هذا اسبوع الحدث الافغاني: المجاهدون الافغان دخلوا الى كابول للمرة الاولى منذ 14 عاماً، واتفق معظم قادتهم على "صيغة" لحكم البلاد، وانقلبت الصفحة. انتهت مرحلة "الجهاد الاصغر" بالنسبة الى الافغان بعد الانتصار على المحتلين السوفيات وأعوانهم، وبدأت الآن مرحلة "الجهاد الاكبر" التي يفترض فيها ان ينتصر الافغان على انفسهم وان يتفقوا، نهائياً، وبعيداً عن المطامح الشخصية والصراعات العرقية والطائفية والتدخلات الاجنبية، على ادارة شؤون افغانستان بأنفسهم وبما يحقق الامن والسلام لأبناء هذا البلد. لكن هل يحدث ذلك؟ وما هي حقيقة الصراع الجاري في افغانستان؟ وما مصيرهذا البلد؟ "الوسط" تجيب عن هذه التساؤلات من خلال نشر مجموعة تحقيقات ومقالات اضافة الى مقابلة مع رئيس الحكومة الباكستانية نواز شريف. تشكل ملفاً خاصاً بهذا الحدث الافغاني الكبير. خلال يومين تاريخيين، بدا وكأن افغانستان انتقلت، فعلاً، من مرحلة الحرب والدمار الى مرحلة السلام واعادة البناء في ظل سلطة المجاهدين. اليوم الأول كان الجمعة 24 نيسان ابريل الماضي. ففي ذلك اليوم تم التوصل الى "اتفاق بيشاور" بين ممثلي تنظيمات المجاهدين الافغان الرئيسية، باشراف ورعاية رئيس الحكومة الباكستانية نواز شريف. ويقضي هذا الاتفاق بقيام المجاهدين بتسلم السلطة سلمياً في افغانستان وفقاً للأسس الآتية: 1- تأليف مجلس حاكم موقت يضم 51 عضواً يمثلون كل تنظيمات المجاهدين الرئيسية اضافة الى عدد من العلماء وممثلين سياسيين عن المجاهدين وتكون مهمته تسلم السلطة من الحكومة الشيوعية سابقاً في كابول لمدة شهرين يتبع ذلك تأليف حكومة انتقالية تحكم البلاد الى حين اجراء انتخابات بعد سنة او سنتين. 2- يرئس المجلس الحاكم الموقت صبغة الله مجددي زعيم جبهة الخلاص الوطني، احدى اصغر تنظيمات المجاهدين. ومجددي في السبعين من العمر وهو من الباشتون واستاذ سابق للشريعة الاسلامية في جامعة كابول ويعتبر معتدلاً ومقبولاً من جهات عربية ودولية وتربطه علاقات قديمة بالملك السابق ظاهر شاهر. 3- تتألف الحكومة الانتقالية من هيئتين: مجلس ادارة او مجلس اعلى ومجلس تنفيذي. يرئس المجلس الاعلى برهان الدين رباني زعيم الجمعية الاسلامية التي ينتمي اليها احمد شاه مسعود وهو باشتوني، وسيحمل رباني لقب رئيس دولة. ويضم المجلس الاعلى الزعماء السياسيين للمجاهدين. اما المجلس التنفيذي فسيكون رئيسه قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الاسلامي. ويتمتع المجلس الاعلى بسلطات اكبر من سلطات المجلس التنفيذي. وتم التفاهم على ان يكون مسعود وزيراً للدفاع. وبدا للوهلة الاولى وكأن الجميع يقبلون اتفاق بيشاور، خصوصاً ان ممثلين عن الطرفين الرئيسيين في النزاع الافغاني - اي عن مسعود وحكمتيار - شاركا في صياغة هذا الاتفاق. لكن ما حدث هو ان حكمتيار رفض اتفاق بيشاور وذلك لأسباب رئيسية عدة، بعضها معلن وبعضها ضمني، ابرزها: 1- معارضة حكمتيار الشديدة لمجددي بسبب وجود عداء قديم بين الرجلين. فحين اتصلت لجنة من العلماء العرب لاسلكياً بحكمتيار لاقناعه بقبول صيغة الحكم الانتقالي هذه رفض الاستجابة لطلبهم وقال لهم انه يوافق على اسناد رئاسة الدولة الى رباني ورئاسة الوزراء اليه اي الى حكمتيار لكنه يرفض رئاسة مجددي للمجلس الموقت. وقال حكمتيار للوسطاء العرب: "لا استطيع ان اقبل مجددي. لو سلمتم رئاسة المجلس الموقت الى بيتر تومسن لكان ذلك افضل". وتومسون هو المبعوث الاميركي المكلف بالاتصال بالمجاهدين الافغان. 2- يعتبر حكمتيار ان المجلس الموقت "لا داعي له" بعدما دخل المجاهدون الى كابول وان كان يتجنب اعلان ذلك رسمياً خصوصاً ان معظم تنظيمات المجاهدين اضافة الى الدول العربية والاسلامية والجهات الدولية المهتمة بأفغانستان تؤيد اتفاق بيشاور. ويرى حكمتيار ان المجاهدين يجب ان يتسلموا السلطة مباشرة وفوراً في كابول وان يعلنوا قيام جمهورية اسلامية ويقوموا بعملية تطهير واسعة في صفوف القوى المؤيدة للنظام السابق. 3- يعارض حكمتيار، ضمناً، اتفاق بيشاور، لأن هذا الاتفاق يضع، فعلياً، حداً لاحتكار الباشتون الحكم في افغانستان منذ نحو 250 سنة ويوزع السلطات "بشكل متوازن وبصورة جديدة" بين مختلف الاعراق والطوائف التي يتألف منها هذا البلد. معركة كابول في هذه الاجواء دخل المجاهدون كابول، للمرة الاولى منذ 14 عاماً، يوم السبت 25 نيسان ابريل الماضي. وكان ذلك اليوم التاريخي الثاني. ويقول جمال خاشقجي مبعوث "الوسط" الى افغانستان في رسالة له من جنوبكابول: "الساعة الثالثة بعد ظهر 25 نيسان ابريل الماضي وصلت الى قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الاسلامي رسالة من داخل القصر الجمهوري في كابول تفيد ان مجاهدي الحزب وصلوا الى القصر وان اعلام الحزب الخضراء ترفرف فوقه وفوق وزارتي الدفاع والخارجية وعدد آخر من الوزارات. واعتبر حكمتيار ذلك اعلاناً بفتح كابول على ايدي قواته بعد 18 عاماً على خروجه منها لاجئاً الى باكستان. وخرّ حكمتيار ساجداً لله وعلت صرخات التكبير في معسكره والمنطقة المحيطة به، وبكى الكثيرون حوله. لكن داخل كابول كانت قوات تابعة لأحمد شاه مسعود - منافس حكمتيار القديم - سبقت الاخير الى العاصمة اذ وصلت اليها جواً مع عدد كبير من افراد الميليشيات المعادية سابقاً للمجاهدين والمتحالفة حالياً مع مسعود. ويتزعم هذه الميليشيات عبدالرشيد دوستوم. كما انضم الى مسعود عسكريون وأفراد من قوى الامن التابعين للنظام السابق. وبحلول الليل، نام قلب الدين حكمتيار وافراد حزبه وهم مسيطرون على كابول باستثناء الاذاعة والمطار، وبعد ان وجه حكمتيار كلمة الى الشعب الافغاني عبر اذاعة الحزب بارك فيها النصر وقال "ان هذا ليس انتصار حزب وانما انتصار جميع المجاهدين"، ودعا قادة المجاهدين للقدوم الى كابول واعلان الحكومة الاسلامية هناك. وانفجرت المعارك ليل اليوم الاول لدخول المجاهدين الى كابول بين قوات حكمتيار وقوات مسعود الائتلافية وكان هدف مسعود انتزاع القصر من ايدي جماعة حكمتيار، وهدف حكمتيار انتزاع الاذاعة والمطار من مسعود. اشتدت المعارك صباح يوم 26 نيسان ابريل وتحولت الى حرب شوارع، وأقام كل تنظيم نقاط تفتيش في الشوارع الرئيسية ودخل الطيران للمرة الاولى في صراعات المجاهدين فقصف مواقع حكمتيار جنوبكابول. وفوجئ الحزب الاسلامي باستماتة الميليشيات في القتال والتي كان لها الدور الرئيسي في المعركة الى جانب قوات مسعود، واستطاعت انتزاع القصر الجمهوري من الحزب بحلول الظهر. وانضمت وحدات من الجيش وقوات وزارة الداخلية الخاصة الى حكمتيار. ومثلما اتهم حكمتيار مسعود بالخيانة لتعاونه مع الميليشيات وعناصر من الجيش رد مسعود باتهام منافسه بالخيانة والتآمر مع الرئيس المخلوع نجيب الله. وفي ذلك اليوم ضاعت فرصة المجاهدين وسط المعارك العنيفة التي شهدتها كابول. وبدا واضحاً ان مسعود يريد الابقاء على الجيش والميليشيات وضم افرادهما الى قوات نظام المجاهدين الجديد الذي سيقوم في كابول، بينما يرفض حكمتيار ذلك، وقام الوسطاء الباكستانيون والعرب بجهود لايجاد صيغة تفاهم بين مسعود وحكمتيار، لقناعتهم بأن افغانستان لا يمكن ان يحكمها حزب واحد، وانه لا بد من حكم قوي يستند الى تفاهم ابرز قوتين في الساحة الافغانية. وهما الجمعية الاسلامية و قائدها الميداني مسعود والحزب الاسلامي بزعامة حكمتيار. وكانت محاولة اخيرة جرت يوم 23 نيسان ابريل وأسفرت عن اتصال لاسلكي بين مسعود وحكمتيار. وخلال هذا الاتصال اصر حكمتيار على مهاجمة كابول يوم 26 نيسان ابريل والسيطرة عليها، فرد مسعود: اذا هاجمت كابول فسأكون مضطراً للتدخل لحماية المدنيين والاطفال والنساء. ومثلما اخطأ مسعود عندما اعتقد انه سيسبق حكمتيار الى كابول ويضعه امام الامر الواقع اخطأ حكمتيار عندما اعتقد ان رد مسعود لن يكون قوياً عندما يدخل كابول ولن يستطيع ادخال قواته بسبب محاصرة الحزب الاسلامي لها وتمتعه بخط امداد مفتوح من معظم الولايات الافغانية. ولكن مسعود استفاد من المطار ومن دعم الميليشيات وسارع الى استخدام سلاح الشرعية فأعلن قادة بيشاور تعيينه وزير دفاع قوات الدولة الاسلامية واصبح حكمتيار متمرداً. وتطورت المعارك في كابول فتحولت الى حرب مواقع وشوارع على غرار الحرب اللبنانية. لكن بعد 4 ايام من المعارك سيطرت قوات مسعود وحلفائه على المواقع والمراكز الرئيسية في كابول. وأعلنت اذاعة كابول ان "الحرب انتهت" في العاصمة اثر تفاهم على تحقيق نوع من الهدنة. لكن الكثيرين من المراقبين يتخوفون ان تكون هذه الهدنة "هشة" وان ينفجر القتال مجدداً، سواء في كابول او في مناطق اخرى من افغانستان، اذا لم يتم التوصل الى اتفاق سياسي تام بين مسعود وحكمتيار. ويوم 28 نيسان ابريل وصل الى كابول صبغة الله مجددي رئيس المجلس الحاكم الموقت على رأس وفد كير، وشدد على اعطاء الاولوية لوقف العنف، لكنه اعرب عن "عدم ثقته" بحكمتيار وبرغبة الاخير في احترام الهدنة. ومما قاله مجددي عن حكمتيار قبل وصوله الى كابول: "ان حكمتيار ارتكب جريمة لا تقل عن جرائم الروس ويمكن ان نعفو عنه اذا طلب العفو". وتسلم مجددي السلطة رسمياً من رئيس المجلس العسكري الرباعي وكانت باكستان اول دولة تعترف رسمياً بالحكم الجديد في كابول. ويبذل نواز شريف رئيس الحكومة الباكستانية والأمير تركي الفيصل مبعوث خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز جهوداً مكثفة لتحقيق الوفاق والتفاهم بين المجاهدين والعمل على تثبيت السلام في افغانستان. لكن سواء صمدت الهدنة او لا، فإن هذين اليومين التاريخيين، يوم 24 نيسان ابريل ويوم 25 نيسان ابريل، قلبا الصفحة وغيرا وجه افغانستان. فقد ولدت افغانستان الجديدة بعد هذين اليومين، والامل ان تكون ساحة للسلام الذي ينشده الشعب الافغاني، لا ساحة للقتال بين رفاق الأمس.