رابين مفاوض صعب لكنه يريد السلام مع العرب ومستعد لدفع الثمن أؤيد التفاوض مع حزب الله بحضور السوريين وضمانتهم بوش لم ينقذ اسرائيل وصدام حسين هو المسؤول عن خراب العراق نشعر بقلق بالغ من امتلاك ايران ودول اسلامية أخرى القنبلة النووية تنشر "الوسط" محضر لقاء مغلق بالغ الأهمية يتناول اسرائيل وخططها وأهدافها في الشرق الأوسط وآفاق احتمالات التسوية السلمية للنزاع العربي - الاسرائيلي وحرب الخليج وصدام حسين وإيران ومساعيها لامتلاك السلاح النووي. محور هذا اللقاء هو الجنرال أهارون ياريف رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية السابق، وصديق اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي وأحد مستشاريه البارزين، ورئيس أهم مركز دراسات استراتيجية في اسرائيل وهو مركز "جافي" التابع لجامعة تل ابيب. اللقاء المغلق ضم الجنرال ياريف وخمسة خبراء استراتيجيين عالميين، وحضرته أنا. وعقد هذا اللقاء في العاصمة الكورية سيول قبل اسبوعين اذ كنا جميعاً مدعوين، مع نحو مئتي مندوب آخرين يمثلون أكثر من مئة دولة، للمشاركة في أعمال المؤتمر السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة مرموقة لها احترام واسع في العالم ومقرها لندن. وخلال هذا الاجتماع المغلق أجاب الجنرال ياريف عن مجموعة كبيرة من الاسئلة طرحها عليه الخبراء الخمسة. وتكشف أجوبة ياريف عن جوانب بالغة الأهمية من تفكير الاسرائيليين حالياً. ولا بد قبل نشر محضر هذا اللقاء من التعريف بياريف. أهمية هذا الجنرال انه وثيق الصلة برئيس الوزراء الحالي رابين وأنه خال البروفسور ايتامار رابينوفيتش ومستشاره ايضاً رئيس الوفد الاسرائيلي في المفاوضات مع سورية. ويتمتع ياريف باحترام واسع في الأوساط العسكرية الاسرائيلية، وهو عضو بارز في "مجلس الأمن والسلام" الاسرائيلي وهو منظمة تجمع الجنرالات الاحتياطيين الاسرائيليين الذين تفضل غالبيتهم مبادلة الأرض بالسلام. ولد الجنرال ياريف في موسكو عام 1920 ووصل الى فلسطين حين كان طفلاً. وفي عام 1939 انضم الى عصابة هاغانا. وفي الحرب العالمية الثانية التحق بالجيش البريطاني برتبة كابتن، وبعد ذلك انتقل ليعمل مع الموساد المخابرات الاسرائيلية في أوروبا. وفي عام 1948 اشترك في الحرب العربية - الاسرائيلية عندما كان قائداً لاحدى الكتائب. وفي عام 1954 أصبح أول رئيس لكلية الأركان والقيادة الاسرائيلية. وبعد ذلك بعقد من الزمان، أي في عام 1964، وبعد أن أمضى ثلاث سنوات ملحقاً عسكرياً في واشنطن ثم قائداً للواء المشاة، اختير ليتولى رئاسة مخابرات الجيش الاسرائيلي أمان وظل في ذلك المنصب تسع سنوات حتى شهر تشرين الثاني نوفمبر 1972. وقد احتل ياريف قبل حرب عام 1967 وخلالها وبعدها مكانة مرموقة في اوساط المخابرات الاسرائيلية. اذ ان المعلومات الاستخبارية التي قدمها للحكومة عن ضعف مصر عام 1967 كانت عاملاً حاسماً في إقناع الزعماء السياسيين الاسرائيليين بأن الفرصة سانحة لتوجيه ضربة ساحقة الى العرب وأنه يجب عدم تفويتها. وكان ياريف يحضر اجتماعات مجلس الوزراء بصورة منتظمة كما كان الكل يعتبره آنذاك المصدر الثاني للسلطة العسكرية بعد رئيس هيئة الأركان في ذلك الوقت، اسحق رابين. وبعد حرب تشرين الأول اكتوبر عام 1973 ارتكب ياريف ما يصفه بپ"الغلطة الكبيرة" في حياته، وهي التحول الى المعترك السياسي. اذ انضم الى الحكومة الاسرائيلية وزيراً للمواصلات أولاً ثم وزيراً للاعلام. لكنه ترك الحياة السياسية عام 1977 ليصبح رئيساً لمركز "جافي" التابع لجامعة تل أبيب، وهو مؤسسة تركّز دراساتها على قضايا الأمن الوطني الاسرائيلي. وفي هذا المنصب الحسّاس المرموق يمارس الجنرال ياريف نفوذاً قوياً كما ان له اثراً كبيراً على الرأي العام الاسرائيلي في القضايا المتعلقة بالحرب والسلام. وفي ما يأتي محضر اللقاء المغلق بين الخبراء الخمسة وياريف، وقد اتخذ شكل السؤال والجواب: كنت في الماضي من الصقور المتطرفين، ولكن الناس يقولون انك معتدل الآن ومن الحمائم. فما الذي أدى الى تغيير موقفك؟ - كنت من الصقور قبل حرب عام 1967 وخلالها، وفي السنوات القليلة المباشرة التي اعقبتها. اذ كنت اعتقد ان الأمن الوحيد الذي يمكن لاسرائيل ان تحصل عليه هو عن طريق الاحتفاظ بالمزيد من الأراضي العربية. وكنت افكر في اطار العمق الاستراتيجي والحدود الآمنة وما الى ذلك. ولكن مع مرور الزمن خلصت الى نتيجة مفادها ان هذا لن يكون مجدياً، وأن أمننا لا يعتمد بالضرورة على عامل الأرض. فاذا كان في وسعك ان تحتفظ بالأرض من دون أي مشكلات فان المسألة مختلفة. لكن الاحتفاظ بالأرض في حالتنا يعني المواجهة المستمرة مع العالم العربي. وبنظرة بسيطة الى الخريطة يمكن للمرء ان يرى أننا نقع في وسط العالم العربي. ولهذا لا يمكننا ان نصمد في هذا المكان ككيان سياسي مستقل يعيش مواجهة مستمرة مع العالم العربي. من هنا يجب ان نتوصل الى تفاهم مع العرب. ومن أجل هذا التفاهم يجب علينا ان ننسحب من الأراضي العربية المحتلة. بالطبع يجب ان يتم مثل هذا الانسحاب في اطار اتفاقية سلام تتم بموافقة الطرفين عليها بحرية، كما يجب ان يوقعا عليها وان تكون مضمونة ومصحوبة باجراءات امنية وبنزع سلاح وإقامة محطات ومراكز للمراقبة، وفصل القوات وما الى ذلك من الترتيبات. ولكن اذا كنا نريد السلام فان علينا ان ندفع الثمن وهو التخلّي عن الأراضي. هل توصلت الى هذا القناعة فجأة أم تدريجياً؟ - كلا، كانت عملية تدريجية. الجيش والانسحاب هل كانت الانتفاضة هي السبب؟ - لا. توصلت الى هذا القناعة قبل الانتفاضة بوقت طويل. بدأت أقتنع بهذا الرأي في أواخر السبعينات. وفي هذا السياق دعني أحكي لك هذه القصة: عام 1978 طلب مني شيمون بيريز أن ألقي خطاباً في مناسبة وفاة ديفيد بن غوريون في بيته القديم في تل أبيب، الذي أصبح الآن ملكاً للدولة. وقلت لبيريز: "إسمع، أنا لست من المختصين في شؤون بن غوريون". لكنه ألح وأصر وقال: "تكلم عن أي شيء تريده". وهكذا بدأت أفكر في اختيار موضوع لكلمتي الى ان قررت التحدث عن المشكلة الفلسطينية أرضاً وشعباً. وفعلاً تحدثت عن إمكانية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية تحت شروط معينة، وعن الدولة الفلسطينية، وهي أمور كانت محرمة على معظم الاسرائيليين. وطرحت صيغة آنذاك فقلت ان على اسرائيل ان تكون مستعدة للحديث مع أي منظمة فلسطينية أو جماعة فلسطينية تفي بثلاثة شروط: أولاً، أن تعترف باسرائيل دولة مستقلة ذات سيادة، ثانياً، أن تتخلى عن الارهاب وتنبذ استخدامه، ثالثاً أن تعلن إلغاء وبطلان تلك البنود من الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنادي بالقضاء على اسرائيل. وكان المستمعون آنذاك من المدنيين من نساء ورجال، إضافة الى عسكريين بملابسهم الرسمية. ولاحظت ان كلماتي لم تلق أي قبول بين الرجال المدنيين ولكنها لقيت قبولاً كبيراً جداً بين النساء والجنود. وكان في تلك الاستجابة ما شجعني كثيراً. هل تعتقد أن معظم كبار ضباط الجيش الاسرائيلي يرون الآن ان الأراضي العربية المحتلة عبء اكثر منها ميزة ايجابية؟ - لا أعرف بالضبط ما هو رأي الجنرالات العاملين الآن في الخدمة. ويمكن ان أقول انهم منقسمون في ذلك بنسبة خمسين الى خمسين في المئة. اما بين جنرالات الاحتياطي فهناك أغلبية واضحة تؤيد الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي. وهذه حقيقة معروفة لأنهم أعضاء في "مجلس السلام والأمن" الذي أنتمي اليه أنا أيضاً. ثمن السلام كثيرون من العرب يقولون ان لا فرق بين اسحق رابين واسحق شامير، وإن ما حدث هو مجرد تغيير في الأسلوب والشكل لا الجوهر. فماذا تقول؟ - أبداً. هناك فرق كبير. اذ أن شامير لم يكن يريد شيئاً سوى اسرائيل الكبرى. لكن رابين يريد السلام. صحيح ان رابين ربما كان مفاوضاً صعباً في هذه النقطة أو تلك، في مسألة الأرض أو القدس مثلاً، ولكنه يريد السلام فعلاً، ويريد التوصل الى تسوية. وهل هو على استعداد لدفع الثمن؟ - نعم. ربما يساوم في الثمن ولكنه مستعد لدفعه. رابين يقول انه موافق على أن القرار الرقم 242 ينطبق على مرتفعات الجولان ولكنه في الوقت نفسه يقول انه لن يعيد الجولان كاملاً ابداً الى سورية. كما ان الرئيس حافظ الأسد يصر على عودة كل شبر ولكنه يدرك ان لاسرائيل بواعث قلق أمنية بسبب المنطقة. فهل يمكن التوفيق بين الموقفين؟ - فلنبدأ من النهاية. فأنا ممن يؤمنون بالحد الأدنى، ولهذا لا تأخذ رأيي على أساس أنه مثال جيد على الرأي الاسرائيلي. وأنا أؤمن أن مرتفعات الجولان مهمة ولكنني أؤمن أيضاً أن السلام أهم، وعلينا أن ندفع ثمن السلام. والمهم في الجولان في رأيي هي الموارد المائية لا سيما منابع نهر بانياس. ولذا يجب ان نصر قدر المستطاع على الاحتفاظ بالسيادة على هذا المصدر. أما اذا اخفقنا في الحصول على تلك السيادة فانه يجب ان نحصل على نوع من الترتيب الذي يضمن عدم مساس السوريين بتلك المصادر من المياه مثلما يعتزمون. لقد ارتكب السوريون، قبل ان يتولى الرئيس حافظ الأسد السلطة، الكثير من الأخطاء في منطقة الحدود، مثلما ارتكبنا نحن الكثير من الأخطاء. فقد أخطأنا في مسألة المناطق المنزوعة السلاح التي لم تحدد اتفاقية الهدنة لعام 1949 السيادة عليها وأصرت اسرائيل على توليها بالقوة. وهكذا كانت تلك غلطة كبيرة لأنها دفعت إلى شن الهجمات السورية. وإضافة الى المياه، نحتاج الى اتخاذ اجراءات في مرتفعات الجولان لضمان الأمن، من ذلك نزع السلاح وفصل القوات ووجود قوات تابعة للأمم المتحدة أو تابعة للولايات المتحدة. هل تريدون مركزاً للمراقبة يديره اسرائيليون في الجولان؟ - ليس من الضروري أن يديره اسرائيليون. ولكن يجب ان تكون هناك عمليات تفتيش متبادلة، ولا بد من وجود "خطوط هاتف ساخنة" بيننا وبين السوريين ليس على المستوى المحلي فحسب بل وعلى أعلى المستويات. وطبعاً، فان ما نحتاج اليه فوق كل شيء هو السلام الكامل. مفاوضات مع حزب الله هل تؤيد الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان؟ - ليس لدينا في جنوبلبنان سوى مشكلة واحدة، هي أمن مستوطناتنا الشمالية. وأعتقد أنه ينبغي علينا أن نعترف بالمصالح السورية في لبنان. ولن أحل مشكلة جنوبلبنان من دون موافقة السوريين الضمنية او العلنية. ويجب ان نقول للسوريين: تأكدوا من أن الحدود آمنة وبعدئذ سننسحب من لبنان. يعني ليس لاسرائيل أي أطماع إقليمية في لبنان؟ - إطلاقاً. الآن وقد حقق حزب الله مكاسب في الانتخابات اللبنانية وأصبح له عدد من النواب هل أنتم مستعدون للتفاوض معه؟ - إذا كان في الوسع التوصل الى اتفاق مع حزب الله فأنا لست ضد التفاوض معه أو أي شخص آخر. ولكن يجب ان يشترك السوريون في مثل هذه المفاوضات وأن يضمنوها. فنحن لا نعرف ما إذا كان حزب الله جزءاً من خطة ايرانية لتصدير الأصولية، أم لا. وإذا ما انسحبنا فان حزب الله ربما يهاجم مستوطناتنا. أما بالنسبة الى السوريين فنحن نعرف شيئاً واحداً بكل تأكيد وهو أن الاتفاق معهم اذا ما توصلنا اليه، سيكون اتفاقاً حقيقياً وفعلياً. ورابين يقول دائماً: "إن الحدود الوحيدة الهادئة هي الحدود السورية". وهو يكرر القول دائماً إنه لم تحدث أية مشاكل منذ عام 1974. "انسوا حق العودة" بالنسبة الى القضية الفلسطينية، هل يمكن أن تتفاوضوا مع ياسر عرفات؟ - شرحت لك الصيغة التي وضعتها عام 1978 للتفاوض مع الفلسطينيين. وقد استجابوا للشرطين الأولين. الواقع انهم لبوا الشروط الثلاثة لأن بيان عرفات في تشرين الثاني نوفمبر عام 1988 يبطل ما جاء في الميثاق الوطني الفلسطيني. - أعرف أن عرفات قال إن الميثاق زائل. وقالها بالفرنسية في باريس رداً على سؤال من صحفي فرنسي. ولكن ذلك لم يكن بياناً ولم يقل انه "باطل ولاغٍ". وأظن أنه عليه ان يقول بصراحة وعلانية ان الميثاق باطل ولاغٍ. هل يمكن التوصل الى تسوية لا تشمل الفلسطينيين الذين يعيشون في العالم العربي ودول العالم الأخرى اي خارج الضفة الغربية وغزة؟ - كما شرحت لك للتو، أنا لست ضد التفاوض مع منظمة التحرير. وأعتقد أنه ينبغي أن نعمل على مشاركة فلسطينيي الخارج. فاذا كان هناك قطاع كبير من الفلسطينيين غير راض لأنه لا يشترك في المفاوضات فاننا سنواجه مصاعب، وسوف يستمر الارهاب. ولهذا من الأفضل ان يشتركوا. لكنني سأقول لهم شيئاً واحداً وهو: "إنسوا حق العودة". أما التعويض فالجواب عليه نعم. يقول البعض ان رابين توصل الى اتفاق سري مع الرئيس بوش: منح ضمانات القروض الاميركية بالاضافة الى تعهد أميركا بالمحافظة على تفوق اسرائيل العسكري "النوعي" في مقابل التخلي عن "اسرائيل الكبرى" وإعادة الأراضي العربية. فهل هناك صفقة من هذا القبيل؟ - لا أظن انه كان هناك اتفاق رسمي. ولكن كان هناك تفاهم على أساس النقاط التي ذكرتها. الى أي مدى يمكن اعتبار المستوطنين مشكلة قد تحول دون التسوية؟ - أنا شخصياً أشعر بقلق بالغ من هذه المسألة، إذ ان معظم المستوطنين ليسوا عقائديين مما يعني انه اذا ما حصل أي انسحاب فانهم سيطالبون بتعويضات مالية. الا ان هناك مجموعة عقائدية متصلبة من المستوطنين ينتمي افرادها الى حركة غوش أمونيم، وهم مسلّحون ويمكن ان يثيروا المشاكل فعلاً. صحيح أن رابين قال انه لن يزيل أية مستوطنة ولكن هذا لا يلغي الانسحاب. هل لا يزال المتطرفون مثل الجنرال ارييل شارون يتمتعون بأية مصداقية؟ - من سوء حظه ولكن ربما من حسن حظنا نحن، أن شارون في المستشفى. ومع أن مرضه ليس خطيراً فانه كان لا بد من اجراء عملية جراحية له. ولهذا أصبح خارج اللعبة في الوقت الراهن. ولكنه سيعود الى الساحة بكل تأكيد. حرب الخليج وصدام ما هو تصورك للعلاقات العربية - الاسرائيلية؟ وهل تتطلع فعلاً الى سلام حقيقي؟ - لا بد لي من ان احذر من فراغ الصبر والتسرّع. اذ ان المسألة صعبة للطرفين، وربما كانت اصعب بالنسبة الى الجانب العربي. ففي نظر العرب نحن عصابة مجرمة. والعرب في نظرنا أيضاً قتلة لا يرحمون. ولهذا فنحن بحاجة الى وقت لكي نتغلب على هذه الصور المزيفة. وربما نصادف مشكلات عويصة، وربما يتعرض الطرفان لاحداث بشعة، ولكنني أعتقد ان كل جانب سيرى مع مرور الزمن ان الطرف الآخر ليس على تلك الدرجة من البشاعة او الخطورة او الاجرام. وعندئذ أعتقد ان في وسعنا ان نعيش بسلام، بل ويجب ان نعيش بسلام. وينبغي أن نكون مستعدين لدفع الثمن. لنتحدث قليلاً عن حرب الخليج، ما هو أثر صواريخ سكود العراقية على التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي؟ - كان لها أثر قوي جداً. نعم قوي جداً. اذ كنا نعرف ان العراق لديه صواريخ سكود أرض - أرض كما كنا نعرف مداها. ولكننا وجدنا فجأة أن مؤخرتنا مكشوفة ومن دون حماية. لم يكن لدينا دفاع. اذ اننا لم نستعد بالشكل الصحيح. ولم يكن لدينا، وليس لدينا حتى الآن، دفاع فعّال. وإذا ما نجحنا في نشر صواريخ آرو المضادة للصواريخ فانه يمكن ان يتوفر لدينا في المستقبل دفاع فعّال. وإذا لم ننجح فسنضطر الى الاعتماد على الدفاع السلبي. هل تقصد أن صواريخ باتريوت التي وضعت في اسرائيل خلال حرب الخليج لم تؤد المهمة بشكل جيد؟ - لم تؤد المهمة اطلاقاً. اذ انها لم تسقط صاروخاً واحداً. وأكرر القول انها لم تسقط صاروخاً واحداً، ولم تسجل أية اصابة. وقد أدى حطام باتريوت المتساقط الى الحاق بعض الأضرار. والواقع ان شركة ريثيون الأميركية التي تصنع صواريخ باتريوت لديها قسم علاقات عامة ممتاز. فعندما استلمنا باتريوت كنا متأكدين من أنه لن تكون هناك أي مشكلة. وجاء الجنود الاميركيون معها للدفاع للمرة الاولى عن اسرائيل. وقلنا لأنفسنا إن هذا رائع. ولكن لسوء الحظ لم تنجح. هل تعتقد ان النظام المضاد للصواريخ يمكن ان يكون فعّالاً حقاً؟ - هذا ما يقوله الخبراء. ولدينا أمل كبير في صاروخ آرو. وعلينا ان نتذكر ان الاميركيين راهنوا بمبالغ كبيرة عليه - اكثر من مئة مليون دولار. أثناء ازمة الخليج، هل واجه شامير ضغوطاً حقيقية من العسكريين للتدخل في هذه الحرب؟ - كلا. لا أعتقد ذلك، مع ان سلاح الطيران الاسرائيلي كان يحبّذ ان يفعل شيئاً ما ولكن هذا لم يحدث. وهكذا لم يكن هناك ضغط حقيقي على شامير. هل كان المسؤولون الاسرائيليون يعتقدون خلال حرب الخليج ان سلاح الجو الاسرائيلي قادر على تدمير منصات اطلاق الصواريخ العراقية الموجهة نحو اسرائيل بشكل افضل من الاميركيين؟ - نعم. اذ يعتقد طيارونا ان لديهم خبرة افضل في تحديد الهدف بدقة وضربه. ولكنني أعتقد انهم كانوا سيواجهون مصاعب اكبر كثيراً مما يظنون. اذ لم يكن من السهل العثور على منصات اطلاق صواريخ سكود في العراق. كما ان العراقيين اتقنوا بصورة تامة اسلوب اطلاقها ثم الاختفاء بسرعة في مواقع محددة سلفاً. وكان العراقيون سريعين جداً. والواقع انه لم يصب أي صاروخ سكود متحرك تقريباً خلال هذه الحرب. صدام حسين لم ينجح في جر اسرائيل الى الحرب. لأننا فهمنا سياسته. ولكن في وسعه ان يدّعي انه صفّى حساباته مع اسرائيل على رغم كل شيء. أي الانتقام للغارة الاسرائيلية على مفاعله النووي عام 1981. وأظن بالمناسبة ان تلك الغارة كانت أحد الأسباب التي دفعته الى مهاجمة اسرائيل بالصواريخ. ماذا كان تقدير اسرائيل للخطر العراقي قبل غزو صدام الكويت؟ - كنا نعتقد حتماً ان العراق يشكل خطراً، ولكننا كنا نفكر في اطار ارساله قوات برية لتنضم الى سورية والأردن لتشكل معاً جبهة شرقية ضد اسرائيل. أما التفكير في الخطر الناجم عن صواريخ سكود فكان أقل كثيراً. ما هو رأيك في ما يقال عن قدرات العراق الكيماوية والنووية؟ - كيماوية، نعم. ولكننا نعتقد أنه كان لدينا ما يكفي من الردع لمنعه من استخدامها. وعلى أي حال فانه لم يستخدم قدراته الكيماوية. ولكن لا بد لي من الاعتراف أننا لم نكن نعرف مدى التقدم الذي أحرزه برنامجه النووي. ولم يكن هناك أحد اطلاقاً يعرف ذلك. إنني اقتنعت قبل أزمة الخليج بوقت طويل أن صدام حسين رجل خطير جداً لأنني كنت على علم ببرامج الأبحاث والتطوير العراقية. وكنت اعرف ان تلك البرامج وصلت الى مرحلة متقدمة جداً وحققت منجزات كثيرة. وكانت المخابرات العراقية تدير عملية التمويه بأكملها كما ان صدام شخصياً كان يشرف عليها. اذن، من وجهة النظر الاسرائيلية كان قيام صدام حسين بغزو الكويت أفضل ما تحلم به اسرائيل؟ - هذا صحيح. غزو الكويت "هدية" كبرى لنا. قبل أيام قال الرئيس بوش ان بقاء اسرائيل كان سيتعرض للخطر لو كان بيل كلينتون رئيساً، لأنه متردد ولأنه يتلكأ. فهل تعتقد ان بوش انقذ اسرائىل؟ - أنقذها؟ كلا. لقد أصر على عدم تحركنا خلال حرب الخليج. ولهذا لا نستطيع القول انه "أنقذ" اسرائيل. فقد بعث صواريخ باتريوت وكان يظن انها ستنقذنا. اما تدمير العراق فهو من دون شك امر عظيم بالنسبة الينا. لكن ضرب العراق وتدمير قدراته العسكرية وإضعاف دوره امور ناتجة عن اخطاء فادحة ارتكبها صدام حسين، بدءاً بغزو الكويت، ولم تكن لاسرائيل أية علاقة فيها. فصدام حسين يتحمل مسؤولية ما حدث تجاه بلده وشعبه والآخرين. لقد اراد صدام حسين ان يكون "عبدالناصر آخر" لكنه فشل. العراق كان من الناحية العسكرية وقبل أزمة الخليج على قدر هائل من القوة. كان لديه ستون فرقة. كما بنى صدام آلة حربية لا تكاد تصدق. كان يشكل بالتأكيد خطراً كبيراً. العرب والخيار العسكري هل يمكن القول، اليوم، ان العرب لم يعودوا يملكون الخيار العسكري في ما يتعلق بالنزاع مع اسرائيل؟ - دور العراق لم ينته كلياً، اذ لا يزال في مقدوره ان يرسل قوة كبيرة الى "جبهتنا الشرقية". كذلك يجب ان لا نستهين بسورية. صحيح ان السوريين يواجهون المصاعب في الحصول على قطع الغيار الروسية، ولكن لديهم جيشاً كبيراً وعدداً كبيراً من الدبابات، وهم على درجة جيدة من التجهيز والتدريب. وإذا نظرنا الى الخرائط والأرقام يمكننا القول، من الناحية النظرية، انه ليس من الامور المستبعدة ان سورية ربما تشن هجوماً لوحدها بهدف استرداد مرتفعات الجولان. ولكن لماذا تجازف بالحرب اذا كانت تستطيع استرداد الجولان بالمفاوضات؟ يقول بيريز ان اعظم خطر يهدد اسرائيل هو الانتشار النووي في المنطقة، فهل توافق على ذلك؟ - من دون أدنى شك. وهذا سبب اضافي يدفعني الى الاعتقاد بوجوب التوصل الى تسوية سلمية. الا انه ليس السبب الأصلي لتفكيري، لأنني أرى انه يجب علينا ان نجد سبيلاً للعيش مع العرب بدلاً من مجابهتهم. القنبلة النووية الاسلامية ما هو رأيك في ما يقال عن خطر ما يسمى بالقنبلة الاسلامية: سواء أكانت ايرانية ام باكستانية ام من دولة في آسيا الوسطى؟ - إنني أشعر بقلق بالغ منها. فالايرانيون في طريقهم الى امتلاك القنبلة تبعاً لما قرأته وسمعته. ومن يدري ما الذي سيحصل في باكستان، لا سيما انها هي التي ابتكرت اصطلاح "القنبلة الاسلامية". اما بالنسبة الى جمهوريات آسيا الوسطى فيقال ان ايران حصلت على أول سلاح لها من هناك. لكن هذه اشاعات ولست متأكداً منها. أخيراً، ما هي الدروس السياسية والعسكرية من حرب الخليج في رأيكم؟ - أعتقد ان الدرس العسكري الرئيسي هو استخدام القوة الجوية. اذ ان دول التحالف استخدمت الطائرات بصورة هائلة وعلى نطاق واسع وبشكل مستمر ومن دون انقطاع ضد العراق لمدة ستة اسابيع. وعندما بدأت المعركة البرية لم يكن هناك قتال فعلي. اذ تقدمت قوات الحلفاء في نزهة لتأخذ الاسرى وتدفن القتلى. ولكن يجب ألاّ نخدع انفسنا. فلولا تلك القوة الجوية الهائلة التي استخدمت بصورة متواصلة لما كانت الآثار نفسها. أما الدرس السياسي الرئيسي فهو، في رأيي، وجوب متابعة الوضع ومراقبته بصورة وثيقة جداً وعدم السماح لأحد اطلاقاً بتضليلك. وأنا بطبيعتي رجل حذر. - كاتب وخبير بريطاني بارز في شؤون الشرق الاوسط.