عندما توجه بعض العرب الذين تعودوا التوسط بين قادة المجاهدين الى قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الاسلامي وعاتبوه لأن صواريخه تقتل الابرياء في كابول، كان رده حازماً: "أنا أعرف أين تسقط صواريخي". اما برهان الدين رباني رئيس الدولة الموقت وزعيم "الجمعية الاسلامية"، الحزب المنافس لحكمتيار، فقد اغلق باب الوساطات وأعلن ان حكمتيار عدو للشعب الافغاني، وقرر من جهته طرده من مجلس القيادة. ولم تقل حدة التصريحات عن حدة المعارك في العاصمة الافغانية كابول، اذ يتحدث سكان المدينة التي غادرها كثير منهم، بعد ان تحملوا حرباً استمرت 14 عاماً، عن سقوط آلاف عدة من القتلى وآلاف اخرى من الجرحى، والمؤكد ان "الحزب الاسلامي" يريد ان تكون المعركة الحالية حاسمة وأخيرة، بعد ان فشل قبل ثلاثة شهور في فتح كابول وتنفيذ خطته الكاملة لاقامة الدولة الاسلامية في افغانستان. اما "الجمعية الاسلامية" بزعامة رباني فتهدف الى حسم خلاف قديم، عمره من عمر الجهاد الافغاني، بين الحزب والجمعية. احد الوسطاء العرب قال لپ"الوسط": "اذا انتصر حكمتيار فهذه مشكلة تبدأ بتقسيم افغانستان، كما انه لن يخسر الا بعد حرب قد تستغرق سنوات وتقسم البلاد، والأمل الوحيد ان يقتنع الافغان هذه المرة وبحسب نتائج المعركة ان لا سبيل غير اقتسام السلطة". ويبدو من الصعب تحميل طرف واحد مسؤولية المعركة الحالية، وان كان توجيه اللوم الى حكمتيار هو الاسهل. وقد فعل ذلك رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الذي تساءل في حديث صحافي: من يقاتل حكمتيار في كابول بعد تحريرها؟ وبالطبع يجد انصار حكمتيار رداً سهلاً بقولهم: "نحن لا نريد عزل رباني او طرد مسعود وزير الدفاع الحالي الى بانشير. نحن نريد اخراج الميليشيا وطرد الشيوعيين من الحكومة وعلى رأسهم بابراك كارمل"، حسب قول غيرت الله بهير صهر حكمتيار. وبينما يستهدف حكمتيار في حربه الميليشيات الاوزبكية المثيرة للجدل، فانه يعلم بأنه يواجه في النهاية "الجمعية الاسلامية" التي سبقته الى كابول وتسلمت السلطة فيها، وهذا ما حصل بالفعل من خلال الهجوم المفاجئ والعنيف الذي شنه برهان الدين رباني ضد حكمتيار واتهامه بالخيانة وقتل الشعب الافغاني، وأمر بطرده من افغانستان، ورد حكمتيار ان رباني لا يملك الصلاحيات اللازمة لطرده من مجلس القيادة او من افغانستان، وانه ليس رئيساً منتخباً ولا يستطيع البقاء رئيساً من دون موافقة "الحزب الاسلامي"، وأعلن حكمتيار بدوره "عزل رباني". ومرة اخرى يعود احمد شاه مسعود الى غموضه فهو لا يحب الادلاء بتصريحات صحافية، خصوصاً عند الازمات. غير ان مصادر تحدثت عن خلاف بين مسعود والميليشيات الاوزبكية التي تقول انها هي التي تدفع الثمن في مواجهة مجاهدي "الحزب الاسلامي" بينما يقف مجاهدو "الجمعية" في الصفوف الخلفية. وذهب البعض الى القول بأن هناك اتفاقاً سرياً بين مسعود وحكمتيار لطحن الميليشيات التي لا يريدها احد بهذه الطريقة. فمعظم المعارك الاخيرة استهدفت الاوزبك، خصوصاً حول المطار وقلعة بالاحصار، وسط معلومات عن تقدم قوات حكمتيار نحو المطار في الشرق ودار الامان في جنوب العاصمة. وكان مسعود وضع الميليشيات في الخطوط الامامية امام حشود "الحزب الاسلامي" حول العاصمة بعد معركة نيسان ابريل الماضي التي خسرها الحزب. وساعد سوء تصرف الميليشيات مع اهالي كابول حكمتيار في الحصول على تأييد مختلف تنظيمات المجاهدين لمطلبه باخراج الميليشيات من العاصمة. ولكن بينما يبدي هو استعدادا لتنفيذ ذلك بالقوة، يعارضه آخرون ممن يريدون اخراجها ولكن ليس بالقوة، كمولوي يونس خالص زعيم جناح آخر باسم "الحزب الاسلامي" ووزير العدل جلال الدين حقاني، الذي يرى ان تركيز حكمتيار على الميليشيات دفع هذه الاخيرة الى التشبث بالبقاء خوفاً على مستقبلها، خصوصاً ان وضعها القانوني سليم في العاصمة اذ جعلها احمد شاه مسعود جزءاً من قوات وزارة الدفاع. وعلى رغم توصل حكمتيار ومسعود الى اتفاق لوضع حد لخلافاتهما يبدأ باخراج الميليشيات من كابول، الا ان الاتفاق لم ينفذ، فمسعود تقلقه طموحات حكمتيار ولن تكون قواته وحدها قادرة على مواجهة عملية اكتساح العاصمة اذا حاول حكمتيار ذلك على رغم تأكيدات الحزب انه لن يفعل ذلك. ويعود الخلاف بين الحزب والجمعية الى الايام الاخيرة التي سبقت سقوط النظام الشيوعي في كابول، فعندما دقت ساعة النهاية نفذ مسعود ما يشبه الانقلاب داخل النظام، وأعلنت ميليشيات اقليات الشمال الاوزبك والتركمان والشيعة الاسماعيلية الولاء له، وكذلك فعل قطاع واسع من القوات المسلحة الافغانية، خصوصا سلاح الجو، بينما اختارت مجموعة اخرى من القوات المسلحة حكمتيار. وتميز الانقسام آنذاك بعرقيته اذ اعلنت القيادة الطاجكية، بالاضافة الى ميليشيات الاقليات، الولاء لمسعود وهو طاجيكي واختار الباشتون حكمتيار باشتوني، فبدت افغانستان كأنها مقدمة على صراع عرقي. وأبلغ مسعود قادة بيشاور في اوائل نيسان ابريل الماضي ان النظام في كابول مستعد للتسليم ولكن الى قيادة تمثل جميع المجاهدين، غير ان حكمتيار اصر على دخول كابول عنوة، اذ كان مقتنعاً بأن ثمة اتفاقاً ما بين مسعود وجناح برشم من الحزب الشيوعي معظمه من الطاجيك يقضي بتسليم السلطة الى مسعود وزعيمه رباني مقابل اشراكهم في السلطة ولو في القوات المسلحة، وذلك لتأمين حياتهم. وحاول حكمتيار دخول كابول في 27 نيسان ابريل ونجح في ذلك، غير ان الميليشيات الاوزبكية نجحت في وقت لاحق في طرده من العاصمة بعد قتال شديد استمر ثلاثة ايام. وبعد محاولته هذه حشد قواته القوية حول كابول جاعلاً منها سيفاً مسلطاً يجعل الحكم من دونه مسألة غير مريحة. وكان اتفاق بيشاور بين قادة المجاهدين السبعة يقضي بسلطة ائتلافية لمرحلة انتقالية مع الاحتفاظ بموقعين متميزين للحزبين الرئيسيين الجمعية والحزب، فتسلم رباني رئاسة الدولة فيما تسلم "الحزب الاسلامي" رئاسة الوزارة. وعاد الخلاف من جديد حول تفسير الاتفاق، فحكمتيار يريده تقاسماً في السلطة، خصوصاً بين الحزب والجمعية، تعقبه انتخابات خلال شهور قليلة، ورباني وجد ان سلطة "الجمعية الاسلامية" معززة بالتحالف القائم مع عدد من فرق الجيش في العاصمة والشمال بالاضافة الى الميليشيات الاوزبكية، وانعكس ذلك في الاذاعة والتلفزيون اللذين أصبحا يتحدثان بلسان الجمعية، مما اغضب حكمتيار والاحزاب الاخرى، كما وجد عبدالصبور فريد القائد العسكري التابع للحزب والذي اختاره حكمتيار رئيساً للوزراء، عاجزاً عن التأثير في كابول بسبب صلاحياته المحدودة، ورفض رباني مشروع اجراء الانتخابات خلال شهور قليلة وأعلن تأييده لمجلس اهل الحل والعقد لاختيار الرئيس ووضع الدستور على ان يعقد المجلس خلال عامين، الا ان حكمتيار اعتبر ذلك خرقاً لاتفاقية بيشاور. ومع استمرار المناوشات بين قوات الحزب والميليشيات عبر امتار قليلة جنوبكابول، اندلعت المعركة الاخيرة لتحسم الخلاف السياسي الذي عجز الافغان عن حله في جلسات الشاي الطويلة.