التزم الزعيم السابق لحزب "الاتحاد الاشتراكي" وزير الدولة المغربي محمد اليازغي موقفاً مرناً في مواجهة خصومه السياسيين الذين حتموا عليه ونائبه الأول وزير العدل عبدالواحد الراضي الاستقالة من قيادة الحزب. وفاجأ"المجلس الوطني"الهيئة القيادية للحزب الذي انعقد في الرباط نهاية الأسبوع الماضي بإعلان التزامه"وحدة الحزب"، مؤكداً أنه لا يعتزم الترشح لأي منصب قيادي. ويعتبر موقف اليازغي إشارة إلى تقبله الابتعاد من قيادة الحزب، ما يضع حداً لتكهنات بإمكان قيادته تياراً مناهضاً للقيادة الحالية، خصوصاً أعضاء المكتب السياسي الذين كانوا وراء دفعه إلى الاستقالة، وإن تركوا له حفظ ماء الوجه عبر إعلان أنه شخصياً طلب إعفاءه من تحمل أي مسؤولية قيادية. وكانت مخاوف سادت داخل الحزب من تصدع صفوفه بسبب الأزمة التي نشبت عقب تلقيه ضربة قوية في الانتخابات البرلمانية خريف العام الماضي، حين تراجع إلى المرتبة الخامسة بعد"تجمع الأحرار"وأحزاب"الحركة الشعبية"و"العدالة والتنمية"و"الاستقلال"بعدما كان في مقدم الترتيب في استحقاقات العامين 2002 و1997. وعزز هذه المخاوف أن فترة رئاسة اليازغي لم تدم غير خمس سنوات، بعدما اعتزل زعيم"الاشتراكي"السابق رئيس الوزراء في حكومة التناوب عبدالرحمن اليوسفي العمل السياسي بعد انتخابات 2002 التي نزعت منه قيادة التحالف الحكومي، وأذعن رفاقه في المكتب السياسي آنذاك لقرار المشاركة في حكومة قادها التكنوقراطي إدريس جطو، قبل أن يتبينوا أنهم دفعوا ثمن المشاركة في الانتخابات الأخيرة. وعلى رغم أن رحيل اليازغي ارتبط بالجدل السياسي الذي أثير على خلفية فشل إدارته مشاورات تشكيل الحكومة مع زعيم حزب"الاستقلال"رئيس الوزراء عباس الفاسي، وشكل القشة التي قصمت ظهر البعير من وجهة نظر تيارات متعددة داخل الحزب تبنت الدعوة إلى الاستفتاء على مشاركة الحزب في حكومة الفاسي أو العودة إلى المعارضة، فإن المكتب السياسي أكد أن المشاركة التوافقية"ليست بدعة ولا تعني أن الحزب يضع رِجْلاً في الحكومة وأخرى في المعارضة، وكل عمل ائتلافي يترك للحزب المسافة الضرورية بين عمله المستقل الذي يراعي مصلحة الجماهير العريضة ومسلتزمات وإكراهات العمل الحكومي". غير أن ذلك لم يحل دون تركيز الجدل في اجتماع"المجلس الوطني"على تقويم مشاركة الحزب في الحكومات المتعاقبة منذ آذار مارس 1998، وكذلك العلاقة مع شركائه في الكتلة الديموقراطية التي تضم أيضاً"الاستقلال"و"التقدم"، والسعي إلى تشكيل قطب يساري مؤثر في مسار التحولات السياسية الراهنة. ويشارك"الاتحاد الاشتراكي"في حكومة الفاسي بخمس وزارات، بينها العدل والعمل والاستثمارات الخارجية، فيما كان يحتفظ في الحكومة السابقة بقطاعات المال والعدل والتعليم والمهاجرين وإعداد التراب الوطني والشباب. غير أنه شهد انقسامات أدت إلى تعليق وزير الشباب عضويته في المكتب السياسي، ما حال دون معاودة استوزاره في الحكومة الحالية التي ينظر اليها"الاشتراكي"على أنها أقل من طموحات الحزب ووزنه السياسي. وكان الحزب أنهى تجربة في المعارضة دامت عقوداً عدة على خلفية وفاق بين اليوسفي والملك الراحل الحسن الثاني في العام 1998. ولفتت مصادر حزبية إلى أن دعوة"المجلس الوطني"، وهو أعلى هيئة في الحزب، جاءت بهدف البحث في التحضيرات للمؤتمر العام الذي يعقد في السادس والعشرين من الشهر الجاري، خصوصاً أن المتحكم في اللجنة التحضيرية سيكون في وسعه أن يؤثر في التوجه المقبل للمؤتمر العام. وعزا اليازغي الذي أنهى بإعلانه عدم الترشح لقيادة الحزب التكهنات والمخاوف، مشاركته في"المجلس الوطني"إلى دعوة من المكتب السياسي رد عليها بحضوره بصفته عضواً في المجلس الوطني فقط، في إشارة إلى استمرار التزامه، ليكون أول زعيم سياسي يعود إلى البداية"من دون طموح"أو مناصب شرفية، في مقابل زعيم"الاستقلال"السابق محمد بوستة الذي أصبح عضواً في مجلس الرئاسة، أو المحجوبي أحرضان الذي يتوق إلى منصب مماثل في"الحركة الشعبية". واعتبرت المصادر أن الحراك الداخلي في"الاتحاد الاشتراكي"هو"جزء من حراك سياسي في المشهد السياسي في البلاد، في ضوء القوانين الجديدة المنظمة للأحزاب التي تدعو إلى تكريس الديموقراطية الداخلية، وعقد المؤتمرات الوطنية مرة كل عامين على الأقل".