بايدن يدعو إلى "وقف لإطلاق النار" في لبنان    وفاة 66 على الأقل جراء فيضانات وانهيارات أرضية في نيبال    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية فنزويلا    "قضايا معاصرة" يناقش تحديات التنمية المستدامة    «أخمرين» تطلب رصف وإنارة الطريق    بيشة: رئة «نمران» بلا أوكسجين !    أوروبا تصوّت على قرار جمارك سيارات الصين الكهربائية    سمو ولي العهد يُعلن إطلاق «مؤسسة الرياض غير الربحية» وتشكيل مجلس إدارتها    656 % نمو أعداد السياح الوافدين لأغراض الترفيه بالمملكة    وزير الخارجية يعلن إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»    تقدير أممي لجهود مركز الملك سلمان الإنسانية والإغاثية في العالم    البرلمان العربي يدين الموقف الدولي المتخاذل.. مطالبة بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة    وزير الخارجية: السعودية تتمسّك بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس    ميزة جديدة.. «واتساب» يحجب رسائل المجهولين !    وكيل محافظة تعز ل«عكاظ»: مشاريعنا الإستراتيجية والحيوية بدعم كامل من السعودية    الليلة السعودية تستعرض الفرص التعدينية    في ختام الجولة الخامسة من دوري روشن.. التعاون يستقبل الاتفاق.. والشباب يواجه الرائد    الجهني يغيب عن «كلاسيكو الجوهرة»    رونالدو يقود النصر أمام الريان    ضبط 15324 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    18 أكتوبر.. انتهاء مهلة تخفيض سداد المخالفات المرورية    اختبارات منتصف الفصل الأول للتعليم العام.. اليوم    في خمس مناطق للقراءة والتأمل.. «الرياض تقرأ».. رحلة بين السطور    رحلة إثرائية    التفكير النقدي    500 عمل فني تزيّن بينالي الفنون الإسلامية في جدة    وزير الثقافة للمبتعثين: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية في المجالات كافة    أحد رفيدة: مطالبات بتكثيف مكافحة الحشرات    طريقة عمل البسبوسة الناعمة    5 أسباب للكوابيس والقلق أثناء النوم    5 نصائح.. تسرِّع التعافي بعد جرعات العلاج الكيميائي    رقم قياسي للهلال بعد الفوز على الخلود    دور أمانات المناطق في تحسين تجربة المواطن والمقيم    د.الشمسان: ثلاثة محاور رئيسية لتعزيز كفاءة القطاع الصحي    قبضة الخليج تلاقي ماغديبورغ الألماني    مفكران عراقيان: معرض الرياض الدولي للكتاب من أهم نوافذ الثقافة العربية    وزير التعليم: مبادرة البرامج الجامعية القصيرة (MicroX) يأتي ستنمي قدرات الطلبة في مهارات سوق العمل    الزواج التقليدي أو عن حب.. أيهما يدوم ؟    بغلف وباربيع يحتفلان بعقد قران أصيل    سيدات الطائرة يدشّنّ منافسات دورة الألعاب السعودية    من دمَّر الأهلي ؟    وكيل إمارة الرياض يحضر حفل السفارة الصينية    يوم مجيد توحدت فيه القلوب    الرّفق أرفع أخلاق نبينا الأمين    ضبط مواطن في عسير لترويجه (9) كجم "حشيش"    جمعية إجلال لكبار السن بمركز الحكامية تحتفل باليوم الوطني السعودي ال٩٤ بالراشد مول بجازان    تكريم الكاتبة السعودية أبرار آل عثمان في القاهرة    الزهد هو المجد في الدنيا والمجد في الآخرة    وطني.. مجد ونماء    ايجابيات اليوم الوطني    مروّجو الأوهام عبر منصات التواصل الاجتماعي    جونسون يعترف: خططت لغزو هولندا لانتزاع لقاح كورونا    إدارة المساجد والدعوة والإرشاد في الريث تشارك ضمن فعاليات اليوم الوطني السعودي ال94    "الغذاء والدواء" تحذر من شراء مستحضرات التجميل من المواقع غير الموثوقة    رابطة العالم الإسلامي ترحب بإعلان المملكة إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»    بحضور 3000 شخص.. أحد رفيدة تحتفل باليوم الوطني    محافظ هروب يرعى حفلَ الأهالي بمناسبة اليوم الوطني ال 94    رصد المذنب "A3" فجر أمس في سماء مدينة عرعر بالحدود الشمالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة إلى عالم رجل افغانستان القوي . مسعود ل "الوسط" : عثرنا على كنز يتضمن أسراراً مهمة
نشر في الحياة يوم 18 - 05 - 1992

باستثناء بقعة الدم وتمثال لرأس لينين ملقى اسفل المكتب وعلم ممزق لأفغانستان الشيوعية، لم يتغير شيء في مكتب وزير امن الدولة السابق الجنرال يعقوبي الذي انتحر في هذا المكتب، قبل نحو ثلاثة اسابيع، عندما بلغته انباء نجاح الانقلاب الذي قاده نائب وزير الدفاع آنذاك نبي عظيمي لصالح احمد شاه مسعود الرجل القوي في افغانستان حالياً.
وعلى رغم ان احمد شاه مسعود القائد الميداني في الجمعية الاسلامية التي يتزعمها برهان الدين رباني عين وزيراً للدفاع في حكومة افغانستان الاسلامية الجديدة، الا انه اختار مبنى وزارة امن الدولة مقراً له. ويبدو ان الهاجس الامني والامساك بزمام الامور في كابول التي اختلط فيها المجاهدون من عدة احزاب بأعدائهم السابقين من رجال الجيش والميليشيا والبوليس السري، وهو الذي جعل مسعود يختار الوزارة التي أديرت منها الحرب الافغانية طوال نحو 15 عاماً.
ويقع المبنى في وسط المجمعات الحكومية التي جعلت كابول وكأنها تعاني من حكومة اكبر منها، ويتبقى 12 مبنى آخر تضم مكاتب جهاز الاستخبارات الواد السيئ السمعة ومعتقلات موتة وأرشيفاً هائلاً سيكشف اسراراً مهمة واسماء عملاء. وقام مسعود بوضع حراسة مشددة عليه وقال لنا عن هذا الارشيف الذي يصفه ب "الكنز": "من هنا نستطيع ان نكتب الجانب الآخر الخفي من تاريخ افغانستان".
وفي اسفل المبنى الرئيسي غرفة هائلة للعمليات تتميز بالخرائط المفصلة على جدرانها وعشرات التليفونات وأجهزة اللاسلكي المعقدة التي تربط الوزارة ليس بكل افغانستان وإنما بعواصم العالم، خصوصاً الشرقي منها.
ويعلم مسعود انه من وزارة امن الدولة حقق الرئيس السابق نجيب الله معظم انتصاراته اذ استطاع رجال امثال الجنرالات يعقوبي الوزير السابق لأمن الدولة وعبدالحق علومي حاكم قندهار السابق وفضل الحق خلق يار حاكم هيرات، ورئيس الوزراء السابق ان يحققوا بالرشاوى والعملاء والدس بين المجاهدين واخيراً الميليشيا شبه النظامية ما عجزت وزارة الدفاع بأسلحتها المتطورة عن تحقيقه.
وقامت "الوسط" بزيارة مقر احمد شاه مسعود هذا والتحاور معه ومع بعض المحيطين به للاطلاع على افكار وآراء الرجل القوي الجديد في افغانستان الاسلامية الجديدة المحررة.
ويلتقي مسعود في مكتبه برجال من النظام القديم يرفض اعوانه التعريف بهم، ومن غير الواضح اذا كان يستخدم الشبكة الهائلة من العملاء التي كان الفضل الأول في تأسيسها لنجيب الله قبل ان يصبح رئيساً للجمهورية والتي يقدر عدد افرادها بأكثر من 50 الف شخص، كثيرون منهم موجودون داخل صفوف المجاهدين وفي مهاجرهم بباكستان وايران، غير ان مسعود يصر في حديثه إلى "الوسط" على التأكيد بأن لا ائتلاف مع النظام الشيوعي القديم وإنما "نقل هؤلاء ولاءهم إلى الدولة الاسلامية ويريدون ان يخدموها وهم يأتمرون بأمر القيادة الجديدة".
والقيادة المقصودة هي مسعود وحده، فلا احد في كابول حالياً يملك الصلاحيات التي يتمتع بها مسعود، بما في ذلك رئيس المجلس الانتقالي البروفيسور صبغة الله مجددي، فمسعود يصدر البطاقات التي يحتاجها المجاهدون للتجول في كابول بأسلحتهم وهناك بطاقات خاصة للتنقل في الليل حيث يشمل كابول حظر للتجول، وتصدر هذه البطاقات عن الاجهزة نفسها الموجودة في وزارة امن الدولة، كما ان السياسة الاعلامية والاخبار المهمة ترد على مسعود قبل اعلانها في الاذاعة والتلفزيون الافغانيين.
وبالاضافة إلى قادة المجاهدين الذين يلتقيهم مسعود في الوزارة فانه يلتقي ايضاً بعدد من رجال السلطة السابقين، خصوصاً العسكريين منهم الذين لا يزالون على رأس اعمالهم. فمسعود بحاجة إلى خبراتهم في حربه ضد منافسه قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الاسلامي. ومن المؤكد انهم سيكونون اكثر ولاء له مما لو تسلم المناصب القيادية في الجيش قادة مجاهدون من احزاب اخرى، كما ان قادة الجيش لن تتغير عليهم "طبيعة العمل" عندما يواجهون الحزب الاسلامي الذي طالما قاتلوه في السنوات ال14 الماضية، ولعل ذلك يبرر قيام مسعود بتثبيت رئيس الاركان السابق آصف ديلاور في منصبه على رغم الاعلان عن تعيين رحيم وردك وهو احد قادة المجاهدين من الجهة الوطنية جيلاني في المنصب نفسه قبل ثلاثة ايام، وقد جلب هذا انتقاداً كثيراً من قادة المجاهدين لمسعود، فيما اتخذه حكمتيار دليلاً آخر على تحالف مسعود مع النظام السابق.
وفي الوقت نفسه يطلب معاونو مسعود من الصحافيين عدم الاهتمام بقادة ميليشيا عبدالرشيد دوستم. فعندما التقيت بنائب دوستم في كابول اكتفيت بالتقاط صورة له. وكان يجلس على مكتب مجاور لمسعود في انتظار سماح الاخير لمقابلته. وكان من الصعب عليه ان يبدو واحداً من مجاهدي مسعود البنشيريين، ولكن كان من الواضح انه يعمل معهم، او لهم.
وفي تصريح مقتضب وقصير قال لي انه يتلقى تعليماته من مسعود ودوستم وان الميليشيات لن تخرج من كابول لأنها شاركت في الدفاع عنها. وأوضح لنا مسعود انه حدد اربعة شروط للميليشيات قبل اتفاقه معها وهي "ان تعمل معه على قيام دولة اسلامية وان يكون عملها لكل افغانستان، وترفض مبدأ التقسيم والمصالح القومية مع الاعتراف بحقوق الاقليات وفق ما تقرره الشرعية الاسلامية، واخيراً ان تأتمر بأمر قيادة واحدة". ويدافع مسعود عن علاقاته بالميليشيات فيقول "ان حكمتيار ايضاً ابدى استعداده للتعاون معها وكان يمكن ان يتفق دوستم معه".
ويسرب معاونو مسعود انباء عن وجود رسالة وجهها حكمتيار إلى دوستم يصفه فيها بالقائد المظفر ويذكره بأنه لم يحقق شيئاً لصالحه في النصر الذي حققه لمسعود، ويدعوه إلى التعاون معه. ويؤكد شقيق رئيس المجلس الانتقالي د. نجيب الله مجددي هذه الرواية - وهو معروف بكراهيته الشديدة لحكمتيار - اذ قال ل "الوسط" ان نصّ الرسالة سيذاع في التلفزيون كدليل ادانة ضد حكمتيار، غير انها لم تعلن حتى الآن.
وسط هذه الضغوط والتحديات اتخذ مسعود من غرفة صغيرة وسط المبنى الضخم، لا تزيد مساحتها على مترين في ثلاثة امتار، مبيتاً له. ويبدو ان مسعود ينزع إلى التواضع في تصرفاته فلم يدخل كابول دخول الفاتحين وإنما دخلها في كنف الليل من دون موكب او جماهير تهتف، كما يتبسط وسط اعوانه. ويقول احد مساعديه واسمه اسلام "ان مسعود يسمح لاتباعه بمناقشة آرائه والاختلاف معه، ولكن عندما يصدر امراً نطيعه فوراً".
ويختلف مسعود عن بقية القادة الافغان الكبار والذي اصبح واحداً منهم اثر انتصاره في كابول، فهو يرتدي دوماً زياً عسكرياً يتميز بكوفية تشبه اختها الفلسطينية توضع على الكتف، ولا يتحدث العربية وإنما يفهمها إلى حد ما وهو سريع الحركة بحيث يجعل مهمة من يصوره صعبة.
مشكلة حكمتيار
الهاجس الاساسي لمسعود هو نزاعه مع حكمتيار وتثبيت الوضع الامني في العاصمة كابول. ويتحرك الرجل القوي على جبهتين عسكرية وسياسية لحسم نزاعه مع زعيم الحزب الاسلامي والقضاء على الفوضى والتسيب في العاصمة الافغانية.
ومسعود، كما ذكرنا، يخوض معركته المزدوجة هذه من مقره في وزارة امن الدولة التي قادت الحرب ضد المجاهدين ايام الحكم الشيوعي اذ تتبع لها اجهزة الاستخبارات شؤون القبائل والميليشيات شبه النظامية. وكثيراً ما كانت تنجح بعملياتها السرية في افشال عمليات المجاهدين بصورة افضل مما تفعله وزارة الدفاع بقوتها العسكرية الهائلة، وكانت تستخدم في ذلك الرشاوى والتجسس والايقاع بين الاحزاب المختلفة.
ويبدو ان مسعود لا ينوي استخدام الاساليب نفسها اذ طرد - او منح جميع موظفي الوزارة اجازة مفتوحة - وهي الوزارة الوحيدة التي لا يدخلها غير المجاهدين وبالتحديد رجال مسعود المخلصين من بنشير وشورى نظار فقط. ولكنه ينوي فرض هيمنته على كابول، فمعظم المناطق الاستراتيجية اسندت إلى رجاله بما في ذلك مبنى المطار ومبنى الاذاعة والتلفزيون وهما الموقعان اللذان فشل حكمتيار في السيطرة عليهما عندما دخل رجاله كابول. ويرى مسعود ان دخول جميع الاحزاب وبصورة عشوائية إلى كابول سيؤدي إلى ازدياد حالات النهب والاعتداءات التي حصل الكثير منها، مما اثار تذمر المواطنين فذهبوا يشكون ذلك إلى رئيس المجلس الانتقالي صبغة الله مجددي. وقام بالقسط الاكبر من التجاوزات رجال الميليشيات بزعامة دوستم الذين ساعدوا مسعود في مواجهة حكمتيار واسقاط نجيب الله.
ووجد مسعود فرصته في ذلك فأمر بتشكيل قوة مشتركة من جميع الاحزاب لتحل في وسط المدينة محل الميليشيا التي ابعدها إلى اطرافها حيث يحتشد ألوف من رجال الحزب الاسلامي خارجها. فمسعود نفسه لا يثق في الميليشيا تماماً اذ لا يريد منها غير تنفيذ تعليماته وخدمة الدولة الاسلامية الجديدة. وتؤكد مصادر مقربة من مسعود ل "الوسط" ان دوستم ظل متردداً في الولاء ما بين الاجنحة الثلاثة المتصارعة على الحكم خلال الشهرين الماضيين، وهي مسعود وحكمتيار والنظام السابق، وانه لم يحسم امره الا بعد ان وصل مسعود إلى تشاري كار واحتل مطار بغرام - القاعدة الجوية الاكبر في افغانستان - وجبل السراج الذي يسيطر تماماً على طريق كابول والشمال.
وتضيف المصادر ان دوستم وسيد كيان زعيم الميليشيات الاسماعيلية الشيعية وعدداً من القيادات القومية "الاوزبكية" اجتمعوا قبل اسبوعين في مقر مسعود في كابول لاقناعه بالخصوصية العرقية للشمال والاعتراف بالمجلس الاسلامي الوطني الذي اعلنه دوستم الشهر الماضي وتخصيص حصة له في التلفزيون الافغاني، غير ان مسعود - حسب المصادر - رفض مطالبهم وعمد إلى استدعاء كبار قادة الجمعية من الشمال، من الطاجيك والاوزبك والتركمان، على متن طائرة قدمت من مزار شريف، اذ يؤمن مسعود ان هؤلاء هم الذين يمثلون الثقل الحقيقي للشمال، وسيترك لهم مواجهة طرح "القوميين" بالقناعات الاسلامية لقادة الجمعية واصرارهم على وحدة افغانستان في اطار اسلامي.
وعودة إلى التحدي الذي لا يزال مسعود يجده من الحزب الاسلامي وزعيمه قلب الدين حكمتيار، فان من الواضح انه لم يتخذ قرار بعد حول مسألة احتفاظ الحزب برئاسة الحكومة حسب اتفاق بيشاور في 24 نيسان ابريل الماضي الذي رفضه الحزب في البداية ثم عاد وقبله بعد هزيمته العسكرية. ويجد مسعود نفسه بين مجموعتين: الاولى تؤيد عودة كاملة لحكمتيار وحزبه إلى صف المجاهدين، ومن هؤلاء عبدرب الرسول سياف زعيم الاتحاد الاسلامي و "مهندس" اتفاقية 24 نيسان ابريل ومولوي محمد يونس خالص زعيم الحزب الاسلامي - مجموعة خالص. وفي الجهة المقابلة تقف "القوى القديمة" ويمثلها زعيم الجبهة الوطنية بير احمد جيلاني الذي اعلن انه لن يدخل حكومة يشارك فيها حكمتيار كرئيس للوزراء وجبهة الخلاص الوطني بزعامة مجددي، والذي صرح نجله ذبير الله ل "الوسط" "ان حكمتيار خرج على الدولة الاسلامية وحكم الباغي الصلب".
اما برهان الدين رباني فقد اتخذ موقفاً وسطاً، اذ اعلن ل "الوسط" تأييده لمشاركة حكمتيار "حفاظاً على وحدة المجاهدين"، ولكنه استطرد قائلاً: "اذا دخل حكمتيار كرئيس وزراء فسوف تكون هناك مشاكل لأن الكثيرين يرفضونه.
وبينما يسعى سياف وممثلو حقاني وعدد من العلماء العرب للتوسط بين الطرفين المتنازعين اكد مجددي ان الحزب الاسلامي قطع الطريق امام قافلة تحمل القمح لأهالي كابول فارتفعت اسعار خبزهم إلى رقم قياسي، وذلك في منطقة سردي التي يسيطر عليها الحزب وتبعد حوالي 70 كيلومتراً شرق كابول، في الوقت نفسه الذي وصلت فيه القافلة إلى العاصمة وأعلن سائقوها ان الحزب لم يوقفهم وانما الطريق وعر ولذلك تأخروا. وعلى رغم نفي الحزب الاسلامي انه اصدر تهديداً بالهجوم على كابول فقد ظل نجيب الله مجددي شقيق رئيس المجلس الانتقالي يتنقل بين الصحافيين ليخبرهم ان الحزب اقترب من كابول وسيشن هجوماً عليها. وبالفعل انطلقت صواريخ وضربت العاصمة وسارعت قوات مسعود والجيش والميليشيا إلى الرد على الحزب الاسلامي. وعاد الاخير مرة اخرى لينفي مسؤوليته عن الصواريخ التي سقطت على كابول. وأدى ذلك إلى حصول قناعة بين قادة الاحزاب، خصوصاً المتعاطفة مع حكمتيار، بأن هناك من يريد تعظيم هوة الخلاف بين الحزب والجمعية الاسلامية. وقام عبدالحق القائد المعروف حول كابول والتابع للحزب الاسلامي - مجموعة خالص - بالتحذير من حصول اشتباكات في الجنوب، وأعلن رفضه مشاركة اية قوات امنية تتوجه لضرب الحزب وذلك على رغم عضويته في مجلس الامن الاعلى المشكّل من ستة قادة يترأسهم مسعود ويتولى مسؤوليات حفظ الامن في العاصمة.
المسألة الاخيرة امام مسعود هي تنفيذ اتفاقية 24 نيسان ابريل والتمهيد لتسلم رباني رئاسة الدولة وقد حث مسعود رباني على التعجيل بالقدوم إلى العاصمة وجلب عدداً اضافياً من مجاهديه من الشمال ليكونوا في استقبال رباني بشكل يليق برئيس الدولة. وفي ما يخص رئيس المجلس الانتقالي مجددي الذي أعلن نفسه رئيساً لدولة افغانستان الاسلامية، فلقد وجه مسعود تعليماته للاذاعة والتلفزيون بأن يتوقفا عن تسمية مجددي رئيس الدولة ويكتفيا بوصفه رئيس المجلس الانتقالي وممثل الدولة الاسلامية. وأثار ذلك غضب مجددي ولكن مسعود اسرع بلباقته إلى احتواء الموقف.
وتبقى مسألة رئاسة الحكومة معلقة اذ ادى احجام مسعود عن تبيان رأيه الصريح في المسألة إلى استمرار توتر العلاقة مع الحزب الاسلامي والى طموح الاحزاب الاخرى بهذا المنصب. وفي هذا السياق جاء تصريح نجيب الله مجددي بأن "هناك كثيراً من الدول تعمل من دون رئيس للوزراء، وحظرة ساب مجددي يستطيع تسيير الامور بهذه الطريقة". ولكن المفترض ان يغادر مجددي قصر الرئاسة بعد حوالي الشهر إلى رئاسة مجلس شورى المجاهدين الموقت، وهذا ما يتحاشى نجيب الله مجددي الاجابة عنه.
كيف يعيش الكابوليون؟
وسط هذه الهموم والهواجس السياسية والامنية كيف يعيش اهالي العاصمة كابول؟
يقف ابناء كابول لحظات طويلة يتمعنون في صور قادتهم الجدد المعلقة على جدران المدينة وأمام اداراتها الحكومية، وهم القادة انفسهم الذين اكثرت الحكومة السابقة من وصفهم بالعملاء والمخربين وشتى النعوت طوال سنوات حربها الطويلة ضدهم.
معظم الصور في العاصمة الافغانية هي لأحمد شاه مسعود وزعيمه برهان الدين رباني اضافة إلى صور صبغة الله مجددي.
معلومات اهالي كابول عن قادتهم الجدد مشوشة ولا يخفي بعضهم انهم كانوا متخوفين من المجاهدين لما حموه عنهم من انطباعات تصفهم بالوحشية والارهاب. ويبدو ان سنوات القمع الماضية والخوف من شبكة هائلة من المخبرين تتبع النظام ومرحلة اللااستقرار الحالية وتنازع السلطة بين احزاب المجاهدين جعلت الكابوليين يحجمون عن التعبير عن رأيهم بحرية. وإذا كان الجميع يبدي ترحيبه بتسلم المجاهدين للسلطة وسقوط "الملاحدة الدهرية"، كما يصف عبدالتواب النظام السابق، وهو معلم في مدرة ثانوية وجاء ضمن وفد من أهالي حيه للسلام على "حظرة ساب"، كما يسمون رئيس المجلس الانتقالي صبغة الله مجددي. وبارك عبدالتواب والوفد لمجددي النصر، الا انهم اشتكوا له من تجاوزات الميليشيا وطلبوا مساعدته في اخراجها من العاصمة.
وبينما لا يتردد عبدالتواب في الثناء والدعاء لمجددي و "القائد المظفر" احمد شاه مسعود، يتوقف آخرون عند تأييد المجاهدين من دون تخصيص، كالطبيب محمد الذي قال لي انه سعيد جداً لانتصار المجاهدين "ولكن لا يجوز إبعاد قلب الدين حكمتيار عن الحكم اذ انه قوة لا يستهان بها وله فضله في الجهاد". ونفى في البداية ان يكون متعاطفاً مع الحزب الاسلامي، فالحزب الاسلامي اصبح يمثل المعارضة ولم يجرب احد بعد مدى "سماحة" حكومة الجمعية الاسلامية وحلفائها تجاه المعارضة.
ولكن بعد فترة، وفي منزل محمد نفسه الذي يعمل طبيباً في احد مستشفيات العاصمة اعترف بولائه للحزب الاسلامي وزعيمه حكمتيار، وقال انه منتمٍ للحزب منذ اكثر من 5 سنوات بصورة سرية. وأضاف انه يوجد في كابول مئات مثله من الحزبيين، مثلما توجد خلايا اخرى تابعة لمسعود وغيره من القادة، كعبدالحق وبلال نيرم، وإن كان نفوذ هؤلاء اقل من الحزب والجمعية.
ويتظاهر الكابوليون بقبول "النظام الجديد"، اذ سارعوا إلى تلبية طلب رئيس المجلس الانتقالي بالعودة إلى وظائفهم. ولا يترددون في تبادل التحية مع المجاهدين الذين يتجاوزونهم في الطريق او يحتلون بعض المكاتب في ادارتهم التي يمضون معظم وقتهم فيها بلا عمل اذ لا يعرفون ماذا ينبغي عليهم ان يعملوا.
وعلى رغم محاولة اصطناع حالة طبيعية، الا ان منظر الموظف الكابولي في بذلته الغربية ولحيته المحلوقة يبدو متنافراً عن المجاهد بلحيته الكثة وزيه العسكري. وقل ما يتبادل الطرفان الحديث على رغم ان كلاً منهما يحمل ذكريات وتجربة مختلفة تستحق ان ينقلها إلى الآخر.
حكم المجاهدين
ومن المؤكد ان كثيرين من كبار الموظفين هم من اعضاء حزب الوطن الشيوعي - الحاكم سابقاً - الا ان جميع من تحدثت اليهم نفوا ذلك بصورة قاطعة. وبينما يتخوف بعضهم على سلامته، خصوصاً مع عمليات الاغتيال الغامضة لأفراد النظام السابق، يقلق البعض الآخر من احتمال ابعاده عن وظيفته وذلك على رغم العفو العام والتطمينات المكررة من الحكومة الاسلامية الجديدة. ويعبر عن ذلك خليل هدف رئيس تحرير مجلة "المجاهدون" الناطقة بالعربية والصادرة عن الجمعية الاسلامية فيقول ان في صف المجاهدين مئات من الكوادر المتعلمة التي انضمت إلى المجاهدين خلال سنوات الغزو والحكم الشيوعي "وهؤلاء هم الذين يدركون مرامي الدولة الاسلامية ويستطيعون بناءها".
لقد اخذ المجاهدون يتسلمون تدريجياً المناصب القيادية في وزارات الخدمات، بينما تركوا العاملين السابقين في وظائفهم. ففي وكالة الاعلام الرسمية بختار اصبح نجيب لافرائي الناطق الاعلامي للجمعية المسؤول الاول فيها. ويبحث خليل هدف عن مكتب في مبنى "بختار" بهدف اصدار نشرة باللغة العربية، ويقول انه لن يتردد في الاستفادة من الكفاءات الموجودة، ولكن سيعملون بتوجيهات المجاهدين.
اما قدامى موظفي "بختار" فيجلسون في مكاتبهم يتبادلون النظرات ويرفضون اعطاء اية معلومات او اخبار للصحافيين ويطلبون منهم "انتظار النشرة الاعلامية اليومية".
والتصريح الوحيد الذي تشجع مذيع في التلفزيون على التصريح به هو قوله "نحن سعداء بالعمل مع اخواننا المجاهدين، والأهم اننا نعمل بحرية الآن". ولكن الحرية التي يتحدث عنها هي التي يقررها حالياً احمد شاه مسعود وينفذها محمد صديق تشكري وهو من قيادات الجمعية الاسلامية الشابة ويبدو انه مسؤول عن قطاع التلفزيون. ويقول تشكري ان الدولة الاسلامية ستقدم نموذجاً في حرية الرأي واتاحة الفرصة للمعارضة وتعدد الآراء في اعلامها. ولكن يبدو انه يتحدث عن المستقبل، فالاخبار في التلفزيون لا تزال تقدم من وجهة نظر الحكومة الانتقالية والجمعية الاسلامية، كما ان اناشيد المجاهدين الحماسية هي الخاصة بالجمعية ايضاً والافلام الترفيهية هي الافلام التسجيلية التي اعدتها التلفزيونات الغربية عن احمد شاه مسعود، ويعترف تشكري انهم يجدون صعوبة في ملء ساعات البث القليلة ببرامج مناسبة للمرحلة الجديدة.
وعلى رغم انه لم يطلب من موظفي الدولة اعفاء لحاهم او تغيير زيهم، الا ان النساء سارعن تلقائياً إلى تغطية رؤوسهن وارتداء السراويل الطويلة تحت ملابسهن الغربية التصميم بمن في ذلك مذيعات التلفزيون اللاتي تحجبن.
ويبدو ان بعض العاملات لم يتحمسن بعد للوضع الجديد. ففي احدى مباني رئاسة الوزراء طرد محمد ياسر ممثل الشيخ سياف - زعيم الاتحاد الاسلامي - والذي تسلم رئاسة الوزراء المختلف على اسنادها لحكمتيار، عاملتين لم تغطيا شعر رأسيهما وارتديتا ملابس قصيرة، وبعد نصف ساعة عادتا بزي اكثر حشمة وتوقفتا امام محمد ياسر الذي كان مجتمعاً مع موظفي الوزارة فأومأ لهن بأن زيهن مناسب هذه المرة فأسرعن إلى مكاتبهن. الا ان محمد ياسر، وهو من خريجي الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة، غير متحمس كثيراً لعمل المرأة في المكاتب مع الرجال ويقول "سنترك هذه المسألة للمستقبل، فأمامنا عملية تعتبر هائلة في مناهج التربية والتدريس ولا يمكن ان نقرر اي شيء بشكل منفرد ومتعجل".
وفي فندق الانتركونتننتال حيث يقيم معظم الصحافيين والقليل من رجال الاعمال والديبلوماسيين استمر تقديم المشروبات الكحولية حوالي اسبوعاً بعد اعلان قيام الدولة الاسلامية. وعندما تنبه المجاهدون لذلك قام الدكتور عبدالرحمن المسؤول الامني عن كابول بالنيابة عن مسعود بالاتصال بمدير الفندق وأمره بالتوقف عن تقديم الخمور واغلاق البار ونزع صور النساء. ولم يتردد مدير الفندق في تنفيذ القرار، بينما استعان بأحد المجاهدين لتحديد الصور التي لا تتفق مع الآداب الاسلامية في الوقت الذي وقف الصحافيون الغربيون ينظرون بأسى، وكان رد فعلهم الوحيد ان سارعوا إلى غرفة التلكس لارسال تقارير لصحفهم عن اغلاق آخر حانة في كابول.
وبينما لم يخف اهالي كابول تذمرهم من الميليشيات التي جربوا عبثها وتهورها من قبل عندما كان نجيب يستخدمها ضد المجاهدين، وجربوها مرة اخرى وهم في صف المجاهدين، فانهم ابدوا ترحيباً شديداً بالمجاهدين، خصوصاً مجاهدي شورى نظار التابعين لمسعود الذين اظهروا انضباطاً شديداً في احترام الملكيات الخاصة والحكومية، بما في ذلك شعارات النظام السابق والتي يمقتونها. ويقول احدهم في نادي كبار الضباط ان التعليمات الصادرة لهم هي الا يلمسوا اي شيء "حتى لو كانت صورة نجيب الله". لذلك لا تزال في المبنى اعلام افغانستان السابقة وميداليات الضباط والكؤوس التي حازتها الفرق الرياضية العسكرية ومكتبة اكتفى المجاهدون بتقليب صفحات كتبها وجرائدها التي تحمل فكراً مناهضاً لفكرهم.
وكان النهب الذي قامت به الميليشيات وبعض المجاهدين اثار قلق اهالي كابول، خصوصاً التجار منهم، ومن هؤلاء رحيم راتب الذي يملك متجراً للأجهزة الكهربائية والتلفزيون والفيديو، وهي من السلع النادرة في كابول، وتأخر راتب في فتح محله بعد احداث العنف الذي رافقت نقل السلطة للمجاهدين بنحو اسبوع، خوفاً من نهب محله، ويقوم حالياً بتغيير اسعار سلعه يومياً نظراً إلى التغيير المستمر والحاد للعملة الافغانية الآخذة في التحسن في مواجهة الدولار، مع استقرار الاوضاع في افغانستان. ويتوقع راتب انتعاشاً في التجارة بعودة السلام ويقول: "نحن الافغان نجيد التجارة ومارسناها في اصعب الظروف". والمعروف ان كابول كانت مصدراً هاماً للسلع المهربة إلى باكستان خلال سنوات الحرب، ويقول راتب ان النظام السابق حاول فرض قيود اشتراكية على القطاع الخاص في بداية عهده ولكنه ما لبث ان تركه يعمل بحرية بعد ان انشغل في الحرب، لذلك لا يتوقع تغييراً كبيراً في الانظمة التجارية بقدر ما سيكون التغيير نتيجة واقع السلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.