيقة بؤسه. وعلق الشيخ عباسي على هذه الحادثة بقوله: "انها حبة جعلتم منها قبة"! ونفى السحنوني يومئذ ان يكون للجبهة شرطة خاصة او جهاز امن. لكن في 30 كانون الثاني 1991، نقلت وكالة الانباء الجزائرية نبأ توزيع كتيب في بعض مساجد العاصمة، يدعو الى "اتباع سياسة مواجهة مع النظام القائم بواسطة المقاومة السلبية التي تبدأ بالعصيان المدني وتنتهي بتسلم السلطة، مروراً بمراحل تتوالى من المسيرات الى الاضراب العام". هذا الكتيب الذي نسب فيما بعد الى السعيد مخلوفي قائد احدى الجماعات المسلحة، كان مؤشراً الى الاحداث التي وقعت بعد اربعة اشهر وأدت، كما سبقت الاشارة، الى سقوط حكومة حمروش وحبس الشيخين مدني وبلحاج. "الجبهة الاسلامية" تحملت ضربة القبض على الشيخين، واغلاق مقرها الرئيسي وسط العاصمة بالشمع الاحمر وحظر اسبوعية "المنقذ"، وتمالكت اعصابها وراحت تنظم رد الفعل على طريقتها الخاصة. وكانت الخطوة الأولى والمهمة لقاء باتنه عاصمة الاوراس في 7 تموز يوليو 1991 الذي كان فرصة لتطهير الصفوف من "المتخاذلين". لكن عشية انطلاق الحملة الانتخابية في أواخر 1991 هاجمت مجموعة مسلحة مركزاً عسكرياً بمدينة اغمار، غير بعيد عن الحدود مع تونس، في منطقة وادي سوف. وقاد العملية التي تحولت الى معركة حقيقية استغرقت ثلاثة ايام، "الطبيب الافغاني" الذي القي القبض عليه وحوكم ونفذ فيه حكم الاعدام. وعلى رغم ان العلاقة بين العملية و"الجبهة الاسلامية" غير ثابتة، فقد اعتبرها بعض المراقبين بمثابة "قطع السرة بين الجيش والانقاذ"! التغيير بالحوار أو بالثورة كان الشيخ مدني يردد مقولة مشهورة هي: "ان اخطاء النظام تدعونا الى التطرف". وبداهة ان اجراء الانتخابات النيابية ثم وقفها وألغاءها، واجبار الرئيس المنتخب بن جديد على تقديم استقالته، كلها اخطاء يستخلصها المتطرفون لفرض اطروحاتهم، عن "ضرورة الثورة المسلحة لتغيير نظام الحكم"... هذه الاخطاء وغيرها أدت الى فتح باب العنف على مصراعيه. فهناك اليوم تنظيمات مسلحة عدة، كانت تعمل كلها تحت غطاء "الحركة الاسلامية المسلحة" التي تدين بالولاء بدرجات متفاوتة الى قائد عام هو "الامير" عبدالقادر شبوطي، لكن منذ الصيف الماضي ظهرت تنظيمات مستقلة تقريباً عن الحركة الأم، مثل "الجماعة الاسلامية المسلحة"، "حركة الدولة الاسلامية"، "المجلس الأعلى للقوات الاسلامية المسلحة" وغيرها. غير ان الاعلام السري للجبهة الاسلامية، ممثلاً اساساً في "اذاعة وفاء" التي تبث بصفة متقطعة، وكذلك في نشرتي "منبر الجمعة" و"النفير" ما زال يتحدث عن "حركة اسلامية مسلحة" واحدة وموحدة، على رغم ضعف التنسيق بين مختلف الافواج التي تكونها، بسبب الضغوط الامنية من جهة واتساع رقعة التراب الجزائري من جهة ثانية. "منبر الجمعة" مثلاً تأسفت كثيراً على اغتيال قاصدي مرباح، فقد تضمن العدد 89 الصادر في 5 ايلول سبتمبر الماضي برقية تعزية الى ارملة الفقيد، وقعها باسم "الجبهة" عبدالرزاق رجّام "مسؤول اللجنة الوطنية للإعلام" في "المكتب التنفيذي الوطني الموقت" جاء فيها: "ان علاقاتنا بالفقيد رحمه الله كانت طيبة وأخوية ورحيله يحزننا كثيراً. ندين بشدة هذا العمل الاجرامي المرتكب مع سبق الاصرار من طرف المصالح الخاصة للطغمة الفاشية الدموية التي تحاول بطريقة او بأخرى تحييد المعارضين الحقيقيين بالتهميش والخداع تارة، وبالحبس والتصفية الجسدية تارة اخرى". أسباب تصفية مرباح تعرضت لها رسالة خاصة تحمل عنوان "المنبر لسياسي" مؤرخة في 4 ايلول سبتمبر الماضي ويمكن ايجازها في ما يلي: 1 - ان الفقيد "هو أول رجل دولة وزعيم سياسي ينادي بمصالحة وطنية واسعة، تشمل جميع القوى الفاعلة والممثلة على الساحة الوطنية بدون استثناء". 2 - "اتصالاته الاخيرة داخل البلاد وخارجها التي كانت تهدف الى عزل الجناح المتطرف في السلطة الذي يعاند في تطبيق الحل الامني رغم تأكد فشله يوماً بعد يوم". وتعلن هذه الرسالة الاسبوعية الصادرة عن "الجبهة الاسلامية"، ان مرباح "كان على وشك التوصل الى مشروع وثيقة اجماع وطني، تشارك فيه شخصيات سياسية مهمة، ويحظى بدعم جناح عسكري في السلطة. وكان من المنتظر ان يعلن عن المشروع في بداية الخريف". وتجيب الرسالة عن السؤال التقليدي: "من المستفيد من اغتيال مرباح". بالاشارة الى "اولئك الذين يريدون طي التاريخ الاسود للنظام الجزائري الى الابد". والملاحظ ان عبدالرزاق رجام يعمل مع قيادة "الجبهة" في الخارج التي ينشطها الثنائي رابح كبير وأنور هدام. فقد هللت "منبر الجمعة" عدد 3/10/1993 لتأسيس هيئة تنفيذية لتمثيل "الجبهة" في الخارج، ونشرت في المناسبة تصريحاً لرابح كبير تضمن مبدأ مهماً هو "أولوية الداخل على الخارج". ويفهم من ذلك ان اي تفاوض لا يمكن ان يجري الا مع قيادة الداخل. اي في نهاية المطاف عباسي مدني او حشاني او محمد السعيد ورجام... ثالثاً: "العنف المشبوه". كان من الطبيعي ان يخرج "العنف الرسمي" و"العنف الاسلامي" عن مقاصدهما، ويؤدي الى الكثير من الانحرافات والتجاوزات. فقد ظهر قطب ثالث للعنف السياسي، تارة يحمل طابعاً اسلامياً وتارة يحمل خاتماً علمانياً! وقد اشار السيد حسين آيت احمد زعيم "جبهة القوى الاشتراكية" الفائزة بانتخابات 26 كانون الاول ديسمبر 1991 في منطقة القبائل، في حديث نشرته صحيفة محلية يوم 27/11/1993، اشار - جزئياً - الى هذا القطب القديم الجديد بقوله: "لقد اقترحنا على سيد احمد غزالي اثر تعيينه رئيساً للحكومة في حزيران/يونيو 1991 اتخاذ اجراءات وقائية مثل حل الميليشيا المسلحة للحركة الاسلامية، ووضع حد للاجهزة غير المراقبة التي كانت تقوم هي ايضاًَ باعمال العنف". الواجهة الاسلامية للقطب الثالث و"العنف المشبوه" اصبحت تتجسد اساساً في "حركة الدولة الاسلامية" التي يرأسها السعيد مخلوفي، و"الجماعة الاسلامية المسلحة" بقيادة جعفر الافغاني. وظهر مخلوفي اخيراً في شريط فيديو نشرت محتواه الصحافة المحلية، اعلن فيه مسؤوليته عن اغتيال مرباح "لانه كان يسعى للتقارب بين المجلس الاعلى للدولة وبعض الجماعات المسلحة التي تقبل بالحوار". واتهم رجام "بقبول الحوار مع السلطة". والسعيد مخلوفي ملازم سابق في الجيش الجزائري، اصبح اول رئيس تحرير لاسبوعية "المنقذ" لسان حال "الجبهة الاسلامية"، غير ان الشيخ عباسي ومساعديه ما لبثوا ان ادركوا ان وجوده في هذا المنصب يسيء اليهم كثيراً. وفعلا ظهر الرجل على الشاشة الصغيرة في اللقاءات الصحافية الاولى مع رؤساء الاحزاب المعتمدة حديثاً بمظهر مخيف ومنفر، تاركاً بذلك انطباعاً سيئاً لدى المشاهدين عن اول حزب اسلامي في الجزائر والمغرب العربي. وكان مخلوفي ايضا وراء "قضية حراس الجبهة" التي سبقت الاشارة اليها، فقد صاغت "المنقذ" التي كان يرأس تحريرها نبأ المراهق المحتال فيصل قندوزي صياغة توحي بأن للجبهة حراساً خصوصيين يتولون مهام الامن والقضاء بدل الجهات المختصة في الدولة. وبسبب هذه الاخطاء اعفي مخلوفي من رئاسة تحرير "المنقذ" واختفى فترة اثر ذلك، الى ان ظهر مرة اخرى في بداية 1991 مع كتيب "العصيان المدني" المذكور. وبعد حوالي السنة ورد ذكر مخلوفي من جديد في "اعترافات" حسين عبدالرحيم المتهم الرئيسي في قضية المطار الذي تحدث عن اجتماع لقادة الجماعات المسلحة في ربيع 1992 لم يحضره مخلوفي بسبب اعتراض بعض المشاركين الذين كانوا يشتبهون في "انتمائه الى مصالح الامن". ولا شك ان تبني مخلوفي اغتيال مرباح لا يساعد كثيراً على التخلص من هذه الشبهات. علماً بأن اعلام الجبهة السري لم يخف عميق حزنه على الفقيد. وكانت "الجماعة الاسلامية المسلحة" بقيادة جعفر الافغاني السباقة لتبني عملية اغتيال مرباح. لكن يبدو انها تنازلت عن هذه "المفخرة" لجماعة مخلوفي مفضلة تبني عملية اختطاف الفرنسيين الثلاثة العاملين في القنصلية العامة يوم 24 تشرين الاول اكتوبر الماضي. ولسوء حظ هذه الجماعة سارع الاعلام الفرنسي الى تفسير عملية الاختطاف على انها "من صنع جماعة اسلامية واقعة تحت تأثير جناح معين في السلطة"! ومن يكون هذا الجناح غير "جناح الحل الامني"؟! الواجهة العلمانية للقطب الثالث و"العنف المشبوه" بدأت اخيراً تتجسد في جماعات مسلحة بأسماء محددة مثل "منظمة الشبان الجزائريين الاحرار" و"تنظيم الدفاع الذاتي". هذه الجماعات تعبر في نظر المراقبين عن التهديد الصادر عن بعض التنظيمات السياسية والمدنية باللجوء الى العنف في حال محاورة الاسلاميين او التفاوض معهم. وتأكيداً لذلك توعدت "منظمة الشبان الاحرار" في أول بيان لها "دعاة المصالحة الوطنية والاسلاميين" بجميع فئاتهم. ويمكن تسجيل اسماء احمد حنبلي ومصطفى عبادة المدير السابق للتلفزيون، وربما اختطاف الشيخ محمد بوسليماني رئيس "جمعية الارشاد والاصلاح" المقربة من حركة "حماس" في قائمة ضحايا "العنف العلماني المشبوه". "منظمة الشبان الاحرار" تبنت عملية واحدة حتى الآن هي عملية اختطاف السيد بوجلخة من مؤسسي الحركة الاسلامية المعتدلة. وافرجت عنه بعد ان ألزمته إصدار "فتوى" يدعو فيها الى حقن دماء الجزائريين، و"تحريم" اغتيال "المثقفين القبائل" على وجه الخصوص. وقد يكون من ضحايا هذا "العنف العلماني" العميد المتقاعد كمال عبدالرحيم الذي "استقال" سنة 1989، اثر خلاف مع الرئيس بن جديد، بعد تعيين اللواء خالد نزار على رأس الاركان العامة للجيش. وتعرض عبدالرحيم، وهو من المقربين للدكتور احمد طالب الابراهيمي وزير الخارجية السابق، في نيسان ابريل الماضي الى محاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة. وسجلت هذه العملية اخيراً في تقرير صادر عن وزارة الداخلية نشرته صحيفة الوطن ضمن قائمة "أعمال السلب والسطو المسلح" الامر الذي اثار حفيظة العميد، فكذب ذلك "تكذيباً جازماً ونهائياً" مؤكداً ان التحقيق ما زال مستمراً "لتحديد دوافع العملية والمسؤولين عنها". ويلتقي عنف القطب الثالث، سواء كان "اسلاميا" او علمانياً، عند قاسم مشترك هو رفض الحوار وتفضيل لغة العنف لفرض حلول جذرية: "الدولة الاسلامية" من جهة او "الدولة العلمانية" من جهة ثانية. فهل ينجح دعاة التحاور مع "عقلاء الجبهة الاسلامية" في فرض اختيارهم الذي سيؤدي بالضرورة الى عزل المتطرفين من الجانبين؟ اميركا والجزائر قبل ايام قليلة من اختطاف أول أجنبي في الجزائر اعدت السفارة الاميركية هناك تقريراً اقتصادياً رفعته الى وزارة الخارجية في واشنطن يبشر بمستقبل زاهر! وجاء في التقرير: "على رغم ان النظرة الاولى للوضع قد تعطي صورة سلبية عن الاستثمار والاعمال، فان الشركات الاميركية استطاعت ان تجني ارباحاً متزايدة في الجزائر". وأشار التقرير الى مصاعب الجزائر الاقتصادية، مثل حجم الدين الخارجي البالغ 27 مليار دولار، لكنه لا يشير، إلا عرضاً وبايجاز، الى الصراع المسلح بين الحكومة والاسلاميين المتطرفين. وذكر ان "هناك خمسين شركة اميركية لها مكاتب او ممثلين في الجزائر". ويعدد اسماء شركات اميركية ضخمة نجحت في استثماراتها هناك، مثل: بكتل، وبولمان - كيلوغ، وجنرال الكتريك، وكوكاكولا التي كانت آخر الشركات الاميركية الواصلة حيث بدأت الانتاج والتوزيع في كل انحاء البلاد. وهكذا نجاحات قال التقرير "تعكس اهتماماً كبيراً للحكومة التي تريد الافادة منها، والقطاع الخاص بدأ يوسع من جهته نشاطات الاعمال الاميركية". وأضاف: "هذا الاهتمام المتجذر في رغبة الجزائر من اجل تنويع المصادر الاجنبية الداعمة ومنابع التمويل، دفع بالجزائريين الى تقدير الخط الاميركي المباشر في حقل الاعمال والاستثمار".