خلال الأشهر الستة التي مضت على تشكيله الحكومة، نجح تحالف اليمين الفرنسي في الحفاظ على وحدة صفوفه وتفادي تصاعد التناقضات القائمة بين رموزه. فبعد انكفاء قسري عن الحكم لمدة 12 عاماً، كان لا بد لهذا التحالف من أن يطل على الرأي العام الفرنسي بمظهر متماسك، ويعمل على استعادة الثقة بين المواطنين والطبقة السياسية التي تآكلت عبر الحكومات الاشتراكية المتتالية. لكن الاستحقاقين الممثلين بالانتخابات الأوروبية في حزيران/ يونيو المقبل والانتخابات الرئاسية في ربيع 1995 سيزدادان تحكماً في معطيات السياسة الداخلية، ويهددان بعودة التنافس بين طرفي التحالف الرئيسيين، أي حزب "التجمع من أجل الجمهورية" وحزب "الاتحاد من أجل الديموقراطية الفرنسية"، وبعودة المحاور القائمة داخل كل منهما للبروز مجدداً. فالشعور السائد في أوساط "الاتحاد من أجل الديموقراطية الفرنسية"، هو أن خيار تغليب وحدة الصف الذي أقدم عليه التحالف اليميني عشية الانتخابات الاشتراعية في آذار/ مارس الماضي جاء على حسابه، وفرضت عليه قدراً من التهميش. والنهج الذي اعتمده حزب "التجمع" بعد أن جمع بين رئاسة الحكومة عبر ادوار بالادور ورئاسة الجمعية الوطنية البرلمان عبر فيليب سيغان، جعله يبدو في موقع القائد لتحالف اليمين. وليس هناك بالتالي لدى الاتحاد أي مكسب يحققه من جراء المضي في سياسة المهادنة التي التزمها حتى الآن إزاء التجمع، كما ليس هناك ما يضمن تمديدها الى حين موعد الانتخابات الأوروبية. والواضح أن الجدل حول خوض الانتخابات الأوروبية بلائحة واحدة أو بلائحتين مرشح للتصاعد خلال الفترة المقبلة، ويشكل في الواقع تعبيراً عن سعي "التجمع" لتكريس زعامته للقوى اليمينية وسعي "الاتحاد" لانتزاع هذه الزعامة منه. على صعيد آخر، تأتي الانتخابات الأوروبية بعد الأزمات التي عصفت بفرنسا، بدءاً بالأزمة النقدية وما رافقها من جدل حول خفض معدلات الفائدة وخفض قيمة الفرنك الفرنسي والأزمة القائمة حالياً حول الشق الزراعي ل "الاتفاقية العامة حول التعرفة الجمركية والتبادل التجاري الحر" غات، والفشل الذريع في التعامل مع الأزمة البوسنية، تعزز جميعها موقع المعارضين للوحدة الأوروبية. لكن احتمال توصل "الاتحاد" و"التجمع" الى تسوية جديدة تجعلهما يخوضان الانتخابات الأوروبية قد لا يحول دون بروز لائحة معارضة يتولى تشكيلها كل من سيغان ووزير الداخلية شارل باسكوا اللذين قادا عملية تمرد داخل حزبهما التجمع قبيل الاستفتاء على معاهدة "ماستريخت" الأوروبية التي يرفضانها. لذا فإن "التجمع" يواجه عبر الانتخابات الأوروبية اختباراً مزدوجاً يتمثل الأول بقدرته على اقناع "الاتحاد" بضرورة الابقاء على تحالفهما، فيما يتمثل الثاني بقدرته على منع أي تبلور مستقل لتيار سيغان - باسكوا، الذي قد يتقاطع مع التيار الذي يتزعمه وزير الدفاع السابق جان بيار شيفنمان المتمرد على حزبه الاشتراكي والرافض بدوره الوحدة الأوروبية. وستحدد حصيلة هذين الاختبارين، الى درجة كبيرة، ملامح معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة وهوية المرشحين فيها. إن المرحلة المقبلة ستتم بالتجاذب بين زعيم "التجمع" جاك شيراك الذي يتصرف وكأنه الوريث الشرعي للرئيس الحالي فرنسوا ميتران، ومنافسيه المحتملين على منصب الرئاسة، وفي مقدمتهم ديستان وبالادور، في ظل الشعبية القياسية التي سجلها رئيس الوزراء والتي تجعله مصدر تهديد فعلي في الانتخابات الرئاسية.