* عراقي ساعد الاسرائيليين على قصف المفاعل النووي العراقي * أول ما يطلبه منا العرب معلومات عن اسرائيل * الأسد صبور وحذر وصدام حسين مندفع ومتهور * اسرائيل دولة بوليسية ولدينا عملاء فيها هذه الحلقة الثالثة من الحوار الطويل الذي أجرته "الوسط" في موسكو مع الجنرال فاديم اليكسييفيتش كيربيشنكو، كبير رجال المخابرات السوفياتية والروسية في الشرق الاوسط، تتناول بشكل مفصل اجهزة المخابرات الاسرائيلية والمعلومات التي تملكها موسكو عنها وعن اساليبها. ويكف كيربيشنكو في هذه الحلقة مجموعة من المعلومات الجديدة والمهمة والمثيرة، منها قيام اسرائيل بتجنيد مواطن عراقي للعمل لصالحها خلال اعدادها خطة ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981. ويتحدث كيربيشنكو في هذه الحلقة، أيضاً، عن الرئيسين السوري حافظ الاسد والعراقي صدام حسين، وعن المخابرات العربية، وأمور اخرى. وهذه هي المرة الاولى الت يتحدث فيها كيربيشنكو إلى اية مطبوعة عربية او روسية او اجنبية. وقد امضى كيربيشنكو سنوات طويلة في مصر والعالم العرب قبل ان يصبح عام 1974 ولمدة 18 عاماً النائب الاول لرئيس المخابرات الخارجية في الاتحاد السوفياتي سابقاً ومسؤولاً خلال هذه الفترة عن نشاط هذه المخابرات في الشرق الاوسط. وهو يشغل حالياً منصب كبير مستشاري يفغيني بريماكوف مدير جهاز المخابرات الخارجية في روسيا. وفي ما يأتي الحلقة الثالثة من الحوار مع كبير رجال المخابرات السوفياتية والروسية في الشرق الأوسط: يتابع الجنرال كيربيشنكو حواره مع "الوسط" فيبدأ بالحديث عن الرئيسين حافظ الاسد وصدام حسين. ويقول كيربيشنكو عن الرئيس السوري: "التقيت الرئيس الاسد مرات كثيرة. احياناً لبحث قضايا المخابرات وأحياناً في مناسبات رسمية. اما بالنسبة إلى شؤون المخابرات فقد كنا نتعامل بشكل اساسي مع خبرائه الذين دربنا بعضهم. وكانت سورية ومصر على الدرجة نفسها من الاهمية بالنسبة الينا في تلك المنطقة. وبدأ الاسد بقيادة سلاح الطيران، مما يعني انه بدأ وهو يفتقر إلى الخبرة السياسية. الا انه اكتسب هذه الخبرة السياسية بسرعة كبيرة. وأنا من المعجبين على الدوام بالطريقة التي يتحدث بها الاسد. فهو لا يمكن ان يتعجل اطلاقاً. كما انه يخلق بشكل او آخر جواً يشجع على المحادثة بتأمل وعمق. والصحافة الغربية تتحدث عن الاسد احياناً فتعتبره مثل ايفان الرهيب. صحيح انه يستطيع ان يكون عديم الرحمة ولا يعرف الهوادة، ولكنه رجل حكيم وعلى درجة هائلة من الصبر. فسورية فيها فئات ومذاهب دينية مختلفة من مسيحية واسلامية. ولكنه استطاع ادارة كل النزعات والاتجاهات فيها بشكل تفادى معه التمييز بين المجتمعات المختلفة. وسعى دائماً إلى تحقيق التفاهم والوفاق. وقد رفعت تقريراً إلى المركز قلت فيه ان لدى الاسد روح نكتة ذكية جداً وله طبيعة سخية كريمة، وهو متفهم ويخلق جواً من الاحترام. ونظراً إلى ان لبنان، يجاور سورية، فان سورية محظوظة بشكل خاص لأنها تنعم بزعيم سياسي حكيم. والاسد حذر جداً، ويستخلص النتائج والعبر من كل خبرة. وليس من طبيعته ان يتصرف بشكل متهور او ان يتخذ اجراءات لا يمكن توقعها. كما انه ليس في سياسته اي شيء نابع عن اساءة التفكير او التقدير. ونحن ليس لدينا اية مشكلات في علاقاتنا مع سورية. فمستويات المعيشة في سورية عالية، ليس بالمقارنة مع السعودية او الكويت، وإنما بالمقارنة مع دول ذات اقتصاد شبيه بالاقتصاد السوري. وهناك قدر كبير من العمران. وأنا لا اقارن هنا دمشقبالقاهرة وإنما اقارن بلداناً بأكملها. وحتى المدن الصغيرة تثير الاعجاب. وفي هذا ما يوضح اسباب شعبية الأسد. فالفضل يعود اليه. والبلد اشبه بموقع انشاءات ضخم. وإذا كان ما اقوله دليلاً على اننا نريد الاحتفاظ بعلاقات ممتازة مع سورية، فان هذا صحيح. اذ ليس هناك اي بلد في المنطقة اقرب الينا من سورية. اما صدام حسين فهو مختلف تماماً. وأنا لم اذهب إلى بغداد اطلاقاً. ولكن اصبح لدي من التقارير التي تلقيتها على مرّ السنين صورة واضحة جداً عن الرئيس صدام حسين ونظامه. فهو والأسد مختلفان عن بعضهما البعض كلياً. فالأسد رجل صبور وحذر ويهتم بأدق التفصيلات ويشعر بحساسية مرهفة تجاه الثقافات. اما صدام فهو رجل عملي ولكنه مندفع ومتهور. وكما تعلم فإن الحديث عن اشخاص لا يزالون في السلطة أمر فيه احراج. ولكن دعني اقول ما يأتي: ان صدام حسين هو الذي تسبب بحرب الخليج الثانية بعد احتلاله الكويت. ونحن ايدنا ما قررته الاممالمتحدة ولا نزال نؤيد قرارات المنظمة الدولية بشأن العراق". "الزعماء الاسرائيليون كلهم روس" وطلبت من كيربيشنكو ان يعطيني تقييمه للزعماء الاسرائيليين وذكرت له بعض الاسماء المشهورة مثل ديفيد بن غوريون، غولدا مائير، موشي دايان، مناحيم بيغن، اسحق رابين، ارييل شارون، اسحق شامير، عندها ضحك الجنرال وقال: "انهم جميعاً روس! لقد كان بيغن يقول عن نفسه انه بولوني ولكنه ينتمي في الحقيقة إلى منطقة على الحدود كانت روسية قبل الثورة. ولهذا فهم يعرفون واقعنا. اذ ان جميع الاسرائيليين من الجيل الاقدم وصلوا إلى فلسطين ولديهم معرفة جيدة عن روسيا. جاؤوا إلى فلسطين لاقامة دولة اشتراكية كدولتنا. وبفضل المساعدات الاميركية صمدت إلى درجة كبيرة: اذ ان 78 في المئة من الاراضي تملكها الدولة. وهي دولة مثل دولتنا فيها درجة عالية من الامن والمخابرات. ويمكن ان تسمي اسرائيل دولة بوليسية. وفي عهد بن غوريون كانوا يستخدمون اللغة الروسية في اجتماعات مجلس الوزراء. وانا اعرف ذلك لأنني استمعت إلى تسجيلات بعض تلك الاجتماعات. وهكذا كانت اسرائيل مقاطعة من روسيا. وكان بيغن أقلهم جميعاً اهلية للاعتماد عليه، اذ بدأ حياته السياسية في وقت مبكر حين كان يرأس حركة الشبيبة اليهودية في بولونيا. وفي عام 1939 التجأ إلى روسيا بعد ان عبر الحدود بصورة غير قانونية ليهرب من بولونا التي طلب اليها الألمان اعتقال اليهود. ونظراً إلى انه عبر الحدود بصفة غير مشروعة فقد اثار شكوكنا فاعتقلناه ونفيناه في الداخل. وبعد ان انهى مدة الحكم انضم إلى الجيش البولوني بقيادة الجنرال اندريش الذي كان يقاتل ضد المانيا والى جانب روسيا منذ اواسط عام 1941. وبعدئذ هرب من الجيش وذهب إلى فلسطين. وهناك انضم إلى الكتيبة اليهودية في الجيش البريطاني لمقاتلة النازيين. ومرة اخرى هرب من الجيش وبعث باسحق شامير إلى دمشق لكي يعقد صفقة اسلحة مع النازيين ضد الحلفاء. الا انه علينا ان نكون منصفين ايضاً. فبيغن استطاع تحييد مصر بتحقيق السلام مع السادات، وعلينا ان نعترف ان ذلك كان انجازاً لاسرائيل، اذ لم يسبق لأي زعيم اسرائيلي آخر ان اظهر هذا القدر من بعد النظر. فقد خدع السادات وكارتر واقنعهما بالتخلي عن الفلسطينيين". المخابرات الاسرائيلية وانتقل الحوار إلى وضع المخابرات الاسرائيلية، فطلبت من كيربيشنكو ان يقيّم مستوى اجهزة المخابرات الاسرائيلية فقال: "اننا نكن احتراماً كبيراً جداً لكفاءة الموساد وغيرها من اجهزة المخابرات الاسرائيلية. والموساد جهاز مخابرات غير عادي. ولكن وكالات المخابرات الاسرائيلية الاخرى هي بالجودة نفسها ايضاً. فالموساد من اقوى اجهزة المخابرات في العالم اجمع. وهي في مكانة فريدة لأن اليهود يعيشون تقريباً في كل مكان من العالم وهم لا يضعون ولاءهم للوطن الذي يعيشون فيه في المرتبة الأولى دائماً. كما ان جميع اليهود تقريباً يتلقون تعليماً صهيونياً. فهم يتعلمون ان "فلسطينن هي وطنهم ووطن كل اليهود". والأمر اشبه ما يكون بالماركسية - اللينينية في عهد ستالين: تلقين يشترط الولاء الكامل المطلق، وهو تلقين لا يعتبر احداً آخر على المستوى الانساني نفسه. واسرائيل مجتمع يقوم على اسس الاتحاد السوفياتي نفسه في عهد ستالين. الا ان اجهزة المخابرات اليهودية كانت موجودة في فلسطين قبل قيام اسرائيل. وهناك نص اساسي تدرسه وكالة المخابرات المركزية الاميركية سي. آي. ايه. وهو ان المخابرات هي ثاني اقدم مهنة في التاريخ بعد الدعارة، وأن اول ضابط مخابرات في التاريخ كان يهودياً. وهكذا كان اليهود أول شعب يقوم بنشاط تجسسي". ويتابع الجنرال حديثه فيقول: "اسرائيل فيها سبع وكالات مخابرات: * أولاً: "الموساد". وهي لا تعطي حتى اسماء القادة. ان الناس في الغرب يقولون ان "كي. جي. بي" كانت دولة داخل دولة وإنه ليس هناك اية وكالة مخابرات بحجمها. لكنك اذا قارنت "كي. جي. بي." مع شبكة مخابرات اسرائيل لوجدت "كي. جي. بي." مجرد هيكل شكلي. * ثانياً، جهاز الامن العام، "شاباك"، الذي يطلق عليه خطأ في العادة اسم "شين بيت". * ثالثاً، دائرة مخابرات الأركان العامة - "أمان". * رابعاً، "نطيف بار". وهذا الجهاز الخاص ليس له معادل في أي مكان آخر من العالم. وهو مسؤول عن أعمال المخابرات داخل الجاليات اليهودية في الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية سابقاً. * خامساً، مركز الدراسات والتخطيط السياسي في وزارة الخارجية. وهو يقوم بالتحليل، كما انه على درجة عالية جداً من الاحتراف والكفاءة. * سادساً، قوة خاصة من العسكريين والشرطة لاعتقال الناس نيابة عن اجهزة المخابرات، وفيها أوجه شبه من جزء مخابراتنا الداخلية في "كي. جي. بي.". * سابعاً، لجنة التنسيق لجمع المعلومات العلمية والفنية. وهذه هي المجموعة التي جندت الجاسوس الاميركي جوناثان بولارد. لكنها لا تجند مباشرة ابداً. فهي تجذب المتطوعين خطوة خطوة وتجعلهم يعملون اكثر فأكثر. وهي مثل وعاء سرطان البحر: من الأسهل الزحف إلى داخله بدلاً من الخروج منه. وكل هذا تنسقه لجنة خاصة يرأسها رجل له من سخريات الاقدار لقب "مستشار رئيس الوزراء في شؤون الارهاب"! وأظن ان هذا الاسم يدل على روح النكتة اليهودية، اذ لا يمكن لأحد ان يفكر في مثل هذا المنصب الا روسي ترعرع في عهد ستالين. وخلال العقود الثلاثة او الاربعة الماضية كانت استنتاجاتنا ان اجهزة المخابرات الاسرائيلية كانت انشط داخل الاتحاد السوفياتي من "سي. آي. ايه" - المخابرات الاميركية - فهي تستخدم شبكة من اليهود الروس والأوكرانيين وغيرهم. وفي هذا ما يعرض بالتالي وضع اليهود في الاتحاد السوفياتي إلى الخطر ويجعلهم موضع ارتياب وكراهية، كما يشجعهم على الهجرة إلى اسرائيل. ولكن كل هذا يمكّن وكالات المخابرات الاسرائيلية من تزويد "سي. آي. ايه." بالمعلومات، وفي المقابل تدعم الولاياتالمتحدة اسرائيل". عميل عراقي وايلي كوهين ويتابع حديثه: "اسرائيل لا تملك حتى الآن اقماراً صناعية. ولما كانت محاطة بالدول العربية وبحاجة إلى معلومات بصرية فان هذا أعطى احد الأسس الواضحة للتعاون المتبادل بين المخابرات الاسرائيلية والاميركية. وفي المقابل ساعدت اسرائيل الولاياتالمتحدة في الدول التي لم يكن فيها نشاط للمخابرات الاميركية لأن هذه المخابرات تستطيع الاعتماد على الاسرائيليين. والمخابرات الاسرائيلية على اقصى درجة من الاحتراف. خذ مثلاً قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981. لقد كان هناك تحضير لفترة طويلة جداً في مجال المخابرات. اذ اكتشفت اسرائيل ان الهدف العراقي البعيد المدى من المفاعل هو صنع قنابل نووية، مما سيشكل خطراً حقيقياً على الاحتكار الاسرائيلي للأسلحة النووية في الشرق الاوسط. وهكذا كانت هناك حملة متعددة الأوجه والمراحل من الجهد الاستخباري الاسرائيلي. اذ ان اسرائيل جنّدت بعض العاملين في احد المراكز النووية الفرنسية المتعاونة مع العراق، واستخدمت في ذلك اساليب مختلفة. ودعني اكشف سراً مهماً: هل تعلم ان المخابرات الاسرائيلية جنّدت لحسابها مواطناً عراقياً خلال عملية اعداد خطة ضرب المفاعل النووي العراقي؟ حدث ذلك على الشكل الآتي: انتحل اسرائيلي يعمل في المخابرات شخصية رجل اعمال بريطاني وجاء إلى فرنسا واتصل بعراقي له علاقة بالتعاون النووي بين فرنساوالعراق. وقد خدع الاسرائيلي هذا العراقي وجنّده للعمل لحساب المخابرات الاسرائيلية من دون ان يعلم، اذ اعتقد هذا العراقي انه يتعامل مع رجل اعمال بريطاني وظن انه سيرتب عقوداً لاحدى الشركات البريطانية. كذلك خرّب الاسرائيليون منشأة نووية في فرنسا كانت تنتج الاجهزة النووية للعراق. وإذا ما نظرت إلى حالات مثل تعقب النازيين أيخمان ومنديل وباربي، او إلى الغارة على عينتبي في اوغندا لوجدت انها جميعها تافهة في سياق الاحداث التاريخية، ولكنها تكشف عن فن واحتراف ومهارة متميزة في عالم الجاسوسية. ولاسرائيل الكثيرون من العاملين الذين ينتحلون شخصيات معينة او يتنكرون بأثواب غير قانونية. ولعل اشهر هذه الحالات هي قصة ايلي كوهين، وهو يهودي سوري من مدينة حلب. اذ ان الاسرائيليين جندوه ثم ارسلوه إلى الارجنتين حيث سجل اصله على اساس انه سوري، من دون ذكر شيء عن كونه يهودياً. وبعدئذ نقلوه إلى سورية فبدأ في بناء علاقات مع الضباط السوريين. وكانت عنده اتصالات اخرى جيدة. كان ذكياً وماكراً. الا ان نقاط ضعفه كانت يهودية مثلما كانت نقاط قوته. فقبل كل شيء هناك الفسق والفجور. اذ ان علاقاته مع عدد من النساء خلت من اي حصافة او تكتم، كما انها كانت ضد كل قواعد المخابرات المحترفة. فمثل هذا الاسلوب يقتصر على عميلات المخابرات اللواتي يستطعن القيام بالمهمة عن طريق الاغواء والاغراء من دون الامعان في الشهوات. كما ان انكشاف سر العميلة لا يؤذي المسؤول عنها. وبعدئذ اصبح كوهين واثقاً بنفسه إلى درجة مفرطة جعلته يهمل حتى احتياطاته الامنية الشخصية. وكان يتبجح مثل الجاسوس الاميركي بولارد. فبولارد ذهب إلى حد انه ابلغ اصدقاءه انه جاسوس. ولذا يجب على الشخص المزروع، مثل كوهين، ان يكون اكثر حرصاً حتى من ضابط او عميل المخابرات العادي، وكان كوهين وضع هوائياً للاستماع والتنصت فوق سطح بيته الذي كان مجاوراً لاحدى القيادات العسكرية السورية. ونحن حين نرسل شخصاً بهذه الطرق غير المشروعة او نزرع شخصاً عند الطرف الآخر نقول له دائماً ان الهوائي الذي يستخدمه يجب ان يكون مخفياً. كذلك كان كوهين ينفق الأموال ببذخ، مثل بولارد، مما يعني انه كسر أولى القواعد وهي: اياك ان تلفت الانتباه. وهكذا تم اعتقال كوهين واعدامه. لكن الاسرائيليين في منتهى الجرأة. اذ سرقوا محطات رادار من مصر في وضح النهار، وهم يتكلمون جميع اللغات واللهجات، وهم يختفون بسهولة في اي مجتمع بفضل اتقانهم لغته. فقبل ان يغزو الاسرائيليون لبنان مثلاً غمروه بالعملاء الذين يصعب عليك التمييز بينهم وبين اهالي البلاد". ويتطرق كيربيشنكو في حديثه إلى الكتاب الذي اصدره الاسرائيلي فيكتور اوستروفسكي عن "الموساد" بعنوان: "عن طريق الخداع". ويقول كيربيشنكو: "ان كتاب اوستروفسكي هو افضل كتاب عن "الموساد". هل تذكر كيف قال ان المخابرات علمتهم كيف يبنون صداقات وأصدقاء اجانب لاسرائيل، ولكنها علمتهم ايضاً ان يتذكروا دائماً انهم حين يجلسون مع هؤلاء "الاصدقاء" الاجانب انما يجلسون مع عملاء ضللوهم. وفي هذا الصدد لا بد لي من القول ان الاسرائيليين ما كانوا ليكسبوا ولاء شخص مثل كيم فيلبي الجاسوس البريطاني الذي عمل لمصلحة السوفيات لأنهم لا يمكن ان يخلصوا له. وحين ظهر كتاب اوستروفسكي، سألت الخبراء والمحللين عندنا لماذا صدر الكتاب؟ هل كان طُعماً؟ لكنهم توصلوا إلى خلاصة مفادها انه كان نتيجة للجو العدائي في المخابرات الاسرائيلية - مثل جو "سي. آي. ايه." في بعض العهود. والجواسيس الاسرائيليون يقومون بمجازفات لا ضرورة لها. كما ان هناك روحاً من اللاأخلاقية في اوساط التجسس الاسرائيلية. فهم يسيرون على قوانين الغاب. ولا يزالون يقتلون الناس ويخطفونهم حتى اليوم، اي بعد ان تخلينا نحن و "سي. آي. ايه." عن ذلك كله منذ عقدين من الزمن وهذا هو الذي دفع إلى وضع كتاب اوستروفسكي". جواسيس روس في اسرائيل وسألت الجنرال: * هل لدى الروس حالياً جواسيس في اسرائيل؟ أجاب: "نحن نرسل الآن الروس إلى اسرائيل، والحقيقة اننا نغمر اسرائيل بهم. وعلى اسرائيل ان تدقق في وثائق جميع المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق، مما يعني اننا زدنا من العبء على مخابراتها. وهذه هي انشط عملية تقوم بها "كي. جي. بي." ضد اسرائيل. وعليهم ان يتذكروا ان المستوطنات التي تقام لهم الآن سوف تعاد ذات يوم إلى الفلسطينيين. وأنت تسألني اذا كان هناك جواسيس او عملاء لوكالة "كي. جي. بي." مزروعين في "الموساد" او غيرها من وكالات المخابرات الاسرائيلية؟ بالطبع نحن نهتم بوكالة "الموساد" وغيرها من المنظمات إلى درجة كبيرة. ونحن نستخدم مختلف الامكانات فلماذا لا نستخدم طريقة زرع العملاء؟ والواقع ان اصدقاءنا العرب يطلبون منا معلومات عن اسرائيل، بل وهذا هو اول ما يطلبونه عادة لأنهم لا يحصلون على شيء من هذا القبيل من الولايات المتمحدة. اما إلى اي مدى نجحت عملياتنا في اسرائيل؟ فانني استطيع القول ان المخابرات السوفياتية والروسية تعمل بنجاح في اسرائيل. ونحن نسعى كغيرنا إلى تحقيق النجاح الكامل في كل مكان، ولكنني واقعي بطبعي، ولهذا فان تحقيق النجاح بنسبة تسعين في المئة يكفي. اذ ان عملياتنا كانت انجح ما يمكن في اوقات الازمات والحرب". الفاتيكان والتجسس وبعدئذ سألت كيربيشنكو اذا كان هناك اي دليل على ان الفاتيكان استخدم الكاثوليك في العالم الذين يبلغ عددهم حوالي 400 مليون نسمة قاعدة لشبكة من المخابرات، فقال: "الواقع ان الفاتيكان دولة، وكل دولة لها مخابرات ومخابرات مضادة وأجهزة لمكافحة المخابرات. ففي سنواتي الأولى في مصر حاول ايطالي هناك ان يجندني للعمل لحساب الفاتيكان. اذ كان يبحث السياسة معي وكنت ارى انه يحاول ان يسبر غوري لكي يرى اذا كان لدي اي خيبة امل في النظام السوفياتي. وكنت اعرف انه في المخابرات. وكان اسلوبه غير عادي وكأنه من الهواة. لكن من الممكن ان يعمل الكاثوليك في كل مكان، وحتى اكثر من اليهود. فهل سبق لك ان سمعت مثلاً بوجود يهودي ياباني او يهودي فيتنامي؟". وأثرت مع كيربيشنكو موضوع جيمس جيسس انغلتون الرجل الثالث في "سي. آي. ايه." الذي طرده مديرها وليام كيسي. وكان انغلتون جاسوساً زرعته "الموساد" وخلّدت خدماته باقامة تمثال له في القدس. الا ان قسم التحقيقات الداخلية في "سي. آي. ايه." توصل إلى نتيجة مفادها ان انغلتون كان ايضاً جاسوساً زرعته المخابرات السوفياتية بهدف تحييد جميع عملاء "كي. جي. بي." وضباطها الذين انشقوا عنها، وللترويج لجاسوس مزيف هو اناتولي غوليتسن. لكن مدراء "سي. آي. ايه." لم يقبلوا اطلاقاً هذا الاستنتاج مما يعيد إلى ذاكرة المراقبين كيف رفضت المخابرات البريطانية النتيجة التي ذكرت ان كيم فيلبي كان جاسوساً زرعته المخابرات السوفياتية، لأن قبول ذلك كان سيضر بعلاقات المخابرات البريطانية مع مخابرات الحلفاء". وقلت له ان انغلتون كان جاسوساً زرعته "الموساد" فهل كان ايضاً جاسوساً للسوفيات؟ ردّ كيربيشنكو بقوله: "كان انغلتون شخصية مثيرة جداً للاهتمام. وكان على علاقة وثيقة جداً مع فيلبي، كما اننا حصلنا على معلومات كثيرة عنه من فيلبي. كذلك كان كتاب توم مانغولد "المحارب البارد" عن انغلتون مثيراً للاهتمام، لكن مانغولد لم يستطع ان يعرف اطلاقاً لماذا كان انغلتون موالياً إلى تلك الدرجة لاسرائيل. الا ان انغلتون اخبر فيلبي ذات ليلة بعد ان اخذ السكر منه مأخذاً السبب: لقد كان والده يهودياً مع انه لم يذكر ذلك اطلاقاً لأي شخص في سي. آي. ايه. وكان يشعر بالخجل من اسمه الأوسط "جيسس" الذي اعطته له والدته الاسبانية وهو تقليد لا يفعله الا الاسبان. ولهذا كان يشعر بالحرج مع اصدقائه البريطانيين والاميركيين بسبب اسمه. ولكن اذا كان انغلتون يشعر بالذنب لنكرانه نصفه اليهودي. وقد ابلغ فيلبي انه بدأ يشعر بذلك الذنب حين كان ضابطاً صغيراً خلال الحرب العالمية الثانية، ولهذا ساعد على انقاذ اليهود الايطاليين بارسالهم إلى اوروبا الغربية او إلى فلسطين. وكان بعض ما فعله في مجال مكافحة التجسس في البداية جيداً حقاً. وأنا أذكر التقارير التي اعطاها الى فيلبي الذي نقلها بدوره الينا وهي عن التناقضات الأساسية بين موسكو وبلغراد. ولكن لسوء الحظ، ورداً على سؤالك لم يكن جاسوساً لنا. كما ان غوليتسن هرب منا وانحاز فعلاً الى الطرف الآخر. وكان انغلتون الضابط المسؤول عنه حين كان جاسوساً لوكالة سي. آي. ايه. كذلك كان انغلتون المسؤول عن يوري نوشنكو الذي انشق علينا وعذبه انغلتون بناء على مشورة من غوليتسن ايضاً. والواقع ان المسألة كانت مجرد منافسة بين منشقين لنيل ثقة انغلتون، لا سيما ان الاثنين لم يكونا يطيقان بعضهما بعضاً. وكما ترى من اسميهما فان غوليتسن كان روسياً بينما كان نوشينكو اوكرانياً". وقلت عندها لكيربيشنكو ان كلا من كولبي مدير المخابرات الاميركية الذي طرد انغلتون ووليام وبستر الذي تقاعد اخيراً من رئاسة سي. آي. ايه. اكدا لي ان انغلتون لم يكن جاسوساً مزروعاً من كي. جي. بي. على رغم النتائج التي توصل اليها التحقيق، وان كليهما ابلغاني ايضاً ان الجنون هو الذي دفع انغلتون الى التصرف بالطريقة التي تصرف بها. وعندها رد كيربيشنكو بقوله: "هذا تفسير معقول. اذ ان مكافحة التجسس داخل نظام للتجسس امر من اشق الامور وأخطرها. واذا كانت طبيعتك تنزع الى الشك والارتياب بدلاً من ان تكون طبيعة تميل الى الاستقصاء والاستفسار فانك قد تخضع لظروف تقودك فعلاً الى الجنون. اذ ان العاملين معنا في مكافحة التجسس يواجهون المخاطر والمجازفات نفسها. ونحن نعرف ان انغلتون كان مصاباً بمسّ من الجنون الى درجة انه كان يشك حتى في مديره الذي كان يتولى الاشراف على المخابرات المركزية. لكنني اؤكد لك انه لم يكن جاسوساً لنا. وكل ما حصلنا عليه من معلومات عن طريقه هي تلك المعلومات التي نقلها الينا عملاؤنا في اجهزة المخابرات الاسرائيلية. هل كان غوليتسن مجنوناً؟ انا لست طبيباً نفسانياً. ولكن الكثير من حالات الانشقاق والانحياز الى الطرف الآخر يمكن ان تعزى الى خلل نفسي. وهذا امر قد لا يظهر في وقت الانشقاق ولكنه يتضح فيما بعد. ولا بد من ان يكون هناك شذوذ ما. والمحققون مع الذين يهربون من جهاز مخابرات وينحازون الى جهاز آخر يسألون عادة اكثر مما ينبغي. اذ ان المنشق يخبرهم كل ما يعرف ولكن المحقق يريد الحصول دائماً على المزيد. ولهذا فان اناساً من امثال غوليتسن يخترعون ويلفقون الاشياء. اذ انه اخترع مثلاً وجود مؤامرة دبرتها كي. جي. بي. لاغتيال الرئيس نيكسون. كذلك اخترع دوراً لنا في محاولة اغتيال البابا. كما انه اخترع الفكرة القائلة ان انشقاقنا مع بكين كان مؤامرة من تدبير موسكو وبكين لتضليل العالم. والواقع ان مجرد تصديق انغلتون ما قاله غوليتسن يكشف لك كل ما تريد ان تعرفه عن اضطراب انغلتون العقلي. ومرة اخرى اقول ان انغلتون لم يكن جاسوساً لنا. ولو كان جاسوساً زرعناه نحن لقلنا له ان عليه ان لا يفرط في ما يفعله لكي يظل في منصبه. لكن غوليتسن خاننا وانحاز فعلاً الى الطرف الآخر". المخابرات العربية وسألت الجنرال اذا كانت الحكومة السوفياتية السابقة، او الحكومة الروسية الحالية، قد استخدمتا اي خبراء او مستشارين مسلمين فقال: "كان في المكتب السياسي اعضاء مسلمون من الجمهوريات الاسلامية، لا سيما من اوزبكستان وكازاخستان كما ان هناك علماء كثيرين من الجمهوريات الآسيوية". وطلبت من كيربيشنكو ان يقيّم اجهزة المخابرات العربية، فقال: "وكالات المخابرات العربية لديها بعض النقاط القوية والكثير من نقاط الضعف. فهذه الاجهزة تعمل من دون اية قاعدة قضائية، وليس هناك الكثير من القوانين التي تنظم نشاطها. ففي اميركا مثلاً هناك لجان مجلسي النواب والشيوخ. كذلك سيكون لدينا نحن، بموجب الدستور الجديد الذي نعده، قيود ووسائل للتدقيق والمراقبة والموازنة هنا. ولدينا الآن مثلاً مكتب اعلامي ومؤتمرات صحافية، كما ان سي. آي. ايه. تحاول تقليدنا وبسرعة. لكن الدول العربية لا يوجد فيها مثل هذه الضوابط، مثلما هي معدومة ايضاً في اسرائيل. ولذا فهي بحاجة الى قدر من الانفتاح. وأنا أرى ان نقاط الضعف التقليدية في المجتمعات العربية تنعكس على اجهزة مخابراتها. وللمخابرات العربية شبكة قوية من العملاء. فالعرب، كما يقول المثل عندنا، يعيشون في الشارع وفي المقاهي وهم يحدقون في المارة. ودعني اعطيك مثلاً على مدى فائدة ذلك، اذ ان بحاراً قفز ذات مرة من احدى سفننا في الاسكندرية، وكان هذا البحار عامل لاسلكي يعرف اشاراتنا وغيرها من المعلومات السرية. وطلب قبطان السفينة منا في السفارة السوفياتية في القاهرة المساعدة. ولهذا ارسلنا بعض العاملين معنا الى الاسكندرية لمساعدة الشرطة المصرية، ولكننا اكتشفنا انها كانت عثرت عليه وتعقبت خطواته منذ ان قفز من السفينة حتى وصل الى القنصلية الاميركية. كيف؟ لقد وجدوا شهوداً على كل خطوة خطاها: سيارة الاجرة التي استقلّها، والمقهى الذي توقف فيه وهكذا. اذ كانوا حققوا مع سائقي سيارات الاجرة والعاملين في المقهى وغيرهم. واثبت الجميع انهم ملاحظون ومراقبون ممتازون لا سيما حين يتعلق الامر بشخص اوروبي او اجنبي، ولهذا فان المخابرات العربية بشكل عام تحتاج الى وقت اقل كثيراً من المخابرات الاوروبية او الاميركية للعثور على شخص ما". وسألت الجنرال ما الذي يمكن ان يفعله لو انه كان سينشئ جهاز مخابرات في بلد في الشرق الاوسط: "قبل كل شيء يجب ايجاد الموظفين والعاملين. اذ انني وجدت نفسي اواجه هذه المهمة في الاتحاد السوفياتي، وأؤكد ان الجواب معقد. وبالطبع فإن ظروفنا مختلفة جداً ولا يمكن تقليد نموذجنا لأنه يتلاءم مع الاوضاع العربية. اذ ان كل دولة لها حاجاتها المختلفة. فأنت بحاجة الى اناس على درجة كبيرة من الخبرة والتدريب الجيد، وتتوفر فيهم صفات مثل التعليم الجامعي وممن اكتسبوا تدريباً جيداً في مجال المخابرات ومكافحة المخابرات ولديهم معرفة جيدة عن الاقتصاد والنفسيات. فالحماسة والجرأة او الشجاعة صفات لا تكفي وحدها. الا انهم يجب ان يكونوا متطوعين. وفي البلاد العربية نجد ان ضباط القوات المسلحة ينقلون الى المخابرات، ولكن هذا الاسلوب لا يمكن ان ينجح. فالمتطوعون وحدهم هم الذين ينجحون. ويجب ان يكونوا على درجة كبيرة من الانضباط والتنظيم. ودعك من كل افلام الجاسوسية وما تشاهده فيها. اذ ان الارتجال يجب ان يكون الملاذ الاخير. كما يجب ان يكون لديهم الحوافز والدوافع. مثلاً نجد ان المخابرات الاميركية والبريطانية لديها اناس يعملون معها عادة لأسباب لا علاقة لها بالمال، وإنما لمجرد حبهم للمهنة. اذ ان بعض العاملين معنا ارادوا الذهاب الى دول اخرى لأن مستويات المعيشة فيها اعلى كثيراً، واكتشفنا ان بعضهم هرب منا وانحاز الى الطرف الآخر. ولا بد ان يكون لديهم التصاق بالأمن القومي. ومن الاسهل ان يكون لديك عدو حقيقي مثلما كان الحال عليه خلال فترة الحرب الباردة، او كما هو الحال في الصراع العربي - الاسرائيلي الراهن. اما الآن وقد انتهت الحرب الباردة، ثم بعد ان تحل المشكلة الفلسطينية، سيكون من الصعب الحصول على اناس جيدين. وأنا ارى ان من الصعب في هذا الاطار ان تكون الحوافز هي التجارة او البيئة. ولو كنت مسؤولاً عن التوظيف والاستخدام فانني سأتصرف بطريقة مختلفة جداً في الجزائر عما هي عليه طريقة التصرف مثلاً في الكويت. ولكن هناك اوجه شبه ايضاً. فضباط المخابرات العرب الذين تدربوا هنا هم على درجة عالية جداً من التأهيل والاستعداد. ونحن نضع معايير عالية للتعليم واللغات. ولا بد ان يكون العاملون لديهم ايضاً الجرأة والعنفوان والخصائص القتالية". وسألته اذا كان الدين يشكل مشكلة في عمل المخابرات، فقال: "العاملون في المخابرات ليسوا متدينين. اذ ان ضابط المخابرات قد يكون متمسكاً بتعاليم دينه ولكنه لا يكون متعصباً. وأنا لا اظن ان كثيراً من العملاء الاسرائيليين يؤمنون بالله او اليهودية. وسيكون من الصعب جداً على مسلم اصولي ان ينخرط في مثل هذا النوع من العمل لأن مبادئه تحول دون ذلك. ولا بد للجاسوس ان يكون في حالة جسدية قوية ويقظاً ساهراً طوال الوقت. ولا اظن ان اي يهودي متزمت او مسيحي ورع ايضاً يمكن ان يعمل مع المخابرات. نحن الروس علمانيون، ولم يسبق لأي من ضباطنا ان تردد حسب معلوماتي على كنيسة او جامع - اقصد لأسباب دينية. هل يمكنك ان تتصور قضاء ليلة مع كيم فيلبي وانت تصر عليه بتناول عصير البرتقال او المياه المعدنية بدلاً من المشروبات الاخرى التي يحبها؟ يجب الا يكون هناك قيود على ما يمكن ان تضطر الى فعله".