سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أين أصبحت جبهة الانقاذ ؟. أفرادها موزعون بين السجون والمناصب الحكومية ... وأعمال العنفأين أصبحت جبهة الانقاذ ؟. أفرادها موزعون بين السجون والمناصب الحكومية ... وأعمال العنف
أين أصبحت "الجبهة الاسلامية للانقاذ" بعد حلها بصورة رسمية ونهائية الاسبوع الماضي اثر صدور قرار عن المحكمة العليا الجزائرية بذلك وهو قرار دعم حكماً اصدرته الغرفة الادارية في مجلس قضاء العاصمة الجزائرية مطلع آذار مارس الماضي؟ وماذا حل بهذه الجبهة التي ارادت الاطاحة بالنظام القائم؟ وأين وصل الصراع بينها وبين الحكم الجزائري الممثل بالمجلس الاعلى للدولة؟ وما هي حظوظ رئيس المجلس الاعلى للدولة محمد بوضياف ورفاقه في استعادة زمام المبادرة السياسية وفتح آفاق حقيقية امام الجزائر وشبابها على وجه الخصوص؟ وما هي حقيقة "الافغان" الذين يشكلون - وفقاً للكثيرين - جزءاً من الجناح العسكري لجبهة الانقاذ؟ هذا التقرير الخاص من الجزائر يجيب عن هذه التساؤلات. حال جبهة الانقاذ اليوم يمكن تشخيصه من خلال اوضاع قيادتها المشتتة بين السجون والسرية والمناصب الحكومية. نعم هناك اعضاء مؤسسون في الجبهة الاسلامية يتقلدون الآن مناصب حكومية رفيعة، من هؤلاء: * الشيخ السعيد قشي وزير التشغيل والتكوين المهني، وهو عضو مؤسس كان يتولى رئاسة لجنة الشؤون التنظيمية لغاية "عصيان" 25 آذار مارس 1991. وقد اتهم غداة القاء القبض على زعيمي الجبهة عباسي مدني وعلي بلحاج "بغموض الموقف وإمساك العصا من الوسط!" الامر الذي ادى الى ابعاده من اجتماع مجلس الشورى الموسع بباتنة عاصمة الأوراس من طرف شباب الحركة وفي مقدمتهم الشيخ عبدالقادر حشاني. وقد ظل السعيد قشي على الهامش يتعاطى نشاطاً تجارياً بمدينة سطيف الى ان استدعاه، رئيس الحكومة سيد احمد غزالي بمناسبة تعديل شباط فبراير الماضي الذي اثار ثائرة الجميع، بما في ذلك رئيس مجلس الدولة! * الشيخ احمد الحراني وهو ثالث الثلاثة الذين خرجوا على الشيخين مدني وبلحاج في اشد ايام العصيان المدني، ونددوا بهما على شاشة التلفزة المحلية. وكان المراني مصحوباً يومها بالشيخ البشير الفقيه الذي توفي اخيراً اثر حادث مرور خطير والشيخ الهاشمي السحنوني الذي يعاني حالياً من عزلة مزدوجة: عزلة المرض من جهة وعزلة انصار الجبهة الاسلامية من جهة ثانية! وقد عين الشيخ الحراني اخيراً مستشاراً في ديوان رئيس الحكومة، وهو عضو مؤسس كان يشغل منصب رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية! واذا كانت المناصب الحكومية من حظ العناصر المنشقة فان عباسي مدني وعلي بلحاج زعيمي الجبهة الاسلامية، ما زالا نزيلي سجن البليدة العسكري الذي يبعد نحو 50 كيلومتراً عن العاصمة منذ منتصف تموز يوليو 1991. تهم كثيرة وخطيرة تلاحق الرجلين، وقد تم التحقيق معهما. واستجيب لطلبهما المتمثل باستدعاء السيد مولود حمروش رئيس الحكومة السابق ووزير داخليته محمد الصالح محمدي كشاهدين في احداث آذار مارس وحزيران يونيو من السنة الماضية. ومع ذلك ما تزال الفصول النهائية من المحاكمة مؤجلة الى اجل غير مسمى بسبب انشغال القضاء العسكري هذه الايام بقضيتين داميتين: 1- قضية "الطيب الأفغاني وجماعته"، وتخص الجماعة التي هاجمت في اواخر تشرين الثاني نوفمبر الماضي مركز مدينة قمار لمراقبة الحدود. 2- "قضية مراد الأفغاني" وتخص الجماعة التي هاجمت في شباط فبراير الماضي وحدة صيانة السفن بالأميرالية. وقد اسفر الحادث من مقتل 10 افراد من الجانبين، وأسر قائد المجموعة المهاجمة مراد الافغاني. من هم الافغان؟ وقد طلبت محكمة ورقلة العسكرية "تبعد 1000 كلم عن العاصمة" الإعدام شنقاً ل13 من اعضاء جماعة "الطيب الافغاني". وشمل الحكم الاعدام "الطيب الافغاني" نفسه. وهاتان القضيتان تسلطان الاضواء على "الافغان" ودورهم في الساحة الجزائرية حالياً. حي بلكور من احياء العاصمة الجزائرية التي تتميز بحيويتها ونشاطها في صفوف الحركة الاسلامية، اسوة بأحياء القبة وباب الوادي وبن جراح، في قلب هذا الحي - الذي انطلقت منه تظاهرات كانون الاول ديسمبر 1960 التي عجلت باستقلال الجزائر - يقع "مسجد كابول" الذي يكاد ينافس مسجد السنة ومسجد ابن باديس. وقد اصبح هذا المسجد يعرف بذلك، لأن من بين المترددين عليه فئة من الاسلاميين تتشبه في زيها بالثوار الافغان. فمن هم هؤلاء "الافغان"؟ وما يمثلون في الحركة الاسلامية الجزائرية؟ وهل يشكلون خطراً فعلياً على النظام القائم؟ تتكون طليعة "الافغان" من عناصر سبق لها التطوع في صفوف المقاومة الافغانية ومنهم من وافاه الاجل هناك. وتقدر السلطات الجزائرية تعداد هؤلاء المتطوعين بحوالي 400 شخص. وهذه العناصر التحقت بالمقاومة الافغانية عبر ثلاثة مسالك. * الأول، مسلك لندن - اسلام اباد ويكون للمقاومة الافغانية دور مباشر فيه بمساعدة حركة الدعوة الباكستانية. * الثاني، مسلك باريس - طهران حيثمن المحتمل ان يكون ل "الثورة الخمينية" دور بارز فيه. * الثالث، مسلك اسلام اباد. وأغلب الظن ان يكون هذا المسلك الاخير اهم المسالك المؤدية الى افغانستان، وتتراوح فترة الاقمة في باكستان بين 3 اشهر وسنة كاملة. وبعض العناصر قضت اكثر من فترة في "ضيافة" المقاومة الافغانية التي كانت تنظر اليهم نظرة احترام وتقدير بسبب رصيد الجزائر في المقاومة المسلحة والتدرب السابق على العمل العسكري، بالاضافة الى تجنب التدخل في الشؤون الداخلية للمقاومة. ويعتبر "الطيب الافغاني" نموذجاً حياً لهذه العناصر التي تجمع بينها الاوصاف المذكورة، فهذا الشاب الملتحي قضى حوالي اربعة اشهر في "بيشاور" بؤرة المقاومة الافغانية. وفي بداية الصيف الماضي شرع الطيب الافغاني برفقة صديقه "الداعية" عبدالرحمن الدهّان بتكوين مجموعة مسلحة، تجاوز عدد افرادها الاربعين معظمهم من "النقابة الاسلامية". وفي 25 تشرين الثاني نوفمبر الماضي قامت المجموعة بمهاجمة مركز قمار لحرس الحدود على مقربة من التخوم الجزائرية التونسية، وقد اسفرت العملية عن مقتل عدد من الجنود والاستيلاء على بعض الاسلحة الخفيفة واعتقال عناصر من المجموعة المهاجمة. وقد نتج عن هذه العملية رد فعل عنيف من قوات الامن التي تمكنت من تحييد مجموعة الطيب الافغاني والقاء القبض على قائدها الذي اعترف امام جمهور التلفزة بأن الهدف من العملية كان الاستيلاء على الاسلحة، وان ذلك يندرج في اطار التحضير للجهاد، بناء على فتوى جاء بها صديقه "الداعية" عبدالرحمن الدهان قتل في العملية عقب عودته من اليمن! بعد "عملية قمار" نفذ الافغان "عملية القصبة" التي تزامنت مع الاعلان عن حالة الطوارئ في بداية شباط فبراير الماضي وأسفرت عن مقتل ستة من افراد الشرطة. وقد اختار الافغان القصبة لأنها من الاحياء الشعبية العتيقة المكتظة بالسكان، والتي توفر حماية كبيرة للأعمال الارهابية، وقد كانت ابان ثورة التحرير قلعة من قلاع الثوار في العاصمة الجزائرية ومسرحاً لمعركة الجزائر الشهيرة التي خلدها المخرج الايطالي بونتي كورفو في احد افلامه. ولم يكن مصير افغان القصبة بأحسن من مصير "افغان قمار"، فقد تدخلت قوات الامن بعنف فتم قتل بعضهم وألقي القبض على عدد من الباقين. بعد هاتين العمليتين اصبحت اعمال العنف ضد رموز نظام الحكم - وفي مقدمتها قوات الجيش والدرك والشرطة - تكتسي طابعاً فردياً وتقدر الجهات الرسمية ضحايا هذه الاعمال بخمسين قتيلاً وأكثر من 100 جريح. الجناح العسكري للجبهة هل لهذه الاعمال علاقة ما بالجبهة الاسلامية للانقاذ؟ الاعتقاد السائد ان "الافغان" يشكلون جزءاً من "الجناح العسكري" للجبهة الاسلامية، وهذا الجناح ما زال طور التكوين وتجميع الاسلحة. والملاحظ ان السلطة الجزائرية ترددت كثيراً قبل ان تنسب اعمال العنف الى الجبهة الاسلامية. فغداة عملية قمار صرح اللواء خالد نزار وزير الدفاع "بأن هناك علاقة غير مباشرة بين مدبري العملية والجبهة الاسلامية". وتبين بعد ذلك تورط رئيس بلدية قمار في العملية، وهو من الجبهة الاسلامية، الامر الذي سمح لرئيس الحكومة سيد احمد غزالي باتهام الجبهة مباشرة في تصريح لاحق. اما الآن فلم يعد هناك ادنى شك لدى اجهزة الامن في ثبوت العلاقة بين الجبهة وأعمال العنف التي ارتكبها "الافغان" وغيرهم الهجرة والتكفير مثلاً. ويسود الشعور في العاصمة الجزائرية بأن السلطات كانت تنتظر مضي شهر رمضان لترد بقوة على انصار العنف من مناضلي الحركة الاسلامية ومعظمهم ينتمون الى الجبهة الاسلامية وليس مستبعداً، في هذا السياق، استصدار احكام بالاعدام على بعض المتورطين في الاغتيالات الاخيرة في صفوف الجيش والدرك ورجال الامن. وتذهب الاشاعة في الايام الاخيرة الى ترشيح الشيخ علي بلحاج نفسه للاعدام. فالانطباع السائد في الجزائر هو ان المواجهة هي لغة التخاطب الوحيدة بين السلطة والجبهة الاسلامية. فبواسطة الافغان اذن تؤكد الجبهة الاسلامية تجاوزها لمرحلة "العنف اللفظي" الى "العنف الدامي"، ومن خلال الافغان ايضاً تتأهب السلطات الجزائرية لتوجيه ضربة موجعة الى الحركة الاسلامية عموماً وللجبهة الاسلامية خصوصاً. خلية لمكافحة الارهاب وهناك عناصر قيادية اخرى من الجبهة الاسلامية موزعة بين السجون المدنية والاقامة الجبرية. وهذه حال كل من الشيخ عبدالقادر حشاني ورابح كبير. فالشيخ حشاني ما يزال في سجن سركاجي القريب من حي القصبة الشهير في العاصمة الجزائرية، ينتظر حكم العدالة في الدعوى التي رفعها عليه الجيش بتهمة التحريض على العصيان استناداً الى توقيع المعني للبيان الرقم 8 الموجه الى القوات المسلحة والذي يدعو عناصرها صراحة الى التمرد على قياداتها التي جاءت بالمجلس الاعلى للدولة وأوقفت المسار الانتخابي. اما الشيخ رابح كبير فقد افرج عنه بعد حبسه بتهمة اقل خطورة من تهمة حشاني، وهو الآن تحت الاقامة الجبرية بمسقط رأسه القل، الدائرة الانتخابية التي ترشح عنها في الانتخابات النيابية التي لم يجر منها سوى دورها الأول. وقد دخل الشيخان محمد السعيد ورجام حياة السرية. والأول حوكم غيابياً وصدر الحكم عليه بالسجن 10 سنوات. وتحمل البيانات الاخيرة توقيع الشيخ رجام، ومنها ما يبرر لجوء بعض الفرق التابعة للجبهة الى العنف والارهاب. واذا كانت هذه هي حال قيادات الجبهة الاسلامية فما هو وضع قواعدها؟ يبدو ان العناصر الفاعلة في ميدان التعبئة والتحريض موجودة الآن قيد الاعتقال في المراكز الامنية في الصحراء، الامر الذي يفسر الى حد ما صمت انصار الجبهة الاسلامية وضعف تحركهم في الشارع. والملاحظ ان التجمعات الضخمة التي كانت تنظم اسبوعياً على هامش صلاة الجمعة اختفت تماماً، وحتى المحاولات التي تحدث هنا وهناك تجد قوات الامن لها بالمرصاد لتفريقها. وقد اخذ التعب يظهر على المصلين انفسهم الذين اصبحوا ينفرون من الخطب السياسية التحريضية. وحسب المعلومات المتوفرة فان السلطة الجديدة تتوقع ان تتواصل محاولات الفوضى والاخلال بالنظام والامن وكذلك اعمال العنف والارهاب المنعزلة على مدى سنتين. وقد تشكلت لمواجهة كل الاحتمالات "خلية لمكافحة الارهاب" تتابع تطورات الوضع لحظة بلحظة وتقف على اهبة الاستعداد للتدخل السريع كلما دعت الضرورة الى ذلك. ويحاول المجلس الاعلى للدولة من جهته استعادة زمام المبادرة السياسية. وقد عمد الرئيس بوضياف الشهر الماضي الى تشكيل "المجلس الاستشاري الوطني" الذي يضم 60 شخصية تم اختيارها على اساس "الكفاءة والنزاهة" والتي يعتبر قبولها عضوية هذه الهيئة التابعة لمجلس الدولة نوعاً من التزكية للسلطة الجديدة. ويتأهب الرئيس بوضياف من جهة اخرى للاعلان عن مشروع "التجمع الوطني" باعتباره، حركة جماهيرية قادرة على سحب بساط الشعبية من تحت اقدام "الجبهة الاسلامية" على وجه الخصوص.