تغلبت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك في اجتماعها الاخير في فيينا على الشوائب التي علقت بصورتها الدولية، وتحديداً غياب التضامن بين اعضائها وخرق البعض منهم المتواصل لتعهداته، واتفقت بعد ثلاثة أيام من المفاوضات الشاقة على سقف انتاج جديد موزع بين دولها عبر نظام حصص، تخلت المنظمة عنه في العام 1990، حين كانت مدعوة الى ملء الفراغ الذي أوجده غياب الكويتوالعراق عن الاسواق النفطية. وتعهدت دول المنظمة احترام نظام الحصص، حتى نهاية آذار مارس 1993، في خطوة كان من الصعب تخيل توصل أوبك اليها قبل أيام من عقد اجتماعها. وأنهت منظمة الدول المصدرة للنفط اجتماعها في 27 تشرين الثاني نوفمبر الماضي في فيينا بعد موافقة اعضائها الذين بات عددهم 12، بعد انسحاب الاكوادور، على اتفاق محدد وواضح، اعتبره وزير النفط الايراني "جيداً" من شأنه في حال احترامه، وقف انخفاض أسعار النفط التي تدهورت من نحو 90،19 دولار للبرميل في تشرين الأول اكتوبر الماضي الى 8،18 دولار في مطلع تشرين الثاني نوفمبر الماضي، واتفقت دول أوبك على سقف الانتاج للفترة الممتدة من كانون الثاني يناير الى نهاية آذار مارس 1993، يصل الى 582،24 مليون برميل في اليوم. وينخفض السقف الجديد عن مستوى الانتاج الفعلي للمنظمة في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي والمقدر بنحو 25 أو 3،25 مليون برميل في اليوم. وهو موزع بين الدول على الشكل التالي: الجزائر 764 ألف برميل في اليوم، الغابون 293، اندونيسيا 374،1، ايران 490،3، العراق 500، الكويت 500،1، ليبيا 409،1، نيجيريا 857،1 قطر 380، المملكة العربية السعودية 395،8، الامارات 260،2 وفنزويلا 360،2 مليون برميل في اليوم. ويفترض الخبراء ان يولد احترام كل دولة من دول أوبك لتعهداتها، خصوصاً ايران، تناغماً بين حجم انتاج المنظمة وحجم الطلب العالمي على نفطها والمقدر بنحو 25 مليون برميل في اليوم. وقد ترك الاتفاق على نظام حصص موقت هامشاً من الحرية للكويت يسمح للأسعار، حسب رأي الخبراء، بالارتفاع بين دولار ودولارين قبل نهاية العام الجاري، وبذلك يكون هدف أوبك بالوصول الى 21 دولاراً للبرميل ممكناً. وكانت سلة نفوط أوبك وهي خليط من سبعة نفوط تمثل القياس المرجعي للمنظمة، خسرت في منتصف تشرين الثاني نوفمبر الماضي نحو دولار في شهر واحد، مما عرّض "السعر - الهدف" للمنظمة والبالغ 21 دولاراً للبرميل الى خطر جدي. ولا يعود تراجع الاسعار الى تدهور حجم الطلب العالمي على النفط، بل على العكس، فخلال الفصل الأخير من العام 1992 ارتفع الطلب على النفط في دول منظمة التعاون والتنمية نحو واحد في المئة، حسب احصاءات وكالة الطاقة الدولية. وكان مستوى المخزون من الدول المذكورة في نهاية ايلول سبتمبر الماضي منخفضاً نسبياً عن المستوى الذي كان عليه في الفترة ذاتها من العام الماضي. وتكمن المشكلة إذن في مكان آخر، وتحديداً في عدم احترام بعض دول أوبك لتعهداتها، فخلال اجتماع المنظمة في جنيف في أيلول سبتمبر الماضي حددت المنظمة حصة لها في السوق بلغت نحو 2،24 مليون برميل في اليوم للفصل الرابع من العام 1992، وظهر ان انتاج أوبك في الفصل المذكور لم يقل عن 25 مليون برميل في اليوم. وكان الخبراء توقعوا عشية الاجتماع الأخير ان تعود أوبك الى نظام الحصص، في خطوة يراد منها طمأنة الاسواق الدولية ووقف نزيف الاسعار التي خسرت نحو 10 في المئة منذ منتصف تشرين الأول اكتوبر الماضي، وتحديد قواعد نظامية شبيهة بتلك التي كانت سائدة قبل حرب الخليج. وبدا ان الاتفاق على سقف للانتاج وعلى توزيع الحصص بين الدول الاعضاء أمر في غاية الصعوبة، خصوصاً في ضوء المواقف الايرانية، وكان وزير النفط الايراني طالب في بداية الاجتماع بعودة أوبك الى سقف الانتاج السابق لحرب الخليج، أي نحو 5،22 مليون برميل في اليوم، مقابل نحو 25 مليون تنتجها أوبك حالياً. لكن هذا الاقتراح لم تقبله بعض الدول الاخرى فخلال الفترة السابقة للحرب كانت حصة السعودية مثلاً نحو 4،5 مليون برميل في اليوم، في حين تنتج السعودية حالياً نحو 5،8 مليون برميل في اليوم، وتبلغ حصتها من السقف الجديد نحو 395،8 مليون برميل. والحصة القديمة لا تتناسب لا مع وزن السعودية النفطي، ولا مع حجم الاستثمارات التي خصصتها الرياض لتطوير قطاعها النفطي. وتخوفت الاوساط النفطية كذلك من قيام ايران بنسف أية محاولة لايجاد تسوية في فيينا، وتحديداً رفضها الموافقة على حصتها في الفصل الأول من العام المقبل والبالغة نحو 49،3 مليون برميل في اليوم، واستمرارها في المطالبة بحصة لا تقل عن 9،3 مليون برميل تمثل، حسب المصادر الايرانية، القدرة الانتاجية الايرانية الراهنة. ويعتقد الخبراء ان ايران تبالغ في تقدير حجم قدرتها على انتاج النفط، وان هذه القدرة لا تتجاوز 6،3 مليون برميل في اليوم. وان كان "صوت الحكمة" سُمع في اجتماع أوبك الاخير، فلأن الجميع أدرك ان غياب الاتفاق يربك الاسواق وبالتالي الاسعار، في ظرف تعد فيه أوبك نفسها لاستحقاقات قريبة مهمة.