النفط يصعد 2% وسط مخاوف الإمدادات    إطلالة على الزمن القديم    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «الولاء» يتفوق في تشكيلة الحكومة الأميركية الجديدة    وزير الرياضة يوجه بتقديم مكافأة مالية للاعبي فريق الخليج لكرة اليد    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    أرصدة مشبوهة !    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    ترمب المنتصر الكبير    فعل لا رد فعل    صرخة طفلة    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    العوهلي: ارتفاع نسبة توطين الإنفاق العسكري بالمملكة إلى 19.35% مقابل 4% في 2018    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    إحباط تهريب (26) كجم "حشيش" و(29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الشاعرة مها العتيبي تشعل دفء الشعر في أدبي جازان    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    الصقور السعودية    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء شامل مع عبدالقادر القط عن حياته ومواقفه النقدية ... والمعارك : "الحذر الحذر من نثر يحاول أن يكون قصيدة"
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 1992

يعتبر عبدالقادر القط 76 سنة أحد النقاد البارزين في مصر والعالم العربي، رافق حركة الادب الحديث منذ اوائل الخمسينات وارتبط اسمه بمعارك ادبية على صعيدي الرواية والشعر، وهو بدأ حضوره الثقافي شاعراً ينشر في المجلات المعروفة في اواخر الثلاثينات وفي الاربعينات "أبوللو" و"الرسالة" وغيرهما، ثم اخذ موقعه الاكاديمي بعد نيله الدكتوراه في الآداب ليصير من القلة التي جمعت بين الاكاديمية وحركة الادب بمعناها الواسع عبر الكتاب والمجلة والصحيفة.
"الوسط" التقت عبدالقادر القط في هذا الحوار الشامل عن حياته ومعاركه الادبية، وتطور النظرة النقدية عبر حياة واحد من اعلام النقد:
هل نبدأ بالحديث عن هموم البدايات؟ وما تبع ذلك من اتجاه نحو كتابة الشعر على استحياء، ثم احتراف النقد؟
- ولدت في 10 نيسان ابريل 1916 ونشأت في قرية صغيرة في شمال الدلتا ذات طبيعة متميزة فهي لا تبعد عن البحر الا بمسافة قصيرة وكانت تفصلها عن البحر مسافات صغيرة من المياه ثم تأتي قرب هذا البحر مساحات للزراعة، ومنطقتنا كانت مخصصة لزراعة الرز. كان المنظر اخضر جميلا، ربما كانت الطبيعة المتميزة هي التي حركت عندي نوازع الشعر.
دخلت المدرسة الاولية لمدة سنتين، وكانت المدرسة تبعد عن قريتنا 8 كيلومترات، كنت اركب في الساعة السادسة صباحا لاصل المدرسة في الساعة الثامنة، مارست الغربة من وقت مبكر، خصوصاً بعد ان انتقلت الى المدرسة الابتدائية وكانت رحلة اكثر تعبا ومشقة في المواصلات - المواصلات الحديثة لم تكن انتشرت بعد - ولم يكن احد يعرف مدى التعب الذي كنت اعانيه، كان في داخلي حزن عميق في تلك الايام، وازداد احساسي بالغربة لأنه كان من المفروض ان اذهب الى المدرسة الثانوية في المنصورة لكنني الحقت بمدرسة في القاهرة وعشت مع سيدات كن من اوائل السيدات اللواتي تعلمن في مصر، هدى ونظلة وزينب الحكيم، سيدات مرموقات وكان من صرامة مراقبتهن لي شيء من السلوك الحضاري، كانت المدرسة كما هو معروف آنذاك مختلفة عن مدارسنا اليوم، فالاساتذة مستواهم جيد والتلاميذ مجتهدون.
وبالانتقال من السنة الاولى الى السنة الثانية خصصت المدرسة جائزة لمن يحصل على اكبر درجة في اللغة العربية، وكانت اول جائزة لي عن اول رواية قرأتها وهي "البؤساء". وكنت تعرفت من خلال مكتبة صديق لي على كتب المنفلوطي وترجماته. كانت مرحلة ملحوظة ومرموقة في ذلك الوقت. انتقلت الى الجامعة وكان مستوى التعليم يتطلب من الطالب ان يسمو لدرجة جيدة، والسبب قلة اعداد الطلبة والكتب القيمة التي كانت تدرس ومنها كتاب "المنتخب من أدب العرب" و"المفصل في تاريخ الادب العربي" ومجموعة النظم والنثر.
بدأنا في وقت مبكر نتصل بالثقافة العربية. كان المدرس يعلمنا بعض الاناشيد التي كنا نقرأها وراءه ونحن حتى الآن نتذكرها، هي والكتب الدراسية، وحين تتصور ان شابا في الثامنة عشرة من عمره يحفظ ابياتا من الشعر، فهو في الطريق الى اتقان اللغة العربية وآدابها.
كليتا الآداب والحقوق في تلك الايام كانتا تحظيان باقبال الطلاب، كلية الآداب تخرج الادباء والصحافيين والحقوق تخرج الساسة والوزراء ورجال النيابة والمحامين. دخلت الآداب في قسم اللغة العربية ثم حولت نفسي الى قسم اللغة الفرنسية، كان الدكتور طه حسين هو العميد ورأى ان تحويلي افقد قسم اللغة العربية الكثير فعددنا كان محدودا جدا، كنا سبعة طلاب ونزلت عند رأي العميد وعدت لقسم اللغة العربية.
الادب الجديد في الجامعة
تقاطعت فترة الحرب العالمية الثانية مع الزمن الذي كان مفترضا فيه ان تعد للدكتوراه، ما الذي حدث؟
- في كلية الآداب كان هناك جو خاص ما زلت اذكره قبل ان تتسع دائرة الجامعات العربية، كانت البعثات الخارجية كثيرة وكانت هناك جامعة عربية مصغرة محورها في الحقيقة العلاقات الثقافية، وكان من الممكن لو استمرت هذه العلاقات الثقافية التي بدأت بارسال المدرسين والاساتذة ولم تؤخرها، ان يتغير مفهوم الوحدة العربية. على اية حال تخرجت من كلية الآداب عام 1938 وكان من المفروض ان اعين معيدا في الكلية، لكن هذا لم يحدث، وعينت انا وصديقي عبدالعزيز الاهواني امينين لمكتبة جامعة القاهرة 39 - 1946 طوال الحرب العالمية الثانية. اشتركت مع الاهواني في انشاء مكتبة كبيرة تضم آلاف المجلدات مقسمة تقسيما موضوعيا، ومن كثرة تردد الطلبة من جميع اقسام الكليات المختلفة اصبحت خبيراً لدرجة انني كنت اعرف الصفحة التي يبتغيها الطالب من الكتاب. كنت بدأت اقرأ اللغات واتعلمها وكنا في ذلك الوقت نعمل في السياسة واشتركت في تظاهرات سنة 1935، وطاردتنا الشرطة انا وزملائي في الروضة لكن اهل الروضة لم يتخلوا عنا بل فتحوا لنا بيوتهم، وطوال سنوات الحرب كان نشاطي المهم هو الشعر، كنت اقوله في الكلية وانشر في مجلة "الرسالة" وفي مجلة "الفجر الجديد"، وبعد ان انتهت الحرب سافرت في بعثة الى انكلترا لدراسة الدكتوراه واخترت موضوعا يمثل قضية كنت شغوفاً بها وهي "الادب العربي الحديث ونصيبه من الدراسات الجامعية"، كتبتها باللغة الانكليزية، عدت من السفر مع افتتاح جامعة عين شمس سنة 1951 وعملت في كلية الآداب التابعة لها، ورفعنا من شأن الادب الحديث. كان الاهتمام بتدريس ادب الكبار مثل طه حسين ومحمد عبدالقادر والمازني وعباس محمود العقاد، ولكن، بدأنا نحن في تدريس نصوص لنجيب محفوظ وعبدالحميد جودة والسحار، واذكر اننا كلفنا الطالبات بدراسة رواية "السراب" التي ظهرت حديثا لنجيب محفوظ وانجاز بحث عنها، ولم اكن قرأتها بعد، وكان الموقف محرجا.
ما هي الخصومات التي اثارها كتابك الاول مع محمد عبدالحليم عبدالله ويوسف السباعي؟
- اول كتاب اصدرته هو "في الادب المصري المعاصر" وذلك سنة 1954 وأثار ضجة. تضمن الكتاب ثلاثة بحوث. الاول: السلبية في الرواية والقصة المصرية، الثاني: المسرح عند توفيق الحكيم، والثالث: الادب بين الغاية والفن.
البحث الاول تناول روايتين لمحمد عبدالحليم عبدالله ورواية "اني راحلة" ليوسف السباعي، وكان الشباب يقبل على هذه الروايات لكنني نقدتها بعنف، ودارت خصومات بيني وبين الكاتبين، وتبودلت اتهامات سياسية، صحيح انه حدثت مصالحات كثيرة بيني وبين يوسف السباعي الا انه لم يغفر لي ابدا، وادركت ان النقد يمكن ان يكون جارحا وان على الناقد ان يتلمس الطريق الارقى لتوجيه نقده، وطبعا زادت خبرتي في توجيه الكلام فاخترت لنفسي طريقة في الكتابة لا تجرح شعور احد، على رغم انني اعلم ان النقد ليس موجها الى المبدع بقدر ما هو موجه الى القارئ ليدرك ابعاد العمل الفني الذي يقرأه.
لماذا وقفت موقف الخصومة من الحداثة؟
- كنت اودعت مخطوطة ديواني "ذكريات شباب" عند صديقي المرحوم الدكتور عبدالحميد يونس، وكان الشعر الحر قد ظهر، وكنت من اشد المتحمسين له، شجعني بعض الاصدقاء على نشر الديوان، فكتبت له مقدمة اعيبه فيها، وفي الحقيقة ظلمت الديوان بهذه المقدمة. وللمناسبة حمل لي بعض الاصدقاء رأي صديق اعزه شاعر من شعراء الحداثة في مصر هو حلمي سالم وهو يمتدح ديواني ولكنه في الوقت نفسه يمنعني ان اقف ضد الشعر الحر.
في الحقيقة ان الشعر الحر لم يعد شعراً حراً انما هو الموجة السائدة في الشعر العربي حالياً، ولا بد ان نكف عن تسميته بالشعر الحر لأنه اصبح له اكثر من جيل واكثر من اتجاه، حين انتصرنا للشعر الحر كنا ننتصر لحركة جديدة نؤمن بأنها نقطة تحول في الشعر العربي بعد ان ظل جامدا لعدة قرون، والحداثة حركة تجديدية في الشعر العربي ولكنها ليست الشعر العربي كله، فلا يمكن ان يقال اني او غيري من النقاد نقف موقف الخصومة ضد الحداثة.
نشرت ديواني بعد طول تردد ثم بدأت امارس حياتي النقدية، وكنا في قلب حركة نقدية هادرة يعي كل النقاد الذين شاركوا فيها الدور الذي يلعبونه في تلك الفترة في نقدهم للشعر والقصة والرواية والمسرح.
ولكن.. هل كانت هناك معارك ادبية اخرى ذات تأثير مباشر على الثقافة المصرية؟
- كان هناك ما يسمى بپ"المعارك الادبية" وأنا لا احب هذا المصطلح.
دخلت في معركة مع الدكتور رشاد رشدي وتبودلت اتهامات سياسية وصادفتني بعض المتاعب حين كنت رئيساً لتحرير مجلة الشعر 1964 - 1965 التي كانت تنشر بين حين وآخر الجديد العصري من الشعر، لكن الاستاذ عزيز اباظة كان مقرراً للجنة الشعر ويرفض هذا الشعر الجديد الذي ننشره، واشعل النار المرحوم صلاح جاهين برسومه الكاريكاتورية ضد المجلة على مدى اسبوعين في مجلة "صباح الخير"، واخذت المشكلة ابعادا سياسية، ثم انتهت معركة اخرى مع المرحوم موسى صبري في الادب والصحافة، واستمر النشاط فكتبت كثيراً مما اعتز به، وكنا نشارك ايضاً في ندوات اذاعية في برنامج فاروق خورشيد "مع النقاد".
ما اهم كتبك الاحد عشر؟
- اعتز بكتابين غير معروفين لي هما: "في الشعر الاسلامي والاموي" و"الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر" اجد فيهما عطاء نقديا مهما، وحين تتسع المسافة بينك وبين ما كتبت فانك تقرأ وكأنك تقرأ لانسان آخر، ووجدت فيهما بذور كثير من الاتجاهات الحديثة: ما يسمى بالثنائية والتضاد وغيرهما.
دور المجلات الادبية
توليك رئاسة تحرير مجلات ثقافية وآخرها "إبداع" اثار الكثير من الجدل هل ادت هذه المجلات دورها؟
- أشرفت على مجلات ثقافية مهمة، مجلة "ابداع" من 1983 حتى 1991 وأعتز بدورها وبما بذلته فيها عبر ثماني سنوات، وبعد ان تخليت عنها دار الكثير من النقاش حول طبيعة المجلات الثقافية، واشرفت على مجلات "الشعر" و"المسرح" و"الرسالة".
يمكن ان يكون هناك مجلتان مختلفتان في الطابع، كل منهما يؤدي دوره وتتكاملان: مجلة نقدية واخرى للشعر والنصوص، واحيانا تتغير نظرة الناس الى النصوص، ولكن ليس هناك طريق واحد يمكن ان تقتصر عليه مجلة.
كل مجلة ادبية تختط لنفسها فلسفة، مجلة "ابداع"، مثلاً، على رغم تنكر بعض من يسمون بالحداثيين لها فهم نشروا دواوينهم كاملة في المجلة في باب "التجارب" وكانوا سعداء بهذا الباب، لانه قدم الى القراء على انه ابداع، اي له طابع خاص يقتضي من القارئ ان يبذل جهدا خاصا في قراءة النصوص وألا يقيسها بمعاييره القديمة المألوفة، فكان هذا بمثابة ثناء على تلك المحاولات الشعرية.
ومن دون اي مساس بهؤلاء الشعراء ادرك ان كثيرا منهم من ذوي المواهب الحقيقية وأؤمن بأن كل عصر في الشعر أو الرواية أو المسرح لا بد ان يكون له تيار رئيسي يعبر عن طبيعة عصره وفهمه لمقتضيات الادب ويتجاوب مع دائرة واسعة نسبيا من القراء والمتلقين، في الحدود التي لا تجعل المتلقي متلقيا عاما ليس له قدرة حقيقية على تذوق الادب بالمقاييس الادبية الحديثة، فالمشكلة بالنسبة لمقاييس هذه الحركة انها تشرك في النص الشعري بعض الوان الادب كالقصة القصيرة والرواية، لكن القصة القصيرة والرواية والمسرحية، مهما بلغ تعقيد بعضها، تظل قريبة من قلب المتلقين وقادرة على الوصول الى دائرة واسعة من المتلقين.
يكفي عشرون عاماً!
ما رأيك في اشكالية المبدع والمتلقي في الشعر العربي؟
- السؤال المعيار: هل بما يثار حول الشعر من ضجة يمكن ان يعد معيارا رئيسياً لعصريته فيرضي اذواق المتلقين ويعبر عن طبيعة هذا العصر؟ الجواب، طبعاً، انه لا بد ان يكون هذا الشعر، على ضوء التجربة، اعطي الفرصة الزمنية من ناحية وفرصة النشر من ناحية اخرى.
هذه الحركة الشعرية لها الآن نحو عشرين عاماً، وهي مدة كافية لأي حركة لكي تواجه القديم وتشق طريقها وتنتصر على القديم - ان صح هذا التعبير - فتصل الى دائرة واسعة من المتلقين، وقد اتيحت لها وسائل واسعة من النشر في الكتب والمجلات والندوات يجب ان تكون هي المقياس. هل بعد هذا الامد الطويل وبعد هذه الفرص الكثيرة التي اتيحت وصلت هذه الحركة الشعرية الى دائرة واسعة نسبيا يمكن معها ان نقول انها التيار الرئيسي في الشعر العربي في العصر؟
اشك في هذا تماما، فنحن نعرف ضيق الدائرة التي يتلقى فيها الجمهور، خصوصاً ان هذا الشعر يعتمد اساساً، كما هو معروف للدارسين والمتتبعين على التجربة الباطنية التي تمتزج بقضايا العقل الباطن وتتجاهل الى حد كبير الواقع الخارجي، وتعبر بطريقة جديدة باستعمال اللغة والغموض وبناء العبارة، وهذا شيء مباح مبدئياً للشعراء في كل عصر.
كل الشعراء يجددون في اللغة وبناء العبارة، ولكن السؤال هو مدى العلاقة بين المبدع والمتلقي، وما دامت العلاقة سلبية فان هذه الحركة الشعرية تيار فرعي معايش للتيار الرئيسي كما هو الحال في كل العصور. هناك تيار رئيسي بارز وتيارات فرعية صغيرة، وقد يتاح لتيار فرعي ان ينمو مع الوقت والانتشار فيصبح تيارا رئيسيا، ولكن هذه الحركة اتيح لها الوقت ووسائل الانتشار فلم تنتشر. واذا حاولنا ان نناقشهم من الناحية الفنية لن يكون هناك مجال. لو ان الشاعر ادرك انه مبدع ومتلق في نفس الوقت سيعدل عن خيارات كثيرة وعن تعبير الى تعبير وعن مجال الى مجال، عارفا طبيعة العصر وطبيعة المتلقي، وقد يقتحم طبيعة المتلقي احيانا بتعبيرات جديدة.
الشاعر يمثل المبدع والمتلقي في نفس الوقت ومن دون ذلك يصبح الشعر مجرد خط في الرمل، اخط في الرمل خطا ثم اعيده او كمن "يشخبط" في ورقة امامه منفساً عن همومه فقط! ويمكن لعالم نفسي ان يحلل هذه "الشخبطة"، وقد يجد فيها دلالات، لكن حين اقصد الوصول الى المتلقي يتطلب الامر مني نظاماً خاصاً هو السائد في كل عصر في ايقاظ المتلقي المؤهل لتلقي هذا اللون من الادب سواء شعراً او قصة او رواية او مسرحية. الشاعر لا يقبل فرض الذوق العام على رؤيته، هذا صحيح، ولكننا لا نعني بالمتلقي الذوق العام او الثقافة العامة، ولكن الانسان الذي يحب الشعر ويدرك طبيعة الجديد ويقبل عليه بمجهود كبير ثم يعايشه.
مشكلة القصيدة والنثر
لماذا تقف موقف الحذر من قصيدة النثر؟
- اقف موقف الحذر من "قصيدة النثر"، فالنثر الفني شكل معروف كنا نسميه "الشعر المنثور" وكان له اعلام معروفون جبران خليل جبران، مصطفى لطفي المنفلوطي، مصطفى صادق الرافعي وغيرهم وبعض كتابات الدكتور طه حسين والدكتور احمد حسن الزيات.
هذه التسمية الشعر المنثور معناها ان هذا النص الادبي ليس شعراً في شكله ولا يدعي انه شعر، انه يقترب من روح الشعر لكنه منثور... والاعتراض على "قصيدة النثر" ليس اعتراضا على مجرد التسمية وانما على مدلولها، فهي تعني ان النثر يحاول ان يكون قصيدة والقصيدة تقوم في الشعر الى الآن في مختلف العصور وفي مختلف اللغات على ايقاع، اياً كان نوع هذا الايقاع، وليس من وظيفة الايقاع ان يطرب المستمع بترداد الانغام المتوالية بقدر ما يخلق مواجهة بين الموهبة وضرورة الفن، فحين يكتب الشاعر في وزن من الاوزان فان امامه خيارات كثيرة تعرض له في بناء هذا الوزن، يختار من بينها ما يعتقد انه الصورة النهائية التي تعبر عما يريد قوله، هذا الخيار هو الذي يخلق الصيغة الشعرية ذات التأثير الخاص ويميزها عن النثر، وهو الذي، مع كل المحاولات الفنية الحديثة، لم يكتشف تماما بعد، لكنه ناتج كما قلت عن المواجهة بين القصيدة وضرورات الفن.
في "قصيدة النثر" تبدو المواجهة مرنة ليس فيها الضرورة ولا الخيار الصارم، وبالتالي، لا تنتهي الى الصيغة الشعرية التي تحول الاحساس الى فكر.
ليس في الشعر فكر بالمعنى المفهوم، وانما فيه احاسيس تنتظمها هذه الصيغة فتبدو افكارا قيمة، لأن معظم الافكار التي في الشعر لو حللتها تجدها افكارا عادية. والمعيار الواسع المرن في "قصيدة النثر" لا يرجع الافكار الى الصيغة الشعرية كما قلت، بل يأخذها الى مجالات من الغموض والتفكك فتقف موقفاً وسطا لا هي نثر فني ولا هي قصيدة شعرية.
بطاقة
- الدكتور عبدالقادر القط، ولد في 10 نيسان ابريل 1916، وانهى ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 1938، والدكتوراه في الآداب من جامعة لندن عام 1950.
- تولى الامانة العامة لمكتبة جامعة القاهرة بين عامي 1939 و1946، وعين مدرساً في كلية الآداب في جامعة عين شمس عام 1950 ثم استاذاً في الكلية نفسها فرئيساً لقسم اللغة العربية فيها1961 - 1972، وتولى عمادة الكلية في العام الدراسي 1972 - 1973.
- رأس قسم اللغة العربية في جامعة بيروت العربية في الفترة بين عامي 1973 و1981.
- عضو في مجلس ادارة اتحاد كتّاب مصر وعضو في المجلس الاعلى للفنون والآداب وفي لجان الترشيح لجوائز الدولة التشجيعية والتقديرية، وعضو في مجلس ادارة الجمعية الادبية المصرية.
- رئيس تحرير مجلة "الشعر" المصرية 1964 - 1965.
- رئيس تحرير مجلة "المسرح" المصرية 1967 - 1968.
- رئيس تحرير مجلة "المجلة" المصرية 1970 - 1971.
- رئيس تحرير مجلة "ابداع" المصرية 1983 - 1991.
- حاز وسام الاستحقاق المصري من الدرجة الاولى وجائزة الملك فيصل العالمية للآداب 1980 وجائزة الدولة التقديرية في الآداب 1985.
- مؤلفاته: "مفهوم الشعر عند العرب" بالانكليزية، "ذكريات شباب" مجموعة شعرية، "في الادب المصري المعاصر"، "قضايا ومواقف"، "في الادب العربي الحديث"، "في الشعر الاسلامي والاموي"، "فن المسرحية"، "الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر"، "حركات التجديد في الشعر العباسي"، "الكلمة والصورة".
- ترجماته عن الانكليزية: "هاملت" و"ريتشارد الثالث" لشكسبير، "جرسان لويس راي" لثورنتون وايلدر، "صيف ودخان" لتنيسي ويليامس، "الابن الضال" لريتشاردسون، "أيام حياتك" لوليم سارويان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.