تواجه حكومة رئيس الوزراء المغربي زعيم حزب "الاستقلال" عباس الفاسي التي عيّنها العاهل المغربي الملك محمد السادس أمس، تحديين بارزين. الأول، استمرار ضمان غالبية مؤيدة لها في البرلمان، كونها"حكومة أقلية"تساندها كتلة نيابية من نواب الأحزاب المشاركة فيها، اضافة الى النواب المستقلون وحزبي"العهد"و"الوطني الديموقراطي"، بعد انتقال أحزاب"الحركة الشعبية"الأمازيغية الى المعارضة. والثاني، مواجهة الأوضاع الاجتماعية المتدهورة في ضوء تداعيات موجة الغلاء واستفحال معضلات البطالة والفقر والتهميش، رغم مبادرات التخفيف من هذه الأعباء. وخرج"الاتحاد الاشتراكي"الذي كان قاب قوسين من العودة الى المعارضة، منتصراً في التشكيلة الحكومية الجديدة على حساب"الحركة الشعبية"، أقله معنوياً من خلال الظهور بأن دوره ما زال محورياً في معادلة التوازن السياسي. إلا أن تفريط الفاسي في المكونات الأمازيغية داخل الحكومة قد يعيد عقارب الساعة الى الصراع التقليدي بين حزبه"الاستقلال"وتيارات"الحركة الشعبية"المحسوبة على الأمازيغ والأرياف في مواجهة"بورجوازية المدن"، كما كان ينعتها الحركيون التقليديون. وكان تعيين أحمد خريف، المتحدر من أصول صحراوية، في وزارة الداخلية، دليلاً على ثقة المراجع الرسمية في قابلية خطة الحكم الذاتي للتنفيذ. وثمة من يذهب إلى أن حشد التأييد للخطة سيركز مرحلياً على دور مجلس النواب في ضوء احتمال أن يرأس الوزير السابق المنتدب في الداخلية فؤاد عالي الهمة رئاسة لجنة الشؤون الخارجية، لا سيما أن الملك محمد السادس لمح في خطاب افتتاح الولاية الاشتراعية الحالية، الجمعة الماضي، الى أهمية"الديبلوماسية البرلمانية". ومن بين الحقائب ال 34 في الحكومة الجديدة، نالت أحزاب"الاستقلال"و"الاتحاد الاشتراكي"و"تجمع الأحرار"و"التقدم والاشتراكية"23 حقيبة، فيما آلت عشر وزارات الى تكنوقراط. وعزت المصادر هذا التوجه الى نتائج الخريطة الانتخابية في جانبها الذي طاول غياب نحو 63 في المئة من الناخبين عن الاقتراع، ما حتّم وضع هذا الكم الهائل من شرائح المجتمع في الاعتبار لجهة تعيين شخصيات من القطاع الخاص وأخرى أقرب الى الميول السياسية للائتلاف الجديد. غير أن مفاجأة الحكومة تمثلت في حيازة سبع سيدات مناصب وزارية للمرة الأولى، ضمنها الصحة والشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة والثقافة. غير أن تشكيل حكومة الفاسي، بعد مرور أكثر من 40 يوماً على اقتراع ايلول سبتمبر، ليس نهاية وإنما بداية الانفتاح على احتمالات عدة، في مقدمها مواصلة الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في ظروف صعبة، والإعداد لانتخابات بلديات 2009 التي ينظر اليها منذ اليوم على أنها محطة في مسار الحكومة الجديدة التي أبقت على تحالف"الكتلة الديموقراطية"قائماً، لكنها أضافت إلى المعارضة الاسلامية صوتاً مغايراً إسمه التيار الأمازيغي، مع بقاء مفاتيح الملفات الأكثر حساسية بيد ما يعرف ب"وزارات السيادة"، اي الداخلية والخارجية والشؤون الاسلامية وإدارة الدفاع، لكن هذه المرة في نطاق وفاق ارتضته أحزاب الائتلاف الحكومي التي كانت أكثر ترحيباً بالتزام المنهجية الديموقراطية في تشكيل الحكومة.