قالت مصادر ديبلوماسية لبنانية وأخرى عربية أن قرار الحكومة الإسرائيلية الانسحاب من جنوبلبنان، والموقف اللبناني والعربي منه سيكونان بين المواضيع المهمة المطروحة على أعمال مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي ينعقد بعد غد السبت في بيروت في صورة استثنائية. وذكرت مصادر لبنانية رسمية أن تصريحات المسؤولين اللبنانيين ومواقفهم في ما يتعلق بقرار اسرائيل الانسحاب، وخصوصاً رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة سليم الحص، اضافة الى ثوابت الموقف اللبناني التي ستتضمنها ورقة العمل اللبنانية الى المؤتمر والتي تنص على التمسك بقرار مجلس الأمن الرقم 425 بالانسحاب غير المشروط وتلازم المسارين اللبناني والسوري وضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، كفيلة بتحديد صورة الموقف من هذا الانسحاب. وإذ اعتبر لحود ان "الانسحاب إذا حصل انتصار للبنان والمقاومة"، ورحب الحص به، وفضلا أن يتم باتفاق سلام، فإن الأوساط المراقبة أخذت تتلمس الصيغة التي يمكن المؤتمر أن يخرج بها كجامع مشترك في الموقف من هذا الانسحاب، إذا تباينت قراءته بين المشاركين في هذا المحفل العربي. وفي رأي مصادر لبنانية ان ثوابت الموقف اللبناني كافية لاستخراج الموقف الموحد خصوصاً أن معظم الدول العربية مستعدة للقبول بما يطلبه لبنان. الا ان قرار الانسحاب يخضع لقراءات مختلفة. وفي هذا السياق قال مصدر ديبلوماسي عربي ل"الحياة" ان الدول العربية الأساسية المعنية بمفاوضات السلام وبتطورات الوضع في لبنان تملك معلومات شبه مؤكدة مصدر بعضها الولاياتالمتحدة الاميركية والبعض الآخر اسرائيل ان الانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان حاصل لا محالة بحلول نهاية تموز يوليو المقبل. وذكر أن اعلان وزير الخارجية المصرية عمرو موسى في مقابلته مع تلفزيون "المستقبل" ليل الأحد الماضي أن الانسحاب حاصل واشارته الى أن عمليات المقاومة لتحرير الجنوب تكون حققت أهدافها بما يعني وقف الأعمال العسكرية ضد اسرائيل، هو احدى الدلائل الى أن دولاً عربية عدة تبلغت القرار الإسرائيلي. وأوضح المصدر العربي ل"الحياة"، في حال تعذر حصول اتفاق سلام بين سورية ولبنان بالتالي واسرائيل، فإن نص قرار الحكومة الإسرائيلية الانسحاب على عبارة "اتفاق"، لا يعني بالضرورة اتفاق سلام، وقد يعني "توافقاً ما" على أن يتم الانسحاب مع اتخاذ الإجراءات المطلوبة من أجل الحؤول دون حصول أعمال عسكرية ما وراء الحدود مع لبنان من بعده. وقال المصدر ان التحرك العربي الأخير حيال لبنان "هدفه التأكيد، اضافة الى التضامن معه في وجه الاعتداءات، انه إذا حصل انسحاب اسرائيلي لاحقاً فلا يجوز لأي فريق أن يتفرد بعمل عسكري يستدرج ردود فعل اسرائيلية تؤدي الى تدهور عسكري تتأثر بنتائجه الدول العربية الأخرى جميعاً، لا سورية ولبنان وحدهما". وأشار الى أن هذا الموقف في مرحلة ما بعد الانسحاب عند حصوله "يتم على قاعدة التمسك بدعم الموقفين السوري واللبناني في مفاوضات السلام وحقوق كل منهما". وتابع "لذلك فإن الحديث عن انسحاب باتفاق قد يعني اتفاق سلام، وهذا ما تتمناه الدول العربية بتضامنها مع الموقفين السوري واللبناني وتأييدها ثوابت كل منهما، وقد يعني أيضاً اتفاقاً على ضبط الوضع في مرحلة ما بعد الانسحاب". وكشف أن نجاح جهود التوصل الى اتفاق سلام بين سورية واسرائيل وبالتالي لبنان واسرائيل، قد يؤدي الى تأجيل الانسحاب الإسرائيلي بعض الوقت، إذا كان هذا التأجيل يساعد في تسريع اتفاق السلام. وفي المقابل، نقلت شخصيات لبنانية عن مسؤولين سوريين قولهم ان اعلان الحكومة الإسرائيلية نيتها سحب جيشها من جنوبلبنان، "مناورة هدفها الضغط على سورية في شكل رئيسي، في ظل شكوك كبيرة في أن تنسحب فعلاً، لأن انسحاباً كهذا، يعني اقراراً اسرائيلياً بالهزيمة. فهل اسرائيل مستعدة للإقرار بالهزيمة؟"، وذكرت هذه المصادر "ان هذا ما دفع سورية الى الإعلان عبر الجبهة الوطنية المركزية أن الانسحاب انتصار للبنان وسورية والمقاومة وتأكيد صحيفة "تشرين" أن الانسحاب ليس مأزقاً لسورية". وقالت مصادر سياسية لبنانية مطلعة على الموقف السوري "ان دمشق تتصرف حيال الإعلان الإسرائيلي على أنه مناورة، نظراً الى أن الإعلان في حد ذاته يتضمن في نصه افخاخاً كثيرة، تسمح للإسرائيليين بالبقاء في لبنان بحجج عدة، وهنا تكمن عناصر المناورة في قرار حكومة ايهود باراك الذي بين أهدافه فصل المسارين اللبناني والسوري عبر الإيحاء منذ الآن بخطوة الانسحاب". وكان نص القرار الإسرائيلي كما أذيع الأحد الماضي مدار بحث وتحليل بين الكثير من الجهات اللبنانية، السياسية والرسمية، ما أدى الى طرح أسئلة واستنتاجات عدة في صدده منها: - ان القرار أشار الى انسحاب باتفاق. لكنه لم يشر الى نوع هذا الاتفاق هل هو اتفاق سلام، وهل هو مع لبنان، أم مع سورية ولبنان معاً؟ فإذا كان غموض النص هنا هدفه استدراج لبنان الى تفاوض منفرد فإن لبنان لن يقبل ذلك استناداً الى تشبثه بتلازم المسارين اللبناني والسوري. أما إذا كان المعني بالاتفاق هو الاتفاق على ترتيبات أمنية من دون اتفاق سلام، فهذا سبق للبنان أن رفضه وما زال. - ان القرار الإسرائيلي نص على الانسحاب حتى الحدود مع لبنان، ولم يأت على ذكر "الحدود الدولية"، ما يفتح مجالاً للتشكيك في أن تنسحب اسرائيل وفقاً للمفهوم اللبناني للحدود. ويسأل مصدر وزاري لبناني في هذا الصدد: "هل يكون الانسحاب كاملاً، أم يبقي جيش الاحتلال نقاطاً له في الأراضي اللبنانية، بحجة ضمان أمن المستوطنات الشمالية، الذي نص عليه القرار؟ وهل ينسحب من مزارع شبعا التي قضم أراضيها؟ وهل يتخلى عن القرى السبع التي ضمها الانتداب البريطاني الى الأراضي الفلسطينية في العام 1923؟".