الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إطلالة على الزمن القديم    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسرائيل وايران ... توازن الرعب والمواجهة شبه الحتمية وعواقبها المحتملة
نشر في الحياة يوم 10 - 10 - 2004

زادت في الآونة الأخيرة حدة التهديدات المتبادلة بين ايران واسرائيل حول برنامج ايران النووي. وترافقت التهديدات مع اعلان ايران عن اجراء تجارب على صواريخ "استراتيجية" تقول الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية بأنها أكثر دقة وأبعد مدى من سابقاتها، في حين كشفت كل من تل أبيب وواشنطن النقاب عن صفقة لتزويد اسرائيل بخمسة آلاف قنبلة ذكية أميركية الصنع. هذا في وقت تتصاعد ضغوط واشنطن على حلفائها الأوروبيين لرفع ملف ايران النووي الى مجلس الأمن وتهدد بعقوبات ضد طهران لوقف عمليات تخصيب اليورانيوم. فهل التهديدات والتحركات المرافقة لها من تجارب وتسلح مجرد "بروباغندا" اعلامية من الطرفين أم أنها نابعة من مصادر قلق استراتيجي حقيقي قد يتطور الى نزاع عسكري مدمر؟ "الحياة" تعرض في ما يأتي قدرات الطرفين والسيناريوهات المحتملة لأي هجوم ورد فعل والعواقب المترتبة عليه .
تعتقد غالبية الخبراء بأن ما سمته ايران بصواريخ استراتيجية هو في الغالب صاروخ "شهاب-3" الباليستي والذي يبلغ مداه حوالي 1500 كلم مما يمكنه من ضرب أهداف في شتى انحاء الدولة العبرية. لكن المعروف أن تكنولوجيا صاروخ شهاب مشتقة بغالبيتها من الصاروخ الكوري الشمالي "نودونغ-1" وعليه فانه في الغالب صاروخ غير دقيق الاصابة مما لا يجعله من عائلة الأسلحة التكتيكية. الا أن تحليل نتائج التجربة الصاروخية الأخيرة في ايران كشفت للاستخبارات الاسرائيلية بأن الصاروخ هو طراز معدل للصاروخ "شهاب-3"، لكنه أكثر دقة وأبعد مدى من الجيل السابق. وبحسب صحيفة "ديفنس نيوز" الدفاعية فان الاستخبارات الاسرائيلية تعتقد ان خبراء روساً ساعدوا ايران في تطوير صاروخ "شهاب" الجديد. تبلغ قوة الرأس الحربي التقليدي للصاروخ حوالي طن واحد من المتفجرات مما يجعله بقوة قنبلة واحدة من القنابل التي تلقيها اليوم القاذفات الحديثة، أي أن طائرة "اف-16" واحدة قادرة على القاء أربعة قنابل توازي كل منها قوة صاروخ "شهاب-3"، الا أن هذه القنابل اذا كانت من فئة الأسلحة الذكية ستكون أكثر دقة بتدمير أهدافها.
وميزة الصاروخ الباليستي هي قدرته على اختراق أجواء العدو في شكل مفاجئ وامكان تزويده رؤوساً حربية غير تقليدية من أسلحة كيماوية أو بيولوجية أو نووية. لكن تطور شبكة الدفاع الجوي الاسرائيلي في السنوات الأخيرة بواسطة بطاريات صواريخ "باتريوت" المعدل وصواريخ حيتس-2 السهم وتعزيزها بنظام متطور للانذار المبكر مكون من شبكة رادارات وأقمار اصطناعية مترابطة جعل الأجواء الاسرائيلية أكثر صعوبة لاختراقها من صواريخ باليستية بدائية التصميم وغير متطورة. وافتقار الصواريخ الباليستية لرؤوس غير تقليدية يفقدها دورها كسلاح استراتيجي ويحولها الى "أسلحة ترهيب" محدودة الفعالية. لذلك، فان اقدام ايران على اطلاق صواريخ "شهاب-3" مزودة رؤوساً حربية تقليدية على اسرائيل كرد محتمل على أي هجوم على منشآتها النووية سيكون محدود الفعالية جدا من الناحية العسكرية، الا أنه قد يكون كافيا من الناحية المعنوية بالنسبة للشارع الايراني.
الردع ونفي الردع
وتسعى غالبية دول المنطقة منذ فترة طويلة لتعزيز قدراتها العسكرية من أجل بناء قوة تردع بها خصومها من تهديدها استراتيجيا في شكل أساسي. وفي حين آثرت معظم هذه الدول بناء ردع مبني على قدرات عسكرية تقليدية، عمد البعض وفي طليعتهم اسرائيل الى تطوير قدرات ردع مبنية على أسلحة غير تقليدية. واسرائيل كما هو معروف هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية. أما دول أخرى، من بينها ايران، فانه يعتقد بأنها تمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية. وامتلاك ايران اليوم لتكنولوجيا ومواد أساسية من أجل دورة وقود نووي كاملة يجعلها من وجهة النظر العلمية قادرة خلال السنوات القليلة المقبلة على تخصيب كمية كافية من اليورانيوم للاستخدامات العسكرية. وهذا يعني أنه من الناحية التقنية فان ايران تملك القدرة على انتاج أسلحة نووية ولا تحتاج لفعل ذلك سوى القرار السياسي وبعض الوقت.
وعلى رغم تفوقها العسكري في مجالي الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، فان اسرائيل تسخر جزءا كبيرا من قدراتها لتطوير أنظمة دفاعية تنفي ردع خصومها لها، بخاصة الذين يملكون صواريخ باليستية. وقد طورت لهذه الغاية شبكة الدفاع التي تحدثنا عنها آنفا. كما تخطط اسرائيل منذ فترة لتطوير قدراتها الهجومية لضرب الصواريخ الباليستية قبل انطلاقها أو في أول مراحل انطلاقها وهي لا تزال في أجواء الخصم. أما من الجانب الآخر فتحاول ايران تقليص فعالية الدفاعات الاسرائيلية الحديثة اما عبر اعتماد استراتيجية القصف الصاروخي المكثف على اهداف استراتيجية قليلة مما يصعب عملية الدفاع، أو عبر تطوير صواريخها الباليستية لتحقيق احدى الغايات الثلاث أو جميعها:
1 تقليص دائرة الخطأ المحتمل وزيادة الدقة في الاصابة لتصبح امتارا قليلة، ويعتقد الخبراء الاسرائيليون أن ايران حققت تقدما على هذا الصعيد.
2 جعل الرأس الحربي قادراً على الانفصال عن القاذف وهما فوق الغلاف الجوي للأرض ومن ثم الدخول معا الغلاف الجوي نحو الهدف الأمر الذي يربك الصواريخ المضادة للصواريخ والتي سيصعب عليها التمييز بين الرأس الحربي وجسم القاذف. ويعتقد بعض الخبراء في الغرب أن صاروخ "شهاب-3" المطور قادر على الانفصال عن القاذف، وبالتالي سيربك الدفاعات الاسرائيلية. وتجدر الاشارة الى أن التجربة الاسرائيلية - الأميركية التي أجريت أخيرا في الولايات المتحدة على فعالية صواريخ حيتس-2 تضمنت اطلاق صاروخ طراز "سكود-دي" والذي ينفصل رأسه الحربي عن القاذف في الغلاف الجوي. وقد فشل صاروخ "حيتس" في اصابة هدفه. وبحسب أجهزة الاستخبارات الغربية فان سورية تصنع وتمتلك صواريخ "سكود-دي".
3 الحصول على تكنولوجيا الرؤوس المتعددة للصاروخ الباليستي وهو أمر صعب المنال ويحتاج الى امكانات كبيرة. وآخر دولة امتلكت هذه التكنولوجيا كانت الصين وهي حصلت عليها قبل سنوات قليلة عبر عميل مزدوج سرقها من مركز للأبحاث في ولاية نيو مكسيكو الأميركية. ومن شبه المستحيل لأي شبكة دفاع جوي حالية التصدي لصاروخ متعدد الرؤوس الحربية.
قدرات اسرائيل وخياراتها العسكرية
لم يكن الاعلان عن توصل اميركا واسرائيل الى اتفاق لتزويد الأخيرة بخمسة آلاف قنبلة ذكية بالحدث الجديد، انما المميز فيه هو التوقيت والكمية. اذ أعلن عن الصفقة بعد يوم واحد من اعلان ايران تصميمها الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، مما يوحي بأن الخطوة الأميركية - الاسرائيلية كانت على سبيل عرض العضلات والانذار. فإسرائيل كانت أول دولة تتسلم صاروخ "مافريك" المضاد للدروع، وهو من الجيل الأول لما بات يعرف لاحقاً بالأسلحة الذكية. بل إن اسرائيل استخدمت صواريخ "مافريك" في حرب تشرين الأول أكتوبر 1973 قبل أن يدخل الخدمة الفعلية في سلاح الجو الأميركي. أما بالنسبة الى الكمية فهي كافية لشن حرب صغيرة تستهدف توجيه ضربات سريعة ومكثفة لأهداف استراتيجية عدة، أو باختصار توجيه ضربة استباقية لتعطيل أو تدمير البرنامج النووي الايراني.
وحاجة اسرائيل الى هذا الكم من القنابل تعود الى أن ايران وزعت برنامجها النووي على عدد كبير من المنشآت لتفادي تدميره بضربة واحدة كما فعلت اسرائيل عام 1981 عندما قصفت المفاعل النووي العراقي. ولذلك فإنه سيكون على اسرائيل قصف مجموعة اهداف في ايران خلال بضعة أيام أو أسابيع لشل البرنامج النووي. علماً ان بعض هذه المنشآت يقع في أماكن سكنية أو تحت الأرض، مما سيضطر اسرائيل لاستخدام اسلحة دقيقة لتفادي وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين لتجنب غضب الرأي العام الدولي. كما أن الصفقة ستشمل 500 قنبلة مخصصة لتدمير التحصينات حتى عمق طابقين بين 10 و20 متراً تحت الأرض.
وتمتلك اسرائيل أقوى ترسانة أسلحة تقليدية في منطقة الشرق الأوسط. كما أن تقدمها التكنولوجي يفوق الكثير من دول العالم ومن ضمنها الصين. وبحسب صحيفة "ديفنس نيوز" الدفاعية، فإن اسرائيل كانت رابع أكبر مصدر للسلاح في العالم عام 2003. ومن القنابل والصواريخ جو - أرض الذكية التي يملكها سلاح الجو الاسرائيلي حالياً صواريخ "هارم" و"شرايك" و"مافريك" المطور، اضافة الى عائلة صواريخ "بوباي" المحلية الصنع. كما أن اسرائيل تملك نحو 70 طائرة مقاتلة قاذفة طراز F-15I وبدأت أخيراً تسلم أكثر من 100 طائرة مقاتلة قاذفة طراز F-16I وكلاهما مخصص للغارات البعيدة المدى، مثل أهداف ايرانية، من دون الحاجة الى التزود بالوقود جواً. وتجدر الاشارة الى أن اسرائيل تملك غواصات "دولفن" القادرة على الإبحار لمسافات بعيدة في المياه العميقة وإطلاق صواريخ جوالة، مما يمكنها من توجيه ضربات مباغتة لايران من مياه الخليج أو المحيط الهندي. وتملك اسرائيل ايضاً صواريخ باليستية طرازي أريحا-1 و2، وهما قادران على ضرب أهداف في ايران أيضاً.
ويتوقع الخبراء أن تعتمد اسرائيل على الاستراتيجية نفسها التي استخدمها الأميركيون في حروبهم الأخيرة في كل من العراق ويوغسلافيا، حيث سيكون الهدف الأول للغارات الاسرائيلية ابراج الرادار ومراكز القيادة والسيطرة لإلغاء نظام الانذار المبكر للدفاعات الجوية الايرانية. وقد توجه الضربات الأولى من البحر بواسطة صواريخ جوالة تطلق من غواصات "دولفن". من ثم تقصف الطائرات الاسرائيلية مدارج المطارات العسكرية وما يملكه سلاح الجو الايراني من مقاتلات حديثة نسبياً مثل ميغ-29 و F-14، والتي قد تشكل تهديداً محدوداً على الطائرات الاسرائيلية الحديثة جداً والمزودة صواريخ جو-جو طراز أمرام والقادرة على إسقاط أهدافها من مسافات بعيدة تصل حتى مئة كلم. أما بالنسبة الى الدفاعات الأرضية، فإن ايران تملك صواريخ "هوك" المحسن و"رابيير" وصواريخ أخرى تطلق من على الكتف، الا أنها جميعها قديمة نسبياً ولا تستطيع صد طائرات مجهزة بأحدث وسائل الحرب الالكترونية كالتي تملكها اسرائيل.
وفور تحقيق السيطرة الجوية ستكون منصات اطلاق صواريخ شهاب من أول وأهم الأهداف التي ستحاول الطائرات الاسرائيلية تدمير أكبر عدد منها للحد من قدرة ايران على الرد وتهديد الأراضي الاسرائيلية. وستكون مهمة ضرب صواريخ شهاب صعبة جداً كون هذه الصواريخ تطلق من على منصات متنقلة.
الا أن مصاعب وعوائق عدة تحول دون تمكن اسرائيل من توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الايراني. أهم المصاعب هو بعد المسافة والحاجة الى اذن من دول عربية الاردن والعراق أو السعودية أو اسلامية تركيا أو باكستان لعبور أجوائها لقصف أهداف ايرانية. وقد تعمد اسرائيل الى استخدام ممرات جوية فوق المناطق الحدودية بين الدول التي تفصلها عن ايران للوصول الى اهدافها. الا أن هذا الأمر سيزيد من طول المسافة ويحد من مجال المناورة لسلاح الجو الاسرائيلي. كما أن اسرائيل ستحتاج الى قواعد قريبة من ايران لتنطلق منها فرق البحث والانقاذ تحسباً لسقوط أي من طائرتها ومنعاً لوقوع أي من طياريها في الأسر. ومن المعلوم أن لدى اسرائيل عدداً من الطائرات في قواعد جوية تركية، وهي تسعى منذ سنوات للحصول على موافقة الهند على السماح لطائراتها بالتمركز في قاعدتين على الأراضي الهندية. كما أن الدولة العبرية تعمل على تصنيع وامتلاك صواريخ جوالة تطلق من غواصات "دولفن"، لكن هذه الصواريخ ليست في الخدمة في الوقت الراهن. وقد رفضت واشنطن طلبات عدة من اسرائيل لتزويدها صواريخ "توماهوك" الجوالة والتي ذاع صيتها في حروب العقد الأخير. وتفتقر اسرائيل، كما أجهزة الاستخبارات الغربية، الى معلومات دقيقة عن أماكن المنشآت النووية الايرانية كافة كما برهنت التطورات في السنتين الأخيرتين، اذ فوجئت هذه الدول باكتشاف منشأتين نوويتين جديدتين في ايران من طريق الصدفة.
سيناريوهات الرد الايراني
يعتقد الخبراء بأن اسرائيل توشك على أخذ خطوات، على الأرجح أن تكون عسكرية، للتعامل مع برنامج ايران النووي، وبأن المسألة لم تعد هل ستقدم الدولة العبرية على فعل شيء بل ماذا ومتى. تحتم العقيدة العسكرية التي اعتمدتها الدولة العبرية منذ أن نشأت على مبدأ نفي أي خطر استراتيجي يتهدد وجودها. ويعتبر عدد كبير من المسؤولين الاسرائيليين امتلاك النظام الاسلامي الحالي في ايران لسلاح نووي مصدر خطر كبير يجب التعامل معه بحزم، وهو أمر تتفق معه غالبية منظري ومسؤولي المحافظين الجدد الذين يحكمون البيت الأبيض. ويعتقد المفكر الاستراتيجي الاسرائيلي جيرالد ستاينبرغ بأن دعم ايران لحركات اسلامية مثل "حماس" و"الجهاد الاسلامي" و"حزب الله" والتي تشن هجمات على اسرائيل على أكثر من جبهة، اضافة الى تصريحات المسؤولين الايرانيين الداعية لمحو اسرائيل من الوجود، براهين على عدائية طهران ونياتها تجاه اسرائيل. لذلك، فهو يعتقد أن القيادة الاسرائيلية لن تسمح لدولة تملك نيات سيئة وعدوانية تجاه اسرائيل بأن تمتلك قدرات نووية.
وخيارات القيادة الاسرائيلية للتعامل مع ايران، حسب ستاينبرغ، أربعة:
1 عدم فعل شيء في انتظار حدوث تغييرات داخلية تخرج المحافظين من السلطة في طهران وبالتالي لا يعود النظام معاديا لاسرائيل. وهذا الخيار لم يعد مقنعا للعديد في اسرائيل والغرب بعد العودة القوية للتيار المحافظ وسيطرته بشكل تام على مراكز صنع القرار في ايران.
2 انتظار اقدام الولايات المتحدة وبالتعاون مع حلف شمال الأطلسي على شن حملة عسكرية لتدمير البرنامج النووي الايراني واضعاف النظام في طهران.
3 تأخذ اسرائيل المبادرة بشكل فردي وتشن ضربات استباقية لنفي الخطر النووي الايراني.
4 القبول بالأمر الواقع والتعايش مع ايران على أنها دولة نووية. وهذا الخيار، حسب ستاينبرغ، يتطلب من الدولة الاسلامية في ايران فتح قنوات رسمية ودبلوماسية مباشرة مع اسرائيل من أجل بناء الثقة ولتفادي وقوع أخطاء تؤدي الى حرب نووية.
ويخلص ستاينبرغ الى أن اسرائيل قد تقدم خلال السنوات الثلاث المقبلة على شن حرب وقائية ضد ايران اذا لم تبادر أميركا بنفسها بتدمير البرنامج النووي الايراني أو لم تنفع العقوبات الدولية المرتقبة بثني ايران عن الاستمرار في تخصيب اليورانيوم. ويضيف أن القيادة العسكرية الاسرائيلية تعتقد أن ايران تزداد قوة مع الوقت ولذلك فان التعامل معها الآن سيكون أسهل من الانتظار الى وقت لاحق. ويعتبر أن "الذهنية الاستراتيجية في اسرائيل ترتكز على الاتكال على الذات وعدم الأخذ بالتعهدات الخارجية" عندما يعود الأمر لأمنها أو بقائها. ويجمع المراقبون على أن مسألة فرض عقوبات اقتصادية على ايران معقدة جداً وتواجه معارضة شديدة من اطراف عدة نظرا الى تأثير هذه العقوبات في اسواق النفط التي تشهد حاليا ارتفاعا كبيرا بالاسعار.
ونظرا للتفوق الجوي الاسرائيلي الكبير ومتانة دفاعاتها الجوية من جهة وعدم امتلاك سلاح الجو الايراني مقاتلات قاذفة حديثة ومتطورة من جهة أخرى، فان وسيلة الرد العسكري المباشر لطهران ستكون بواسطة صواريخ شهاب-3. وسيكون أمام طهران الاختيار بين تزويد هذه الصواريخ رؤوساً تقليدية لشن حرب ترهيب واستنزاف ضد اسرائيل أو تزويدها رؤوساً غير تقليدية مما سيلاقي حتما ردا بأسلحة نووية من جانب اسرائيل. وحتى لو كانت ايران على سبيل الافتراض تمتلك أسلحة نووية واستخدمتها بقصف مباغت ضد اسرائيل، فان الرد النووي سيأتي من جانب الولايات المتحدة، وذلك بحسب المراجعة الأخيرة ل"لسياسة النووية" للادارة الأميركية التي نشرت عام 2002. وتحدد هذه السياسة متى وكيف تستخدم الترسانة النووية الاميركية. وفي هذا السياق تنص الوثيقة على أنه في حال تعرضت اسرائيل الى أي هجوم نووي من أي دولة في الشرق الأوسط فان الولايات المتحدة ستستخدم قوتها النووية لضرب هذه الدولة.
ويرجح بعض الخبراء أن يأتي الرد الايراني بطرق غير مباشرة اما عبر "حزب الله" في جنوب لبنان أو عبر استهداف مواقع أميركية في منطقة الخليج بقصف صاروخي أو بعمليات ينفذها عملاء لأجهزة الاستخبارات الايرانية. وقد تعمد ايران أيضا لسد منافذ الخليج وتعود لحرب ناقلات النفط انتقاما من الولايات المتحدة التي ستعتبرها طهران شريكا لاسرائيل في الهجوم على أراضيها. الا أن سيناريوهات الرد غير المباشر لن تكون كافية لطهران بحسب اعتقاد بعض الخبراء الايرانيين. ويقول صادق زيب الكلام، البروفسور في العلاقات الدولية في جامهة طهران وأحد مستشاري الرئيس السابق رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، هاشمي رفسنجاني، بأن الحكومة الايرانية ستجد نفسها ملزمة بالرد المباشر على اسرائيل للمحافظة على معنويات قواتها وشعبها، ولن تكتفي برد عبر وسطاء مثل "حزب الله"، وقد تعمد أيضا للرد المباشر وغير المباشر في آن.
صحيح أن اسرائيل متفوقة تكنولوجيا وعسكريا على ايران، الا أن الأخيرة أكبر حجما بأضعاف كثيرة وتملك مقومات طبيعية وشعبية تمكنها من الصمود فترة أطول بكثير من اسرائيل في حرب استنزاف طويلة. ولذلك، يعتقد زيب الكلام، بأن اسرائيل قد تستطيع بدء الحرب لكنها لا تستطيع ضمان فترتها وكيفية نهايتها. ويتوقع الخبراء أن تتكل اسرائيل على تدخل فوري وسريع من المجتمع الدولي والعالم العربي لوقف النزاع العسكري بأسرع وقت، مع الأمل بأن يكون الهجوم الاسرائيلي أحدث صدمة في المنطقة كافية لدفع الدول العربية كافة للعودة الى طاولة المفاوضات وتوقيع اتفاقيات سلام جديدة تكون أقرب من سابقاتها الى تلبية الشروط الاسرائيلية لانهاء النزاع في الشرق الأوسط.
وأكثر ما تخشاه القيادة العسكرية في اسرائيل هو ألا يكون عامل الوقت في صالحها وألا تكون تقديرات أجهزة استخباراتها حول وضع البرنامج النووي الايراني صحيحة لأن هذا يقود الى سؤال أساسي: هو ماذا ستفعل اسرائيل اذا تمكنت طهران من امتلاك السلاح النووي في وقت أقرب من المتوقع، وهل ستغامر بحرب استباقية نووية قد تزيلها من الوجود؟
غالبية الخبراء لا يتوقعون أن تستخدم اسرائيل سلاحها النووي سوى في الحالات الصعبة عندما تكون على شفير الانهيار والهزيمة المطلقة. التساؤل يدور أيضا حول ماذا يجب على ايران أن تفعله عند امتلاكها السلاح النووي. هل تخبر اسرائيل والولايات المتحدة بالامر عبر وسائل دبلوماسية أم تقوم باجراء تجارب تحت الأرض، على غرار ما قامت به كل من الهند وباكستان، لاحداث صدمة لدى الأطراف الأخرى من أجل تعزيز عامل الردع؟ الوقت وحده كفيل بالاجابة على هذه التساؤلات. لكن من المؤكد أن اسرائيل ستعدل عقيدتها العسكرية وتعلن امتلاكها ترسانة نووية وتزيد من سرعة رد فعلها باللجوء الى هذه الترسانة في حال شعرت بأي حركة عسكرية عدائية من جانب ايران.
تأزم الوضع الاقليمي مع انتشار الصواريخ الباليستية وأسلحة الدمار الشامل دفع دول مجلس التعاون الخليجي للتفكير بانشاء شبكة للدفاع الجوي ضد الصواريخ الباليستية. وبحسب تصريح لقائد القوات الجوية والدفاع الجوي الاماراتي اللواء الركن طيار خالد البوعينين لصحيفة "ديفنس نيوز" فان قادة جيوش دول مجلس التعاون يضعون الخطط حاليا لمواصفات هذه الشبكة لتحديد أنواع الأجهزة والصواريخ التي يحتاجونها. ويقول اللواء البوعينين ان كلا من دول المجلس ستقوم بنشر شبكة دفاع جوي خاصة بها ومن ثم تقوم بربطها مع شبكات مماثلة في دول المجلس الأخرى لتشكل في النهاية نظام دفاع مشترك وموحد.
ويعتقد المراقبون بأن نظام صواريخ باتريوت الأميركي هو الأوفر حظا في الحصول على موافقة دول المجلس ليشكل شبكة الدفاع المنشودة، ومرد ذلك أنه الطراز الوحيد الذي جرى اختباره في حرب فعلية وكونه موجودا حاليا في الخدمة لدى كل من الكويت والمملكة العربية السعودية. وبحسب مصادر موثوقة في البنتاغون فان القيادة العسكرية في كل من السعودية والكويت وقعت أخيراً على اتفاقات لتحديث صواريخ "باتريوت" لديها الى مستوى "باتريوت" المعدل والمعروف باسم PAC-3. لكن التحدي الكبير سيكون في كيفية نشر شبكة الصواريخ هذه اذ أن الخبراء والمحللين يعتقدون بأن اسرائيل ستعارض بشدة نشر أي بطاريات باتريوت على الجبهة الغربية للمملكة العربية السعودية لأن هذا سيحد من حركة طائراتها كما سيحد من تهديدها لمنطقة الخليج بأسرها. لذلك فان الاعتقاد السائد بين أوساط المسؤولين والمحللين المطلعين على الأمر هو أن القيادة العسكرية قد تقوم بنشر هذه الشبكة في المرحلة الأولى لحماية الجبهات الشرقية والشمالية والجنوبية لمنطقة الخليج من الصواريخ الباليستية، على أن تمتد في وقت لاحق لتغطي أجزاء من الجبهة الغربية.
يختلف الخبراء حول كيفية تأثير امتلاك ايران للسلاح النووي على المنطقة بأسرها. فهل هذا سيشجع المزيد من الدول، بخاصة العربية، على امتلاك هذه الأسلحة أم سيدفع بالمجتمع الدولي الى التحرك جديا لاحتواء الوضع قبل انفجاره. فاسرائيل لم توقع حتى اليوم معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية أو حتى الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. كما أن الولايات المتحدة لا تعترف رسميا بتقارير أجهزة استخباراتها التي تؤكد امتلاك اسرائيل للأسلحة النووية، وتعمل بجهد مع الاتحاد الأوروبي لمنع دول أخرى من امتلاك هذه الأسلحة. وقد صرح رئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون اثر زيارة محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الى الدولة العبرية بأن اسرائيل ستناقش امكان جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل فقط بعد التوصل الى اتفاق سلام شامل في المنطقة. لكن السلام الشامل يبدو بعيد المنال في المستقبل القريب.
يتحتم على الدول العربية والاسلامية تصعيد الوضع على الجبهة الدبلوماسية لاجبار القوى العظمى على مناقشة الترسانة النووية الاسرائيلية بشكل جدي. ويرى بعض الخبراء أن أبسط وأقوى خطوة يمكن لدول المنطقة أن تقدم عليها هي الانسحاب من معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل والاصرار على موقف يدعو لدخول الجميع في هذه المعاهدة، ومعهم اسرائيل، أو الخروج منها وعدم التقيد بشروطها. ان الضبابية وعدم اليقين يسيطران على الوضع في المنطقة مع تسارع تطور الأمور على جبهات عدة. لكن من المؤكد أن النزاع في منطقة الشرق الأوسط يتجه الى مزيد من التصعيد والتعقيد ليصل اما الى سلام بارد تتحكم فيه موازين القوى وعوامل الردع النووي أو الى حرب مدمرة.
أدى خطأ فني الى بتر أجزاء من هذه الدراسة التي نشرت حلقتها الأولى الاثنين الماضي، لذلك تعيد"الحياة" نشر الحلقات الأربع مع الاعتذار لقرائها وللكاتب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.