لعل أحلى ما في مهرجان قرطاج السينمائي، جمهوره الحاضر باستمرار والذي يحاكم الأفلام التي يراها ويتفاعل معها فيصفق أو يصرخ أو يصفر. يعبر عن مشاعره بزخم خلال العرض وبعده. وكان هذا الجمهور حاضراً باستمرار في الدورة الأخيرة، التاسعة عشرة من المهرجان العربي الافريقي العريق الذي عقد بين 18 تشرين الأول أكتوبر الماضي و26 منه. والواقع أن هذا الجمهور يأتي كثيفاً إلى عروض المهرجان كافة مستغلاً فرصة عرض أفلام قد لا تتاح له مشاهدتها خارج هذا الإطار خصوصاً الأفلام الآتية من البلدان العربية الأخرى. ونجحت "أيام قرطاج السينمائية" التي تعتبر من أعرق المهرجانات المختصة بالفن السابع في بلدان الجنوب في الحفاظ على دورها بصفتها ممثلة لواقع النتاج السينمائي العربي - الافريقي وحاله. فمن يريد رؤية أفلام من افريقيا السوداء، إذا لم يتمكن من حضور مهرجان "واغادوغو" الخاص بالسينما الافريقية، يمكنه تحقيق الغرض بالمجيء إلى قرطاج حيث يقدم الكثير من الأفلام الافريقية. عرف مهرجان قرطاج كيف يظل مهرجاناً افريقياً بامتياز فتمثلت في مسابقته الرسمية أفلام من جنوب افريقيا وبوركينا فاسو وغينيا وغينيا بيساو ومالي والسنغال والتشاد من ضمن العشرين فيلماً التي شاركت في المسابقة الرسمية. وظل المهرجان وفياً لنهجه حين كافأ فيلم "ثمن العفو" للسنغالي منصور سورا واد، وهو الفيلم الطويل الأول لمخرجه، بالتانيت الذهبي للمهرجان وصفق الجمهور طويلاً للممثلة السوداء الحسناء رقية نيانق، بطلة الفيلم حين اعتلت المسرح مع المخرج لتسلم جائزته. أرواح شريرة تدور أحداث الفيلم في قرية للصيادين في السنغال، تقع على شاطئ الأطلسي ويخيم على المكان منذ البداية جو غريب إذ يلف الضباب القرية ويحرم أهلها من الذهاب إلى الصيد. في هذا الجو المشحون بالتوتر والخوف يستولي الصراع على شابين من أهل القرية، كانا صديقي طفولة لكسب ود جميلة القرية "ماكسويي". ويكون لابن الولي الصالح أن ينتصر بأن يطرد الأرواح الشريرة في أفلام افريقيا السوداء، يكاد لا يخلو فيلم من الأرواح أو السحر أو الطقوس من القرية فينجلي الضباب وتعود الشمس وينطلق الصيادون إلى مراكبهم... لكن الغيرة تشتعل في قلب صديق الطفولة الذي لم تكن الجميلة من نصيبه وفي قلوب آخرين. "ثمن العفو" السنغالي، لم يكن الفيلم الافريقي الأسود الوحيد الذي حظي بجائزة كبرى، فقد تمكن فيلم "قصص تملك" الجنوب افريقي للمخرج اوليفر شميتز، وهو أيضاً الفيلم الأول لمخرجه الذي عمل أولاً في المونتاج قبل أن يخرج عدداً من الأفلام الوثائقية، من انتزاع جائزة التانيت البرونزي. ويتميز هذا الفيلم الجنوب افريقي بمعالجة واقع الشباب الأسود بعد عشر سنوات من انتهاء نظام التمييز العنصري، كما يتميز بجدته وحداثته وقدرته على معالجة الصورة بشكل سريع جذاب وقوي من خلال "سوكس" الأسود الذي يعمل في التلفزيون ويصادق شابة بيضاء. إلا أن بحث الشاب عن تقمص دور البطل الشعبي الجنوب افريقي سارق السيارات "برابيزا" يقلب حياة "سوكس" رأساً على عقب ويعيده إلى الغيتو الذي بذل كل ما في وسعه للخروج منه. عرايس ولكن من طين اما الجوائز الأخرى فقد قررت لجنة التحكيم التي ترأسها الكاتب المصري إدوار الخراط، منح جائزة التانيت الفضي للمخرج التونسي نوري بو زيد عن فيلمه "عرايس الطين" الذي لم يكن بمستوى الجائزة في رأي الكثيرين. رفض "عرايس الطين" في أكثر من مهرجان كان والبندقية ومراكش وبيانالي السينما العربية في باريس وتمتع بالحظ الأوفر عند عرضه في تونس حيث كانت الصالة محتشدة للغاية في عرض اجتذب الجمهور. مع ذلك كان هناك من واجه منح الفضية للفيلم بالاحتجاج ووو. في الوقت الذي صفق فيه الآخرون. والواقع أنه مع كون نوري بو زيد من أهم من كتب السيناريو في تونس، فهو ساعد في كتابة أفلام تونسية جديدة عرفت ونجحت مثل "صمت القصور" لمفيدة التلاتلي و"عصفور سطح" لفريد بو غدير... إلا أن بو زيد مع كونه مجيداً في الكتابة لم ينجح هذه المرة في إنجاز سيناريو مقنع متماسك مع أنه يتطرق لموضوع اجتماعي حساس وهو موضوع الأطفال الخدم والخادمات في تونس الذين يأتون من القرى الفقيرة وتحديداً من قرية متخصصة في صناعة الفخار للعمل لدى اصحاب البيوت الميسورة في العاصمة. يقصر بو زيد في هذا الجانب الأساسي مع كونه أجاد في الإخراج ومعالجة الصورة كما أجاد في إدارة الممثلين لكنه ركز على جاذبية هند صبري أكثر مما ركز على عمق الدور والشخصية. ونال الممثل التونسي أحمد الحفيان جائزة أفضل ممثل عن دوره في "عرايس الطين" وهو دور خادم سابق تحول إلى سمسار يأتي بالخادمات من القرية ويلتزم الحرص على أعراضهن. وأنهى نوري بو زيد العمل على سيناريو فيلم جديد له بعنوان "ابناء ابراهيم" مستوحى من أحداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر وفيه تسافر أم الى بلجيكا لإقناع ولدها الذي يدرس هناك بالعودة إلى البلد لكنها لا تجده وتقع فريسة سلسلة من المفاجآت. عودة الى الوراء جائزة لجنة التحكيم الخاصة نالها فيلم تونسي آخر من بين الأفلام التونسية الثلاثة التي شاركت في المسابقة الرسمية وهو فيلم "صندوق عجب" الذي يسجل عودة المخرج رضا الباهي بعد غياب سنوات إثر فيلمه "السنونو لا تموت في القدس" الذي انجز عام 1994. قدم "صندوق عجب" بمونتاج جديد بعد عرضه في مهرجان البندقية الأخير. فيه يسجل المخرج جانباً من سيرته الذاتية وعلاقته بالسينما وبوالده وخاله الذي كان عارضاً للأفلام يجول على القرى القريبة من القيروان، منشأ الطفل الذي بات في الأربعين. "صندوق عجب" عبارة عن عودة متكررة إلى الوراء، إلى العلاقة الصعبة بالوالد تماماً كما العلاقة بالزوجة وبالعمل في الراهن، لكن المخرج الذي يريد أن يكتب عن علاقته بالسينما حين كان طفلاً، يدخل في مراجعة ذاتية لكل حساباته والمسيرة التي قطعها. نسخة تونسية ناعمة ولكن حزينة على طريقة "سينما براديزو" الايطالي. بقيت جائزة العمل الأول، وكان بين الأفلام العشرين التي شاركت في المسابقة ستة أفلام أولى لمخرجيها بينها الفيلم التونسي "الكتبية" والفيلم الجزائري "رشيدة". "لما حكيت مريم" فيلم "لما حكيت مريم" اللبناني الذي منح جائزة العمل الأول والذي خرج الى الصالات البيروتية هذا الأسبوع، أعجب الجمهور التونسي كما أعجب النقاد... أما الممثلة الشابة برناديت حديب فقد أعجبت جمهورها بشدة من خلال دورها الذي أهلها لنيل جائزة أفضل ممثلة، وهذه هي المرة الثالثة التي تنال فيها جائزة أفضل ممثلة عن دور مريم نفسه. الجميع سأل لماذا هي غير موجودة معنا في وقت خرج فيه كثير من الذين حضروا حكاية مريم وعيونهم ما زالت مترقرقة بالدموع، نساء ورجالاً، وحده المخرج أسد فولادكار الذي كان حاضراً خلال عرض الفيلم خرج مبتسماً راضياً. "إذا نال الفيلم جائزة هنا، فإن ذلك سيساعدني على عرضه في بيروت" قال قبل أن يغادر ليسلم مكانه للممثل طلال الجردي الذي تسلم جائزتي الفيلم. ملاحظات على الهامش لا شك في أن ازدياد المهرجانات السينمائية وتعددها بات يطرح على المهرجانات الكبرى حتى، تحديات شتى أهمها ضرورة تقديم الجديد البكر في النتاج السينمائي وهذا ما بات متعذراً اليوم أكثر من أي وقت مضى. وتطرح هذه التحديات على المهرجانات العربية والافريقية خصرصاً، فمخرجو هذه البلدان يفضلون تقديم أفلامهم أولاً في مهرجانات دولية يأتي في طليعتها مهرجان "كان" ثم مهرجانات أخرى مثل البندقية وبرلين ولوكارنو وغيرها. فضلاً عن ذلك فإن الأفلام العربية التي أمكن تقديمها في قرطاج، باستثناء فيلمين تونسيين، سبق وقدمت في عدد من المهرجانات. الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية مثل فيلم أسامة محمد "صندوق الدنيا" وفيلم اللبناني غسان سلهب "الأرض المجهولة" وفيلم الجزائرية يمينة بشير "رشيدة" وفيلم الموريتاني عبد الرحمن سيساكو "بحثاً عن السعادة" كانت شاركت كلها في مهرجان كان السينمائي الدولي الأخير كما شاركت في مهرجان السينما العربية في باريس وشارك معظمها في مهرجان الإسكندرية. دائماً على سبيل المثال لا الحصر فإن فيلم أسد فولادكار "لما حكيت مريم" سبق وعرض في مهرجان السينما العربية في باريس وحصل على جائزتين في مهرجان الإسكندرية السينمائي الأخير، كذلك فيلم "القدس في يوم آخر" للفلسطيني هاني أبو أسعد، أو فيلم رشيد مشهراوي "تذكرة إلى القدس" الذي عرض في ختام قرطاج، وكان نال جائزة الهرم الفضي في القاهرة. هذه الأفلام سيعرض عدد منها خلال الشهر الجاري في عدد من المهرجانات السينمائية الصغيرة في مدن فرنسية هي أميان وباستيا ونانت. التجديد في العروض يفترض طبعاً تجديداً في الإنتاج ووفرة لكن كيف السبيل إلى ذلك في ظل الصعوبات التي يواجهها مخرجو العالم الثالث؟ ما هي الحلول أمام منظمي المهرجانات العربية في اختيار أفلام بكر في ظل ندرة الإنتاج العربي والافريقي وفي ظل تعدد المهرجانات اليوم؟ مع هذا فإن التكرار في عروض الأفلام ينطوي على إيجابية كبرى بالنسبة الى المشاهد المحلي، فهو بالنتيجة المستفيد الأول من العروض، وجميع الأفلام جديدة بالنسبة إليه. ففيلم داوود عبدالسيد"الساحر"، وهو فيلم جميل لكن يعاني بعض طول، خرج في الصالات المصرية، قد لا يتمكن جمهور تونس من مشاهدته في الصالات خارج إطار المهرجان والأمر ينطبق على العروض كافة. لكن هل تراجع دور مهرجان كمهرجان قرطاج في ما يتعلق بالسينما العربية ليقتصر على أداء خدمة للجمهور المحلي وتقديم أفلام جديدة له؟ هل يقضي دوره بالإتيان بالجديد فقط من الجانب التونسي والافريقي الأسود؟ لا، ليس ذلك فقط، فسينما المغرب العربي كانت حاضرة ومنها الجديد عبر أفلام شاركت في المسابقة الرسمية أو عرضت في تظاهرة البانوراما. وبين هذه الأفلام فيلم "الجارة" للمخرج غوثي بن ددوش الذي يبتعد عن الخط القاسم الذي يجمع الكثير من الأفلام الجزائرية اليوم لناحية مضمونها المتعلق بالواقع السياسي والأحداث التي تعيشها البلاد. ينصرف بن ددوش إلى معالجة المشكلات اليومية من خلال العلاقة التي تربط بين مجموعة من النساء الجارات اللواتي يعشن في حي القصبة الشعبي والذي تحكمه قوانين صارمة تحدد الفضاء والوقت وطبيعة الحركة. إلا أن وفود جارة جديدة شابة وجميلة إلى القصبة يخلخل أسس هذا العالم المحافظ. ثمة خطر ما يجتاح عالم نساء القصبة. وتمثلت السينما المغربية بفيلمين داخل المسابقة هما فيلم محمد اسماعيل الذي يعالج قضايا الهجرة من خلال حكاية عائلة مهرب ومن خلال علاقة تظل غير متكافئة ومستحيلة مع الغرب. وتلعب في الفيلم الإسبانية فيكتوريا أبريل دور مهربة حشيش، تدخل في علاقة مع شاب مغربي، وقد نال هذا الفيلم استحسان الجمهور، بينما اختلف النقاد حوله، وهو يضع لأول مرة الفتاة والشاب، الأخ والأخت، على قدم المساواة، سواء بالنسبة الى الهجرة، أم بالنسبة الى العلاقة بالآخر. في الفيلم يظهر الأخ لأول مرة متسامحاً مع أخته حين يراها في سرير الرجل الإسباني صاحب اليخت، وهو وإن عز عليه الأمر، لا يسعى الى محاكمتها، كونه غارقاً في المأزق نفسه. أما فيلم "حصان الريح" وهو الثاني للمغربي داود أولاد سياد، فلا يصل إلى براعة فيلمه الأول، وسرعان ما تراوح الحبكة مكانها ويكف الفيلم عن التقدم. والفيلم يروي حكاية طاهر، الحداد المتقاعد الذي يقيم في بيت ابنه ويقرر الذهاب إلى أزمور لزيارة قبر زوجته الثانية. في الطريق يتعرف الى إدريس حين تتعطل الحافلة ويتابع الاثنان طريقهما معاً وتنشأ صداقة صعبة. السينما التونسية كان الحضور التونسي في "أيام قرطاج السينمائية" هذا العام كثيفاً ومفاجئاً نوعاً ما، فقد تمثلت هذه السينما وبعد فترة صمت، بسبعة أفلام روائية عرضت داخل المسابقة وخارجها، وقد انعكس هذا الكم على الجوائز. خارج المسابقة عرض فيلم "خرمة" للمخرج الجيلاني السعدي وهو يتناول قصة تقليدية تدور في قرية معزولة. "خرمة" نوع من خادم لرجل مسن أخرس يعمل على دفن الموتى وينقل الأخبار غير السارة. حين يصاب المسن بلوثة يقرر أهل القرية تسليم "خرمة" هذا العمل لكنه سرعان ما يبرهن عن حيلة ودهاء وقدرة على إدارة الأمور، وقد أثار هذا الفيلم الذي صور في الشمال التونسي الكثير من الانقسام في تونس. وبرزت فيه إلى جانب الممثل محمد قريكة الممثلة دليلة مفتاحي التي عملت في السابق في المسرح وأدت أدواراً في مسلسلات للتلفزيون التونسي. وفي وقت عرض فيه فيلم "ساتان أحمر" للمخرجة رجاء عماري من بطولة الفلسطينية هيام عباس و"القرصان البدوي" لنادية الفاني، في تظاهرة "بانوراما" اعترض الجمهور على عرض فيلم "فاطمة" لخالد غربال فسحب بسبب عرضه في مهرجان في إسرائيل وتصريحات المخرج التي رافقت ذلك. من ناحيته حضر المخرج ابراهيم باباي، لكن من دون فيلمه "الأوديسا" الذي كان ينتظر تقديمه في المهرجان لكن أسباباً مادية حالت دون إنجازه في الموعد المنتظر. ويتناول الفيلم قضية سرقة الآثار من خلال قصة بوليسية وينتظر إتمامه الشهر المقبل. فيديو تقرر هذا العام إطلاق تسمية "فيديو" على المسابقة التي ضمت الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة التي فاز بنتيجتها فيلم "جنين جنين" للفنان الفلسطيني محمد بكري، كما حصل فيلم مي المصري "أحلام المنفى" على تنويه خاص من لجنة التحكيم، وتميز الفيلمان "اسطورة روز اليوسف" لمحمد كامل القليوبي و"عاشقات السينما" لماريان خوري. ما يمكن حفظه عن هذه المسابقة كونها، وعلى عكس التظاهرات الأخرى، ضمت الجيد إلى السيئ في اختلاط عنيف، وكان من الممكن للجنة الاختيار أن تكون أكثر انتقائية في اختيار الأفلام، خصوصاً أن أفلام الفيديو تشهد نوعاً من الازدهار في الإنتاج في العالم العربي وافريقيا بعد فترة قحط طويلة. وفي الوقت الذي اعترض فيه الجمهور على فيلم "فاطمة" في البانوراما، مر فيلم اللبناني جاك دبس "الشرق على نار هادئة"، الذي يتكلم بمنطق مرحلة ما بعد التطبيع، بسلام ولم يحس به أحد، فقط لأن الإقبال على الفيديو لم يكن ذاته كما كان على الأفلام الروائية. ويقدم جاك دبس المطابخ اللبنانية والسورية والإسرائيلية في فيلمه باعتبارها ممثلة لمآكل الشرق. أين النجوم؟ تبدو ضرورة التنسيق في التواريخ بين المهرجانات العربية ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، فقد بات الأمر حتمية تفرض نفسها، مع أن محبي مهرجان قرطاج من الصحافيين والنقاد تركوا القاهرة ومهرجانها وكانوا كثراً في تونس. وحرم مهرجان قرطاج هذا العام من عدد من نجوم السينما المصرية بسبب تزامنه مع مهرجان القاهرة السينمائي ولظروف أخرى، فباستثناء أحمد زكي، الذي صفق الجمهور له طويلاً لدى تكريمه، لم يكن أحد من الفنانين المصريين موجوداً. بلى كان هناك منة شلبي وسلوى خطاب بطلتا فيلم الراحل رضوان الكاشف. "الساحر" أحمد زكي الذي سبق له وحاز وسام الاستحقاق الثقافي التونسي عام 1992 حين حصل على جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "ضد الحكومة" كرمه وزير الثقافة التونسي عبد الباقي الهرماسي بأن قدم له زيتونة من الفضة والعنبر وهي رمز لتونس، وسبق ذلك عرض فيلمه "أيام السادات"الذي أنجزه المخرج محمد خان والذي جذب في تونس جمهوراً غفيراً. وقد اضطر أحمد زكي إلى مغادرة المهرجان قبل انتهائه لحصوله على جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة. كانت أيام قرطاج تحتاج الى مزيد من الألق والروح، فقد افتقدت بعضاً من بريقها... أتراه مرور السنين أم هو فعلاً غياب الكثير من الفنانين التونسيين حتى؟ فباستثناء المخرجين والمنتجين، لم يكن الممثلون متواجدين في الساحة الحيوية للمهرجان، فغابت هند صبري لارتباطها بتصوير فيلم في شرم الشيخ، مع كونها بطلة في فيلمين مشاركين في المسابقة الرسمية، المصري، "مواطن ومخبر وحرامي" وفيلم نوري بو زيد "عرايس الطين". الجمهور التونسي بدا مع ذلك فخوراً جداً بممثلته الشابة التي ما عاد نشاطها يقتصر على السينما التونسية منذ أن اكتشفتها المخرجة المصرية إيناس الدغيدي في الدورة السابقة لأيام قرطاج وكان أن اختارتها لبطولة فيلمها "مذكرات مراهقة" الذي لاقى استحسان الجمهور والنقاد المصريين على السواء. ندوات وكتب ندوة المهرجان التي عقدت على مدى يومين تناولت موضوع النقد وشارك فيها عدد من الباحثين والجامعيين والمخرجين والنقاد وتناولت الجلسات، ضرورة القراءة لفهم الأعمال ونقد الشمال لأفلام الجنوب وسوء التفاهم الناتج عن ذلك، والخطاب النقدي المتقاطع حول سينما يوسف شاهين والنقد في ما يتعلق بالسينما المغربية... وستصدر جلسات الندوة ومداخلاتها في كتاب لاحقاً. اللافت أن المهرجان ترافق مع صدور عدد من الكتب المتخصصة بالسينما والنقد السينمائي وأهمها كتاب صونيا شامخي "السينما التونسية الجديدة" وهادي خليل "المسار والعلامة" وهو عبارة عن مجموعة من الشهادات عن السينما التونسية. وهناك كتيب صغير عن المخرج الإيراني عباس كياروستامي ضم مجموعة من المقالات عن افلام المخرج وحياته أصدرته الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي في عددها السينمائي الجديد. الطاهر الشريعة أحد أهم مشجعي السينما ونوادي السينما في تونس وأحد مؤسسي مهرجان قرطاج الذي انطلق عام 1966، وقع كتابه "ونصيبي من الرفض" لمناسبة المهرجان الذي أقام له تكريماً.