رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    محترفات التنس عندنا في الرياض!    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    رقمنة الثقافة    الوطن    على يد ترمب.. أمريكا عاصمة العملات المشفرة الجديدة    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    أجواء شتوية    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    الذاكرة.. وحاسة الشم    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    القبض على إثيوبي في ظهران الجنوب لتهريبه (13) كجم «حشيش»    نائب وزير العدل يبحث مع وزير العدل في مالطا سبل تعزيز التعاون    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    إرشاد مكاني بلغات في المسجد الحرام    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تنشر محضر اجتماع مغلق مع رجل المخابرات والمهمات السرية في اسرائيل . ديفيد كيمحي يكشف الأسرار :
نشر في الحياة يوم 04 - 01 - 1993

اسرائيل تتغلغل في جمهوريات آسيا الوسطى وتدعم تركيا
لأنها تريد علاقات طيبة مع أكبر عدد ممكن من الدول الاسلامية
أميركا وعدت بإخراج القوات السورية من لبنان ثم تراجعت
هذه حقيقة الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي وموقف أمين الجميل منه
أؤيد قيام إتحاد فلسطيني - اردني - اسرائيلي والسلام السوري - الاسرائيلي آتٍ
في اجتماع مغلق عقد في لندن وتنفرد "الوسط" بنشر محضره، تحدث ديفيد كيمحي رجل المخابرات والمهمات الخاصة والسرية في اسرائيل، بصراحة عن امور على جانب كبير من الاهمية أبرزها: حقيقة التغلغل الاسرائيلي في جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية التي تشكل بدولها المستقلة حديثا وتطلعاتها "العالم الاسلامي الجديد"واهداف هذا التغلغل، ماذا تريد اسرائيل من مفاوضاتها مع العرب والفلسطينيين، امكانات التوصل الى اتفاق سلام سوري - اسرائيلي واقامة اتحاد فلسطيني - اردني - اسرائيلي، خفايا اتفاق 17 ايار مايو 1983 بين لبنان واسرائيل ومضمون التطمينات الاميركية التي اعطيت للاسرائيليين بشأن مستقبل وجود القوات السورية في لبنان وحقيقة موقف الرئيس اللبناني امين الجميل، كما تحدث عن حزب الله وعما اذا كانت اسرائيل تنوي اغتيال السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله ام لا.
الواقع انه ليست هناك شخصية اسرائيلية تجسد التقليد الاسرائيلي الطويل الامد القائم على المزج بين المخابرات السرية والديبلوماسية العلنية مثل ديفيد كيمحي. فهو رجل طالما اثار الارتياب والشكوك والخوف. ونظراً الى سنواته الطويلة في "الموساد" - المخابرات الاسرائيلية - وارتقائه فيها حتى اصبح نائباً لمديرها العام فإنه يعتبر استاذاً في "الحيل القذرة" وعدواً لدوداً وخطيراً للعرب. وفي مهنته الثانية العلنية كديبلوماسي ارتقى كيمحي ليصبح الامين العام لوزارة الخارجية الاسرائيلية واحد المخططين الرئيسيين للسياسة الخارجية الاسرائيلية في الثمانينات.
وفي هذا الدور اجتذب الاهتمام العالمي في مناسبتين على الاقل: الاولى عقب الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، لدوره في التفاوض على اتفاق ايار مايو عام 1983. والثانية لدوره في فضيحة ايران غيت، عندما كان مسؤولاً عن جهود اسرائيل لاجتذاب الولايات المتحدة من اجل الاشتراك في مؤامرة بيع الاسلحة الى ايران ليكون ذلك ستاراً سياسياً يغطي على تجارة الاسلحة الاسرائيلية السرية مع طهران.
ومنذ ان ترك وزارة الخارجية عام 1987 اشترك كيمحي في عدد من مشاريع الاعمال والتجارة المهمة. ومع نهاية الثمانينات اصبح مستشاراً للثري البريطاني تايني رولاند الذي يوجد لامبراطورية لونرو مصالح واسعة النطاق في القارة الافريقية. وفي الآونة الاخيرة عمل مع رجل الاعمال الاسرائيلي اسرائيل آيزنبيرغ مستشاراً لشؤون آسيا الوسطى. ويجدر بالذكر ان آيزنبيرغ يعتبر من اكبر تجار الاسلحة في العالم. ومن البديهي ان يظل الجزء الاعظم من حياة كيمحي الحافلة بالنشاط محاطاً بالسرية والكتمان. الا ان كيمحي ظهر مع بداية مفاوضات السلام الاخيرة بصفته اشد المؤيدين والمتحمسين المنادين بقيام اتحاد بين اسرائيل والفلسطينيين والاردن. ويرى الكثيرون من العرب، وبصفة خاصة سورية، ان هذه الخطة ليست سوى ستار لاقامة اسرائيل الكبرى.
ويشغل كيمحي الآن منصب رئيس مجلس العلاقات الخارجية في اسرائيل. وفي الآونة الاخيرة نشر كتاب "الخيار الاخير: السعي الى تحقيق السلام في الشرق الاوسط". وفي هذا الكتاب تطرق الى السلام مع مصر والمسألة اللبنانية والحرب العراقية - الايرانية وحرب الخليج والفلسطينيين.
ديفيد كيمحي زار لندن في الفترة الاخيرة وعقد اجتماعاً مغلقاً مع عدد محدود من الخبراء في شؤون الشرق الاوسط ودار خلال هذا الاجتماع حوار معه تنشر "الوسط" نصه:
التغلغل الاسرائيلي في آسيا الوسطى
قرأنا في الآونة الاخيرة تقارير صحافية عن نشاطك في جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية. فما الذي تفعله اسرائيل هناك، وما الذي يفعله آيزنبيرغ؟
- ليس لي اية علاقة مع آيزنبيرغ الآن. كانت لي علاقة معه في السابق.
اذن ما الذي تخطط له اسرائيل في جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية؟
- بكل بساطة: الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى مستقلة هذه الايام وهي جمهوريات اسلامية. ولكنني لن اكشف اية اسرار. الا ان لنا مصالح اكبر واهتماماً اعظم في اقامة علاقات مع الجمهوريات الاسلامية، من اقامتها مع الجمهوريات غير الاسلامية. وهي علاقات ديبلوماسية رسمية واقتصادية واجتماعية وثقافية. والاسباب واضحة. فنحن جزء من الشرق الاوسط، لكننا نواجه مشاكل مع الدول الاسلامية في الشرق الاوسط. ولهذا فنحن مهتمون الى درجة كبيرة بإنشاء علاقات طيبة مع دول آسيا الوسطى. ونحن نشعر بأن في وسعنا ان نقدم لها المساعدة الاقتصادية لا سيما اننا طورنا على مر السنين قدرات تكنولوجية وكيانات اجتماعية معينة مثل الحركات التعاونية و"الكيبوتز" التي قد تثير اهتمامهم. ولهذا ذهبنا الى آسيا الوسطى وقلنا لهم: دعونا نقدم لكم بعض ما لدينا من التكنولوجيا. على سبيل المثال في اوزبكستان وكازاخستان حيث يزرعون القطن وجدنا ان معدل انتاج الهكتار هناك يصل الى 2.2 طن بينما يصل المعدل في اسرائيل الى خمسة اطنان وهو من اعلى المعدلات في العالم. ولهذا جئنا الى آسيا الوسطى وعرضنا عليهم التكنولوجيا لزيادة نسبة محصول القطن. وقد حدث هذا في اوزبكستان وكازاخستان حيث ينشط آيزنبيرغ هناك ايضاً.
قرأنا اخيراً انه عقد صفقة مع كازاخستان بقيمة 150 مليون دولار، فهل كان لك اي دور فيها؟
- انا لا أعير هذه الانباء اي اهتمام لان المهم هو ما يحدث على الارض لا الصفقات التي توقع. ففي آسيا الوسطى يوجد هذه الايام عدد من الجماعات الاسرائيلية في مختلف المجالات. وقد اشتركت شخصياً في احداها لتحسين منتوج القطن. وهناك مجموعات اخرى تهتم بزراعة البندورة الطماطم وتصنيعها، واخرى ببناء المصانع لانتاج اغذية الاطفال. كذلك نساعدهم على تحسين محصول العنب والفواكه الاخرى وما الى ذلك من الامور المشابهة.
وتنطوي هذه الجهود على ما اسميه العمل الرائد وتطبيق نظام التعاونيات الجماعية. ففي كازاخستان لديهم ما يسمونه "سوفخوز" اي مزارع الدولة التي تتألف الواحدة منها من حوالي عشرين الف نسمة ويديرها موظف حكومي. ومثل هذه المزارع الضخمة منتشرة في مختلف الاتحاد السوفياتي السابق.
ما هي المضاعفات الاستراتيجية لمثل هذا النشاط؟ هل هو تجديد للفلسفة الاسرائيلية القائمة على التحالف مع الدول المحيطة بالعرب من اجل احتوائهم؟
- كلا، الامر ليس كذلك. الشيء الوحيد، وهو ما لا اطلق عليه اية صفة استراتيجية، هو رغبتنا في اقامة علاقات طيبة مع اكبر عدد ممكن من الدول الاسلامية. وليست هناك اسرار وراء ذلك.
هل يمكن القول ان اسرائيل تؤيد تركيا في تنافسها مع ايران في آسيا الوسطى؟ اي هل ان تركىا واسرائيل حليفتان؟
- نحن بالطبع نفضل النموذج التركي على الايراني. ولكن هذا لا يعني اننا نضغط من اجل قبول الدور التركي. كما انه يجب عدم المبالغة في دورنا او اهميتنا في تلك المنطقة. فقد دخلناها بتواضع وهدوء، ونحن نقدم ما نستطيع في مجال نقل التكنولوجيا، لكننا لا نتدخل في الشؤون السياسية لتلك الدول. ولكن من الطبيعي اننا نفضل النموذج التركي في جمهوريات آسيا الوسطى.
هل تبيعون الاسلحة الى جمهوريات آسيا الوسطى، وهل تقدمون التدريب العسكري اليها مثلما ذكرت بعض الانباء؟
- كلا. ابداً.
الاتحاد الفلسطيني - الاردني - الاسرائيلي
المعروف انك من اقوى دعاة اقامة اتحاد بين اسرائيل والفلسطينيين والاردن. فهل لك ان تشرح لنا كيف ستعمل هذه الصيغة؟ وهل هي النتيجة النهائية التي تودها للمفاوضات السلمية العربية - الاسرائيلية.
- لو كانت المسألة خياراً شخصياً لقلت ان الحل المثالي هو اقامة نوع من الاتحاد بين اسرائيل والاردن والفلسطينيين. وعندما أقول "نوع من الاتحاد" فإنني اقصد ان هناك اشكالاً مختلفة. فأنا اعتقد انه يجب ان يتحرك الشرق الاوسط نحو نوع من "الاقليمية". بمعنى انه برغم نشوء الدول الحديثة الاستقلال بأعداد كبيرة في البلقان والاتحاد السوفياتي السابق فإنني اعتقد ان اقامة صلات وعلاقات اوثق بين دول المنطقة افضل لمستقبلها في القرن الحادي والعشرين. اما شكل الاتحاد فيمكن ان نتركه الى ما بعد. وقد كان هناك مناديان لهذه الفكرة في اسرائيل مع انهما كانا من قطاعين مختلفين: الاول هو ابا ايبان الذي كان يؤيد نموذج الاتحاد الثلاثي الفلسطيني - الاردني - الاسرائيلي. والثاني، وهنا قد تستغرب، هو مناحيم بيغن. ولهذا فإن فكرة الاتحاد يمكن ان تأخذ اشكالاً مختلفة.
ما هدف هذا الاتحاد؟ هل الهدف منه امني ام اضفاء الصفة الرسمية على الاوضاع القائمة وعدم السماح لأية قوة عربية بدخول الاردن، وبالتالي عدم السماح للاردن بالانضمام الى اي تحالف عسكري عربي؟
- اعتقد ان الاهداف تتجاوز كل ذلك. اذ لا بد من ان نأخذ في الاعتبار الجانب الاقتصادي. فالاردن يعاني من مشكلة مياه خطيرة مثل اسرائيل. وهذا وجه واحد فقط للمشكلة. فالمسألة مسألة وجود وبقاء. وانا اؤمن بأنه ليس في وسع احد ان يحل مشكلة المياه مثلاً الا اذا كان هناك تعاون بيننا. ومن الناحية الاقتصادية العامة يمكن الاردنيون والفلسطينيون والاسرائيليون ان يعملوا معاً، بل ويجب ان يفعلو ذلك من اجل مصلحة الجميع. وكلما اتسع نطاق التعاون بيننا، كلما كان ذلك افضل للجميع.
اذا كانت هذه هي نظرة اسرائيل لنهاية عملية السلام، أليس من الافضل اذن من اجل احراز تقدم في تحقيق هذا الهدف، ان تعرض اسرائيل على الفلسطينيين عرضاً سخياً؟ أليس من الضروري ان يتمتع الكيان الفلسطيني الجديد بكيانات ومؤسسات خاصة به؟
- في هذا المجال بالذات اود ان اقول شيئاً مهماً وهو انه لا يمكن ان تسلم دولة فلسطينية الى ياسر عرفات، او اي شخص اخر بالبريد. فالمشكلة الاسرائيلية - الفلسطينية غاىة في التعقيد. ولهذا يجب ان نتعامل معها مرحلة مرحلة. ولهذا اقول، اذا ما بدأنا بإتفاق او ترتيب للحكم الذاتي كمرحلة اولى لخمس سنوات فإنها ستكون بداية طيبة. ولا داعي الى ان تكون من المؤمنين بالتطور التاريخي لكي تدرك ان هذه العملية ستسير الى الامام اما نحو الاتحادية، وهو ما آمل شخصياً أن يتم، او حتى نحو دولة فلسطينية. انني لا اعرف، ولكنني متأكد ان الطريق سيكون الى الامام ولا يمكن السير في الاتجاه المعاكس. ولهذا فإنني اعتبر ان الطلب الفلسطيني بمعرفة ما سيحصل في نهاية المفاوضات منذ الآن، طلب غير واقعي. علينا ان نبدأ في العملية. فهي عملية ستؤدي الى حل سيكون لمصلحة جميع شعوب المنطقة بمن فيها الفلسطينيون.
"لا أزور عمان كل اسبوع"
هل توافق على القول انه كلما قدم الاردن شيئاً اكثر الى اسرائيل كلما عرضت اسرائيل المزيد على الفلسطينيين؟
- لا اظن ان المسألة تتعلق بما يقدمه الاردن الى اسرائيل وانما هي توصل الطرفين الى اتفاق. ولا اظن ان هذه مسألة صعبة. فالمشكلة هي كيف يمكن تحريك الجزء الفلسطيني من المفاوضات الى الامام. واعتقد انه يجب ان يتحرك الى الامام ولكن على مراحل. فالمطالبة بحل كامل واتفاق نهائي الآن ستؤدي الى تقويض كل شيء نظراً الى ضخامة المصاعب وهول التعقيدات. لكن من ناحية اخرى، اذا قلنا لانفسنا فلنتحرك تدريجياً ولنبدأ بالحكم الذاتي ولنواصل التقدم، ولتكن فترة الحكم الذاتي محددة لكي لا يظن احد انها ابدية فإن هذه هي الطريق المثلى في رأيي لاحراز تقدم في مجال العلاقات الاسرائيلية - الفلسطينية المعقدة جداً.
هل يشاطرك اسحق رابين فكرة الاتحاد الفلسطيني - الاردني - الاسرائيلي؟
- انا مقتنع وواثق من ان رابين مصمم على محاولة التوصل الى سلام مع جيراننا العرب بمن فيهم الفلسطينيون. اما بالنسبة الى آرائه في ترتيبات الاتحاد فلا استطيع الحديث نيابة عنه بالطبع. ولكنني واثق من ان اغلبية الاسرائيليين ستؤيد مثل هذا الحل لانه يمثل حلاً واقعياً لموضوع غاية في الصعوبة والتعقيد.
ما هو التأييد بين الفلسطينيين وفي الاردن لهذه الفكرة في رأيكم؟ قرأنا اخيراً تصريحاً لخالد الحسن احد قادة فتح يبدو منه انه يؤيدها. كذلك قرأنا تصريحاً لولي العهد الاردني الامير حسن يؤيد الفكرة على ما يبدو. هل هناك تأييد عام لهذه الفكرة في اعتقادكم؟
- لا استطيع ان اعطيك صورة دقيقة. فأنا لا اعيش في الاردن ولا ازور عمان كل اسبوع. ولكن بعد ان قرأت المقالات التي نشرها الامير حسن، واستمعت الى الخطابات التي القاها الملك حسين، استطيع القول انهما يدركان خير ادراك ان مستقبل الاردن المستقر اقتصادياً وسياسياً يعني ضرورة التعاون مع اسرائيل. والتعاون ليس سوى خطوة واحدة بعيدة عن الاتحاد الكونفيدرالي. واود ان اؤكد مرة اخرى ان هناك اشكالاً عدة للاتحاد. هناك خيارات عدة، ولا اريد ان اقول ان هذا الخيار جيد وذلك الخيار سيىء. فالفكرة العامة هي انه لا بد لنا من التفاوض على ايجاد حل. وقد لا يكون الحل مرضياً تماماً للفلسطينيين او الاسرائيليين لان اي حل وسط لا يمكن ان يكون مرضياً تماماً. ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة للتوصل الى احلال السلام. ولهذا فإنا اؤمن بأن جميع هذه الخيارات يجب ان تخضع للتفاوض وبكل حرية وبكل ما يرافق المفاوضات من صراخ وغضب وازمات. ولكن من المؤكد انه سيظهر في نهاية الامر سيناريو يكون مقبولاً لجميع الاطراف.
خفايا الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي
كما تعرف طالما اعترض السوريون على هذا الترتيب لانهم يخشون من ان يصبح الاردن جزءاً من الفلك الاسرائيلي. وانت تعرف جيداً كيف استماتت دمشق في منع وقوع لبنان في فلك النفوذ الاسرائيلي. فكيف يمكن اقناع سورية بذلك؟
- يمكن وضع الترتيبات بشكل لا يقول معه احد ان الاتحاد هو لمجرد توسيع اطار النفوذ الاسرائيلي، لان هذه ليست الفكرة او الهدف من الاتحاد. وثانياً، سأكون سعيداً جداً اذا ما حدث نوع من الترتيب الاقليمي في الهلال الخصيب يضم سورية ولبنان، ليس كعضوين في الاتحاد، ولكن على اساس اقامة نوع من الصلة بينهما وبين الاتحاد الفلسطيني - الاردني - الاسرائيلي.
من الافكار التي ترددت ان اسرائيل ربما تعيد مرتفعات الجولان الى سورية، بل وربما تعترف بالسيطرة السورية على لبنان، في مقابل غض الطرف عن صيغة الاتحاد الفلسطيني - الاردني - الاسرائيلي. فهل هذا امر وارد؟
- اولاً، لا اظن ان في وسعنا المساومة بأي شكل او اي طريقة على حقوق لبنان. وثانياً لا اعتقد ان في الوسع بحث مثل هذه الاحتمالات لان التفاوض بحرية كاملة هو الذي يقود الى الحلول وليس العكس.
لقد كان لك دور رئيسي في المفاوضات التي ادت الى توقيع اتفاق السابع عشر من ايار مايو عام 1983 بين اسرائيل ولبنان. فهل تعترف انك ارتكبت اي اخطاء، وهل هناك دروس يمكن استخلاصها من فشل ذلك الاتفاق بالنسبة الى علاقات اسرائيل المستقبلية مع لبنان؟
- بالنسبة الى الاخطاء، شعرنا آنذاك بأنه يجب عدم توقيع مثل هذا الاتفاق من دون التوصل الى نوع من الترتيبات مع سورية. وقد اوضحنا هذه النقطة بكل جلاء للوسيط الاميركي فيليب حبيب. لكن فيليب حبيب قال لمناحيم بيغن، الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك، وبحضوري شخصياً، ليس مرة او مرتين، بل عشرين مرة على الاقل: "لا تقلق من اي شيء. نحن الاميركيين سوف نتخذ الترتيبات اللازمة مع سورية خلال 48 ساعة من توقيع الاتفاق بين اسرائيل ولبنان". واذكر انه قال مرة "خلال 48 ساعة"، وفي مرة اخرى "خلال 72 ساعة" وفي مرة ثالثة "خلال بضعة ايام"ثم "خلال اسبوع" من التوقيع. لكن رسالته كانت واضحة وهي: "اتركوا المسألة السورية لاميركا". وهكذا كان لدينا شكوك. وانا اذكر ذلك جيداً، لانني كنت مشتركاً شخصياً في المفاوضات وقضيت وقتاً طويلاً جداً على ذلك الاتفاق. وعندما سمعنا المبعوث الاميركي يكرر ويعيد الرسالة نفسها مرة تلو المرة، قلنا لانفسنا: حسناً فلنجرب، لأنه لا بد وانه يعرف ما الذي يتحدث عنه. وبالطبع كانت تلك غلطة كبرى.
هل تعني ان الغلطة الكبرى انكم وثقتم في الاميركيين؟
- لا اريد ان اقول هذا بالضبط. فأنا لا اريد ان اهاجم فيليب حبيب لا سيما انه لم يعد على قيد الحياة. لكن قبولنا تلك الطمأنة الاميركية كانت غلطة كبيرة، وبعد ذلك كان الرئيس اللبناني امين الجميل مقتنعاً تماماً بأن اميركا ستقنع السوريين بالانسحاب من لبنان. ولهذا فعندما صادق مجلس النواب اللبناني على الاتفاق في ما بعد لم يعترض احد عليه اطلاقاً، باستثناء امتناع ثلاثة نواب عن التصويت وهكذا فإن الشيعة والسنة والدروز والجميع قبلوا الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي وصادقوا عليه، مع ان امين الجميل قرر تأجيل التوقيع على رسائل المصادقة، اذ شعر بأن تأجيل توقيعها لبعض الوقت سيعطي الاميركيين فرصة افضل لاخراج السوريين من لبنان. ولكن لو وقّع الجميل على الاتفاق فوراً لسرى مفعوله في الحال، لان توقيعه كان الشيء الوحيد الناقص الذي يمنع تطبيقه. وقد ابلغ الجميل اصدقاء له انه يؤمن بالاتفاق ويريد تنفيذه. ولكنه مع ذلك اجل التوقيع عليه. وهكذا فانت ترى ان الجميع يمكن ان يخطئوا. لقد كانت غلطة كبيرة وكانت هناك دروس كثيرة يمكن تعلمها. وبصفة اساسية، فإن اتفاق 17 ايار مايو 1983 لم يكن اتفاقاً سهلاً ولم يكن تسليماً من لبنان لاسرائيل بكل شيء وانما كان نتيجة مفاوضات شاقة جداً بين اللبنانيين والاسرائيليين وبمشاركة الاميركيين.
كان الاتفاق نتيجة خمسة اشهر من المفاوضات الشاقة التي ناقشنا فيها كل كلمة وحللنا فيها كل جانب. ولم تقتصر تلك المناقشة والتحليل على العناصر المسيحية في لبنان لان امين الجميل كان قال قبل ذلك انه لا يريد للاتفاق ان يكون اتفاقاً مسيحياً. ولهذا كان ينقل كل كلمة في تلك المفاوضات الى رئيس الوزراء شفيق الوزان. كذلك اطلع رئيس الوزراء السابق صائب سلام على كل كلمة لان ابن اخيه كان عضواً في الوفد اللبناني المفاوض. باختصار خضع كل شيء للتحقيق والتمحيص والبحث والتحليل وقبل لبنان ككل الاتفاق وليس العناصر المسيحية فقط. ولهذا يمكن، بل سيكون في اعتقادي مسودة مشروع اتفاق مع لبنان في المستقبل.
كيف تفسر إساءة فيليب حبيب تقدير الموقف السوري؟
- اعتقد ان حبيب كان سياسياً ماهراً وذكياً. وكان يؤمن بقوة بأننا اذا ما باشرنا في العملية فإن الامور ستتغير. المهم ان تبدأ العملية. كذلك اظن انه كان يعتقد ان في وسعه الضغط على السوريين. ولهذا اعتقد انه أساء فهم وتقدير الموقف السوري.
ما هو العنصر الاساسي الذي تعتقد انه سمح للسوريين بمحاربة الاتفاق واحباطه؟ هل كان تسليح روسيا السوريين ام انسحاب اسرائيل من منطقة الشوف اللبنانية؟
- اعتقد ان العنصر الاساسي كان ضعف اسرائيل في لبنان. فقد حدث تغيير في النظام الاسرائيلي. اذ ان ارييل شارون اضطر الى الاستقالة من وزارة الدفاع بعد مذابح صبرا وشاتيلا. وعندها قال رئيس الاركان الجديد موشي ليفي: "يجب ان اسحب جيشي من لبنان واشرع في تدريبه من جديد لان تورطه في لبنان ليس من صالح الجيش". وايده في ذلك وزير الدفاع الجديد موشي آرينز وهكذا جاء قرار الانسحاب من الشوف. لكن الشوف هي مفتاح لبنان لانها تطل على طريق بيروت - دمشق وعلى ضواحي بيروت. واذا ما تركتها فإنك تترك لبنان في الواقع. وكان انسحابنا منها فرصة ذهبية اتاحت لسورية الضغط على امين الجميل. ومع ذلك كان هناك خصم اخر لسورية وهم الجنود الاميركيون في القوات المتعددة الجنسيات في لبنان.
الا ان الهجومين الارهابيين الرهيبين على مقر قيادة مشاة البحرية الاميركية والقوات الفرنسية وعلى السفارة الاميركية في بيروت وضعا نهاية للوجود الاميركي في لبنان. وهكذا وبمجرد ان انسحب الاسرائيليون والاميركيون اصبح امين الجميل في موقف مكشوف ضعيف تجاه سورية.
هل تعتقد ان ليفي وآرينز ارتكبا خطأ بسحب القوات الاسرائيلية من الشوف في تلك المرحلة الحرجة؟ وهل كان في وسع الجيش الاسرائيلي والاميركيين ان يواصلوا البقاء برغم هجمات المقاتلين اللبنانيين؟
- كلا، لا اريد ان اقول ذلك. فأنا افهم وجهة نظرهما. لكن المسألة كانت مسألة اولويات. ولهذا لا استطيع القول ان القرار كان خطأ. اما من الناحية التاريخية فإنني استطيع القول ان هذا كان سبب انهيار الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي.
هل تريد القول انه كان ينبغي الدفاع عن اتفاق السابع عشر من ايار مايو 1983؟
- نعم، لو كان هناك تصميم اقوى للتمسك به لكان الدفاع عنه ممكناً. فلو وقّع امين الجميل عليه فوراً لاصبح ساري المفعول، ولزاد من الضغط علينا وعلى السوريين لكي ننسحب من لبنان. صحيح انه ربما لن يطبق الاتفاق بحذافيره، ولكن كان سيصبح معاهدة سيسعى الطرفان الى تنفيذها.
الحزام الأمني وحزب الله
ما هو رأيك في الحزام الامني في الجنوب اللبناني الذي يسيطر عليه الاسرائيليون؟ هل تعتقد ان سياسة اسرائيل فيه ناجحة؟ وما رأيك في القول ان وجود اسرائيل في منطقة الحزام الامني هو الذي ادى الى تقوية حزب الله في لبنان؟
- اننا ننظر الى المشكلة من منطلق امن مستعمراتنا في شمال اسرائيل. وما دام هناك خطر على امنها فإننا سنظل في جنوب لبنان. وفي اليوم الذي نشعر فيه بأنه لم يعد هناك تهديد سننسحب. نحن لا نعتزم البقاء هناك، وقلنا للبنانيين مرات عدة اننا لا نطمع في ذرة واحدة من الاراضي اللبنانية. فوجودنا هناك مؤقت. وما نريد ان نراه هو وجود حكومة لبنانية قوية وجيش لبناني قوي يستطيع ان يذهب الى الجنوب ويضمن امن المنطقة واستقرارها. لكن هذا غير متوفر الآن. فقد نزعت الدولة اسلحة جميع الميليشيات باستثناء حزب الله الذي يهدد امن الاسرائيليين. يضاف الى ذلك ان هناك عناصر من منظمة التحرير الفلسطينية تعرض امن المنطقة للخطر. وما دام هذا الخطر قائماً فإننا لا نستطيع الانسحاب من جنوب لبنان.
لكن حزب الله لا يهاجم الا اهدافاً داخل منطقة الحزام الامني، ونادراً ما هاجم الحدود مع اسرائيل؟ وحتى عندما فعل ذلك انما فعله بعد الاستفزازات الاسرائيلية؟
- هناك سبب بسيط لعدم هجوم حزب الله على اسرائيل وهو انه لا يستطيع اختراق الحزام الامني.
من الامور التي تثير الاستغراب لدى الكثيرين انه رغم اغتيال اسرائيل الشيخ عباس الموسوي وما ادى اليه ذلك من مشكلات واضطرابات فإنها تخطط على ما يبدو لتكرار ذلك - اي اغتيال السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله، الا يعتبر هذا امعاناً في الخطأ؟
- من الخطأ التسليم بما تنشره الصحف. ففي وسعي ان اعطيك رواية اخرى مختلفة تماماً. فالجيش الاسرائيلي لديه كما هو معروف خطط احتياطية كثيرة. فإذا ما اقتضى الامر منا ان نفعل الشيء ألف فإن لدينا خطة لتنفيذ ذلك. واذا ما طلب الينا ان نفعل الشيء ب فإن لدينا خطة لفعل ب. والتمرينات التي اشرت اليها تمرينات على خطة طارئة او احتياطية. بمعنى انه اذا ما طلبت الحكومة او قررت فعل شيء ما في يوم ما فإن الجيش سيكون لديه خطة جاهزة. هذه هي طريقة عملنا. ولذلك فمن الخطورة بمكان ان نتسرع او نستنتج هذا الشيء او ذلك، او اننا سنفعل يوم الاثنين او يوم الجمعة هذا الشيء او ذلك الشيء، او اننا سنغتال حسن نصرالله.
سلام اسرائيلي - سوري
نظراً الى العداء الطويل بين سورية واسرائيل هل ترى امكان التوصل الى حل في هذه المرحلة؟ وهل هناك امكانية ايضاً لاعتراف كل دولة بأن للدولة الاخرى مصالح حيوية لا بد من تأمينها؟
- بكل تأكيد يجب الا ننسى ان هناك امثلة من الماضي مثلاً في عهد حسني الزعيم واديب الشيشكلي عندما حصلت جهود فعلية للتوصل الى سلام بين سورية واسرائيل. ومن الواضح ان هناك مشكلات خطيرة تتصل بالامن. فعندما نكون في منطقة بحيرة طبريا ونتطلع الى مرتفعات الجولان نتذكر تلك الايام التي كان السوريون يصوبون فيها مدافعهم باتجاه مستوطناتنا ويقصفونها. وهذه ايام لن تنسى بسهولة. ومع ذلك فأنا شخصياً لا اؤمن بوجود مشكلة من دون حل. ولهذا يمكن حل المشكلة الامنية والتوصل الى سلام كامل مع سورية. وبعد احلال ذلك السلام ستنشأ في نهاية المطاف ثقة متبادلة.
الجنرال أهارون ياريف، قال الشيء نفسه وهو ان مرتفعات الجولان في غاية الاهمية، ولكن السلام اهم، ولذا على اسرائيل ان تكون مستعدة لدفع ثمنه. فهل تتفق معه؟
- بكل تأكيد، شرط ان تكون هناك ترتيبات امنية قوية في صيغة السلام.
ما هي الترتيبات الامنية التي تقترحها للجولان؟ نزع السلاح؟ خفض عدد القوات؟ محطات للمراقبة؟
- لا اريد حتى البدء في سردها. فالمسألة ايضاً مسألة توقيت، وهي مشكلة حرجة. فمثلما تكون عملية نزع السلاح سهلة، تكون عملية التسليح سهلة ايضاً. وارجاع القوات يستغرق الوقت نفسه مثل سحبها من منطقة ما. وقد رأينا ما حدث عام 1967 عندما طلبت مصر من الامم المتحدة سحب قواتها من قطاع غزة وشرم الشيخ. اذ انها سحبت قواتها يوماً بيوم بينما حلت القوات المصرية محلها في الوقت ذاته. وقد كان ذلك درساً مهماً بالنسبة الينا.
هل لك ان تقول لنا شيئاً عن عملك في الموساد؟
- لا. شكراً.
* كاتب وخبير بريطاني بارز في شؤون الشرق الاوسط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.