أخذ الصراع العربي الإسرائيلي أبعادا متعددة، منها المواجهات المباشرة، لكن خبراء استراتيجيين يحذرون من مساع إسرائيلية حثيثة لتعطيش مصر والسودان، من خلال الاستيلاء على منافذ مهمة على نهر النيل، والتأثير في دول المنبع، حتى تقيم السدود وتفرض سيادتها الكاملة على المياه التي تنبع من أراضيها، مما يعني أن حروب المياه باتت سلاحا خطيرا ضمن مؤامرات الكيان الصهيوني. ولم تكد أزمة سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، التي مثلت خطرا على حصتي السودان ومصر، تهدأ، بعد التوصل إلى تفاهمات بين الدول الثلاث، بعد مفاوضات ماراثونية، واتفاقها على مبدأ عدم الإضرار بحقوق أي من الأطراف، حتى فوجئت الدولتان بجهود حثيثة تبذلها دولة جنوب السودان، في صمت تام، لإقامة سدين جديدين على النيل الأبيض، أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، ومما أثار التساؤلات هو مصدر التمويل الذي يمكن لدولة الجنوب الوليدة، التي تعاني مصاعب اقتصادية حقيقية، جراء الحرب الأهلية الطاحنة التي كانت تشهدها خلال العامين الماضيين، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط، المورد الوحيد للدولة، وهو ما جعل حكومة الرئيس سلفا كير ميارديت تطلق نداء استغاثة للمجتمع الدولي لمساعدتها، بعد أن بات خطر الموت جوعا يطارد ثلثي سكان البلاد. وأشار مراقبون إلى أن إسرائيل تقف وراء الأمر، رغبة في استغلاله كورقة ضغط على الدولتين، لتحقيق مكاسب سياسية. أطول أنهار العالم يعد نهر النيل أطول أنهار العالم حيث يمتد من منابعه الاستوائية حتى مصبه في البحر المتوسط على مسافة 6650 كيلومترا، ويقع داخل 10 دول إفريقية، تسمى دول حوض النيل وهي: بوروندى، رواندا، زائير، تنزانيا، أوغندا، كينيا، إثيوبيا، وجنوب السودان، مصر، والسودان، علما بأن الأخيرتين هما دولتا المصب، والبقية بلدان المنبع. وينبع النيل من العديد من البحيرات والأنهار الإفريقية مثل بحيرة فيكتوريا، بحيرة إدوارد، بحيرة ألبرت "موبوتو"، وبحيرة تانا، قبل أن يخترق أراضى السودان حيث يلتقى النيل الأبيض بالأزرق، ثم إلى نهر عطبرة وصولا إلى مصر. وأدى انفصال دولة جنوب السودان إلى تغيرات أحدثت كثيرا من المستجدات المستقبلية التي يصعب معها الاكتفاء باتفاقية ثنائية بين مصر والسودان، بل بات من الضروري إيجاد استراتيجية للتعاون المائي من أجل تقليل المخاطر والأطماع الغربية التي تتعرض لها الدولتان.
أطماع إسرائيلية أصبحت السياسة الإسرائيلية تجاه دول القارة الإفريقية جزءا من الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك انطلاقا من نظرية تفوق تل أبيب العسكري والهيمنة والتحكم في المنطقة، وتطويق الدول العربية، وبخاصة مصر والسودان لحرمانهما من أي نفوذ داخل القارة الإفريقية. ويرى محللون أن استراتيجية إسرائيل في إفريقيا ترتكز على شل الوجود العربي في تلك القارة، ومحاصرة المصالح المشتركة بين الدول العربية جنوب الصحراء وشمالها، والوصول إلى منابع النيل بالنسبة لمصر والسودان، مشيرين إلى أن الكيان الصهيوني يسعى دائما إلى توسيع الفجوة وتعميق الخلافات العربية مع الدول الإفريقية، وتهديد أمن البلدان المعتمدة على نهر النيل بمحاولة زيادة نفوذها في دول المنبع المتحكمة في مياهه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرتي فكتوريا وتانا في كل من أوغندا وإثيوبيا. ويضيف المحللون أن تل أبيب تستغل كل إمكاناتها للتأثير على السياسة الإثيوبية والأوغندية، إلى جانب تشجيعها الحركات الانفصالية بغرب السودان، إضافة إلى مساعيها لفصل الجنوب عن باقي السودان، وهو ما تحقق لاحقا. وتسعى إسرائيل أيضا، حسب المحللين، إلى إيجاد تيار مناهض للعرب، وبخاصة في الدول المطلة على حوض النيل والمناطق المطلة على الساحل الشرقي في إفريقيا التي تعد عمقا استراتيجيا وحيويا مهما للعالم العربي والإسلامي، لوجود العديد من الروابط التاريخية والثقافية، إضافة إلى العديد من العلاقات الاقتصادية.
مصطلحات متخصصة يرى باحثون أن الخلافات بين دول المصب والمنبع "إثيوبيا ومصر"، تستدعي توضيح مصطلحات، منها المجرى المائي الدولي، ويقصد به أي مجرى مائي تقع أجزاؤه في دول مختلفة. وأما دولة المجري المائي، فإنه يقصد بها الدولة الطرف في هذه الاتفاقية التي يقع في إقليمها جزء من مجرى مائي دولي. وتعود العوامل التي أثارت حساسية بين الدولتين، إلى العلاقة بين المجرى والمصب "السودان ومصر"، إذ إن ما يقارب 75% من طول نهر النيل يقع داخل الحدود السودانية، سواء كان ذلك النيل الأبيض أو الأزرق، أو الروافد الأخرى مثل أنهار عطبرة، والدندر، والرهد، وبحر العرب، وبحر الزراف. ويرى خبراء أن مصادر المياه في المنابع تمثل بعدا أساسيا في الأمن القومى المصري، لأن الأرض الناقلة لهذه المياه لا تقل درجة في الأهمية، وإن تأمين المنبع لا يساوى شيئا إن غاب التأمين في المجرى، وهو الأرض التي تعبرها المياه حتى المصب".
سباق السدود كشفت مصادر سودانية انتهاء جنوب السودان من دراسات أولية لبناء سدين جديدين على النيل الأبيض، الأول في منطقة "كايا"، على الحدود مع أوغندا، والآخر على شلالات "فولا" بمدينة نيمولي، بغرض توليد الكهرباء، وإنشاء مزارع سمكية. وأضافت أن كمبالا أعلنت مساندتها جوبا في تشييد السد، بتوفير الدعم المالي، لمشاركتها الطاقة الكهربائية المولدة، مؤكدة وجود مخططات لست دول لإنشاء سدود على النيل في كينيا، وأوغندا، وبوروندي، ورواندا، وتنزانيا، إضافة إلى إثيوبيا، عقب توقيعها بشكل منفرد اتفاقية "عنتيبي"، التي تبحث إعادة تقسيم مياه النيل في صورة حصص مائية. وأوضحت المصادر ذاتها أن مخطط السدود في أربع دول لا يمثل ضرراً لمصر والسودان، مؤكدة أن الخطر الأكبر يأتي من كينيا وإثيوبيا، حيث أعدت الأولى مخططاً لإنشاء شبكة سدود متوسطة الارتفاع، تتراوح سعتها التخزينية بين ثمانية و14 مليار متر مكعب، بينما تمتلك إثيوبيا خططاً لإنشاء أربعة سدود كبرى على النيل الأزرق، بينها "النهضة"، الذي يبلغ ارتفاعه 145 مترا، بطاقة تخزين قدرها 74 مليار متر مكعب.
مشاريع مائية في فترة السبعينات، قدمت إسرائيل مشاريع لنقل مياه النيل من القرن الماضي، وعرف المشروع الأول ب"اليشع كالى" من شركة "تأهيل" المسؤولة عن تخطيط موارد المياه في تل أبيب عام 1974، وهو يقوم على نقل 1% من مياه النيل عبر ترعة الإسماعيلية. أما المشروع الثاني المعروف ب"يؤر" فتقدم به مدير تخطيط المياه الإقليمية، شاؤول أرلوزف، عام 1977م، ويتلخص في نقل مليار م3 بتكلفة 12 سنت للمتر، منها أربعة سنتات لمصر. وكان المشروع الثالث "ترعة السلام"، واقترحه السادات في حيفا عام 1979، وتطمع إسرائيل بأن يكون لها اليد الطولى في التأثير على حصة مياه النيل الواردة لمصر وبدرجة أقل السودان.
نقاط خلافية تواجه دولتا المصب في حوض نهر النيل، مصر والسودان، واحدة من أكبر المشكلات التي تهدد الأمن المائي لكل منهما، وذلك بتفجر الأزمة التي أثارتها دول المنبع في حوض نهر النيل، بشأن إعادة النظر في اتفاقية تقسيم مياه النيل، التي تم التوصل إليها بين البلدان في اتفاقيتي عام 1929 و1959. وبرز الخلاف بين الطرفين في اجتماع وزراء الموارد المائية لدول حوض نهر النيل المنعقد في الإسكندرية في يوليو 2009، وتركز الخلاف على عدة نقاط، حيث تطالب دول المنبع، إثيوبيا، أوغندا، كينيا، تنزانيا، الكونجو الديمقراطية، رواندا، وبورندي، بفرض اتفاقية إطارية جديدة على مصر والسودان، بحجة أن الاتفاقيات القديمة عقدت في فترة الاستعمار، وأن دول المنبع في الوقت الراهن تحتاج إلى تنفيذ مشاريع تنموية تقتضي إقامة مشروعات على نهر النيل. فيما تطالب الدولتان بأن يبقى الوضع على ما هو عليه فيما يخص الحصص المائية وترتيبات الوضع الحالي بين دول المنبع والمصب، وتتمسكان بالموافقة المسبقة على قيام أي سدود. وعدم المساس بحقوقهما في مياه النيل. ونتيجة لتباين وجهات النظر، نشبت أزمة أدت إلى تأجيل تعديل الاتفاقية الإطارية لمبادرة دول حوض نهر النيل لمدة ستة أشهر؛ لإفساح المجال أمام وزراء الموارد المائية لدول المنبع لمزيد من التشاور فيما بينهم وبين دولهم.
أطماع تاريخية تعود جذور الأطماع الإسرائيلية في مياه النيل إلى عام 1903 حيث تقدم مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل لحكومة الاحتلال البريطانية، بطلب للحصول على جزء من مياه النيل عبر مصر إلى صحراء النقب، لإمداد الكيان الصهيوني باللازم لاستزراع الأراضي، والإسهام في حل المشكلات المائية لإسرائيل. وأكد استراتيجيون أن ورقة المياه تؤدي دورا مهما بالنسبة للأمن القومى الإسرائيلي منذ عام 1970، لتحقيق وإقامة مشاريعها التي تشجع على الاستيطان وجذب موجات أخرى من المهاجرين اليهود. وتفيد مصادر تاريخية بأن السياسة الإسرائيلية المائية توجهت، منذ ذلك الوقت، إلى السيطرة على معظم مصادر المياه الطبيعية في المنطقة وتغيير خارطتها إلى مصلحتها، كما وضعت مياه نهر النيل ضمن أولوياتها، بغرض مضاعفة مواردها المائية بشتى الطرق، لتحقيق حلمها لنقل مياه النيل عبر صحراء النقب.
مؤتمر شرم الشيخ عقد الاجتماع الوزاري لدول حوض النيل في أبريل 2010، بمشاركة وزراء الري في تلك الدول، بيد أن المجتمعين فشلوا في التوصل إلى اتفاق إطاري جديد، مما أشعل أزمة بين الجانبين. واستمرت اجتماعات وزراء دول حوض النيل من أجل إنهاء الإطار القانوني والمؤسسي على مدى سبع سنوات، دون تحقيق نتيجة. وأكدت مصادر أن الطرح الذي قدمته كل من مصر والسودان كمسودة اتفاق، ينص على مطالبة مصر بزيادة حصتها 11 مليار متر مكعب، لتصل إلى 66 مليار متر مكعب. إضافة إلى التزام دول المنبع بإخطار مصر مسبقا قبل تنفيذ أي مشروعات على النيل. وفي المقابل، كان طرح دول المنبع معاكسا لذلك وارتكز على إعادة توزيع حصص المياه من جديد. وفرض دول المنبع سيادتها على المياه التي تخرج من أراضيها. وعقد اتفاقيات جديدة لتوزيع المياه.
مصر والسودان تشترك مصر والسودان في الاستفادة من مياه نهر النيل وكلتاهما دولة تقع في أسفل الوادي، ويمتاز السودان بأن لديه روافد تزود نهر النيل بالمياه. وتشير دراسات علمية إلى أن كمية المياه المطلوبة لمصر أو السودان أو غيرهما من الدول لا تعتمد فقط على الكمية المتدفقة في النهر، بل على عوامل عديدة أخرى، مثل: نوعية المياه، وكيفية إدارة شؤونها، والمشاريع المقامة على النهر من سدود وخزانات ومحطات توليد الطاقة، والاهتمام بالروافد والبدائل واستخدام التكنولوجيا في الري. كما تشير إلى أن البلدين بحاجة إلى التعاون لإدارة شؤون المياه، وتحديث وتطوير السياسات المائية، مشيرة إلى أن النيل له أهمية خاصة للخرطوم والقاهرة، وأن 97% من مياه مصر تأتي منه، بينما يقع أكثر من 95% من إيراد النهر خارج الأراضي المصرية.
سد واو أكد خبراء ومراقبون أن سد "واو" الذي تشجع مصر على تشييده على أحد روافد النيل الأبيض في جنوب السودان، يرتبط بمشروع نهر الكونجو الذي تخطط له، وعدوه حافزا لجوبا حتى تقبل باستئناف العمل في قناة جونقلي المتوقفة منذ عام 1983. وينتظر إكمال السد على نهر "السيوي" بولاية غرب بحر الغزال عام 2018، بتكلفة 2,1 مليار دولار، لتخزين نحو ملياري متر مكعب من المياه وتوفير طاقة كهرومائية تقدر ب10,4 ميقاواط سنويا. وقال وزير الموارد المائية والري المصري، حسام مغازي، عقب زيارة له إلى جنوب السودان في وقت سابق، إن القاهرةوجوبا، ستبدآن حملة دولية لإقناع المانحين بتمويل السد، بعد انتهاء مصر من دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية للمشروع وتسليمها لحكومة الجنوب.
مشروع جونقلي بدأت مصر والسودان في سبعينات القرن الماضي، عبر شركة فرنسية، في حفر خط مائي يربط بين منبع القناة ببلدة جونقلي وحتى المصب عند فم السوباط بالقرب من ملكال، لكن المشروع العملاق توقف بسبب اندلاع تمرد الحركة الشعبية في جنوب السودان عام 1983 رغم تنفيذ الجزء الأكبر بحفر 260 كيلومترا. وتتحفظ جوبا على استئناف العمل في القناة، بسبب الآثار البيئية المتوقعة بعد إكمال المشروع على المنطقة، بيد أن المهتمين يرون أن المشروع يمكن أن ينطوي رغم المصالح المصرية، على فوائد للسكان المحليين في منطقة تشييد السد. وترى القاهرة أن المشروع سيوفر طاقة كهربائية رخيصة، وإمدادات مياه لنحو 500 ألف نسمة، إضافة إلى تنمية الثروة السمكية وتنظيم الملاحة النهرية بالمنطقة، وري 40 ألف فدان من الأراضي الزراعية وتوفير فرص عمل لنحو 110 آلاف شخص. ويؤكد الصحفي السوداني المتابع لملف المياه، ماهر أبوالجوخ، أن "واو" هي ضمن مشروع نهر الكونجو الذي تعتزم مصر تنفيذه لتوفير كميات ضخمة من المياه المهدرة بسبب التبخر. وأشار إلى أن تنامي السكان المطرد في مصر، فضلا عن مشروع سد النهضة الإثيوبي واتفاق عنتبي الذي وقعته دول حوض النيل، دفع القاهرة للعمل على بدائل أخرى. وكانت وزيرة المياه والكهرباء والسدود بجنوب السودان، جيما نونو كومبا، أكدت استعداد حكومتها لتوفير جميع التسهيلات وسبل الدعم للخبراء المصريين والأجانب حتى يرى المشروع النور في أقرب وقت ممكن.
أسباب الخلافات - تضاعف عدد السكان - الدعوة لاتفاقية جديدة - الرغبة في توليد الكهرباء - استخدام المياه ورقة سياسية - تفشي الجفاف والتصحر - انتشار المجاعات - التدخلات الإسرائيلية
أطماع صهيونية - الحصول على المياه عبر سيناء - شل الوجود العربي بإفريقيا - إنهاك مصر بحروب مائية - تفتيت دولة السودان - دعم الحركات الانفصالية - تأجيج الفتن في المنطقة - السيطرة على نهر النيل - التحكم في دول المنبع