القرن المقبل مرشح ليكون قرن حروب المياه والغذاء بعد انحسار حدة الصراع الدولي حول البترول وانتهاء الحرب الباردة. ويبدو نهر النيل، بحوضه الكبير الصالح لانتاج القمح والبقوليات وغيرها كأكثر مصادر المياه المهددة بالنزاعات خصوصاً ان الدراسات اوضحت ان ايرادات النيل ستشهد انخفاضاً خلال القرن المقبل بسبب الجفاف المستمر في المنابع. وكان العام الماضي شهد توتراً في موضوع موارد مياه النيل بين مصر والسودان، عقب اعلان الأخير عن عزمه على انشاء سد ضخم في شمال البلاد لتوليد حوالي الف ميغاواط من الكهرباء والتوسع في زراعة القمح والبقوليات وصيد الاسماك وانشاء سد آخر في اعالي نهر عطبرة على الحدود الاثيوبية - السودانية بمنطقة ستيت. ويخطط السودان لزراعة حوالي 7 ملايين فدان في الاعوام العشرة المقبلة تحتاج الى اكثر من 6 مليارات متر مكعب من المياه. اما مصر التي تعاني من انفجار سكاني حيث من المتوقع ان يصل حجم سكانها في القرن المقبل الى سبعين مليون نسمة، فانها تستهلك كل حصتها من مياه النيل وتحتاج في الوقت نفسه الى زيادة التوسع الزراعي لمقابلة زيادة السكان. وكان وزير الدفاع المصري الفريق اول محمد طنطاوي صرح في العام الماضي، ابان التوتر بين القاهرة والخرطوم، ان "مصر ستستخدم القوة العسكرية في حالة تعرض مواردها المائية للخطر". وترتبط مصر والسودان باتفاقية 1959 لتقسيم مياه النيل حيث يبلغ نصيب السودان 18.5 مليار متر مكعب في العام ونصيب مصر 55.5 مليار متر مكعب، وسبب ارتفاع حصة مصر هو انها كانت تستخدمها عملياً عند التقسيم فأصحبت بمثابة حق مكتسب. وقد قام البلدان اخيراً بتنفيذ مشروع مشترك لشق قناة جونقلي بطول 360 كيلومتراً للاستفادة مناصفة من حوالي 4 مليارات متر مكعب من المياه تضيع سنوياً بسبب التبخر في منطقة المستنقعات في جنوب السودان، وبدأ الحفر في القناة ووصل حتى طول 270 كيلومتراً ثم توقف بعد ان ضربت قوات حركة جون قرنق الحفارة العملاقة التي تستخدمها الشركة الفرنسية في حفر القناة. واستمر العمل متوقفاً بسبب مطالبة الشركة بتعويض قدره ستون مليون دولار. الا ان اتفاقاً تم اخيراً بينها وبين البلدين على تخفيض التعويض الى 18 مليون دولار واستئناف العمل. وزير الري المصري المهندس عصام راضي قال في تصريح اخير له ان مصر لا تعارض تنفيذ مشاريع السودان المائية خصماً على حصته من مياه النيل، وانها مستعدة لتقديم الخبرة المصرية له، كما انها على استعداد لاستئناف العمل في حفر قناة جونقلي بوصفها اهم مشاريع تقليل الفاقد من مياه النهر بالنسبة الى مصر. ونفى راضي ان مصر ستستجيب لمطالب اسرائيل للحصول على مياه النيل من حصة مصر مشيراً الى ان تقسيم مياه النيل تحكمه اتفاقيات بموجب القانون الدولي تحول دون ذلك، وأضاف ان مصر نفسها ليس لديها فائض من حصتها من المياه وهي ترفض اي طلب اسرائيلي كهذا، وسترفض اي تصور مماثل تطرحه اسرائيل في المفاوضات المتعددة الاطراف الجارية حالياً. وقال المهندس عبدالبديع ابو السعود عضو الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان ان مصر تستهلك حصتها بالكامل من مياه النيل حيث بلغ نصيب المواطن المصري ألف متر مكعب في العام حالياً مقارنة بثلاثة آلاف متر، هو المتوسط العالمي، وسينخفض نصيب المواطن المصري الى 300 متر مكعب عام 2030. ونفى المهندس عبدالبديع ان يكون اي من مصر او السودان قد طالب من قبل بتعديل اتفاقية مياه النيل، وقال ان ذلك مجرد محاولات لتعكير العلاقات بين البلدين. كما نفى ان تكون اثيوبيا قامت حتى الآن بانشاء سدود تؤثر بصورة جوهرية في موارد مصر المائية. والمعروف ان هناك مشروعاً مشتركاً يضم السودان ومصر وسبع دول افريقية في حوض النيل مقره في اوغندا، يهدف الى اجراء دراسات هايدرومترولوجية لحوض النيل. وتنشئ مصر حالياً مشروعاً لحفر ترعة من النيل الى صحراء سيناء ترعة السلام، وفي هذا الصدد يقول المهندس ابو السعود ان سيناء جزء من حوض نهر النيل وكان فيها قبل حفر قناة السويس فرع للنيل، وأشار الى ان مصر تقوم حالياً بانشاء مركز انذار مبكر للتنبؤ بالفيضانات على طول مجرى النيل لصالح مصر والسودان لترتيب امور الري والزراعة على اسس علمية.