وصل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى عمان يوم 6 تشرين الاول اكتوبر الجاري وهو "مشوش الذهن" يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة موقف الاردن من الفلسطينيين ومستقبل الضفة الغربيةوغزة. لذلك حرص الملك حسين على استقباله في المطار حيث جرى استقبال رسمي له واطلقت المدفعية 21 طلقة. وصل عرفات الى عمان في الوقت الذي كانت العاصمة الاردنية تستقبل وفداً من فلسطينالمحتلة عام 1948 حضر لتهنئة الملك حسين بالشفاء وليؤكد له عمق الروابط الاخوية بين الفلسطينيينوالاردنيين. وكان غادر عمان وفد من وجهاء الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين بعد ان قابل الملك حسين واعلن اعضاؤه رغبة الشعب الفلسطيني في الداخل بالغاء قرار الاردن فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربيةالمحتلة. وعلى رغم تأكيد الملك حسين لضيوفه الفلسطينيين ان "لا عودة" عن قرار فك الارتباط وان ذلك لا يعني تخلي الاردن عن التزاماته القومية او تراجعه عن دعم اشقائه الفلسطينيين على كل صعيد، الا ان تلك اللقاءات شكلت علامات استفهام لدى القيادة الفلسطينية وفقاً لما ذكرته مصادر مطلعة في عمان. ويرى مسؤولون اردنيون ان لا مبرر لقلق الفلسطينيين من مثل هذه اللقاءات لان موقف الاردن واضح وصريح ولا تراجع عنه، فهو في الوقت الذي يطلب تأجيل البحث في موضوع الكونفيدرالية مع "الكيان الفلسطيني" على سبيل المثال، فإنه لا يفكر في التراجع عن قرار فك الارتباط، ويتخذ دور الداعم للفلسطينيين ولا يتفاوض او يسعى الى الاتفاق مع احد نيابة عنهم. وقد اكد المسؤولون الاردنيون وفي مقدمتهم الملك حسين لعرفات هذا الموقف ولو بشكل غير مباشر مما ادى الى ازالة مخاوفه. غير ان شكوك ومخاوف عرفات لم تكن من الاردن بقدر ما كانت من الفلسطينيين انفسهم، ففي اليوم التالي لوصوله اجتمع الرئيس الفلسطيني بعدد من اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المتواجدين في الاردن. ولم تمر عشر دقائق حتى قام عرفات بطرد ممثل الجبهة الشعبية المحامي بشير الخيري من الاجتماع بعد ملاسنة معه حول "عملية السلام" او "عملية الاستسلام"، وفقاً لما قاله ممثل الجبهة الشعبية. وبعدها اعلن عرفات ان تسعة من التنظيمات الفلسطينية العشرة التي وقعت اعلان رفض الحكم الذاتي هي "على الورق فقط" ولا وجود لها، وربما كان الرئيس الفلسطيني يوجه بذلك رسالة الى حركة حماس على انها التنظيم العاشر الذي له وجود. كما اعلن عرفات في الاجتماع: "لن اقابل نايف حواتمة - زعيم الجبهة الديموقراطية - ولا داعي لان يوسط الرئيس اليمني علي عبدالله صالح من أجل أن أقابله". لكن عرفات حرص على ان يجتمع في عمان بالدكتور جورج حبش زعيم الجبهة الشعبية ويتباحث معه في المستجدات وما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية والعلاقات الفلسطينية - الفلسطينية ومستقبل مسيرة السلام. وبالعودة الى اجتماع عرفات بأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني فإن ابرز ما قاله عرفات فيه انه يعتبر ان تاريخ 30/10/1992 يشكل بداية المرحلة الانتقالية التي حددتها رسائل التطمينات الاميركية قبيل مؤتمر السلام في مدريد حيث تبدأ مرحلة الحكم الذاتي في الضفة الغربيةوغزة. ووعد عرفات بتوجيه الدعوة الى عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني بكل اعضائه في الداخل والخارج، اذا لم يحدث اي تقدم في مفاوضات السلام الفلسطينية - الاسرائيلية بعد هذا التاريخ. وواضح من حديث عرفات ان القيادة الفلسطينية تسعى الى ترتيب البيت الفلسطيني قدر الامكان وبأقل قدر من المعارضة. على صعيد آخر بدا عرفات غير مطمئن الى مسيرة المفاوضات السورية - الاسرائيلية اذ يشعر هو والكثير من السياسيين والمراقبين انها تحقق تقدماً "تحت السطح" ويبدو ان قلق عرفات تزايد بعد ان تريث السوريون في ترتيب موعد له لزيارة دمشق الامر الذي جعله يقرر صرف النظر عن التوجه الى سورية في الظروف الراهنة ومغادرة عمان الى تونس، بعد ان اختتم نشاطاته في عمان بمقابلة عدد من المفاوضين الفلسطينيين للتداول بشأن جولة المفاوضات الثنائية المقبلة.