حصلت "الوسط" على حقوق النشر باللغة العربية للمقالات العسكرية والاستراتيجية التي تنشرها مجلة "جينز" المتخصصة بهذه القضايا. وفي ما يأتي المقال الاول ويتناول سباق التسلح في الشرق الاوسط. تتسابق الولاياتالمتحدة وجمهوريات اسرة الدول المستقلة على نزع اسلحتها النووية. وهي وعدت في هذا الاطار بتدمير كل ما لديها من اسلحة نووية تكتيكية. كما اتفق وزراء دفاع حلف شمال الاطلسي على خفض اسلحة الحلف النووية التكتيكية المنشورة في اوروبا، بنسبة 80 في المئة. ولم تتخلف فرنسا عن سباق عدم التسلح مع انها ليست عضواً في القيادة العسكرية للحلف الاطلسي، اذ اعلنت في شهر آب اغسطس الماضي عزمها على تخفيض انتاجها من صواريخ هاديس النووية الجديدة ذات المدى القصير. وبدلاً من 120 صاروخ هاديس كانت تخطط لصناعتها، ستكتفي فرنسا الآن بپ30 صاروخا من هذا النوع. غير ان اياً من هذه الدول لا تنوي التخلي عن معداتها المضادة للصواريخ، ويبدو ان لهذا القرار مبرراته المقنعة. اذ تقول وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية ان دولاً نامية يترواح عددها بين 15 و20 دولة ستملك صواريخ عابرة للقارات في حدود نهاية القرن. وتتوقع الوكالة ان صواريخ بمدى 3400 ميل ستنشر في ست من هذه الدول على الأقل قبل حلول العام 2000. ومن المرجح ان ترسانة السلاح في منطقة الشرق الاوسط تحوي آلافاً من الصواريخ تملكها سورية وايران وليبيا والعراق واسرائيل ودولة او دولتان اخريان. وشهدت مرحلة ما بعد حرب الخليج تطوراً خطيراً تمثل في قيام كوريا الشمالية ببيع دول في الشرق الاوسط صواريخ سكود - سي الاكثر تقدماً من الصواريخ السوفياتية التي اطلقها العراق اثناء الحرب على اسرائيل. وكانت سورية وايران وليبيا في عداد زبائن كوريا الشمالية. والصاروخ الكوري الشمالي قادر على حمل رأس متفجر يزن نحو 800 كيلو غرام، أي اثقل بثلاث مرات من الرأس المتفجر لصاروخ سكود - ب، كما يصل مداه الى 400 ميل اي ضعف مدى الصاروخ الأقدم ب. ويمكن تعديل الصاروخ الجديد بحيث يحمل رؤوساً كيماوية من دون ان يقلل ذلك من دقته في اصابة الهدف. وكانت الصين اثارت جدلاً واسعاً عندما قررت قبل اشهر قليلة بيع صواريخ إم - 9 وإم - 11 الى كل من سورية وباكستان. ويكمن سبب هذه الضجة الواسعة في ان مدى صاروخ إم - 9 عابر القارات يبلغ 375 ميلاً وهو قادر على حمل رأس نووي. وفي العام 1988، باعت الصين الى المملكة العربية السعودية صواريخ متوسطة المدى. وعلى رغم تخلفه وعدم دقته، فإن من شأن صاروخ سكود القديم ان يبث الرعب في نفوس سكان مدينة اذا سقط عليهم من السماء بسرعة 50 ميلاً في الدقيقة برأسه المتفجر الذي يزن مع خزانات وقوده الفارغة 200 كلغ. ويقول خبراء عسكريون ان انواعاً مختلفة من الصواريخ عابرة القارات الحالية تستطيع قطع 1426 ميلاً في 12 دقيقة، وهذه تكاد تعادل المسافة بين لندن وليبيا. ومن هذه الصواريخ سي. إس. إس - 2 الصيني وأغني الهندي والعابد العراقي. وما يزيد الوضع خطورة ان قطع صواريخ سكود متوفرة في السوق الدولية ما يسمح لدول صغيرة بصناعة صواريخ بدائية اول الامر تدخل عليها بعض التحسينات فيما بعد بفضل قطع تحصل عليها من الولاياتالمتحدة او هونغ كونغ او اليابان او المانيا. والجميع مقتنع بأن الصواريخ عابرة القارات تشكل خطراً متعاظماً يتهدد دولاً بعيدة، مثل الولاياتالمتحدة . ومن دواعي القلق ان بعض الدول التي تشتري او تصنع هذه الصواريخ كانت تورطت في اعمال ارهابية. رواج الاسلحة المضادة للصواريخ وترى ادارة الرئيس بوش ان حل هذه المشكلة يكمن في انتاج اسلحة مضادة للصواريخ تباع الى حلفاء اميركا في الشرق الاوسط. ولا ريب في ان الاسلحة المضادة للصواريخ تتمتع برواج كبير حالياً في سوق السلاح. وبينما يتم تخفيض انتاج انواع مختلفة من الاسلحة، تبذل وزارة الدفاع الاميركية جهوداً لتأمين النفقات اللازمة التي تكفل استمرار صناعة المعدات المضادة للصواريخ. ووقعت شركة راتييون الاميركية عقوداً بقيمة تزيد عن مئة مليون دولار لتطوير صاروخ باتريوت وأجهزته الارضية. وأشار وولتر ترينور مدير برنامج باتريوت الخاص بشركة راتييون الى ان صاروخ باتريوت الثالث عُدّل مرتين قادر على التصدي لاهداف معادية على ارتفاع يزيد بنسبة 90 في المئة عن الارتفاع الاقصى لباتريوت الحالي. وأضاف، "سيصبح الصاروخ قادراً على حماية رقعة اوسع". وتدرس الشركة حالياً تعديلاً ممكناً يرمي الى انتاج "رأس متفجر يمكن تصويب شظاياه بدقة اكبر"، على حد تعبير ترينور الذي يأمل بأن يؤدي ذلك الى اصابة الرأس المتفجر لصاروخ معاد اصابة مباشرة، لم تكن ممكنة دوماً خلال حرب الخليج، نظراً الى تفجير الصواريخ العراقية اثناء طيرانها. ومن شأن التعديلات الجديدة ان تؤدي الى تطوير جهاز الرادار، وزيادة قوة الارسال وجعل اداة التحكم اكثر فعالية. كما سيصبح القاذف اخف وزناً ويمكن نقله على متن طائرة من طراز سي - 141. ويمكن وضع القاذف على عربة خفيفة بدلاً من الجرار الثقيل الذي يشكل قاعدة له في الوقت الراهن، وستكون الفترة اللازمة لتلقيم الصواريخ من جديد اقل منها حالياً بنسبة 80 في المئة. لقد انفرد صاروخ باتريوت بالميدان خلال حرب الخليج، فلم يكن هناك اي سلاح اخر مضاد للصواريخ. وكان الپباتريوت صنع اساساً كسلاح مضاد للطائرات، الا انه عُدّل في الاشهر الاخيرة من عام 1990 ليصبح قادراً على التصدي للصواريخ عابرة القارات. وكرس الباحثون الاميركيون في مجال الاسلحة المضادة للصواريخ قسطاً كبيراً من جهودهم منذ 1983 لتحقيق مشروع حرب النجوم المثير والرامي الى حماية الفضاء بمظلة تكون بمثابة الدرع الواقي من اي صاروخ سوفياتي. الا ان اداء صاروخ باتريوت اثناء حرب الخليج حتم اعادة النظر بمشروع حرب النجوم. ونظرا الى وجود صواريخ عابرة القارات في بعض دول العالم الثالث، برزت الحاجة الى دعم "برنامج الحماية العالمية ضد هجوم محدود" التابع لمشروع حرب النجوم. وفي مقابلة اخيرة اجرتها معه مجلة "جينز ديفنس ويكلي" قال المشرف على برنامج حرب النجوم هنري كوبر ان هذا البرنامج الدفاعي يتضمن وحدة مستقلة بذاتها مهمتها التصدي للصواريخ التكتيكية. واوضح انه يمكن ان "تنقل هذه الوحدة في البحر او بوسائل سريعة اخرى الى منطقة التوتر حيث يتم نشرها". وأطلق معارضو هذا البرنامج لقب "سدي - لايت" على البرنامج ويتوقع ان تبلغ كلفة تنفيذ المشروع، بما فيه الوحدات الدفاعية المستقلة، 41 مليار بليون دولار. وهناك مشاريع اخرى جديدة في مجال الاسلحة المضادة للصواريخ عابرة القارات. وينتظر ان يعلن الجيش الاميركي وهيئة برنامج حرب النجوم عن طلب عروض لصناعة "نظام دفاع جوي ميداني ضد اهداف عالية الارتفاع" وتقدر قيمة العقد بحوالي 600 مليون دولار. ويعتقد ان النظام الجديد سيكون قادراً على تغطية منطقة اكبر بعشر مرات من تلك التي يستطيع صاروخ باتريوت حمايتها. وتقول مصادر عسكرية ان مدى النظام الجديد يقدر بپ440 ميلاً يتمكن فيها من اصابة اهداف جوية يتراوح ارتفاعها بين 220 و330 ميلاً. وكان الجيش الاميركي ارسل اخيراً الى 150 شركة اجنبية المواصفات الاولية لصاروخ كوربس ارض - جو المتطور عن صاروخ هوك، الذي تم نشره لاول مرة في الخمسينات وسيصار الى التخلي عنه في العقد الحالي. ويذكر ان تحسينات اخيرة اجريت على صاروخ هوك، اذ الحق به جهاز رادار جوي طويل المدى من طراز "تيس - 59" ما ضاعف قدرته على اكتشاف وتدمير الصواريخ العدوة. وفي تجارب قام بها الجيش الاميركي تمكن نظام هوك من التسديد على صواريخ معادية في سرعة فاقت سرعة صاروخ باتريوت. ويأمل الجيش في اثارة الاهتمام عالمياً بالصاروخ الجديد وفي ترغيب اسرائيل واليابان ودول حلف شمال الاطلسي بشرائه، اذ سيؤدي ذلك الى تخفيض كلفة صناعته. ومن المتوقع ان تقدم شركات عدة، منها راتييون وجنرال اليكتريك وهيوز ايركرافت عروضاً لصناعته. من جهة اخرى، فشلت اتفاقات ضبط التسلح بين الدول الغربية الرامية الى الحد من تصدير قطع الصواريخ عابرة القارات فشلاً شبه تام. ويعزى هذا الى صعوبة مراقبة تنفيذ هذه الاتفاقات، ما أدى الى توافر هذه القطع على مستوى واسع تستطيع معه الدول "الذكية" ان تبدأ برامجها لانتاج هذه الاسلحة. غير ان مراقبين يتوقعون بعض التغيير بسبب محادثات السلام في الشرق الاوسط. ومن علائم التغيير اعلان الصين، مثلا، عن رغبتها بتوقيع كل من "اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي" و"نظام ضبط تكنولوجيا الصواريخ" ايضاً. ويذكر ان الولاياتالمتحدة وكندا وبريطانيا وفرنساوالمانيا وايطاليا واليابان وقعت هذا "النظام" في 1987. واتفقت الصينوفرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة في 18 تشرين الاول اكتوبر على تبادل المعلومات حول صفقات الاسلحة الثقيلة دبابات أو صواريخ التي تجريها اي من هذه الدول. لكن يقال ان المؤسسات الصناعية التي تقوم بانتاج هذه الاسلحة في الدول الموقعة على "النظام" هي التي تعقد صفقات البيع التي تصعب مراقبتها على الحكومات المعنية. وبينما تتسابق الدول الكبرى على نزع صواريخها، يبقى الشرق الاوسط اكبر الاسواق العالمية لهذا السلاح المدمر.