تجمع تقديرات متطابقة على ان الفوائض المالية العربية المستوطنة في الخارج تجاوزت 650 مليار دولار، وانها قد تتجاوز مستوى الألف مليار دولار، اذا ما احتسبت في اطارها الفوائض النقدية الحكومية غير المحددة لاعتبارات متنوعة. وتتركز هذه الفوائض في غالبيتها، في مناطق وبلدان متقدمة، كما هي الحال في الولاياتالمتحدة الاميركية وكندا، ثم في دول اوروبا الغربية واخيراً في بعض بلدان الشرق الاقصى كاليابان وسنغافورة وتايلندا وأوستراليا. وقد يكون القاسم المشترك بين هذه الدول هو الاستقرار السياسي والامني بالدرجة الاولى على رغم المعدلات المتدنية نسبياً للربحية، والمنافسة القوية في اسواق كبيرة ومفتوحة. بالمقابل، فإن الفوائض المالية العربية قلما تتوجه الى بلدان عربية، على رغم حاجة هذه البلدان الى الاستثمارات الجديدة لانعاش اقتصاداتها، وطبقاً لتقديرات شبه رسمية، فإن مجموع الاستثمارات العربية في الدول العربية لم يتجاوز في افضل الحالات 35 مليار دولار خلال السنوات ال15 الماضية، وباستثناء لبنان ما قبل العام 75، وهو العام الذي سجل سقوط ما يسمى ب "المعجزة الاقتصادية اللبنانية"، ومصر والمغرب، والى حد ما تونس في الفترة الاخيرة، فإن الدول العربية الاخرى قلما تستقطب استثمارات واسعة، باستثناء القروض والديون التي تقدمها دول عربية غنية الى دول اخرى اقل غنى وربما اكثر فقراً، في اطار مساعدتها على تدعيم برامجها للنمو الاقتصادي، وبلغت في عام واحد هو العام 1990 وحده، حوالي 8 مليارات دولار. ويذهب بعض الخبراء الاقتصاديين العرب الى حد القول ان الفوائض المالية العربية التي "استقرت" في دول اخرى، قادرة على تلبية احتياجات النمو في جميع الدول العربية، في مهلة قياسية لا تتجاوز 10 سنوات. الا ان الواقع هو على غير هذه الصورة. وقد اظهرت حملات الترويج التي قادتها دول عربية معينة تسعى الى اجتذاب الاستثمارات، انه ما زال امامها الكثير لتجتازه، والكثير من العوائق لتتجاوزها. ولا تبدو صورة التعاون الاقتصادي والتجاري العربي اكثر اشراقاً، ويكاد التبادل التجاري بين الدول العربية ان يكون شبه معدوم قياساً بحجم التبادلات التي تربط بين الدول العربية والمجموعات الاقتصادية الاخرى. واستناداً الى تقديرات اعدتها مؤسسات عربية شبه رسمية في جامعة الدول العربية وفي بعض الغرف التجارية، فإن حجم التبادل التجاري بين الدول العربية لا يتجاوز في افضل الحالات مستوى 15 مليار دولار، في حين انه يصل الى 100 مليار دولار مع العالم الخارجي، وتستورد دول مجلس التعاون الخليجي وحدها ما يصل الى 65 مليار دولار سنوياً، تتوزع مصادرها بالدرجة الاولى على دول اوروبا الغربية 40 في المئة ثم الى الولاياتالمتحدة الاميركية وكندا وثالثاً على اليابان ودول الشرق الاقصى. ولا تعكس هذه الارقام الحجم الحقيقي للعالم العربي الذي بات يشكل وزناً اقتصادياً لا يقل اهمية عن حجم مجموعات اقتصادية اخرى، فهو يضم سوقاً تستوعب 225 مليون نسمة، ويصل حجم انتاجه الى ما يقدر بحوالي 400 مليار دولار، ويوفر ربع الانتاج العالمي من النفط الخام، ويضم 80 في المئة من الاحتياطات العالمية من النفط والغاز. كما ان المنطقة العربية هي من المناطق القليلة جداً في العالم حيث تجتمع معاً الرساميل الضخمة والطاقة البشرية المتعلمة والمدربة، وفرص الاستثمار المجدي، الى جانب توافر المواد الخام بكثافة في بعض القطاعات. لذلك، فإن الخطوة الاولى على طريق التعامل الاقتصادي العربي، سواء على مستوى التبادل التجاري بين الدول العربية ام على مستوى اجتذاب الرساميل العربية الى الاستثمار في العالم العربي، يجب ان تبدأ وفقاً لاستراتيجيات جديدة، تأخذ في الحسبان المصالح الاقتصادية والحوافز الاستثمارية واسقاط الحواجز الجمركية، والاتجاه الى مشروعات اكثر تكاملية. لقد اعتبرت السوق العربية المشتركة التي اعلن عن قيامها قبل 18 عاماً شعاراً سياسياً لم تتوافر له حتى الآن اية فرصة للتحقق، وباستثناء السياسات البطيئة، لكن المتأنية والثابتة، التي تطبقها دول مجلس التعاون الخليجي لتوحيد تشريعاتها الاقتصادية، وفتح الحدود التجارية في ما بينها باتجاه خلق سوق خليجية مشتركة، ثم موحدة، باستثناء هذه السياسات، فإن معظم السياسات العربية الاخرى ما زالت فردية الطابع وثنائية في افضل الحالات، فمجلس التعاون العربي الذي ضم العراق والاردن ومصر قبل اجتياح الكويت، مات، ربما قبل ان يولد، واتحاد المغرب العربي الذي ضم العراق والاردن ومصر والمغرب وموريتانيا بقي مجرد طموح، اكثر مما هو واقع اقتصادي على الارض، فقد ارتبط الاقتصاد عند العرب، بالسياسة التي لم يكتب لها يوماً ان تستقر، خلافاً لما حصل في اوروبا الغربية التي بدأت في الاقتصاد، وتنتهي حالياً بالسياسة. في الدورة ال50 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للدول العربية الذي انعقد في القاهرة اوائل شباط فبراير الماضي، طرحت 4 عناوين رئيسية: التكامل الاقتصادي العربي، الاصلاح الاقتصادي في الدول العربية، الامن الغذائي، الموارد المائية، فهل العالم العربي اليوم هو فعلاً على الطريق الى تحقيق هذه العناوين قبل ان يفوته القطار؟