سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اثنان من قادتها السابقين يكشفان لپ"الوسط" . "الوجه الآخر" لجبهة الانقاذ : صراعاتها الداخلية ، حقيقة علاقاتها بالسلطة وطموحات زعيمها لتولي رئاسة الجزائر
- الشيخ الحراني : الجبهة عزلت مدني ... ثم تراجعت بطلب من بلحاج - الشيخ السحنوني : لم يكن للجبهة برنامج لاقامة الدولة الاسلامية ولا خطة واضحة يكشف اثنان من قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ، في مقابلتين خاصتين مع "الوسط"، "الوجه الآخر" للجبهة ولرئيسها الشيخ عباسي مدني. والاثنان هما الشيخ احمد الحرّاني والشيخ الهاشمي السحنوني، وهما من المشاركين في تأسيس جبهة الانقاد ومن عناصرها القيادية الى ان حدث الطلاق بينهما وبين الجبهة فانفصلا عنها وهاجما عباسي مدني ومواقفه وتوجهاته. وقد تحدث الشيخان الحرّاني والسحنوني الى "الوسط" بصراحة تامة، وكشفا جوانب عدة غير معروفة من جبهة الانقاذ وقادتها، ومنها ان الجبهة اتخذت قراراً بعزل مدني من منصبه، ومنها ما يتعلق بطموحات مدني ليكون رئيساً للجزائر، ومنها ما يتعلق بالمعلومات الخاطئة والمضللة التي كانت قيادة الجبهة تتلقاها من بعض العناصر والاجهزة وتفيد "ان الجيش يقف معها" بهدف توريطها في مواقف متشددة. كما يسلط الشيخان الاضواء على حقيقة الاتصالات التي جرت بين قيادة جبهة الانقاذ والسلطات الجزائرية قبل حلها. ويصل الامر بالشيخ السحنوني الى حد القول ان جبهة الانقاذ لم يعد لها وجود. اما الشيخ الحرّاني - الذي كان مسؤولاً عن لجنة الشؤون الاجتماعية في جبهة الانقاذ - فيقول لپ"الوسط" ان طموح مدني ليكون رئيساً للجزائر هو الذي أودى به. ولنبدأ من البداية. فاجأ التلفزيون الجزائري مشاهديه مساء 25 حزيران يونيو العام الماضي في أوج "العصيان المدني"، بلقاء غريب مع ثلاثة من قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ، هم الشيوخ: الهاشمي السحنوني والبشير الفقيه وأحمد الحرّاني. كان الشيخ السحنوني أول المتحدثين، وفي تدخله اكتفى بالعموميات وخلاصة حديثه ان انضمامه الى الجبهة الاسلامية كان بهدف الدعوة الى الاسلام الصحيح بالموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، لكن الامور تطورت باتجاه المطالبة بالسلطة بأي ثمن، ولو ادى ذلك الى ادخال البلاد في دوامة الاضطرابات والعنف، وهذا الاتجاه مخالف تماماً لقناعاته وأهداف التحاقه بصفوف الجبهة. لكن الشيخ الفقيه الذي تحدث بعده ما لبث ان احدث المفاجأة بالتهجم مباشرة وبعنف على الشيخ عباسي مدني الذي اعتبره "عدوا للحركة الاسلامية وخطراً على الاسلام والجزائر"! وحذا حذوه الشيخ الحرّاني، وان كان ألطف منه عبارة! هذا الموقف ادى الى عزل الشيخين الفقيه والحرّاني من قيادة الجبهة، اما الشيخ السحنوني فقط طلبت الجبهة منه الاعتذار علناً عما بدر منه لكنه رفض. والآن بعد اكثر من سنة، ماذا يفكر هؤلاء الشيوخ في واقع ومصير جبهة الانقاذ والحركة الاسلامية في الجزائر؟ لقد اكتفينا مضطرين الى الحديث مع السحنوني والحراني لأن الشيخ الفقيه توفي عقب حادث مرور. ولنبدأ بالشيخ الحرّاني الذي عينه سيد احمد غزالي رئيس الحكومة الجزائري السابق مستشاراً له في الشؤون الدينية والاسلامية وذلك في شباط فبراير الماضي. التقينا الشيح احمد الحرّاني في مكتبه فتحدث الينا بقلب مفتوح عن "أزمة القيادة" داخل الجبهة الاسلامية للانقاذ وعلاقتها بسياسة الهروب الى الأمام التي سار عليها الشيخ عباسي مدني، وأدت الى ما أدت اليه "من مغامرة وتفكك في الصفوف وحبس وتشريد". قال: "ان الهدف من تأسيس الجبهة الاسلامية في آذار مارس 1989 غداة المصادقة على دستور 23 شباط فبراير كان في البداية واضحاً كل الوضوح، فقد كان القصد تمكين الحركة الاسلامية من المشاركة في الحياة السياسية لا لمجرد المشاركة بل "لاصلاح ما افسد نظام الحكم في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي". وعلى هذا الاساس لم تكن السلطة غاية في ذاتها او هدفاً ينبغي الوصول اليه بأسرع ما يمكن مهما كانت الوسيلة.. بل كانت السلطة حسب الحرّاني "مجرد وسيلة لغاية أسمى هي الاصلاح ثم الاصلاح!" طبعاً بناء على هذا المنطق لم يكن وقت الوصول الى السلطة مهماً كثيراً، بل المشاركة هي الأهم "وسنقوم بالاصلاح متى وصلنا" حسب تعبير الشيخ. لكن لم تمض سوى سنة حتى تغلب "منطق السلطة" على "منطق الاصلاح"! وكانت البداية - بداية الانحراف - في تقدير الشيخ الحرّاني في نيسان ابريل 1990 حيث اخذ هو وبعض رفاقه يشعرون بأن الشيخ عباسي "يريد ان يبني زعامته على حساب المصلحة الاسلامية". لقد اتخذ الشيخ عباسي يومئذ قراراً استفزازياً من الطراز الأول: تنظيم مسيرة في 20 من ذلك الشهر بعد صلاة الجمعة باتجاه مقر رئاسة الجمهورية وذلك للمرة الاولى في عهد التعددية والديموقراطية، وكانت مثل هذه التظاهرات تتجه تارة الى مجلس النواب وتارة الى قصر الحكومة. هذا القرار لم يكن موضع اجماع في قيادة الجبهة، بل محل خلاف داخل الحركة الاسلامية، فلم يستسغه كل من الشيخ احمد سحنون باسم الرابطة الاسلامية، والشيخ محفوظ نحناح باسم "جمعية الاصلاح والارشاد". ومن جهة اخرى نددت حكومة مولود حمروش آنذاك بهذا الاستفزاز، وأكثر من ذلك قررت جبهة التحرير - الحزب الحاكم آنذاك - تنظيم مسيرة مضادة في اليوم نفسه مما كان ينبئ بصدام رهيب بين المسيرتين. وعلى رغم كل ذلك اصر الشيخ عباسي على تنظيم المسيرة الاستفزازية - وتمت فعلاً! وخطب الشيخ ورفاقه من على منصة تم تنصيبها على اعتاب رئاسة الجمهورية! حضرنا هذه المسيرة التي شارك فيها قرابة 200 الف مريد وسمعنا ضابط امن يقول: "ان هذا الحزب مرشح للحل بكل تأكيد"! هذه المسيرة الاستفزازية تركت في قيادة الجبهة الاسلامية شرخاً ما انفك يتسع ويتعمق مع مر الأيام وتزايد الصدمات". ويضيف الشيخ الحرّاني في هذا الصدد: "لم نستكبر هذا الشرخ في بداية الامر. وحاولنا تجاوز الامر بالحسنى تجنباً لتمزيق الجبهة. وهي في بداية عامها الثاني". عزل عباسي مدني هذه الهزة الخفيفة التي اعترت قيادة الجبهة جاءت حملة الانتخابات المحلية في ايار مايو الموالي لتغطي عليها الى حين. ويبدو ان هذه القيادة لم تستطع هضم انتصارها الساحق المفاجئ في انتخابات 12 حزيران يونيو 1990، ويومئذ تأكد الشيخ الحرّاني وبعض رفاقه ان لا مفر من التصدي للشيخ عباسي ووضع حد لتصرفاته الفردية. ويكشف محدثنا في هذا السياق عن سر ظل في طي الكتمان الى اليوم، وهو ان مجلس الشورى لجبهة الانقاذ عقد دورة في 2 آب اغسطس 1990 بحث خلالها "مشكلة الشيخ عباسي" وأصدر في ختامها بياناً وقعه اغلبية الاعضاء، يتضمن عزل الرجل من قيادة الجبهة. ويقول الشيخ الحراني في هذا الصدد: "ان الشيخ عباسي مدني غضب لذلك واعتكف في بيته اسبوعاً كاملاً. وما لبث ان تأثر بعض الاعضاء بالوضع ومنهم الشيخ علي بلحاج الذي اقترح معالجة المسألة بالتدرج حفاظاً على وحدة الصفوف". ويقدر محدثنا ان قبول اقتراح بلحاج كان يشكل خطأ فادحاً جعل مسألة القيادة تظل معلقة حتى نيسان ابريل 1991، عندما طرحت المشكلة على مجلس الشورى من جديد وصدر بيان في الموضوع خلاصته: "ان القرارات المهمة لا تصدر مستقبلاً الا عن مجلس الشورى وان الشيخ عباسي مدني لم يعد ناطقاً رسمياً باسم جبهة الانقاذ". هذا البيان الذي تناقلته وكالة الانباء الجزائرية والصحف المحلية لم يصدر بكامله في اسبوعية "المنقذ" لسان حال الجبهة، وأحدث ذلك زوبعة في الصحيفة انتهت بپ"استقالة" مديرها الأول الشيخ زبدة بن عزوز. وتزامنت اعراض الازمة الداخلية هذه مع المصادقة في البرلمان على قانوني الانتخاب والدوائر الانتخابية اللذين ينظمان انتخابات 27 حزيران يونيو 1991 التشريعية. وقد كان هذان القانونان ذريعة الشيخ عباسي لشن اضراب 25 ايار مايو الذي اتخذ بسرعة شكل عصيان مدني شامل، تجسد في احتلال الساحات العمومية والاعتصام بها… وتنظيم مسيرات يومية تقريباً بأهم شوارع المدن الكبرى… بعد انتهاء عشرة ايام من "العصيان المدني" الذي اكتسى طابع العنف في بعض الاحيان - كإجبار العمال على الاضراب مثلاً - اعلنت حالة الطوائ مع فجر الرابع من حزيران يونيو 1991 وقدمت حكومة حمروش استقالتها. لقاء مدني وغزالي في اليوم التالي كلف الرئيس الشاذلي بن جديد وزير الخارجية في الحكومة السابقة سيد احمد غزالي تشكيل حكومة جديدة - وكانت الخطوة الاولى لرئيس الحكومة الجديد هي التفاوض مع الجبهة الاسلامية للانقاذ لوقف "العصيان المدني" - ونقل غزالي يومئذ لقيادة الجبهة وعداً من الرئيس بن جديد بتأجيل الانتخابات النيابية وإجراء انتخابات رئاسية مسبقة. مبادرة الاتصال بغزالي قام بها الشيخ البشير الفقيه الذي تمكن من الزام الشيخ عباسي بوقف العصيان بعد استعداد رئيس الحكومة الجديد لتلبية مطالب الجبهة. وعن ملابسات اللقاء الأول بين عباسي مدني وسيد غزالي يقول الشيخ الحرّاني: "ان الشيخ الفقيه طلب من عباسي مدني مرافقته لمقابلة غزالي، فرفض مدني بحجة انه لم يتلق دعوة لمثل هذا اللقاء. لكن امام الحاح الفقيه وتدخل الشيخ بلحاج في الاتجاه نفسه لم يجد بداً من الذهاب لمقابلة غزالي. وقد بذل الشيخ عباسي كل ما في وسعه لافشال اللقاء - بما في ذلك اللجوء الى الاستفزاز السافر! - لكن بلا جدوى، وتحمل غزالي منه كل ذلك ليقنعه في نهاية المطاف بضرورة وقف الاضراب والعصيان في مقابل تلبية جملة من المطالب في مقدمتها: تجميد قانوني الانتخابات والدوائر الانتخابية المصادق عليهما في بداية نيسان ابريل. تأجيل الانتخابات النيابية المقررة في 27 حزيران يونيو. اجراء انتخابات رئاسية مسبقة. اعادة المضربين المطرودين الى مناصب عملهم… وبعد تعهد رئيس الحكومة الجديد بتحقيق هذه المطالب، قام الشيخ عباسي مدني وأعلن فعلاً عن وقف الاضراب من على منبر مسجد السنة بعد صلاة الجمعة 7 حزيران يونيو 1991. لكن الشيخ عباسي كان يبيت في الوقت نفسه لأمر آخر، اذ بادر في اليوم التالي الى جمع المجالس البلدية المنتخبة باسم الجبهة الاسلامية ليقول لها: "صعّدي من الموقف ما استطعت!" وفعلا عرف التوتر في شوارع اهم المدن الكبرى خاصة تصعيداً خطيراً، اذ اصبح اشد مما كان عليه ايام الاضراب نفسه! وبعد ان كان عدد الضحايا لا يتجاوز الثلاثين قفز لغاية 25 حزيران يونيو الى اكثر من 70 ضحية. وعلى رغم ذلك كلّف مجلس الشورى لجبهة الانقاذ الشيخين الحرّاني والفقيه ومعهما شيخ ثالث بمتابعة الاتصال مع الحكومة بهدف معالجة مضاعفات الاضراب، لا سيما اطلاق سراح الموقوفين وإعادة العمال المطرودين. التصدي للجيش وتابع الحرّاني كلامه قائلاً: "وحل اليوم الحاسم: الثلثاء 25 حزيران يونيو موعد اجتماع مجلس الشورى لحلّ مشكلة قيادة الجبهة. وكان الشيخ علي بلحاج اقترح في نيسان ابريل السابق تأجيل النظر في هذه المشكلة الى ما بعد الاضراب. عشية هذا الموعد الحاسم اصدر مجلس الشورى، في اطار تهدئة الاوضاع، تعليمات الى البلديات ذات الاغلبية الاسلامية، يطلب منها عدم اعتراض سبيل الجيش اذا جاء لنزع شعار "بلدية اسلامية"، على ان تتولى القيادة معالجة الامر مع الحكومة، لكن الجماعة المقربة من عباسي مدني اصدرت امراً مضاداً، اي التصدي للجيش. فنتجت عن ذلك صدامات عنيفة في حي باب الواد وحي بن جراح ادت الى سقوط قتلى من الحي الأول وعدد آخر من الضحايا في بن جراح. وكان من اهداف هذه المناورة خلط الاوراق من جديد ونسف اجتماع مجلس الشورى، اذ جاء انصار الشيخ عباسي مدني في اليوم التالي ليقولوا: "كيف نتكلم في مشاكلنا الداخلية ودماء اخواننا تسيل؟!" واقترحوا على الفور صياغة بيان يدين الجيش والشرطة معاً. وحاول انصار الحوار في مجلس الشورى بلا جدوى تجنب هذا التطرف والدعوة الى محاورة السلطات بهدف وقف اراقة الدماء. واحتد الجدل بين الطائفتين، الى ان خرج الشيخ الفقيه غاضباً معلنا صراحة انه سيتحمل مسؤوليته بمفرده! اتصل الشيخ مباشرة بقيادة حالة الحصار التي ضربت له موعداً على الساعة الثانية بعد الظهر بقصر الحكومة. ويضيف الشيخ الحرّاني الذي رافق الشيخ الفقيه الى هذا اللقاء: "اننا وجدنا لدى قيادة حالة الحصار ورئيس الحكومة شخصياً استعداداً كاملاً للحوار والتفاهم. ومن الاشياء التي عبروا عن استعدادهم لقبولها: وقف عملية نزع شعار "البلدية الاسلامية". اطلاق سراح الموقوفين وإعادة المطرودين الى مناصب عملهم. العدول عن استدعاء الشيخ علي بلحاج في "قضية روجي ديديي"، وكان الدرك يومئذ يتأهب لحمل الشيخ على المثول امام قاضي التحقيق ولو بالقوة". عاد الشيخان الفقيه والحرّاني الى اجتماع لمجس الشورى في اليوم نفسه وابلغاه نتائج لقائهما بقيادة حالة الحصار ورئيس الحكومة، فقال الشيخ حشاني متسائلاً: "هذا الاستعداد الطيب في مقابل ماذا؟" فرد عليه الشيخان: "في مقابل تهدئة الوضع!". فأجابهما بنوع من التحدي: "لا نهدئ بل نصعد!" هذا الجواب من شيخ يعبّر عن آراء جماعة الشيخ عباسي في مجلس الشورى، دفع الشيوخ الفقيه والحرّاني والسحنوني الى مغادرة الاجتماع والتوجه مباشرة الى دار التلفزة الجزائرية لتبرئة ساحتهم مما يجري على الساحة باسم الجبهة الاسلامية للانقاذ داعين انصارهم الى ملازمة الهدوء ومعالجة الخلاف بالحكمة والكف عن ازهاق الأرواح البريئة من دون مبرر. وقد اعتبر الشيخ الفقيه في هذا اللقاء التلفزيوني مساء 25 حزيران يونيو 1991، الشيخ عباسي مدني "خطراً على الاسلام وعلى الجزائر وطناً وشعباً"! ويقدر الشيخ الحرّاني ان المآل الذي آلت اليه الجبهة الاسلامية اليوم سببه، بشكل خاص، عاملان اثنان: اضراب 25 أيار مايو 1991 الذي اتخذ بسرعة شكل عصيان مدني شامل وأدخل الجزائر في مسلسل عنف لا تعرف نهايته. خروج عباسي مدني عن الشرع بمعنى الشورى، وذلك منذ نيسان ابريل 1990. فمنذ هذا التاريخ اصبح مجلس الشورى لجبهة الانقاذ مجرد غطاء لهيمنة الشيخ عباسي وجماعته. وكان الهدف الاساسي من الاضراب هو الزام الرئيس الشاذلي بن جديد بإجرا انتخابات رئاسية مسبقة. ويؤكد الشيخ الحرّاني "ان هناك من اوعز للشيخ عباسي بفكرة الاضراب، وانه خدع في ذلك من اقرب المقربين اليه". ولعل الشيخ الحرّاني يشير بهذا التأكيد الى دور بعض رجال المخابرات الذين شاركوا في تضليل الناطق الرسمي باسم الجبهة الاسلامية واستدرجوه الى اتخاذ قرارات انتحارية كاضراب 25 ايار مايو والعصيان الذي تلاه. وفي رأي الحراني ان الطموح الرئاسي اودى بعباسي مدني وورطه في مشاكل كبيرة. مع الشيخ السحنوني التقت "الوسط" بعد ذلك الشيخ الهاشمي السحنوني داعية حي بلكور حيث "مسجد كابول" الشهير ومعقل "الافغان"، وهم المتطوعون العرب الذين حاربوا في افغانستان وثالث الشيوخ الثلاثة الذين خرجوا على قيادة الشيخ عباسي مدني في اوج "العصيان المدني" مساء 25 حزيران يونيو 1991 وتحاورنا معه حول ملابسات ظهور الحركة الاسلامية على الساحة السياسية في الجزائر والعوامل التي دفعت الشيخ عباسي مدني الى ان يطمع بأن يكون رئيساً للبلاد وكيف تقرر "العصيان المدني" والمآل الذي انتهت اليه الجبهة الاسلامية، بعد ان زج بخيرة عناصرها في "المراكز الامنية" في الصحراء، ومحاكمة قادتها بعد سنة كاملة من الاعتقال. جاء الشيخ الكفيف الهاشمي السحنوني الى الدعوة الاسلامية سنة 1977، حيث بدأ يقيم بمسجد "نادي الاصلاح" حي بلكور حلقات للوعظ والارشاد، وتعليم مبادئ الاسلام واحكامه الشرعية... وكان هذا العمل مشروطاً يومئذ بترخيص من دوائر الامن التي لم تكن تتحرج من استدعاء الشيخ الداعية بين الفينة والاخرى، لاستفساره حول بعض ما يصدر عنه من تصريحات في حلقات الوعظ والارشاد. وقد انتهى الامر باعتقاله مدة اسبوعين في تشرين الثاني نوفمبر 1982، وكان يومئذ طالباً في كلية الحقوق. وقد شهدت هذه السنة اول تظاهرة مهمة للحركة الاسلامية التي تنادت اطرافها من مختلف انحاء الجزائر لتلتقي في الجامعة المركزية وتؤدي بها صلاة الجمعة في يوم مشهود. كما شهدت اول صدام بين الطلبة الاسلاميين ونظرائهم "العلمانيين" بحي ابن عكنون الجامعي حيث قتل احد الطلبة... يقول الشيخ السحنوني عن ظهور الحركة الاسلامية على النحو السابق: "ان ظروف 1982 كانت مناسبة، فالسنوات الثلاث الاولى من حكم الرئيس الشاذلي بن جديد كانت مقبولة الى حد ما، لكن بدءاً من هذه السنة اخذت السلطة تتخلى عن امور الشعب وتتنصل من مشاكله، وتبدي انشغالاً واضحاً بالكرسي وحده! وقد ادى الاحساس بانحراف نظام الحكم آنذاك الى اشهار السلاح في وجهه من قبل جماعة بو يعلي بصفة خاصة - وهي جماعة مسلحة قاومت النظام 5 سنوات - وجنوح الجماعات الاسلامية الاخرى الى العمل السياسي اكثر فأكثر والمجاهرة بنقد الحكام وممارساتهم. واخذت هذه الجماعات تحاول هيكلة نفسها بتكوين تنظيمات سرية، مثل جماعة الشيخ نحناح الامتداد الجزائري لحركة الاخوان المسلمين وجماعة الشيخ جاب الله وجماعة محمد السعيد جماعة الجزأرة او الاسلام القطري المناهض للاممية الاسلامية. وعلى عكس هذه الجماعات التي تجمع بين الدعوة والسياسة، كانت جماعة "السلفية" التي ينتمي اليها الشيخ السحنوني ويقودها علي بلحاج لا تفكر في تنظيم نفسها لانها لم تكن تتصور رسالتها خارج اطار الدعوة والتربية". سألنا الشيخ السحنوني عن دور الحركة الاسلامية في احداث تشرين الاول اكتوبر 1988 فكان جوابه: "لم نكن نتوقع هذه الاحداث وسمعنا الاشاعة مثل عامة الناس ولم نكن نصدقها. لكن ما ان حدثت حتى وجدنا انفسنا مقحمين فيها رغماً عنا... وكان تدخلنا اساساً بهدف وقف عمليات النهب والتخريب التي كانت تمس مصالح المواطن العادي بالدرجة الاولى... وقد اتصلنا بقيادة حالة الحصار... مساهمة في تهدئة الاوضاع بعد ان اتصلنا للغرض نفسه بالشباب الثائر". فكرة الحزب الاسلامي وماذا عن موقف جماعة "السلفية" من فكرة تحزب الحركة الاسلامية في سياق الاصلاحات السياسية المعلن عنها في اعقاب احداث تشرين الاول اكتوبر؟ يبدو من جواب محدثنا ان الحركة الاسلامية تلقت فكرة التعددية الحزبية بنوع من التحفظ في بداية الامر، لانها كانت تعتقد ان الاقتراح مجرد حيلة من النظام للمد في اجله، او خديعة بهدف اخراج الحركة من السرية. لكن بعد التأكد من جدية الاقتراح قالت الجماعة الاسلامية "لعل في الامر خيراً!" وهكذا بدأ التفكير في تأسيس حزب اسلامي، وكانت المبادرة من الشيخين علي بلحاج والسحنوني في اواخر كانون الثاني يناير 1988... ثم شملت الشيخ عباسي مدني واخذت تتوسع الى مختلف اقطاب الحركة الاسلامية على مستوى الجزائر كلها. وقد جاء الاعلان التمهيدي عن تأسيس "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في 18 شباط فبراير 1989 بمسجد السنة ثم تلاه التأسيس الرسمي في 9 آذار مارس والاعلان عن ذلك في اليوم التالي بمسجد القبة. ويقول الشيخ السحنوني "ان البداية كانت صعبة لأن الدعوة الى تأسيس حزب اسلامي كانت تقابل بتحفظ كبير، طالما ان احتمال الاعتماد نفسه كان ضئيلاً، بحكم غموض الوضعية السياسية من جهة ونص دستور 23 شباط فبراير الذي يمنع مبدئياً تأسيس الجمعيات السياسية على اساس ديني او لغوي او جهوي..." وكانت حجة المعارضين للفكرة آنذاك: "ان نظام الشاذلي اعد خطة لكشف الحركة الاسلامية واختبار مدى قوتها"... وكان جواب انصار الفكرة: "ان النظام اصبح يعرف كل شيء عن الحركة... فلنتوكل على الله اذن! فاذا نجحنا كان ذلك، واذا اخفقنا نعيد النظر في المسألة وانتهى...". لكن بمجرد حصول جبهة الانقاذ على الشرعية في ايلول سبتمبر 1989 زالت التحفظات وارتفع الاقبال على الانخراط في صفوف الجبهة، وشمل جميع ولايات القطر المحافظات وعددها 48 ولاية، باستثناء بعض البلديات منها. حتى ان الشيخ عباسي الناطق الرسمي باسم الجبهة الاسلامية كان يقدر يومئذ عدد انصاره بحوالي 3 ملايين مناضل! هذا الاقبال الكبير، شجع الشيخ عباسي ورفاقه على تنظيم اول لقاء وطني لانصار الجبهة في 2 كانون الثاني يناير 1990 وكان هذا اللقاء بداية مرحلة جديدة امتدت الى نيسان ابريل، وشهدت عملية اقامة الهيكل القيادي العمودي للجبهة الاسلامية بدءاً من قمة الهرم المتمثلة في مجلس الشورى والمكتب التنفيذي الوطني مع تحديد صلاحيات اللجان الوطنية وتعيين اعضائها الى قاعدته المتمثلة في المكتب البلدي ولجانه، مروراً بالهيئات المماثلة على مستوى الولاية. وبفضل هذه الهيكلة الافقية والعمودية التي تمت في فترة قصيرة جداً استطاعت الجبهة الاسلامية ان تشارك في حملة الانتخابات المحلية التي جرت في 12 حزيران يونيو وتحقق فوزاً ساحقاً فيها، اذ حصدت خلالها ضعف المقاعد التي حصل عليها الحزب الحاكم! الخوف من الانقسامات غير ان هذا النجاح السريع كان مثار قلق وتخوف الشيخ السحنوني، الذي يلاحظ في هذا الصدد بأن "للسرعة في التحضير سلبياتها، لانها تؤدي عادة الى الغفلة عن كثير من النقائص... من ذلك تسرب عناصر كثيرة الى صفوف الجبهة لا تؤمن ببرنامجها، وتنصيب اناس على رأس "البلديات الاسلامية" تبين انهم غير مقتنعين بهذا البرنامج اصلاً!". لكن ترى لماذا لم تعقد الجبهة الاسلامية مؤتمرها التأسيسي، كما فعلت بعض الاحزاب الاخرى؟ يجيب الشيخ السحنوني عن هذا السؤال: "كنا متخوفين جداً من عقد مؤتمر تأسيسي، لما لاحظناه في تجارب الاحزاب الاخرى التي سبقت بعقد مؤتمراتها، فكانت النتيجة خلافات وانقسامات وانفجارات بسبب استفحال نزعة الزعامة. ونتيجة هذا التخوف المزمن ظلت العناصر المؤثرة في الجبهة الاسلامية تفضل الاحتفاظ بقيادة الشيخ عباسي الموقتة لغاية الانتخابات النيابية والخروج منها بسلام... ومن ثمة التأجيل المتكرر للبت في قضية القيادة... لكن هذا التأجيل لم يمنع من طرح مشكلة القيادة مع ذلك". وحسب شهادة الشيخ السحنوني فان هذه المشكلة طرحت بشكل بسيط غداة الانتخابات المحلية في حزيران يونيو 1990، لكن ما لبثت ان طرحت بحدة اثناء عملية الترشيح للانتخابات التشريعية... وجاء اضراب 25 ايار مايو فعجل بالانفجار. في بداية الامر طرحت المشكلة بصيغة ضرورة تحديد صلاحيات الناطق الرسمي باسم الجبهة، وكانت هذه الصيغة محل اجماع مجلس الشورى الذي ارتأى معالجة المسألة في اطار وضع قانون داخلي للحزب، يحدد ويضبط مهام وصلاحيات المكتب التنفيذي ورئيسه بوضوح... لكن ربما لهذا السبب بالذات لم يتم وضع هذا القانون لغاية حل الجبهة الاسلامية! ويؤكد السحنوني في هذا الصدد ان الجبهة ظلت تمارس نشاطها طوال ثلاث سنوات من دون هذه الوثيقة الاساسية، وكلما طرحت المسألة للنقاش، كان هناك من يتدخل لتأجيلها تارة بدعوى الانشغال بما هو اولى من "عظائم الامور"، وتارة بدفع النقاش في متاهات لا اول لها ولا آخر! لا برنامج لاقامة الدولة الاسلامية ويعترف الشيخ السحنوني ل "الوسط" بما هو اخطر من ذلك: "ان الجبهة الاسلامية دخلت معركة الانتخابات النيابية في كانون الاول ديسمبر 1991 ولم تحضر برنامج الدولة الاسلامية بعد!" ويضيف: "كنا نتصرف استجابة للاحداث الطارئة اكثر من السير وفق خطة مرسومة واضحة الاهداف بعيدة المدى". ومن الطبيعي ان يسهل هذا الخلل مهمة خصوم الجبهة الاسلامية الذين تمكنوا ربما من استدراجها الى حيث يريدون، مثل اضراب 25 ايار مايو 1991 الذي تحول الى عصيان مدني شامل. وفكرة الاضراب جاء بها الشيخ عباسي وطرحها، منذ الوهلة الاولى، كأمر مسلم به لا نقاش فيه واختيار لا مفر منه. وكان يرى ان الجبهة من دون اضراب ستتقزم بلا شك وتفسد امورها مما سيؤدي الى كارثة محققة! ومن ثمة "فالاضراب هو بوابة النجاة بل مفتاح انقاذ البلاد والعباد من التفرقة والهلاك!". وكان الشيخ عباسي يؤكد ان لا جدوى من المشاركة في الانتخابات، لأن النظام يقف على اهبة الاستعداد لتزويرها. ويلخص الشيخ السحنوني النقاش "المارتوني" الذي دار حول هذا الموضوع بقوله: "في البداية عارض مجلس شورى الجبهة الفكرة باستثناء بعض عناصر جماعة عباسي مثل حشاني وبو خمخم وجدي. وكان علي بلحاج في صف المعارضين ايضاً. اذ كان مع المشاركة في الانتخابات مهما كانت النتائج وذلك على سبيل التجربة، ولم يكن يرى من حرج في فشل الجبهة الاسلامية في الجولة الاولى، اذا كانت متأكدة من الفوز بالجولة المقبلة بعد خمس سنوات! وقد استغرق النقاش سبع جلسات طوال، اقصرها استمرت 10 ساعات واطولها استمرت 20 ساعة كاملة! وفي تلك الاثناء ظهر تكتل من 8 احزاب يدعو بدوره الى اعلان الاضراب بسبب التخوف من تزوير الانتخابات، الامر الذي دعم موقف عباسي فأصبح يقول: "ان الاضراب هو المخرج ما دام الجميع متفقاً على ذلك"! بعد كل هذا النقاش انتهى خصوم الاضراب وانصاره الى حل وسط: تكوين لجنة تدرس امكانيات نجاح الاضراب او فشله... وتكونت اللجنة فعلاً وطفقت تدرس الموضوع من مختلف جوانبه، واطالت في البحث حتى عيل صبر الشيخ عباسي، فتدخل متذرعاً بمرور الوقت واقتراب موعد الانتخابات، ملحاً في استصدار قرار الاضراب حتى انه هدد بالاستقالة وتكوين حزب آخر! هذا الالحاح والتهديد دفع الطرفين الى الاتفاق على اعلان اضراب لمدة ثلاثة ايام، على ان يتم الاعلان عنه اضراباً مفتوحاً". ويعلق الشيخ السحنوني على ذلك بأن "الجبهة بعد ثلاثة ايام لم تعد تتحكم في الامور، اذ انضمت الى حركة الاضراب عناصر من عامة الناس من الصعب مراقبتها والسيطرة عليها: وكثرت المبادرات المحلية من دون تنسيق مع القيادة المركزية". جبهة الانقاذ انتهت سألنا محدثنا عما جرى يوم الثلثاء 25 حزيران يونيو 1991 وهو اليوم الذي انتهى بخروج الشيوخ السحنوني والفقيه والمراني على قيادة عباسي مدني والتنديد بتصرفاته على شاشة التلفزيون الجزائري. وخلاصة جواب السحنوني ان رئيس الحكومة احمد غزالي لم يعد يثق في الشيخ عباسي بعد سوء التفاهم الذي حصل في لقاءاتهما الاولى، من ذلك ان رئيس الحكومة تعهد - بالاتفاق مع الرئيس الشاذلي - باجراء انتخابات رئاسية مسبقة، لكن الشيخ عباسي اعلن امام انصاره تعهد الحكومة باجراء انتخابات رئاسية قبل الانتخابات النيابية! وفي اليوم المذكور جاء الشيخان الفقيه والحراني، فيما كان المجلس الشوري مجتمعاً، بعد لقائهما برئيس الحكومة، واطلعا المجلس بان غزالي يريد التفاوض مع الشيخ عباسي شريطة الا يأتيه بمفرده... فغضب الشيخ عباسي لهذا الشرط ورفض اللقاء! امام هذا الرفض قرر الفقيه والحراني الذهاب الى مقر التلفزة لمخاطبة المواطنين. ويقول الشيخ السحنوني في هذا الصدد: "ان الشيخين اتصلا بي وطلبا الي مرافقتهما لمحاولة تهدئة الاوضاع. وكنت اول المتكلمين على الشاشة بطلب منهما... حيث قلت ما اتفقنا على قوله بداية... وعندما جاء دور الشيخ الفقيه تحمس كثيراً، ولعله كان يعيش حقائق لم اعشها ويعلم اشياء لم اكن اعرفها، ودفعه الحماس الى القول: "عباسي خطر على الجبهة الاسلامية وعلى البلاد والاسلام!". "وكان الشيخ الفقيه يعتقد ان ميل الشيخ عباسي الى رفض الحوار مرده انه اصبح يحس بأنه بات مرفوضاً من السلطات القائمة". هذه "الخبطة" السياسية التي جاءت برداً وسلاماً على نظام الحكم، تسببت في عزل الشيخين الفقيه والحراني فوراً، ومطالبة الشيخ السحنوني بالاعتذار علانية لكنه لم يفعل حسب قوله. ترى كيف هو وضع الشيخ السحنوني في الجبهة الاسلامية؟، وهل تعرض لمضايقات من طرف بعض انصارها؟ يجيب الشيخ السحنوني على ذلك: "لم يبق شيء اسمه جبهة الانقاذ الآن"! القيادة القديمة نصفها بالسجن والنصف الثاني معتكف بالبيت. لم اتعرض للمضايقة من احد ولم تعد لي اية صلة بانصار جبهة الانقاذ". ومعروف ان الشيخ السحنوني من تيار السلفية بقيادة علي بلحاج وهو يتحدث عن جماعته هذه بخيبة كبيرة، لانها صدمت في قيادة الجبهة الاسلامية التي كانت تعتقد انها ستقودها بالكتاب والسنة الى دولة تطبق فيها الشريعة الاسلامية. فماذا حصل؟ "لقد اكتشفت الجماعة فجأة ان العملية لم تكن سليمة من اساسها. وقد نتج عن ذلك انسحاب البعض على اساس الكفر بأي عمل او حزب سياسي، والاعتكاف على اداء العبادات لله وحده. واندفعت طائفة بعد ان فاض حماسها فتورطت في اعمال غير قانونية، فهي شتات بين السجون والمطاردة. واحتفظت طائفة ثالثة بالحياد مثلما كانت دائماً". ومعروف ايضاً ان السحنوني نشأ بحي بلكور احد معاقل "الدعوة والعنف" في العاصمة الجزائرية، حيث ترعرع وبدأ في نشر دعوته السلفية. وبحكم هذه النشأة كان يشاع عنه انه على علاقة بالعناصر المتطرفة، مثل "جماعة الهجرة والتكفير". ترى ما حقيقة ذلك؟ يقول محدثنا في هذا الصدد: "ليس الذنب ذنبي اذا ولدت ببلكور! فقد كونت عدداً من الشباب منهم من ظل مواظباً على الاسلام، ومنهم من اتصلت به جماعة الهجرة والتكفير فمشى معها. ولا اشعر بأية مسؤولية في ذلك، لانني انا شخصياً يعتبرونني مرتداً"! ويعبر الشيخ عن ارتياحه، لانه عندما كان مقيماً ببلكور لم يحدث اي عمل مسلح بهذا الحي المتمرد. فقد كان، حسب تعبيره، "يربي ويوعّي". لكن كيف يتصور الشيخ مستقبل العمل الاسلامي في الجزائر على ضوء التجربة القاسية التي عاشوها السنة الماضية بصفة خاصة؟ يقول الشيخ: "ان التجربة كانت اكثر من قاسية! فلولا الايمان والصبر والاستعانة بتجارب حركات اسلامية، اقتربت مثلنا للنبع ثم عادت عطشى... لولا كل ذلك لاصيب الانسان في صحته النفسية وتوازنه العقلي! بسبب الخيبة الكبيرة التي احاقت بنا جميعا!". وبنوع من الاستسلام للقدر يضيف محدثنا: "هذا هو الاسلام! ولا بد له من زلازل. لقد مرت الحركة الاسلامية بفتنة حقيقية. لكن الحمد لله!". وفي نظر الشيخ السحنوني "ان استئناف العمل الاسلامي بعد كل الذي حصل يبدو صعباً، نظراً الى اهتزاز الثقة المتبادلة وكثرة الدعايات. وهي احسن وسيلة لتحطيم الحركة. فالاشاعة هنا اخطر من الشرطة والعسكر! "لقد سمعنا من الذين افرج عنهم اخيراً من المراكز الامنية بالجنوب ان اجواء هذه المراكز كانت موبوءة نظرا لتفشي الشكوك بين نزلائها. فعلى رغم ان الجميع كان في وضعية واحدة، ويعاني المحنة نفسه، اصبح هذا يشك في ذا، وذاك يطعن في هذا، وذا يحذر من ذاك الخ. وخلاصة القول ان الوضعية الآن لم تعد سهلة والتحرك ينبغي ان يكون حذراً جداً، لكن النشاط مع ذلك يظل ممكناً، ولو استدعى الامر سنوات اخرى من الاعداد! فلا بد من الصبر الآن! والمهم ان تظل الاصول حية حتى يمكن سقيها فتنبت من جديد". وماذا عن النقيب او الرائد بو عزة الذي يقال انه لعب دوراً مهماً في خداع الشيخ عباسي حول مواقف الجيش بصفة خاصة؟ يبدو ان محدثنا لم يكن على علم بهذا الشخص والدور الذي كان يلعبه، ولم يكتشفه الا اخيراً. الا انه يؤكد ان امثال بو عزة ممن كانوا يترددون على ديوان الشيخ عباسي للتجسس او الوساطة كثيرون، ومنهم من كان يؤكد للشيخ: "ان الجيش معك!".