يواصل الفن السابع التونسي تألقه في المهرجانات الدولية على غرار ما حدث في السنوات الثلاث الأخيرة بحضوره في كبرى التظاهرات السينمائية، وأهمّها كان، البندقية وبرلين. ومع تراكم هذا الإنتاج الفني النوعي، شكل شباب السينما التونسية روحاً جديدة، أنتجت أفلام ذات خصوصية، تقطع مع خيارات الجيل السابق وفي الآن ذاته تدعم تطور نسق الإنتاج السينمائي في تونس والذي كان وراء حصاد فني متنوع وثري في سنة 2017 إذ برمجت أيام قرطاج السينمائية في دورتها المنقضية (من 4 إلى 11 تشرين الثاني/ نوفمبر) على سبيل الذكر 37 فيلماً روائياً و41 فيلماً وثائقياً، شارك 10 أفلام منها ضمن مختلف المسابقات الرسمية لهذا المهرجان الأفريقي العربي ونافست خلاله الأفلام التونسية بقوة على جوائز التانيت، نالت منها تسعة تتويجات كان من بينها الفيلم المفاجأة «شرش» للسينمائي الشاب وليد مطار، الذي حصد عدداً من الجوائز على غرار أفضل سيناريو و «طاهر شريعة للعمل الأول» وجائزة «تي في 5 موند». خصوصية .. من جهته ، حظي التونسي عبد المنعم شويات (بعد مسيرة مسرحية وسينمائية لافتة) بجائزة أفضل ممثل في أيام قرطاج السينمائية الأخيرة عن دوره في فيلم «مصطفى زاد» للمخرج نضال شطا، فيما نالت تونس التانيت الذهبي في الفيلم القصير عن شريط «آية» لمفيدة فضيلة، فيما كان عرض فيلم المخرجة ندى المازني حفيظ ‘'في الظل'' عن المثلية الجنسية وتتويجه بالتانيت البرونزي لمسابقة الوثائقيات، جرأة لافتة من أيام قرطاج السينمائية في دورتها 28 بإدارة المنتج نجيب عياد وهو ما تسبب على أيّ حال بانتقادات كبيرة للتظاهرة ولوزارة الثقافة التونسية (التي نفت دعمها المالي للفيلم) وحملة هجوم على المخرجة وأبطال شريطها من المثليين. وقبل هذا كانت برمجة فيلم كوثر بن هنية «على كف عفريت» ضمن قسم «نظرة ما» في الدورة 70 لمهرجان كان السينمائي، أبرز محطات تألق الأفلام التونسية في المحافل الدولية وبداية عروض هذا الفيلم، الذي برمج في عدد هام من الدول الأوروبية وتوج بعديد الجوائز منها جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان السينما المتوسطية ببروكسل كما افتتح مهرجان مالمو للسينما العربية في دورته السابعة وقدّم عروضه في الولاياتالمتحدة وكندا وكان أول فيلم تونسي يبرمج في قاعات السينما بالصين. بالتوازي مع تميز «على كف عفريت» في كان السينمائي، اختارت إدارة مهرجان البندقية السينمائي في دورتها 74 فيلم المخرج التونسي ناصر خمير»الهائمون في الصحراء» - أول فيلم كلاسيكي تونسي تقع رقمنته (أنتج سنة 1984) في قسم الأفلام الكلاسيكية، وهو تكريم لافت لإحدى سينمات الجنوب وأحد مخرجيها المغايرين في طرحهم الفكري والجمالي. أسواق جديدة وتتويجات وإلى هذا بدا الحضور السينمائي التونسي في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته المنقضية كثيفاً، مقارنة بالدورات السابقة، إذ سجلت مشاركة ثلاث أفلام تونسية أهمها «تونس الليل» في المسابقة الدولية حيث كان الممثل الوحيد للسينما العربية وتوج بجائزة أفضل ممثل لبطله رؤوف بن عمر، فيما أثار فيلم «الجايدة» لسلمى بكار المبرمج في مسابقة «آفاق السينما العربية» الجدل وحظي بانتباه الجمهور المصري لطرحه الفكري قضية المرأة في تونس. هذا إلى جانب عرض فيلم «فراشة» لعصام بوقرة ضمن مسابقة الأفلام القصيرة وتتويج الفنانة التونسية هند صبري بجائزة فاتن حمامة للتميز وهذه أول مرة تقدم الجائزة لممثلة أصولها غير مصرية. الأفلام التونسية قدمت في سنة 2017 أولى عروضها التجارية في قاعات السينما الخليجية بدبي وذلك من خلال برمجة شريطي «نحبك هادي» للمخرج محمد بن عطية (سبق أن توج بجائزة أفضل فيلم أول طويل للمخرج محمد بن عطية والدب الفضي لبطله مجد مستورة في مهرجان برلين السينمائي الدولي) وفيلم «جسد غريب» للمخرجة رجاء عماري والذي كان عرضه العالمي الأول ضمن برمجة مهرجان تورونتو السينمائي الدولي. منتجة «نحبك هادي» و «جسد غريب» وغيرها من الأفلام التونسية المتألقة دولياً، درة بوشوشة، احتلت مؤخراً المرتبة الخامسة عن فئة الفنون والثقافة ضمن قائمة 100 شخصية الأكثر تأثيراً في إفريقيا التي تعدها مجلو «نيو أفريكان». ديزني في تونس.. من ناحية أخرى، شهدت تونس أواخر سنة 2017 (أيام 24 و25 و26 تشرين الثاني/ نوفمبر) تنظيم مهرجان ديزني الأول، الذي حظي بإقبال كبير وقدمت كل عروضه -وعددها ثلاثين- أمام شبابيك مغلقة، كما كان اختيار COCO فيلم الافتتاح موفقاً وأنعش قاعات السينما التونسية، التي تعاني منذ سنوات من عزوف الجماهير عن عروضها خارج إطار المهرجانات السينمائية لسوء حالة القاعات وضعف إمكانات التوزيع السينمائي في بلاد لا تملك صناعة سينمائية حقيقية على رغم القيمة التنافسية لأفلامها. ولعّل سنة 2018 ستكون محطة مصيرية في القطاع السينمائي التونسي إذ تطفو هذه الأيام، إشكاليات عديدة يعاني منها الفن السابع بعد الإعلان عن ميزانية وزارة الثقافة (2018) وتراجع الدعم المّالي الموجه للفنون. فالسينما التونسية -وهي سينما مؤلف- تعتمد أساساً على دعم الدولة، حيث تشكل الاعتمادات المالية والتمويلات العائق الأبرز ومع عدم التزام المركز الوطني للسينما والصورة بتونس بالتزاماته المّادية تجاه الأفلام المنتجة في سنة 2017 من المنتظر أن يصبح الإشكال أعمق بحلول السنة الجديدة والأفلام المبرمجة لإنجازها خلالها ستكون الخاسر الأكبر إذ لم تجد الهياكل القائمة على السينما التونسية حلولاً تدعم حضوراً أكبر لأفلامها محلياً ودولياً.