يتنقل في عواصم العالم حالياً فريق كبير من المخبرين والمحققين ورجال المال والاعمال والمحامين ورجال الاستخبارات والصحافيين بحثاً عن ثروتين ضخمتين: ثروة الرئيس العراقي صدام حسين التي تراوح قيمتها بين 10 و15 مليار بليون دولار، و"ثروة" عائدة الى الحكومة الروسية وجرى تهريبها الى الخارج الصيف الماضي وتقدر قيمتها بنحو 30 مليار بليون دولار. هذا الفريق الكبير من "رجال الظل" يعمل لحساب وكالة "كرول" الاميركية للتحريات المالية، وهي وكالة تسلطت الاضواء عليها بقوة خلال ازمة الخليج حين كلفتها الحكومة الكويتية والادارة الاميركية بالبحث عن اموال النظام العراقي المودعة في الخارج تحت اسماء مختلفة تمهيداً لوضع اليد عليها وتجميدها واستخدامها لدفع جزء التعويضات المترتبة على بغداد نتيجة غزو الكويت. "الوسط" أجرت تحقيقاً حول هذه القضية في نيويورك وواشنطنولندن وقابلت مسؤولين اثنين بارزين في وكالة "كرول" حيث حصلت منها على معلومات مهمة تتعلق بثروة صدام حسين والثروة الروسية الضائعة. وتتخذ وكالة "كرول" للتحريات احد ابنية حي مانهاتان الشهير في نيويورك مقراً رئيسياً لها، كما ان لها مكاتب في واشنطن والمدن الاميركية الكبرى اضافة الى وجود مكاتب لها في لندن وباريس وعواصم اوروبية وشرق اوسطية وآسيوية عدة. وتستعين عدة حكومات و شركات ومؤسسات عالمية كبرى بخبرات "كرول" قبل عقد صفقات ضخمة وفي ضوء "المعلومات" التي توفرها لها وكالة التحريات هذه. وقد اثبتت "كرول" جدارتها في تتبع آثار اموال رئيس الفيليبين السابق فرديناند ماركوس وحجم ثروته وأماكن وجودها، بعد ان استعانت بها إحدى لجان الكونغرس الاميركي التي يرأسها ستيفان سولارز، كما نجحت في حصر ودائع وعقارات تعود الى ديكتاتور هايتي السابق دوفالييه في الولاياتالمتحدة، اضافة الى الكثير من عمليات التحري في عالم الاستثمارات والمصارف والصفقات التجارية. ولنبدأ بالثروة العراقية التي تبحث عنها كرول. يعترف بعض المسؤولين في هذه الوكالة بالصعوبة التي تواجههم في عمليات التحري بحثاً عن الثروة العراقية في الخارج. ويعزون هذه الصعوبة الى اشراف صدام حسين نفسه على "إدارة وتشغيل جانب من عائدات نفط العراق في الخارج منذ بداية السبعينات". ويقولون "إن هذه الثروة التي تتجاوز العشرة مليارات دولار اميركي ُجمعت نتيجة لسياسة صدام حسين الاقتصادية الداعية الى توفير خمسة في المئة من عائدات النفط لاستثمارها في الخارج، اضافة الى الشركات والمؤسسات التي انشأها خلال حربه مع ايران، وهي تعتبر من اسباب بقاء الرئيس العراقي في الحكم على رغم الحرب التي تعرضت لها بلاده من قبل دول التحالف نتيجة غزوه للكويت في آب اغسطس 1990، والحرب الطويلة التي خاضها ضد ايران وحصدت مئات الالاف من الضحايا وكلفت مئات المليارات من الدولارات". وحسب معلومات مسؤول سابق في وزارة التخطيط العراقية تم ابلاغها الى "كرول" فان قرار ايداع الأموال العراقية في الخارج وتشغيلها اتخذ في العام 1972 من قبل مجلس قيادة الثورة العراقية. وتم توزيع الثروة على بعض العواصم والمدن الاوروبية مثل جنيف وباريس ولندن وروما إضافة الى طوكيو ووصولاً الى الولاياتالمتحدة. وأشرفت لجنة من ثلاثة اشخاص على تشغيل هذه الأموال، ولا يزال الرئيس العراقي هو الوحيد الذي يعرف خفاياها بعد وفاة العضوين الآخرين في اللجنة وهما عدنان خيرالله وزير الدفاع السابق الذي توفي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر كانت تقله قبل أكثر من عامين، وعدنان حمداني وزير التخطيط السابق الذي تم اعدامه على يد صدام حسين نفسه، كما ذكرت بعض الانباء في حينها. وفيما يقدّر وزير التخطيط العراقي السابق السيد جواد هاشم ثروة العراق حتى بداية ازمة الخليج في العام 1990 بپ30 مليار دولار، يتحفظ جول كرول رئيس وكالة كرول للتحريات ويقول انه لا يعتقد "ان الرقم يتجاوز 15 ملياراً من الدولارات وأن ثلث هذه القيمة من الودائع مجمّد في الخارج بسبب اجراءات المقاطعة المفروضة على العراق من قبل المجتمع الدولي". وينسب جول كرول الى تقارير في الأممالمتحدة قولها ان الحكومة العراقية ابلغت إحدى هيئات الاغاثة التابعة للمنظمة الدولية في منتصف شهر تموز يوليو الماضي ان للعراق ثروة تقدر بپ8،14 مليون دولار من النقد الاجنبي في الخارج، اضافة الى كميات كبيرة من الذهب. وعندما حاول المسؤولون في الأممالمتحدة الاستفسار عن مكان وجود هذه الودائع رفض المسؤولون العراقيون البوح بشيء حولها. ويضيف كرول ان الحسابات الموجودة في سويسرا لصالح العراق يشرف عليها شقيق الرئيس صدام حسين في جنيف. وقال ان برزان ابراهيم التكريتي ممثل العراق في لجنة حقوق الانسان يستغل حصانته الديبلوماسية لتغطيه تحركاته ونشاطاته. ويوضح ان رفض العراق بيع ما قيمته 6،1 مليار دولار من النفط ووضع الحساب باشراف الأممالمتحدة لانفاقه على حاجات العراق الضرورية من مواد غذائية وأدوية، اضافة الى زيادة الحكومة العراقية لمرتبات جنودها وموظفيها بنسبة 20 في المئة في الاسابيع القليلة الماضية دليل على عدم حاجة العراق الماسة للنقد. ويكشف كرول عن وثائق حصلت عليها مؤسسته من جراء استقصاءات قامت بها، ويقول ان العراق اقام شركات وزرع وسطاء سواء في عمّان او غيرها، وأضاف "من يزر عمان يلاحظ حركة هؤلاء الوسطاء في الفنادق". ويعرض كرول اوراقاً هي عبارة عن رسائل بالتلكس من شركة سويسرية تدعى "مارك ريتش وشركاه" بعثت من مكتبها في مدريد الى الدكتور فاضل عثمان مدير التسويق في شركة النفط العراقية الى عنوانه في العاصمة الاردنية بتاريخ 26 آب اغسطس الماضي، حيث تعرض الشركة في رسالتها على المسؤول العراقي اهتمامها بشراء مئة الف برميل من النفط مقابل بيعها انواعا مختلفة من الحبوب والسكر للعراق. ووصف كرول التلكس بأنه كان مرفقا بورقة تحمل اسعار النفط في شهر تشرين الاول اكتوبر الماضي. وقال مايكل اوتلي مدير العمليات في شركة كرول ل "الوسط" ان الشركة نفسها ارسلت تلكسا لشركة جاركو التي تتخذ من جنيف مقرا لها ويشرف على ادارتها برزان التكريتي مع شقيقين ايرانيين هما اصفندار وابراهيم بختيار نجلا تيمور بختيار رئيس جهاز استخبارات الشرطة الايرانية في عهد الشاه قبل لجوئه الى العراق. ولم ينف محام لشركة مارك ريتش في نيويورك، ويدعى ليونارد جارفنت، قيام موكله باتصالات مع الحكومة العراقية ومسؤولين عراقيين، لكنه قال ان موكله يستعد لبدء نشاط مع العراق بعد رفع الحظر الدولي للتعامل التجاري معه. ويتهم مايكل اوتلي العراق بالنجاح في تصدير مئات الشاحنات الناقلة للنفط يوميا الى الاردن، ويصف الكميات بأنها تزيد عن حاجة الاردن من النفط، وانه يقدر ان جزءا من النفط العراقي يصل الى سورية او لبنان بطرق مختلفة. ويقول المسؤولون الاردنيون ان اتهامات اوتلي "لا تستحق التعليق عليها"، وان الاردن اتخذ مؤخرا سلسلة من الاجراءات عبر حدوده وصفت من قبل جهات دولية بأنها تنسجم مع قرارات الاممالمتحدة بشأن المقاطعة الدولية للعراق. غير ان اوتلي يؤكد ان "كرول" ماضية في العمل من اجل كشف الاموال العراقية وابلاغ المعنيين عنها تمهيدا لمصادرتها او تجميدها. واوضح ان مكتب الوكالة في لوس انجليس هو الذي كشف عن نشاط شركة "بي اند ستريز" التي يديرها وكيل عراقي يدعى انيس منصور وادي. وقد بلغ حجم عمليات الشركة المذكورة حوالي عشر مليارات دولار من الاموال العراقية طوال السنوات العشر التي انقضت على تأسيسها. وذكر بريان جينكز مدير مكتب "كرول" في لوس انجليس انه قام، بعد اكتشاف نشاط شركة "بن اند ستريز" بجولة واسعة في اوروبا والشرق الاوسط التقى خلالها رجال اعمال ومال عراقيين وعرب واجانب لديهم اطلاع على عمليات تنقل الاموال بين العراق ودول اخرى عن طريق طرف ثالث. وحصل جينكز نتيجة جولته هذه على معلومات مهمة وضعها في الملف المتعلق بثروة صدام حسين. وذكر اوتلي ان النفط الذي تلقاه الاردن من العراق يفيض عن قيمة ديونه المستحقة على العراق والتي يعتقد انه تم تسديدها في نهاية العام الماضي، حسب مصادر وصفها بأنها موثوقة. وبعد اوتلي تحدث الى "الوسط" باتريك جريسون مدير الوكالة وهو موظف سابق في جهاز الاستخبارات البريطاني الخارجي وسبق له ان خدم في عدد من الدول الشرق اوسطية. وقال ل "الوسط" انه يريد التأكيد على امر مهم، وهو ان شركته، التي تستعين بمئات عدة من المخبرين، تتمتع بمصداقية عالية بين الافراد والشركات والدول التي تتعامل معها. وحين نسأله ماذا يقصد، يرد: ان ما نقوم به يتم بشكل قانوني ومنطقي. صحيح اننا نقوم بالتحري عن اشخاص وشركات في محاولة لمعرفة خليفاتهم، وقد نضطر لالتقاط صور لهم او البحث في نفايات منازلهم او مكاتبهم، لكننا لا نقوم بالتشهير بهم، بل بتقديم المعلومات للذين يطلبونها مقابل مبالغ قد تبدأ بعشرين ألف دولار مقابل عمل يستغرق شهرا وينتهي بالملايين. ويرفض باتريك جريسون مناقشة كلفة متابعة الثرورة العراقية في الخارج، ويقول "إننا لا نناقش هذا الامر الا مع زبائننا". وحول طبيعة الاعمال الاخرى التي تقوم وكالة "كرول" بتنفيذها قال "انها اشهر وكالة للتحريات في شارع الوول ستريت في نيويورك والعديد من عواصم العالم". وأضاف "لهذا تضطر مؤسسات الاستثمار والبنوك للجوء الى خدماتنا للتعرف على منافسيها او للتأكد من هويات الزبائن الذين ينوون القيام بأعمال لصالحهم". ويو ضح جريسون ان الشركة تقوم بالاشراف على الحسابات واعطاء معلومات حول طبيعة الشركات المعروضة للبيع، كما انها بدأت تنشط في مجال الكومبيوتر بهدف الحد من عمليات الابتزاز والغش، اضافة الى مراقبة المواد التي تعتمد شركات في شهرتها على انتاجها وتخاف ان تلجأ شركات اخرى الى سرقة مواصفاتها المسجلة. ويستطرد جريسون قائلا "ان شركة انتلسات القمر الصناعي والتي لها خدمات في العالم العربي هي من زبائننا، كما ان هناك شركات ومؤسسات وبنوكا كبرى وشركات تأمين اميركية تتعامل معنا، اما كمستشارين لها او عبر تقديم خدمات". وحول تكليف نائب رئيس وزراء روسيا ايغور جايدر لوكالة "كرول" بالتحري عن الاموال العائدة الى روسيا والتي جرى تهريبها الى الخارج، قال جريسون، ان الحكومة الروسية اتصلت به قبل اسابيع عدة من اجل تكليفه بملاحقة الاموال المختفية تمهيدا لاسترجاعها. وأضاف جريسون ان الاتصال جاء بعد فترة من الانقلاب الفاشل على الرئيس السوفياتي غورباتشوف، اذ تبين للحكومة الروسية ان مليارات عدة من الدولارات قام بتهريبها الى الخارج مسؤولون شيوعيون بعضهم شارك في محاولة الانقلاب التي جرت في آب اغسطس الماضي. وقد أكد جريسون ل "الوسط" ان "كرول" بدأت عملها لتحديد الاماكن التي توجهت اليها الثروة الروسية المقدرة بحوالي 30 مليار دولار موزعة كالاتي: 15 مليارا من قيمة هذه الودائع تعود لبيع النفط ومشتقاته، عشرة منها قيمة النفط الخام، اما الخمسة عشر مليارا الاخرى، فخمسة منها قيمة مبيعات دفاعية، والعشرة الاخرى قيمة الغاز المصدر ومواد خام مختلفة، اضافة الى ذهب وغير ذلك. ولاحظ جريسون ان الكثير من هذه العائدات لم يتم اعادته الى روسيا او اي من الجمهوريات المستقلة. ووصف الاموال الروسية بشكل خاص بأنها موجودة مع مؤسسات كانت تابعة في السابق لهيئة الاستثمار الخارجي او قسم تجارة الاسلحة الخارجية. وأضاف ان 40 في المئة من قيمة هذه الاموال كان يجب ان تحول الى داخل الجمهوريات المستقلة، لكنها لم تحول، والقسم الآخر من الاموال نقل من اماكن وجوده الى اماكن اخرى كان يجب ان لا ينقل اليها او يحول اليها على الاطلاق، كما ان اموالا كثيرة تم تهريبها من موسكو ومدن اخرى من قبل قيادات شيوعية الى خارج البلاد. وقد اكد ل "الوسط" مسؤول كبير في "كرول" ان وكالته تأمل في الحصول على نتائج ايجابية "قريبا" في ما يتعلق بثروة صدام حسين والثروة الروسية الضائعة.