مساء السبت في العاشر من تشرين الاول اكتوبر ختمت ايام قرطاج الرابعة عشرة دورتها لهذا العام معلنة فوز الفيلم السوري الجديد "الليل" بجائزة الطانيت الذهبي، فيما منحت جائزة افضل ممثل لاحمد زكي وأفضل ممثلة لسعاد فرحاتي. وعرف لقاء هذا العام عودة السينما الافريقية ولو عبر افلام متواضعة، كما ابرز المخرج العربي كنجم حقيقي، هنا عرض لما دار ولبعض ابرز الافلام، ووقفة لما تحقق. عندما وصل فوج ضيوف مهرجان قرطاج القادم من باريس الى الفندق الذي سيقيم فيه لاحت له اول يافطات الترحيب غريبة بعض الشيء في عتمة الليل وضوئه الكئيب، وحين اقترب البعض لقراءتها كانت المفاجأة الاولى: اليافطة ترحب بمسؤولي الامن في العالم الذين يعقدون مؤتمراً لهم في الوقت نفسه في تونس. طبعاً احس قارئو اليافطة برعشة في اوصالهم، لكنهم سرعان ما نسوا الموضوع حيث بدأ زحام الوصول، وعناق الاصدقاء، فالسينما - بمهرجاناتها خصوصاً - هي المكان الافضل للقاء، ومن مهرجان الى آخر تتكرر الوجوه نفسها او عبارات الشوق ذاتها. ومنذ الآن لا بد ان نقول ان السينمائيين نجحوا في الاستجابة للتحدي، على رغم سوء تنظيم من هنا، وشائعات من هناك. في دورتها الرابعة عشرة، وعامها الخامس والعشرين كشفت "ايام قرطاج" هذا العام عن نضج القائمين بها وانهماكهم في العمل المناط بهم، منذ لحظة وصول الضيوف الى المطار حتى اعلان النتائج في حفل الختام من لجنة تحكيم انفردت بين كل لجان التحكيم في العالم بتلك الرقصة الطريفة التي ادتها فوق خشبة المسرح حين دعيت لاعتلائه واعلان النتائج. ولنبدأ المهرجان من آخره ونقول ان النتائج لم تحمل اية مفاجآت حقيقية باستثناء تلك الرقصة التي اداها طاهر بن جلون متخلياً عن وقاره المعتاد وميشال خليفي، وعثمان صحبان والفرنسي فريدريك ميتران ورفاقهم في لجنة التحكيم التي عرفت كيف تحرك جمهوراً كانت حرارة الصالة وبطء الترتيبات وتأخر الوزير في الحضور لبدء الاحتفال قد أنهكته... صورة لتاريخ سورية حتى اليوم الثامن من ايام المهرجان كان الكثير من التخمين يدور من حول الفيلم الذي سيفوز بالجائزة الذهبية، ولكن منذ اللحظة التي عرض فيها فيلم محمد ملص الجديد "الليل" بدا واضحاً انه صاحب الحظ الارجح للفوز، على الرغم من سوء الظروف التي صاحبت عرضه، ومن السجالات الطويلة التي ثارت من حوله بين معجب يعلن رضاه، وخائب يضج باعلان خيبته. فالحال ان فيلم "الليل" الذي فاز بالجائزة الذهبية فيلم مثير للسجال، اولاً بسبب شكله السينمائي المتراوح بين اقصى درجات الابتكار في بعض اجمل مشاهده، واقصى درجات العادية والسذاجة في بعض مشاهده وحواراته. ولكن في نهاية الامر يمكن حساب هذا الفيلم في خانة الجديد الذي يضاف الى السينما العربية الجديدة. يروي "الليل" فصولاً من تاريخ سورية بين اواسط سنوات الثلاثين وبداية سنوات الخمسين، من خلال ذاكرة ونظرات طفل، يبدو انه كان المخرج نفسه، بشفافية وعذوبة، فتتوالى امامنا فصول الحروب الفلسطينية الاولى وأول الانقلابات العسكرية ببلاغاتها الشديدة. اهل القرى البسطاء وشكري القوتلي، حسني الزعيم. "الليل" فيلم يغوص في الذاكرة الفردية ومنها ينتقل الى الذاكرة الجماعية عبر تمفصل ندر ان كان له شبيه في السينما العربية، ويذكر في بعض لحظاته الاكثر شفافية ببعض اجمل لحظات سينما الروسي الراحل اندريه تاركونسكي. نال "الليل" حين عرضه تصفيقاً حاداً، وقال مخرجان عربيان ل "الوسط" انهما شعرا انهم صغيران جداً امام روعة الفيلم. ولقد تبعت لجنة التحكيم خط الاعجاب هذا فمنحت "الليل" جائزتها الكبرى، فان الفيلم وجائزته اكبر حدث عرفته "ايام قرطاج" لهذا العام. كان اكبر حادث، ولكن ليس الحدث الوحيد، تضاؤل اهمية نجوم التمثيل لصالح نجوم الابداع السينمائي انفسهم، من مخرجين وكتاب. واحمد زكي الممثل المصري الشهير كان النجم الكبير الوحيد تقريباً في المهرجان، لذلك ترقب الجمهور حضوره بكل شوق، لكن الرجل ظل غائباً معظم الوقت، لا يظهر، حتى اعتقد الكثيرون انه لم يأت اصلاً لحضور المهرجان.. ومع ذلك قابل الجمهور التونسي عرض فيلمه الجديد "ضد الحكومة" من اخراج عاطف الطيب بحفاوة كبيرة، لدرجة ان الزحام منع حتى لجنة التحكيم من التمكن من دخول قاعة العرض لمشاهدته والحكم عليه! ولسنا بحاجة هنا للاستطراد والحديث عن شعبية الفيلم المصري في تونس، شعبية زاد من حدتها اسم الفيلم، وموضوعه وكون بطله النجم الوحيد في المهرجان... وربما يصح ان نذكر هنا ان احمد زكي كان غائباً، حتى حين نودي عليه في حفلة الختام لتسلم الجائزة التي فاز بها: جائزة افضل ممثل! من احداث قرطاج لهذا العام ايضاً عودة الافارقة للمشاركة في المهرجان بعد غياب او شبه غياب طال امده... فهم حضروا هذه المرة بقوة، وبدا واضحاً ان ثمة تنازلات كثيرة تبذل من اجل اجتذابهم اكثر واكثر، بما في ذلك منح جائزتي احسن فيلم الثانية والثالثة لفيلمين افريقيين، كان واضحاً للجميع ان من بين الافلام العربية ما هو احق بتلك الجائزتين. ادريسا ودراغوا من بوركينافاسو لم يقدم لنا في فيلمه الجديد "سامباتراوري" افضل ما عنده، اي ما يجعلنا ننسى عمله السابق الكبير "تيلاي"، عبر تلك الحكاية الساذجة عن لص يسرق في المدينة ويهرب الى قريته، حيث يتزوج فتاة احلامه السابقة ويعيش في الرفاه، حتى تقبض الشرطة عليه. مرة اخرى عاد ادريسا هنا الى مسألة القدر الذي لا مفر منه، والى موضوع عودة الابن الضال، لكن فيلمه الجديد تبدى عن سذاجة لا تحتمل، سذاجة اكدت ان ترتيبات في الكواليس جعلت الجائزة الثانية تمنح لاعتبارات التوازن الجغرافي لا لاعتبارات الابداع الفني الحقيقي. فهل نقول الشيء نفسه عن جائزة افضل ممثلة التي اعطيت هنا مرة اخرى للمغربية سعاد فرحاتي عن دورها في "شاطئ الاطفال الضائعين" من اخراج شقيقها جلالي فرحاتي، وحجبت مرة اخرى عن جليلة بكار صاحبة الدور الرائع في فيلم "شيشخان" الذي اكتفى هذه المرة باعطائه جائزة تقنية ثانوية الاهمية؟ هذا النوع من التوازن، وذلك القسط من مسايرة الافارقة، يبدوان واضحين في شتى اعمال وتظاهرات المهرجان، ولو بدرجة اقل مما كان يحدث في السابق وكان الحضور الفرنسي طاغياً ندوة "اسواق الشمال وسينما الجنوب" والمؤتمر الصحافي الذي عقدته وزيرة الثقافة الفرنسية كاترين ناسكا للاعلان عن نشاطات مؤسسة "شاشات الجنوب" الفرنسية الجديدة التي تستهدف مساعدة سينمائيي الجنوب على تحقيق اعمالهم، ذلك في نشاطين موجهين الى افارقة جنوب الصحراء، وانه بالكاد يمكن للمبدع العربي ان يجد لنفسه حصته فيهما، على الرغم من ان المداخلات العربية اتسمت بالجدية والنضج، ولا سيما حين طرحت بعض الامور الاكثر صعوبة وتعقداً، مثل قضية اللغة، وأي سينما نساعد، وما الى ذلك... ففي هذه المجالات وفي الندوة الاولى على الاقل، تميزت مداخلتا الناقد المغربي نور الدين صايل، والسينمائي التونسي فريد بو غدير بطرحهما للعديد من الآراء التي شاءت اخيراً ان تخرج العمل السينمائي من مستنقعاته القديمة للتركيز على الموهبة والابداع السينمائي الشخصي كطريقتين وحيدتين للوصول الى سينما تستحق ان تساعد. والحقيقة ان في المستوى الذي بلغته معظم الافلام العربية من مصر ومن خارج مصر، ما يبرر المواقف الجديدة والجريئة التي تبناها الصايل وبو غدير. لقد بلغت السينما العربية الجديدة من نضجها ما يستدعي الآن الحديث عن الموهبة. فالسينما التي يصفها اليوم سينمائيون من امثال محمد خان ونوري ابو زيد وميشال خليفي وعاطف الطيب في معظم اعماله لا كلها وفريد بو غدير وبرهان علوية ومارون بغدادي ومحمود بن محمود ومرزاق علواش واسماء البكري وغيرهم، صارت اليوم من الجمال والنضج لما من شأنه ان يبرر تلك الجدية التي بات علينا ان ننظر بها الى سينمانا والا نترك السهولة - كما في الماضي - تتحكم بهذه الاعمال، فاذا لم تنل ما كانت تتوقعه من اعجاب نبدأ بشتم الامبريالية والصهيونية باعتبارهما صاحبتي مؤامرة ضد كل ضروب ابداعنا!! ولعل من الامور التي تجلت واضحة في ايام قرطاج هذه، ان المخرج نفسه صار نجماً لدى الجمهور الذي اذا كان لا يزال يصخب ويضج متدافعاً لحضور فيلم يمثله نجمه المحبوب، فانه لا يقل صخباً وضجة في تدافعه لمشاهدة افلام تتسم بشيء من الصعوبة اللغوية، وبكثير من الجدية في التناول: تدافع الجمهور لمشاهدة "ضد الحكومة" لكنه تدافع اكثر لمشاهدة "شيشخان" محمود بن محمود و"بزنس" نوري بو زيد، مما يدعو الى شيء من الاطمئنان على مصير السينما التونسية الجديدة في علاقاتها مع جمهورها. وهو اطمئنان عززته ردود الفعل التي ابداها الجمهور على عرض فيلم منصف ذويب "يا سلطان المدينة" للمرة الاولى، اذ ان ردود الفعل قلصت من حجم التوتر الذي كان يهيمن على مخرج الفيلم قبل ذلك، ومردها صعوبة لغة الفيلم ومؤشراته ومحلية موضوعه وصعوبة الوصول الى قراءته الثانية، من اول لقاء معه. فيلم "يا سلطان المدينة" كان الفيلم الذي اختتم المهرجان عروضه به، ولم يدرج داخل المسابقة الرسمية على الرغم من كونه واحداً من ثلاثة افلام عرضت للمرة الاولى داخل اطار المهرجان. "يا سلطان المدينة" فيلم يدور في عالم مغلق يعكس في نهاية الامر عالم الخارج الكبير في بناية تسمى وكالة تقطنها اصناف شتى من البشر الذين تسود بينهم علاقات تتسم احياناً بالحنان واحياناً بالقسوة. وكالعادة هناك مجنون الحي الذي تتبرك به النساء، وهناك فتوة الحي، والطقوس والزواج... ولكن هناك ايضاً ما هو اكثر من هذا. فمن حول حكاية البيت المسكون، وحثالة المجتمع، والفتاة التي يؤتى بها من الريف لتتزوج فاذا بها تلتصق بالمجنون، شقيق خطيبها، وتحاول معه الخروج من دائرة ذلك العالم المغلق... ولكن الى اين؟ الى اللامكان لأن الخارج مستحيل، فتعود ادراجها ليعتدي عليها خطيبها ورجاله، نقول من حول هذه الحكاية يطرح منصف ذويب، مخرج الفيلم، مجموعة من الافكار حول القدر والداخل والخارج والعجز، ووحدة المرء في مواجهة مصيره، بأسلوب سينمائي قد يفتقر الى شيء من الدينامية، لكنه يتميز بلغة سينمائية متطورة تستفيد مما وصلته السينما التونسية وتتجاوزه بالتأكيد. فيلم "يا سلطان المدينة" لمنصف ذويب يكشف مرة اخرى عن تقدم السينما التونسية بين السينمات العربية، ويضع مخرجه في صف متقدم بين صانعي السينما العربية الجديدة. الجزائر وحزب فرنسا قد لا ينطبق هذا الحكم نفسه على مخرج شاب جديد قدم لنا خلال ايام قرطاج فيلمه الاول وفاز، على اي حال، بجائزة العمل الاول ونعني به مالك الاخضر حامينا مخرج فيلم "اكتوبر... خريف الجزائر". هذا الفيلم الذي يمكن اعتباره اول فيلم جزائري يضعنا على تماس مباشر مع ما يحدث حالياً في الجزائر، اذ يروي لنا الفيلم من خلال حكاية شبان يسعون لتقديم عرض موسيقي، ويعيشون شتى الازمات المعيشية والاجتماعية في جزائر اليوم. يروي لنا كيف ينظر شباب جزائريون معينون فريق الشبان العامل في الفيلم الى ذلك الصراع المتفاقم بين السلطة والاصوليين، وبين السلطة القديمة سلطة جبهة التحرير والغاضبين الذين غدر بهم عدم تحقق الوعود. فيلم مالك الاخضر حامينا الاول هذا، يتسم احياناً بشيء من التبسيط، واحياناً بقسط لا بأس به من الشاعرية، ويفصل حكاية ابطاله، بشكل جيد، مع حكاية العالم الخارجي لكنه في المحصلة الاخيرة يحمل كافة عيوب ووعود العمل الاول: الرغبة في قول كل شيء، الشخصيات المقولبة الستيريوتيبية كسمات تعكس المجتمع الجزائري، التفاوت الكبير بين الحدث الخارجي وبين الدراما الشخصية الذاتية. هذا في الوقت الذي يقدم لنا كما اسلفنا صورة ما، مفيدة بالتأكيد، لوضع يزداد تعقيداً. ومهما يكن فان هذا الفيلم نال تصفيق البعض، فيما نظر اليه البعض الآخر على انه فيلم يعبر عن نظرة ما يسمى في الجزائر ب "حزب فرنسا"... والرأيان صحيحان! خصوصاً ان الفيلم يتسم بنوع من المباشرة السياسية التي تجعل قراءة هذا العنصر فيه امراً ممكناً... فلسطين: فصاحة الخطاب المباشرة تميزت ايضاً، وكثيراً، مجمل الافلام الفلسطينية التي عرضت ضمن اطار تظاهرة خاصة، بحيث انه لا يزال في وسعنا ان نقول ان هذه السينما تصر على عدم النضوج، على رغم كل الجهود التي يبذلها مخرجون كبار من امثال ميشال خليفي، يحاولون ان يقدموا فلسطين عبر شفافية الرؤية، الذين رأوا معظم ما قدم باسم فلسطين خامرهم تساؤل واحد: هل يجوز ان تبقى السينما الفلسطينية اسيرة مباشرتها وفصاصتها الطنانة، في وقت يصفق فيه العالم كله بما يحققه ميشال خليفي ويترقب محبو السينما باطمئنان تجريبية ايليا سليمان، او شاعرية بعض ما يصنع في الداخل مثل "دار ودور" وغيره؟ يؤسفنا ان نقول ان التدخل الفلسطيني الذي نال تصفيقاً كبيراً على اي حال! في حفل الختام يفسر وحده كل تلك الخطابية والفصاحة التي لا تفهم السينما الا كاداة لاستدرار التصفيق والهتاف، بما يجعلنا في انتظار وعود مستقبلية تعد بهدوء اكثر وبفاعلية اكثر... ففلسطين تستحق ما هو أفضل وما هو اجمل... بكل تأكيد! كما كان لفلسطين تظاهرتها، كانت كذلك للسينما المصرية تظاهرتها عبر افلام عدة عرضت، لتمثل شتى جوانب الانتاج السينمائي الراهن في مصر: آخر ما حققه سعيد مرزوق "آي آي" وآخر ما حققه خيري بشارة "آيس كريم في جليم" وبعض الاعمال الاخرى، الى جانب فيلم اسماء البكري الكبير "شحاذون ونبلاء" وفيلم عاطف الطيب "ضد الحكومة" والاخيران عرضا في المسابقة الرسمية... فما الذي يمكن ان نقوله عن السينما المصرية كما تجلت في هذا المهرجان؟ بهدوء شديد، اذا استثنينا بعض الاسماء النادرة في مصر الآن، نقول ان هناك تحولاً عاماً نحو الاسوأ... فالسينما السائدة اليوم هي سينما المقاولات، اما السينمائيون الجدد الذين كانوا واعدين فقد بانوا اليوم هم السينما السائدة... ولكن ليس بشروطهم كما كنا نريد، بل بشروط السوق. لكن هذا القول لا يمنع من التأكيد على انهم ادخلوا على السينما السائدة نفسها اساليب تعامل ولغة سينمائية جديدة، فهل يكفي هذا؟ سؤال لا بد من طرحه وتحين الفرص المناسبة للاجابة عليه. في انتظار ذلك يبقى ان السينما المصرية تظل الاكثر شعبية رغم تقلص الحضور المصري في هذا العام، واقتصاره على عدد قليل من السينمائيين والنقاد. ونذكر في هذه المناسبة ان جمعية النهوض بالنقد السينمائي في تونس اقامت حفل تكريم خاصاً للناقد سمير فريد ولمجلته الجادة "السينما والتاريخ" حضره المعنيون بالنقد وبالسينما. من التكريمات الاخرى خلال المهرجان تكريم الفنان الجزائري الكبير رويشد، وتكريم بعض السينمائيين الشبان، وفي مقدمتهم ميشال خليفي عضو لجنة التحكيم الذي عرضت افلامه ونالت اقبالاً واستحساناً كبيرين. فاذا اضفنا الى هذا العروض التي جرت لافلام ايطالية وبلجيكية، وتكريم الفنانة الكبيرة حسيبة رشدي... واذا ذكرنا مرة أخرى ان السينمائيين الافارقة فازوا بكافة الجوائز الموازية تقريباً... وان ورشة المشاريع قدمت مساعدات عدة معظمها أتى من فرنسا لمشاريع تقدم بها السينمائيون، ومن بينهم بعض العرب، وخاصة عمر اميرالاي لفيلمه المقبل عن المغنية الراحلة أسمهان... نصبح امام صورة شبه متكاملة لفعاليات هذا المهرجان الذي شاءه القائمون به من السينمائيين التوانسة تحدياً كبيراً، فهل كان نجاحه على مستوى المتوقع؟ اجاب على هذا السؤال المنتج احمد عطية رئيس المهرجان بقوله: "أعتقد ان نسبة النجاح لا تقل عن 70 في المئة". اما فريد بو غدير الامين العام للمهرجان فقال انه يعتقد ان المهرجان قد تمكن من تحقيق غاياته على رغم كل الصعوبات التي واجهته. ويعتقد ايضاً بأن مهرجان هذ العام باعادته السينما الافريقية، وبفرضه حضور المخرج العربي، وبتنويع عروضه، وتضخم عدد جوائزه وتظاهراته سيكون محطة أساسية في مسار السينما العربية والافريقية. آراء السينمائيين التونسيين الآخرين كانت - على اي حال - أقل حماساً - فالناقد عبدالكريم قابوس قال انه يود لو يتحول مهرجان قرطاج الى لقاء فني بسيط لا احتفالات فيه ولا محتفلون. والمخرج نوري بوزيد قال: انني مع المهرجان واناصره بقوة على رغم ابعادي من لجنة التحكيم لأسباب اجهلها. المخرج ناصر خمير ابدى حماساً ايضاً للمهرجان... لكن هذا الحماس لم يمنعه من التساؤل عن الظروف السيئة التي احاطت بعرض فيلمه "طوق الحمامة المفقود" بشكل بدا معها وكأن ثمة مؤامرة تستهدفه شخصياً وتستهدف فيلمه، والحقيقة ان من تابع فصول عرض الفيلم لا يجد في قول ناصر خمير ما يدهشه! اما الفنانة الكبيرة جليلة بكار التي كان الجميع يتوقعون فوزها بجائزة الممثلة الاولى عن دورها في "شيشخان" فقد لخصت رأيها بالمهرجان في عبارتين: الحقيقة انني لولا المهرجان لما قيض لي ان اشاهد كل هذا العدد من الافلام الجميلة، ولولاه لما اتيح لي ان التقي بكم. فلو لم يكن في المهرجان غير هذا لكان كافياً. عدد المبدعين والمتفرجين التونسيين الذين شاركوا جليلة بكار رأيها هذا لم يكن قليلاً.