عندما تدوّي الطرقات الثلاث في "المسرح البلدي"، عشيّة الرابع عشر من تشرين الأول أكتوبر المقبل، آذنة بارتفاع الستارة عن الدورة السادسة ل "أيام قرطاج المسرحية"، تكون العاصمة التونسية استعادت مرة جديدة دورها الرائد كمنارة للمسرح العربي. هذا الدور تلعبه تونس بامتياز منذ مطلع الثمانينات، أيام "السنوات الخصبة" التي شهدت ولادة مهرجان، سرعان ما سيتحول الى أشهر المحطات المسرحية في العالم العربي والقارة الافريقية. ونجاح "أيام قرطاج" التي تقام مرّة كل عامين بالتناوب مع "أيام قرطاج السينمائية"، تقف وراءه عوامل عدّة، لعل أبرزها الازدهار المسرحي الذي يعرفه البلد المضيف. إذ من البديهي أن تنجح مدينة عربية تعرف نهضة مسرحية أكيدة - متعددة الروافد والاتجاهات والتيارات - حيث تلكّأت مدن أخرى تجتاز خشباتها مرحلة انحسار وتراجع. وخلال الدورات الخمس الماضية استضاف هذا المهرجان، أو ساهم في اطلاق، أهم التجارب المسرحية مشرقاً ومغرباً من روجيه عساف الى "مسرح فو" و"المسرح الجديد"، ومن جواد الاسدي والزياني شريف عياد الى عبد الواحد عوزري وعبد القادر علولة ونور الدين الورغي وحسن الجريتلي وريمون جبارة... هذه المغامرة، يقف وراء نجاحها أيضاً رجل مسرح تونسي هو المنصف السويسي، مطلق التجربة عام 1983 أيام إدارته ل "المسرح الوطني"، والشخص الذي جند طاقاته وخبراته وعلاقاته سنوات طويلة من أجل اعطائها الموقع الذي تحتله اليوم. السويسي أحد المغامرين الذي أعطى للخشبة دفعاً جديداً قبل عقدين، أيام اكتشاف البريختية، حيث قدم مسرح عز الدين المدني، وأدار "مسرح الكاف" الذي يعتبر صفحة مشرقة في تاريخ المسرح التونسي. ولعل المهرجان الذي بلغ من النضج ما يخوّله الانطلاق الى مرحلة جديدة، استحوذ على عطاء السويسي فقيّد ابداعه في السنوات الاخيرة. لذا قرر أن تكون الدورة الحالية هي الاخيرة له على رأس ال "أيام". هذه السنة يكون مرّ عشر سنوات على الموعد الذي يترقبه هواة المسرح وأهله موسماً بعد آخر. لذلك ف "لا بد أن تكون المناسبة استثنائية، ذات طابع احتفالي" يقول السويسي. كما يحتفل الشاب ببلوغه سن الرشد. "حين دخلت المغامرة، كان جانب التنشيط لا ينفصل عندي عن الشق الابداعي نفسه. اليوم لم تعد الادارة تكفيني. أريد أن أعود الى ظلمة القاعات". الى جانب الاحتفالات التي تقوم على تداخل أشكال التعبير، ومناسبات التكريم والتتويج المعهودة، والكتاب التوثيقي على شكل "رحلة في ذاكرة الايام"، من المقرر أن تكون الكوميديا هي ضيف الشرف في تونس، من خلال عدد من العروض وندوة عن "المسرح والضحك". أما المحاور الثلاثة للبرمجة، فتتوزع كالعادة على المسابقة الرسمية، والتظاهرة الموازية التي تقدم تجارب عربية وعالمية لافتة، والعروض الوطنية التي تعكس راهن المسرح التونسي. بين المسرحيات التونسية التي ينتظرها جمهور قرطاج: "فاميليا" الفاضل الجعايبي، "دون جوان" محمد ادريس، "مكي وزكية" الامين النهدي والمنصف ذويب، "كاليغولا" هشام رستم، مسرحية نور الدين الورغي الاخيرة، وهناك أنباء لم تتأكد عن مشاركة توفيق الجبالي في مسرحيته الجديدة المستوحاة من ديدرو... أما العروض الاخرى فنشير بينها الى "بالعربي الفصيح" من مصر لينين الرملي ومحمد صبحي، "أرانب وقديسون" من لبنان شكيب خوري. من المغرب ستقدم "نابولي ميلونيرا" ل "مسرح الدار البيضاء" حميد باسكيت، ومن الجزائر سيأتي "أرلوكان" غولدوني وعلولة، بالاضافة الى تجربة جديدة لمسرح "سيدي بلعباس" الذي أسسه كاتب ياسين بعنوان "البسمة المجروحة".