بعد سبع سنوات من تعطيل الدستور والحياة النيابية شهدت غزو البلاد وحرب التحرير وازمة مديونية هائلة، سيجد النواب الكويتيون المنتخبون قائمة طويلة أمامهم من الاولويات، ولكن أهمها حسب رأي معظم النواب الذين التقتهم "الوسط" هو "استمرار الحياة النيابية والديموقراطية التي تعطلت مرتين عندما اصطدمت الحكومة مع مجلس الامة بسبب قضايا أقل شأناً مما سيطرح في المجلس المقبل". وبغض النظر عمن ستسفر عنه اتصالات النواب والحكومة لانتخابه رئيساً لمجلس الامة فان الرئيس المقبل سيكون رئيساً للمعارضة، بغض النظر عن تفسير مصطلح "المعارضة" في الكويت، ولعل أبلغ تعريف هو الذي خرج به المعارض العتيق عبدالله النيباري الفائز عن المنبر الديموقراطي اليسار بقوله: "النائب المعارض هو المتحرر من سيطرة الحكومة وتوجيهها". ويرى النائب جاسم الصقر الفائز عن "الكتلة الدستورية" وغرفة التجارة والصناعة والمرشح لرئاسة المجلس ان المهمة الرئيسية للمجلس هي "ضمان استمرار العملية الديموقراطية بما يحفظ حقوق الجميع، ولقد جعل الدستور والعرف اسساً لذلك تمنع ان يدفع احد الديموقراطية الى حدها الاخير فتسقط". اما منافسه احمد السعدون رئيس المجلس السابق والمرشح الآخر لرئاسة المجلس الحالي فقد قرر عدم الادلاء بأية تصريحات طيلة الاسبوع الاول بعد الانتخابات حيث تشتد الاتصالات حول تشكيل الوزارة وموقف النواب منها كما تشتد الضغوط والتدخلات قبيل معركة رئاسة المجلس. وفي أحاديث معه سبقت الانتخابات نفى السعدون، وبشدة، ما يتردد عن تحميله مسؤولية حل مجلس 1985 بالتصعيد وتوتير العلاقة بين المجلس والحكومة واكتفى بالقول: "لم نمارس سوى حقوقنا التي كفلها الدستور، وعلى الآخرين الالتزام بالدستور مثلما نفعل نحن". النائب اسماعيل الشطي الذي سيمثل مع حوالي 14 نائباً المعارضة الاسلامية، وبالتحديد الحركة الاسلامية الدستورية التي دخل الانتخابات تحت لوائها، يحمل المعارضة في مجلس 1985 جزءاً من المسؤولية، ويقول: "انني ألوم الاسلوب الذي استخدمته المعارضة في المجالس السابقة إذ لم تستخدم وسائل مستخدمة في البرلمانات العريقة، كوسائل الضغط خارج المجلس والجلسات الجانبية والاتفاقيات الثنائية واللقاءات في الاروقة عوضاً عن اسلوب المواجهة والتحدي". ويرى الشطي أنه "لا حاجة للتخوف وعدم الثقة في العلاقة بين المعارضة والحكومة، خصوصاً بعد ما ثبت للاسرة الحاكمة تمسك الشعب، بما في ذلك المعارضة، بها خلال الازمة، ولا توجد للمعارضة اي شاردة أو واردة ضد الاسرة الحاكمة". ويركز المحامي مشاري العنجري وهو نائب مستقل اهتمامه على تشكيل الحكومة حالياً، ويقول "ان شكل الحكومة المقبلة سيحدد الاولويات، واذا جاءت حكومة منسجمة مع المجلس وتقدم برنامجاً يحظى بدعم أغلبية النواب فسيتحول المجلس الى مجرد مراقب لتنفيذ هذا البرنامج، أما اذا جاءت وزارة كالوزارات فأتوقع ان تحصل مشاكل ومواجهات". ويرى العنجري ضرورة تشكيل وزارة شعبية من اغلبية برلمانية، وقال "يجب ان يطبق نص الدستور، والمادة 56 منه تجعل اغلبية الحكومة من اعضاء المجلس، والاستثناء يكون من غيرهم". ودعا رئيس الوزراء المكلف الى الاجتماع بجميع اعضاء المجلس وليس الى افراد منهم، وقال ان "على الشيخ سعد ولي العهد ان يجتمع الى اعضاء المجلس ويعرض عليهم برنامجه وعدد النواب الذين يريدهم في الحكومة ويلقي الكرة في ملعبهم، فاذا نجح في مهمته الوزارية كان النجاح له، واذا فشل كان الفشل على المجلس". ويوافق نائب رئيس المجلس السابق صالح الفضالة العنجري على هذا الطرح، ويقول "ان الانتصار الذي حققه النواب الوطنيون وسقوط نواب الخدمات الحكومية كان امانة جديدة منحها المواطن الكويتي للمجلس، وأرجو من رئيس الوزراء ان يلجأ الى تشكيل حكومة شعبية ونحن لا نطالب بكل الوزارات وانما بثماني او عشر وزارات، والدستور يقول بذلك وكذلك المذكرة التوضيحية، والخطأ ان يشكل رئيس الوزراء حكومة بعيدة عن المجلس ثم يبحث عن وزير واحد ليكون محللاً ليجعل الوزارة دستورية". "شبكة دفاعية" تحمي الكويت وبينما يبقى سيف حلّ مجلس الامة حقاً دستورياً للامير مسلطاً فوق مجلس الامة يرفض مشاري العنجري تحميل النواب مسؤولية ضمان استمرارية الحياة البرلمانية فيقول: "ان النواب ليسوا على فكر واتجاه واحد، ولا يمكن ان يتفقوا على خطة او ضوابط لمنع الحل، ولا يملك احد حق توجيه النواب ولا يحاسبهم غير الشعب الذي انتخبهم، حتى رئيس المجلس لا يستطيع ان يحدد للنائب ما يقول وما لا يقول، والمسؤولية ملقاة على عاتق السلطة، فاذا رأت ان المجلس غير متعاون تستطيع حله عن طريق الدستور شريطة اعادة تحكيم الشعب بانتخاب غيرهم او إنتخاب النواب أنفسهم خلال 60 يوماً. ويرى صالح الفضالة ان الضمان الوحيد هو "ايمان الحكومة بدستور 62 ونحن نريد حكومة تؤمن بأن الاستجواب والمحاسبة والمراقبة من حقوق المجلس الدستورية، وطالما أن الحكومة لا تريد الانفراد بالسلطة فلن تكون هناك مواجهة". ويتخذ النائب هادي هايف الحويلة، وهو محسوب على التيار الحكومي، موقفاً وسطاً، فيقول "ان الدستور يسمح بالمحاسبة اذا كان هناك خطأ من الحكومة، ولكن لا بد من التعاون، فالمرحلة القادمة لا تحتمل المزايدات وتصفية الحسابات وانما علينا ان نركز على اعمار وبناء القوة العسكرية والامن والوحدة الوطنية". وحدد الحويلة القضايا التي سيقف فيها مع المعارضة بأنها "دعم الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية وتوحيد الجنسية وتنفيذ الدستور وتطبيق الشريعة وحرية الصحافة وسن القوانين لمصلحة البلاد". وبينما يذهب بعض النواب الى المطالبة بحكومة ذات اغلبية برلمانية يرى الحويلة "ان دخول 10 نواب الحكومة كثير، واعتقد ان عدد خمسة افضل، فالنائب لم ينتخب ليكون وزيراً وانما لسن القوانين والتفرغ لخدمة المواطنين". ويوافقه في ذلك نائب يقف في موقع آخر تماماً هو عبدالله النيباري الذي يتخوف من ان يؤثر اشتراك عدد كبير من النواب في الحكومة على قوة المجلس وقدرته على القيام بدوره كمراقب ومحاسب. وبسبب هذا التداخل في المواقف يجد النواب حاجة لتحديد مصطلح المعارضة في الكويت، فبالاضافة الى رأي النيباري ان "النائب المعارض هو المتحرر من سيطرة الحكومة" يقول مشاري العنجري: "لا أرى بوجود معارضة حسب المعنى المتفق عليه في الدول المتقدمة أو الحكومات الحزبية. فلا أحد يعارض نظام الحكم في الكويت وإنما نعارض فقط التقصير والفساد، وإذا ما سارت الحكومة على النهج الصحيح فلن يعارضها أحد فنحن جميعاً في قارب واحد". وعلى رغم كثرة الاولويات في برامج النواب الجدد الا ان قضيتين تتصدران، هما الامن والاقتصاد، وهناك علاقة حميمة بينهما، ويقول رجل أعمال كويتي يعمل في مجال التنمية العقارية وطلب عدم ذكر اسمه : "أسعار الاسهم والعقارات في الكويت مبالغ فيها، ولا تعبر عن القيمة الحقيقية لها ولكنها مقبولة بحكم قوانين العرض والطلب، ولا يتضح ذلك الا عند حصول الازمات الامنية فتنخفض قيمة المبنى من مليون دينار الى مئة ألف من دون الامن لن يبقى في الكويت شيء ذا قيمة غير البترول". ويأمل اسماعيل الشطي بشبكة دفاعية تحمي سماء الكويت وأرضها "حتى نتعلم من اعدائها كاسرائيل". غير انه يرى أن الاتفاقيات الامنية التي وقعتها الكويت مع الدول الغربية غير كافية لحماية البلاد "لأنها مرتبطة بالاستراتيجية الغربية التي هي دائمة التغيير، فلقد تغيرت الاستراتيجية الاميركية خلال الاربعين سنة الماضية 4 مرات". ويريد الشطي من المجلس المقبل مناقشة الاتفاقيات الامنية الموقعة والنظر في بدائل اخرى وحددها على الشكل الآتي: "اولاً يجب ان نفكر على المستوى المحلي بأن نجعل كلفة الاعتداء على الكويت عالية، وذلك بالاستفادة من اعدائنا كاسرائيل، خصوصاً في مجال التجنيد لتعبئة أكبر عدد من المواطنين في أقصر وقت ممكن. والبديل الثاني هو الخليجي ولا بد من الاخذ بالمقترح العماني لتشكيل جيش قوامه 100 الف جندي لحماية المنطقة والبديل الثالث إعلان دمشق، فلا بد للدول العربية الكبرى، كسورية ومصر، ان تقف مع دول الخليج عند الاعتداء عليها. والبديل الرابع هو الاتفاقيات مع الدول الغربية بعد مناقشتها والتعرف على تفاصيلها". يريد النائب المعارض عبدالله النيباري طرح الاتفاقيات الامنية في المجلس المقبل، اذ "ليس عندنا معلومات كافية عن هذه الاتفاقيات والاسلحة الموجودة والترتيبات الدفاعية". ويريد النيباري كذلك بناء "دفاع مشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي، فالحكومة الكويتية ليست وحدها التي تعمل بجد نحو توحيد القوة الخليجية، وانما سائر حكومات المنطقة". وقال النيباري ان ضعف البدائل المحلية والاقليمية لا يترك خياراً للكويتيين غير الاعتماد على الدعم الدولي "ولا ينبغي لأحد أن يلومنا على ذلك". ويتخوف النيباري من أن المجلس قد لا يستطيع الزام الحكومة باجراء تغييرات في الجيش والمؤسسة العسكرية، "فنحن لا نملك صلاحيات على الجيش ولكن نستطيع نقد الاوضاع فيه. والامير هو صاحب القرار الأخير في التعيينات في الجيش". أما النائب المحامي مشاري العصيمي، وهو مستقل ولكن يتوقع أن يكون من أعلى الاصوات المعارضة، فيركز على الامن الداخلي ويقول: "ليست لدي خطة أقترحها لعلاج قصور الامن الداخلي، إنها مسؤولية وزير الداخلية ويجب ان يقدم لنا خطة كاملة، ونحن نناقشها... إن السلاح في كل مكان والبيوت مليئة بالاسلحة بما في ذلك الثقيل منها". ولا يبدي العصيمي اقتناعاً كبيراً بخطط الدولة لبناء الجيش الكويتي، فيقول "ان اعادة بناء الجيش ما هي الا نموذج آخر للسرقة وتجار السلاح الذين تمتلئ بهم فنادق الكويت يقومون بعقد صفقات لا نعرف تفاصيلها ويجب علينا مناقشة هذا الملف مهما بلغت خطورته". ويضيف "ان كل عضو في المجلس ملزم دستورياً بحماية مال الشعب ويجب الا تكون هناك قضايا محرمة بحجة انها ستوتر العلاقة مع الحكومة". وفي ما يخص الاقتصاد الكويتي ينقسم الموضوع الى اتجاهين: الاول النظر في الماضي اي فتح ملف هائل وملغم يبدأ بالمديونية الصعبة التي تحملتها البنوك وكادت ان تؤدي الى كارثة اقتصادية لو لم تتدخل الحكومة وسط انتقاد شديد بانها "دفعت البلايين من الدينارات من اجل حفنة من الاثرياء". وبينما وجد معظم المرشحين في حملاتهم الانتخابية الموضوع مثيراً من اجل تحريك العاطفة المعارضة للحكومة اختلف عنهم جاسم الصقر واتخذ موقفاً مخالفاً للرأي السائد وهو ان "حقوق المودعين والمساهمين في البنوك تضمنها الحكومة وتحملها للمديونيات الصعبة من باب اخف الضررين". وهناك ملف الاستثمارات الكويتية في الخارج التي ارادتها الحكومة بديلاً آخر موازيا للنفط، غير ان عائداتها لم تتجاوز حدود 5 في المئة. والملف الاكثر تعقيداً هو مصروفات مرحلة الغزو والتحرير. ويتخوف النواب من ان فتح هذه الملفات سيؤدي الى اغراق المجلس بقضايا قديمة وتكبيله بها، لذلك يقترح نواب الحركة الاسلامية الدستورية وجاسم الصقر وصالح الفضالة وغيرهم تشكيل لجان برلمانية لمناقشة هذه المسائل الشائكة. اما مستقبلاً فيكاد النواب ان يجمعوا على ضرورة وضع خطط تنموية للكويت وتطوير الخدمات واحكام الرقابة على البنوك والمال العام ويقول الشطي: "كانت الثروة البشرية هي مصدر الدخل الرئيسي للكويت قبل النفط ويجب ان نعود الى ذلك، فالنفط آيل الى النضوب وكاد ان يحترق، لذلك اطالب بخطة طويلة الامد تصل الى 50 عاماً للاعتماد على الطاقة البشرية المبدعة من خلال خطة تنمية شاملة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً".