لو ان اتهام ايران بالوقوف وراء مؤامرة لقتل السفير السعودي في واشنطن صدر عن ادارة بوش، لقلت فوراً إن المؤامرة اميركية لتبرير ضربة عسكرية تستهدف الانشاءات النووية في ايران، إلا ان التهمة صدرت عن ادارة اوباما، وهذه على رغم ألف مأخذ لي عليها لا تسعى الى حروب خارجية، وإنما تحاول الخروج من الحروب التي ورثتها عن الادارة السابقة. ايضاً التهمة أعلنها شخصياً المدعي العام اريك هولدر، اي وزير العدل، وقرار الاتهام كان في 21 صفحة، والتفاصيل منشورة بالاسماء والتحويلات المالية، فلا يبقى إلا ان نعرف هل المؤامرة التي كان يحتمل لو نفذت أن تشمل قتل عشرات الاميركيين في مطعم وأهدافاً اسرائيلية، من تدبير فريق صغير متطرف في قوة القدس، وهي واحدة من خمسة فروع للحرس الثوري، او ان مستويات اعلى في النظام تقف وراء الخطة. ايران نفت بشدة اي علاقة لها بالمؤامرة المزعومة. وأستبعد كثيراً ان تكون لآية الله خامنئي علاقة بالمؤامرة، او ان يكون الرئيس محمود احمدي نجاد على معرفة بها، وإنما أرجّح إن صحت الرواية الاميركية ان تعكس المحاولة انقسام القيادة الايرانية، وقيام مراكز قوى منشقة نتيجة التجاذب بين اجنحة متطرفة وأخرى اكثر تطرفاً، فلا فريق معتدلاً في النظام الايراني الحالي. القيادة الإيرانية تظل مسؤولة حتى اذا لم تقف مباشرة وراء مؤامرة تبدو وكأنها من صنع الخيال، حتى ان رئيس «اف بي آي» وصفها بأنها تشبه سيناريو فيلم من هوليوود، ووزيرة الخارجية الاميركية قالت ان لا احد يستطيع اختراع مثل تلك القصة، والناطق باسم البيت الابيض اعترف بأنها جريئة في شكل غير مألوف، كما أن كاتباً ليبرالياً اصر على انها كذب في كذب. اذا كان لي ان ازيد على ما سبق، اقول ان ثبوت المؤامرة لقتل السفير عادل الجبير على فريق من داخل النظام الايراني يعني ان هذا النظام قدّم رأسه على طبق من فضة للادارة الاميركية وإسرائيل... او بكلام آخر ان اعداء ايران لا يجدون عذراً كافياً لضربها، فيأتي النظام الايراني ويقول لهم: لا تبحثوا عن عذر انا سأوفره لكم بنفسي. والتهديدات الاميركية التالية دليل كافٍ. والسفير الجبير (مرة اخرى اذا صحت الرواية الاميركية) لا يمكن ان يعتبر مستهدفاً لشخصه، فهو ديبلوماسي محترف ينفذ سياسة بلاده ولا يصنعها، وإنما المستهدف هو المملكة العربية السعودية مع اشتداد التنافس الاقليمي على النفوذ كما نرى في البحرين وسورية، ومحاولات ايران بسط سيطرتها على الخليج، وهو طموح مستحيل، فالشيعة من المسلمين جميعاً لا يتجاوزون عشرة في المئة، وهم ايضاً عشرة في المئة من المسلمين العرب. التحالف الجديد بين مصر وتركيا يعني كتلة اقليمية من 150 مليون مسلم سنّي في وجه 70 مليون شيعي ايراني، واذا زدنا السعودية على هذا التحالف، ودول مجلس التعاون الاخرى، فهناك تجمع يضم اكثر من 200 مليون مسلم سنّي في وجه ايران. تقسيم المسلمين بين سنّي وشيعي وسلفي وعلماني وغير ذلك حلم اسرائيلي، والنظام الايراني بطموحاته المستحيلة ونزوعه الى العنف يخدم اعداء المسلمين من حيث لا يدري، او من حيث لا يريد ان يدري. التهمة اعطت الأعداء فرصة لاتهام «حزب الله» وحماس بحكم العلاقة مع ايران، وأقول للمرة الالف ان عندي ألف اعتراض على انغماس «حزب الله» في السياسة اللبنانية الداخلية، وعلى انفصال حماس في قطاع غزة، الا انني اقول للمرة الالف ايضاً ان «حزب الله» وحماس حركتا تحرر وطني في وجه الارهاب الاسرائيلي، وانهما ما كانتا وُجدتا اصلاً لولا هذا الارهاب والاحتلال وقتل الشيوخ والنساء والاطفال. انصار اسرائيل، اي الشركاء في جرائمها، صدّقوا المؤامرة فوراً، وأخذوا يشيرون الى اعمال ارهابية سابقة نسبت الى ايران وحلفائها مثل قتل ديبلوماسيين سعوديين ورجل اعمال في تايلاند، وقتل اربعة ايرانيين في مطعم في المانيا، وتدمير مركز يهودي في بوينس ايريس، وانفجار مقر للجنود الاميركيين في الخبر قتل فيه 17 اميركياً ونفذه «حزب الله» السعودي الايراني. غير ان العمليات السابقة كلها تعود الى تسعينات القرن الماضي، فهل قرر النظام في طهران استئنافها الآن انتقاماً من قتل اربعة علماء نوويين ايرانيين في السنوات الاربع الاخيرة. وإن كان هذا صحيحاً، فما ذنب عادل الجبير او السعودية في الموضوع؟ ثمة اسئلة كثيرة اخرى تنتظر جواباً مقنعاً.