ما هو تقييم البنك الدولي للاوضاع الاقتصادية السائدة في الدول العربية؟ وما هي، برأيه، ابرز التحديات التي تواجهها عملية التنمية الطويلة الاجل في المنطقة العربية؟ يجيب البنك الدولي على هذين السؤالين في تقريره السنوي للعام 1992 الذي نشر في واشنطن قبل ايام. ويشير البنك الدولي في مقدمة الفصل الذي خصصه للشرق الاوسط في تقريره الى التفاوت الاقتصادي بين دولة عربية ودولة عربية اخرى، خصوصاً في مستوى الدخل الفردي الذي يتراوح بين 20 الف دولار للفرد في دولة الامارات و600 دولار في مصر. اضافة الى التفاوت في حجم الثروات الطبيعية واختلاف الانظمة السياسية والاقتصادية بين مناطق الشرق الاوسط ودوله. ويركز البنك على دور النفط كمحرك اساسي للتنمية مؤكداً ان الدول العربية المنتجة للنفط تظل المصدر الاول للتنمية الاقتصادية في المنطقة العربية. ويرى البنك ان دور المؤسسات التي اسستها الدول الخليجية لم يعد مقتصراً على تنمية الشرق الاوسط، بل يتعداه الى مناطق اخرى من العالم. ويشير البنك الدولي الى قرار مجلس التعاون الخليجي تأسيس صندوق خاص برأسمال يبلغ نحو 7 مليارات دولار لدعم وتمويل مشاريع التنمية في الشرق الاوسط. ويضيف ان المشكلات والصراعات السياسية الداخلية والاقليمية تعيق مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتضغط على الاولويات الوطنية والاقليمية، ويعرب البنك الدولي عن ارتياحه لظهور بوادر حل لهذه الصراعات. ويؤكد تقرير المؤسسة المالية الدولية ان أزمة الخليج التي نتجت عن غزو العراق للكويت تحكمت في تطور الاوضاع الاقتصادية في المنطقة في العام 1991. واضافة الى التدمير الذي اصاب الدول المعنية بشكل مباشر في الازمة، عانت بقية الدول العربية من الخلل الذي لحق بالمبادلات التجارية ومن هبوط العائدات السياحية. ومن تقلص حجم العون ومن آثار عودة العمالة المهاجرة من الدول الخليجية. ويتناول التقرير الاوضاع الاقتصادية في بعض الدول العربية، فيشير الى ان ميزان المدفوعات في المغرب عانى من آثار أزمة الخليج ومن التطورات التي شهدتها دول اوروبا الشرقية. فتراجعت عائدات المغرب السياحية نحو 25 في المئة في العام 1991. وتدهورت صادراته الفوسفاتية الى دول اوروبا الشرقية. ولكن النتائج الطيبة لمواسم الحصاد والعون المالي الخارجي وانتعاش الصادرات الصناعية وتراجع قيمة الديون المغربية الخارجية عقب الغاء نحو 7،2 مليار دولار من الدين المستحق لدولة عربية لم يسمها التقرير ولكن من المعروف انها المملكة العربية السعودية عوضت عن هذا التراجع. وأدت هذه العوامل الى تراجع طفيف في رصيد المدفوعات الجارية، والى تحسن موجودات البنك المركزي المغربي الخارجية، والى نمو اجمالي الناتج المحلي الفعلي نحو 2،4 في المئة والى تقلص حجم العجز في الموازنة من نحو 6،4 في المئة الى 3،3 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. غير ان نسبة التضخم ارتفعت من 8،5 في المئة في العام 1990 الى نحو 8 في المئة في العام 1991. وعانت تونس من آثار ازمة الخليج، وتراجعت عائداتها السياحية نحو 33 في المئة. وتدهور حجم مبادلاتها التجارية مع الدول الخليجية. وعلى رغم انتعاش العلاقات التونسية - الخليجية، فما زالت احتياطات الصرف التونسية في حالة ضعيفة، اذ لا تمثل احتياطات العملة الصعبة الا نحو ستة اسابيع استيراد. وسجل اجمالي الناتج المحلي التونسي نمواً بلغت نسبته نحو 5،3 في المئة في العام 1991. وأحرزت تونس نتائج طيبة في تطبيقها لبرنامج الاصلاح الحكومي، وتحديداً في تعزيز دور القطاع الخاص وفي الاصلاح النقدي. فتم تحرير الاسعار عند الانتاج وارتفع حجم السلع المصنعة المعفاة من مراقبة الاسعار من نحو 55 في المئة في بداية العام 1988 الى نحو 70 في المئة في العام 1991. وعلى رغم الاوضاع الصعبة السائدة في الجزائر، سجل اجمالي الناتج المحلي نمواً ايجابياً في العام 1991، وذلك بعد تراجعه نحو 3،2 في المئة في العام 1990. وارتفعت العائدات النفطية من نحو 9 مليارات دولار في العام 1989 الى نحو 12 ملياراً في العام 1991، وسجلت حسابات العمليات الجارية نتيجة ذلك فائضاً بلغت نسبته 6 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في العام 1991. ويرى تقرير البنك الدولي، ان تقلص الواردات الناجم عن انخفاض سعر صرف الدينار وعن النقص الخطير في العملات الصعبة لعب دوراً في هذا التصحيح، ويشير الى ان خفض سعر الدينار وتدابير تحرير الاسعار التي لحظتها الخطة العامة لاصلاح البلاد مسؤولة عن النسبة المرتفعة من التضخم، والتي بلغت نحو 25 في المئة في العام 1991. ويتوقع التقرير اذا واصلت الحكومة مسيرة الاصلاح الهيكلي. وحافظت اسعار النفط على ثباتها، ان تتمكن الجزائر من رفع نسبة النمو. ومن توفير فرص عمل جديدة في المدى المتوسط. ويتناول التقرير الاوضاع الاقتصادية المصرية. ويذكر ان القاهرة تعتمد منذ 1990 برنامج ضبط واسع، لمعالجة الخلل الهيكلي ولتوفير القواعد الضرورية للنمو الدائم. وتسير الاصلاحات في مصر وفق ما خطط لها، حتى ان النتائج تخطت التوقعات في بعض الاحيان. وسجل اجمالي الناتج المحلي المصري نمواً بلغت نسبته 3،2 في المئة في العام 1991، وانتجت العمليات الجارية فائضاً بلغت قيمته نحو 3،2 مليار دولار، وتدخل في هذا الرقم الهبات التي حصلت عليها القاهرة في العام 1991، ونتائج خفض حجم الدين الثنائي، والعون الاستثنائي الذي منح في العام المذكور، وارتفاع عائدات السياحة وحركة عودة الرساميل الخاصة، وارتفاع حجم تحويلات العمالة المهاجرة. كما سجلت الاحتياطات المصرية رقماً قياسياً بلغ نحو 8 مليارات دولار في نهاية 1991، ولكن في الوقت ذاته برزت عوامل لا تساعد على التنمية، فخلال العام المالي المنصرم ظلت المالية العامة ضعيفة، وبلغ العجز العام نحو 20 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، وسجلت البطالة معدلات شديدة الارتفاع. ويعتقد تقرير البنك الدولي ان المطلوب من المسؤولين المصريين وفي اقرب وقت ممكن، تسريع وتيرة الاصلاح وتثبيت واقعية برنامج الاصلاح وتشجيع الطلب الداخلي. ويشير البنك الدولي الى ان الاقتصاد الاردني قاوم بشكل جيد آثار ازمة الخليج. فاجمالي الناتج المحلي الاردني لم يتقلص الا نحو 6،0 في المئة في العام 1990. ليرتفع قليلاً في العام 1991. ولكن عودة العمال المهاجرين من دول الخليج الى الاردن، رفعت معدلات البطالة التي تجاوزت نسبتها 25 في المئة، وقلصت الاستهلاك الفردي نحو 14 في المئة في العام 1991. ويذكر التقرير بعض التطورات التي من شأنها ان تؤثر بشكل ايجابي على الاقتصاد الاردني. وأبرزها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في مطلع العام 1992، والذي تبعه اتفاق على اعادة جدولة الدين الاردني مع نادي باريس. وتحرير القسم الثاني من قرض البنك الدولي المخصص لضبط السياسة الصناعية والتجارية الخارجية. ويؤكد التقرير ان احتياجات الاقتصاد الاردني في المدى المتوسط غير متوفرة بعد. وعانى اليمن بدوره من نتائج ازمة الخليج، خصوصاً من اضطرار حكومته لمواجهة آثار عودة نحو 750 الف شخص من الدول الخليجية الى ديارهم. في ظرف انهارت فيه العائدات السياحية، وبات فيه العون الخارجي نادراً لهذا البلد. ويشير التقرير الى ان العجز العام اليمني تجاوز 13 في المئة من اجمالي الناتج المحلي وتسبب في تسريع وتيرة التضخم. كما انخفضت حصة الفرد من اجمالي الناتج المحلي نحو 8 في المئة في العام 1991، وتخطت البطالة عتبة 25 في المئة من القوى القادرة على العمل. وبالنسبة الى الدول الخليجية، تميز العام 1991 بالعودة البطيئة الى الوضع الطبيعي في دول مجلس التعاون. وفي حزيران يونيو 1992 تجاوز انتاج الكويت النفطي مليون برميل في اليوم، مقابل نحو 8،1 مليون برميل في اليوم في العام 1989، وبلغت قيمة العائدات النفطية نحو مليار دولار، ووصلت قيمة عائدات الاستثمارات الكويتية العامة الى نحو 4 مليارات دولار. وباستثناء المملكة العربية السعودية، انخفض النمو العام في اجمالي الناتج المحلي بشكل طفيف في باقي دول مجلس التعاون، لأن طاقة هذه الدول على انتاج كميات اضافية من النفط محدودة. بينما ارتفع حجم الانتاج النفطي في السعودية الى نحو 2،8 مليون برميل في اليوم في العام 1991، وسجلت المملكة نمواً من اجمالي الناتج المحلي بلغت نسبته نحو 4،9 في المئة.