عرف معرض "الالبسة الجاهزة النسائية" لربيع وصيف 1993 الذي عقد منذ ايام في باريس اقبالاً كبيراً من محبي الاناقة من فرنسا وخارجها، حيث اعتبره بعض المتابعين بأنه "نصر على الكساد العالمي" للتنوع في التصاميم والالوان والاكسسوارات التي عرضت فيه اضافة الى "الطلبيات" الكبرى التي دوّنتها مفكرة الشركات العارضة من قبل تجار الجملة من الداخل والخارج. "الوسط" حضرت هذا المعرض وعادت منه بالتحقيق الآتي: كانت "القطارات" الصغيرة البيضاء الملونة تتوقف عند مدخل معرض "الالبسة الجاهزة النسائية" لربيع وصيف 1993 في منطقة "بورت دي فرساي" في باريس، وتنتظر الزوار من كل بلد لتحملهم الى المدخل الرئيسي وتعود بهم منه. مهرجان جميل داخل القطار وعجقة على مقاعده مع صوت السائق وراء الميكروفون يطلب الاسراع بالجلوس وينذر ببدء الانطلاق، تماماً كما يحصل في مدينة "والت ديزني" الباريسية وحيث تتجول القطارات في شوارعها وتترك للمتجولين مجال التمتع بنسخة المناظر الاميركية القادمة من بلاد العم سام. رواح ومجيء، لكن ليس للمتعة حقاً، بل لتسهيل تنقل القادمين الى المعرض من تجار واهل صحافة واعلام، وتنظيم زيارتهم على افضل وجه ممكن. ذلك ان مساحة المعرض بطوابقه الثلاثة شاسعة. يضاف الى ذلك وجود معارض اخرى للالبسة الرجالية والولادية في المنطقة ذاتها. وحققت ادارة المعارض افضل الظروف للناس لتحقيق مهامهم، فكان تحت تصرفهم، عدا القطارات الصغيرة للتنقل الداخلي، سيارات وباصات مكيفة تنقلهم الى وسط باريس ومطاراتها. الجولة طويلة، والتوقف عند كل جناح لابد منه، ولو لحظات. كل جناح يحمل رقماً واسم صاحبه وساعة تشير الى الوقت الذي سيجري فيه العرض. بعض العارضات كن يتجولن بين الممرات وعلى قاماتهن ازياء الربيع والصيف المقبلين واسماء المبتكرين. الجهد كبير لاتاحة الفرصة للالمام باتجاهات الموضة الربيعية والصيفية بأقل ما يمكن من الساعات خلال ايام المعرض الخمسة. وعدا الاجنحة التقليدية لكبار المصممين المعروفين، فقد خصصت اجنحة في الطابق الثالث من المعرض تجمع المبتكرين من الشباب تحت عنوان "القرية". ويجمع هذا العنوان "المشاغل الشابة" او مصانع الالبسة المبتدئة في هذه المهنة التي تجهد نقابة الازياء الباريسية في دعمها وتشجيعها. تطل القامة الربيعية والصيفية متجددة في النعومة والحساسية. التفصيلات مدروسة ومستوحاة من التيارات "الاجتماعية - الثقافية" التي يعيشها العصر: حماية البيئة، والمياه العميقة، عالم الفلاحين او حديقة العالم، الاسفار او الارض البعيدة، المدينة او عالم العمل، السينما في الخمسينات والستينات والايطاليات الجميلات. التغيير في القامة شامل. والواجهات تعرض ازياء منحدرة من المفاهيم الثقافية الاجتماعية الخمسة المذكورة. وتأكيداً على هذه الاتجاهات، فقد ابتكرت خمسة عطور جديدة تماشي ازياء الربيع والصيف 1993 حملت الاسماء التالية: المياه العميقة بزرقتها الداكنة، حديقة العالم، الارض السعيدة، الحواضر الحديثة، الايطاليات الجميلات او الجداول الرائعة. وكي تكتمل جمالية القامة قدم الياباني "شو امورا" ماكياجاً يناسب كل اتجاه من اتجاهات الموضة الخمسة. وشو الذي تحمل مؤسسته التجميلية العالمية اسمه هو فنان تجميل النجوم العالمية الهوليوودية واليابانية والاوروبية. ونظريته في التجميل هي ان الماكياج يجب ان يكون خفياً، ما عدا المسرح والسينما، والا فالخطأ يكون فادحاً. يضاف الى ذلك عنصر هام من عناصر اكمال جمالية الموضة للالبسة النسائية الجاهزة التي تلوح للعام 2000 بقوة وثبات اللغة النسائية المتحررة من التقاليد. انه عنصر الاكسسوار من الاساور والعقود والزنانير وصولاً الى الحذاء. والمبتدئون في عالم الموضة بعثوا بمبتكراتهم، كما فعل الكبار، الى القامات الربيعية والصيفية. دانييل هشتر وكنزو وشارل جوردان كانوا الى جانب المبتكرين الشباب: ايف ريدو، لالاند وكولان، لوران غييو، لور وسيلفان مولييز، بحيث تستطيع كل امرأة ان تجد ما يناسبها بين مئات الاكسسوارات الرائعة والحالمة الربيعية والصيفية. ازياء البيئة في مجلة "موضة فرنسا"، كتبت جاكلين دانا في العدد الذي صدر بمناسبة معرض ربيع وصيف 1993 "... انها موضة مثيرة، غريبة جداً، قادمة من البيئة وتتطلع الى امرأة العام 2000. ان نجاح موضة الالبسة الجاهزة النسائية الربيعية والصيفية يعود الى حسن الاصغاء للمرأة وترجمة رغباتها عبر الازياء التي تناسب شخصيتها الواقعية الحديثة. لقد دخلت موضة الازياء الجاهزة في العصر كعمل اجتماعي لابد منه". وفي المجال ذاته استأثرت محاضرة دانييل دي دييسباخ المديرة العامة لمكتب "بروموستيل"، اي ما يتعلق بترويج خطوط الموضة وانجاحها، باهتمام الحضور اوائل الصيف الماضي، في المركز الثقافي السويدي في باريس. قالت دانييل "ان القرن الواحد والعشرين سيكون قرن البيئة او لا يكون ذلك مطلقاً". ودانييل تعمل منذ سنة تقريباً على تطبيق افكارها البيئية في حقل الموضة. ويبدو ان ازياء الربيع والصيف الجديدة ستغير من عبوس الموضة الشتائية التي سبقتها في التركيز على قامات الانيقات. فهي تركت اللون الاسود يرحل الى مجاهل النسيان، وارتدت كل ما يثير الفرح ويفتح الشهية نحو التغيير: أزهار استوائية، الوان "حامضية"، مائيات بتفرعات زرقتها وخضرتها المنعشة، مفرقعات نارية بمشتقاتها وانوارها الباهرة، لعب بهدوء مع معطيات الطبيعة الواناً ومادة ضمن اطار "الرجالية الجديدة" وفي اسلوب موضتها الرصينة والانيقة، انثوية في التفاصيل وفي الماكياج المرافق. وكل ذلك يحمل الملامح البيئية والريفية الفلاحية والعناية الحرفية في الخياطة. ينتصر "الطبيعي" في موضة "الارض البعيدة" بحالته الوحشية والوانه المكللة بالغموض. براءة وضياء. قامتها ترتاح على الابيض والعاجي من قماش مخرّم كالدانتيل مأخوذ من الارض، من اجوائها الصافية، لكن دون تنازل عن الفخامة والشياكة والفذلكة، مما يعيد اجواء الماضي القريب في البلاد البعيدة من الشرق الاقصى: الهند الصينية اثناء الاستعمار، والهند، وافريقيا. من هذه الاصقاع التي حققت الحلم، نظراً لسهولة المواصلات ووسائل الاعلام، كان استيحاء اقمشة يستعملها ويصنعها اهل البلاد الاصليون. من الكتان الى القطن الى النسيج الوحشي الارستقراطي في آن معاً. والى تفصيلات مريحة يتألق فيها الجسم بكل حيوية وجمال طبيعي ويعيد الى صاحبته عهد انوثة كادت تغيب في لهاث العصر والعمل. ويضاف الى الكتان والقطن قماش الحرير الطبيعي بفطريته المطلقة وقماش "الشانتونج" اللامع الذي كاد يأوي الى طيات النسيان في متاحف الاقمشة العالمية. والى جانب هذه الانواع تطل الاقمشة المسترخية والطرية برأسها على موضة الربيع والصيف، من نوع الشبكة والكريب والمجعد، حاملة رسوماً محلية بحتة وحيوانية، افريقية واندونيسية مجردة وبدائية. تفصيلات هذه الموضة واسعة دون انتظام في الخطوط. جاكيتات صحراوية اي بأكمام قصيرة. "تايورات" كاملة من النوع نفسه، تنانير وقمصان وبنطلونات واسعة واثواب طويلة وجيوب ملتصقة كبيرة وجلابيب شرقية. وتمتاز هذه الازياء بملحقاتها التزينية الملفتة للانظار كالزنانير والعقد بالشرائط، لعبة التعاكس في خياطة الثوب، والخصور المنزلقة عبر التفنن بزينتها. وتزداد هذه الازياء بهرجة بالعقود والاساور والاقراط من قرون الحيوانات والخشب والاصداف والمعادن والبرونز. ومن "الارض البعيدة" الى "المياه العميقة"، التي قال اهل الفن والابتكار فيها "ان الرطوبة والنداوة في قلب صيف حار وحارق مطلبان يقودان الى الحلم بالجزر والبحار. واجمل الجزر هي تاهيتي، وفتياتها الفطريات يزيّنَّ الشواطئ بألبستهن الفولكلورية والخلاخيل تحصر اقدامهن الحافية. ايضاً جزر فيدجي والبهاماس والبورا بورا وصولاً الى المتوسط بجزره اليونانية والايطالية، والى كورسيكا وشمال افريقيا وبلدان اخرى شرقية تطل عليه. البحار الزرقاء الغامقة والعميقة واللاحدود لامتدادها التي تضم الاسماك من كل نوع ولون والاصداف ومشتقاتها من الثمار البحرية. من هذه كلها امكن استيحاء ازياء صيفية تلغي الاحساس بشدة الحرارة وتلعب لعبة الشفافية في الوانها المحاكية لألوان تموجات المياه وتلاعب اسماكها وثمارها الجميلة". الازرق الغامق اذاً هو سيد اتجاه موضة "المياه العميقة" المفعمة بروح ما وراء البحار والشوق الى الصيف. انها موضة تجمع فولكلور الجزر الباسيفيكية والهندية بالخضرة وتموجاتها بلون الماء وتفرعاته، بتكسر الكريستال وشفافيته، بانجذاب نحو اعياد الازهار وابتسامات الحيوانات البحرية المغرورة بغرابة الوان حراشفها. باختصار، هي الزرقة والزمردية والخضرة والطحلبية والشمسية وما شابه تشققاتها البرتقالية والبنفسجية والصفراء والحمراء. وفي اقمشة طرية شفافة لامعة من نوع "الفيسكوس والستريش والساتان والحرير" بخطوط مقلمة ورسوم مزهرة وتطريزات اسماك واصداف وخضار وثمار وموزاييك. وذلك في موديلات تلتصق بالجسم وتطول عبر البنطلون والثوب والتنورة. الحواضر الحديثة بعد البحار العميقة والحلم يكون الوصول الى الواقع العملي في موديلات "الحواضر الحديثة". ومن العنوان يقرأ الكتاب. فالموديلات هنا هي لامرأة تقود حياتها كالرجل، لكن بجاذبية انثوية لا تتخلى عنها. امرأة تشبه غريتا غاربو وكاثرين هيبورن ومارلين مونرو في اناقة الخمسينات والستينات. ترتدي الطقم الرجالي - النسائي وتسترخي فيه كي تؤدي متطلبات عصرها الذي يلوح بابتسامة عريضة لقدوم العام 2000. وتضع "التايور" النسائي التقليدي الجدي ايضاً، ومعه قميص ابيض شفاف انثوي جداً تقف تحت ياقته عقود مناسبة ويضحك وجه صاحبته على مسحة ماكياج ظاهرة تعدل من خشونة الموضة المختارة الى حد ما. الوان كحلية بحرية ورمادية مخضرة وتقليمات القماش الرجالي ونوعيته من "الكريب والكبردين". وحين كانت مارلين مونرو تترك "تايوراتها" جانباً فلكي تتألق من جديد في ثوب - معطف او في "الثوب - الشازوبل" وهو من نوع الثوب بلا كمين واسع الياقة من الاعلى ويسمح لقميص حريري جميل في ان يأخذ مداه تحته. وتتوزع الوان هذا الاتجاه العملي العصري بين النحاسي والخوخي والكحلي والاسود والابيض والرمادي الفضي والاسمنتي والاخضر والحامضي المائل كلاهما الى اللون الدخاني والزهري الخشبي. "الايطاليات الجميلات" اتجاه رابع ينصب في قائمة صوفيا لورين وجينا لولو بريجيدا وسيلفانا ومن شابههن في عصرهن غير البعيد عن الستينات. واناقة النجوم هذه لاتزال معروفة وتستعاد في الاوقات الاحتفالية المناسبة. فهي تنطلق من "الشياكة" المطلقة بتشابه مع نبتة جميلة وحشية تجذب العيون اليها وهي تتباهى في حديقتها. اساس هذه الموضة "الدانتيل" والقماش الرقيق المغطى برسوم الطبيعة الضاحكة والخطوط المطرزة ومن نوع "الستريش والكريب والحرير والاورغنزا والجرسيه". اثواب الشمس وتنانير المظلات والبنطلونات الضيقة كالسيجارة وقمصان واسعة. ألوانها زهرية وبنفسجية وفستقية وزمردية وبرتقالية وخسّية وما شابه، وكثير من المجوهرات ترافقها وفق الزمان والمكان، بين النهار والليل وحفلة غداء او عشاء. آخر ما يجمع ويفرق بين هذه وتلك هو الاتجاه الخامس في الموضة الربيعية والصيفية الملوحة بتباشير نزولها الى الواجهات بعد حين. ويحمل هذا الاتجاه عنوان "حدائق الموضة". وكما يدل العنوان على المضمون، فهنا عجقة من الثمار والخضار وسلال محشوة بباقات السنابل، تعكس جميعها "الروح الريفية الفلاحية". والخيال هنا مسموح به لأبعد حدّ، لأن لا حدّ للتصور الجمالي في حدائق مليئة على سجيتها بكل ثمر وزهر وخضار. وبعض هذه يرتاح على الألبسة برومانسية وبراءة وأصالة. نداء للنعومة ورغبة في البساطة وحاجة كبرى للطبيعة. ما يقال في الألوان الآتية من الحدائق لا يحتاج الى تعليق. الازرق في "الجينز"، الاحمر والترابي والبنفسجي والزعتري والكحلي والبيج وعليها ازهار من كل نوع وثمار من كل تكوين. وعلى أقمشة قطنية ومن "البوبلين" والكريب والفيسكوس المرجرج كثير من التقليمات والمربعات تناسب بساطة التفصيلات في التنانير الواسعة والاثواب الحالمة في مظهرها الريفي الساذج. جاءت نتيجة المعرض نجاحاً كبيراً لهذه الاتجاهات الجديدة التي ستغير من وجه الربيع فتجعله اكثر نضارة مع ابتسامات انيقاته، وتبدل من أجواء الصيف برومانسية الألوان القادمة من اعماق المحيطات ونشوة الجزر على سطحها، بحيث يصبح الانسجام بين البحر والرمل وخضرة الطبيعة وأزهارها غاية من الجمال على هياكل الانيقات اللواتي يتنافسن دائماً على الاجمل.