انطلاق فعاليات مهرجان الأسماك الأول بمركز القحمة    «الإحصاء»: ارتفاع مؤشر الأنشطة النفطية 3.8%.. و«غير النفطية» 2.4%    فن "صناعة الأبواب والنقوش الجصية" لا زال حاضرًا في الذاكرة    استشهاد 19 فلسطينيًا في غزة    «كارثة كاليفورنيا» تلغي رحلة بايدن.. الأخيرة    انطلاق الجولة ال14 من دوري روشن السعودي للمحترفين.. اليوم    النفط يهبط مع مخاوف الطلب وارتفاع الدولار والتركيز على سياسات الطاقة القادمة    افتتاح شارع الخليفة عمر بن الخطاب بالدمام    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    وفاة رجل بسرطان من تبرُّع.. هل تنتقل الأمراض النادرة عبر عمليات الزرع ؟    وزير الخارجية يبحث المستجدات مع نظيريه الإسباني والبريطاني    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    تدشين مشروع مراقبة وضبط مخالفات مصادر المياه واستخداماتها    المحاولة ال13.. هل ينجح لبنان اليوم ؟    مشعبي يطالب بإيقاف أفراح «الكأس» والتركيز على «الدوري»    15 ظاهرة جويّة حادّة شهدها العام 2024    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    النقش على الحجر    وزير الطاقة ونظيره الهيليني يترأسان اجتماعات الدورة الأولى للجنة الطاقة بمجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي الهيليني    من أنا ؟ سؤال مجرد    الأردن: السجن ل 3 متهمين في قضية «حج الزيارة»    الاتحاد يصطدم بالشباب.. والقادسية يواجه الرائد    هوبال    ولي العهد عنوان المجد    ما ينفع لا ما يُعجب    رابطة العالم الإسلامي تُدين وترفض خريطة إسرائيلية مزعومة تضم أجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا    345.818 حالة إسعافية باشرها "هلال مكة" 2024    تعزيز التعاون السياحي السعودي - الصيني    بلدية محافظة الشماسية تكرّم متقاعديها تقديرًا لعطائهم    أمانة مكة تعالج الآثار الناتجة عن الحالة المطرية    بيئة الجوف تنفّذ 2703 زيارات تفتيشية    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    طالبات من دول العالم يطلعن على جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    برشلونة يتأهّل لنهائي كأس السوبر الإسباني على حساب أتليتيك بلباو    67 % ضعف دعم الإدارة لسلامة المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينجح في استئصال جزء من القولون مصاب بورم سرطاني بفتحة واحدة    2.1 مليون مستفيد في مستشفى الملك خالد بالخرج    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل حملة "التوعية باللعب الالكتروني الصحي"    الاتحاد والهلال    الاتحاد يوافق على إعارة "حاجي" ل"الرياض" حتى نهاية الموسم    أمير المدينة يطلع على مشاريع تنموية بقيمة 100 مليون ريال    تحرير الوعي العربي أصعب من تحرير فلسطين    التأبين أمر مجهد    قصة أغرب سارق دجاج في العالم    إنتاج السمن البري    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    دكتور فارس باعوض في القفص الذهبي    على شاطئ أبحر في جدة .. آل بن مرضاح المري وآل الزهراني يحتفلون بقعد قران عبدالله    المملكة تتصدر حجم الاستثمار الجريء في عام 2024    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    المنتخب الجيد!    اطلع على إنجازات معهد ريادة الأعمال.. أمير المدينة ينوه بدعم القيادة للمنظومة العدلية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    يهرب مخدرات بسبب مسلسل تلفزيوني    أمير المدينة يتفقد محافظة العيص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العازفة الأندلسية
نشر في الحياة يوم 12 - 02 - 2013

قالت لي: مَلَلْتُكَ! وانصرفت إلى عمَلِها متأففة من انشغالاتي في القراءة وملاحقة الجديد مما تخرجه المطابع والمكتبات!
- مَلَلْتُكَ!
- مَلَلْتُكَ!
غدتْ أغنيتي ذلك المساء، فخرجتُ إلى البحر باحثاً عن عزف يليقُ بحالي التي آلت إلى حال عانسٍ فاتَهَا موعدُ الرحلة! البحر يكتنز بالأسرار، والمكوث أمامه يجعلني أتساءل عمَّا يخبئه من كنوز، معهُ لا أشعر بالملل! ولا أشكُّ في عطائه يوماً! هو صديقي الكريم والغامض! ليتني أُدرك نهايته الغربيَّة والغريبة! جلستُ بجانب مُسنٍّ يعزف على نايٍ موشحاً أندلسياً، جذبني بعزفِهِ الساحر، فأخذتُ أُرددُ الكلماتِ معَهُ، ابتسم لي وطرب فأطربني برائعة عربية:"جادك الغيث إذا الغيث هما * يا زمان الوصل بالأندلسِ"جاءت من الذاكرة من دون أن أشعر حينما سمعتُ الناي يستدعي ملامح الغياب، فكان غيثاً يهطل بحب أنثى باتتْ في ذاكرة الأوفياء والنبلاء!
لم أعد إلى منزلي، تسكعت قليلاً في سوق المدينة، فتذكرت أنني منذ زمن لم أعد أشتري ملابس جديدة، فقد كنت آلة صرَّافٍ لسنين طويلة من أجل أسرتي. دخلت دكَّانًا للملابس، فسألتُ البائع:
- من أين تأتون ببضاعتكم؟!
- من إسبانيا!
- تقصد الأندلس.
ضحكت امرأة أمام تعجّب البائع وابتسامته التي تُخفي جهله بالتاريخ، اقتربت مني، فقالت:
- نعم هي الأندلس وتسمى الآن إسبانيا.
- أعرفها جيداً ولكن أردت أن أ خ ب رَ هُ...
قاطعتني:
- تعرفها جيداً إذاً... هل لي بأن أدعوك للسفر معي غداً إلى إسبانيا؟
هالني جرأة امرأة لا أعرفها رمتْ لي طوقاً وتركتني معلَّقا أتأرجح بين جرأتها ورحلة الأسئلة الفارغة...
- ربما أنني تجرأتُ بطلبي منكَ السفر غداً!
- هو ذاك يا سيدتي.. فأنا لا أعرفكِ ولم نلتقِ قبل هذا اليوم!
أخذتني جانباً وهمست لي باللقاء خارج الدكان، وأنا تائهٌ بينها والبائع الذي عدتُ له دافعاً المبلغ كما أراد.
اتجهنا إلى مقهى قريب، فجاءت دمعة سفحتها على جرح ملتهب حين التقت النظرات، التقت الأرواح، فكانت تنداح على روحي بعزفها الحزين، فانساق قلبي نحو المطار في اليوم التالي، حتى وصلنا مطار مدريد، لننتقل بعدها إلى غرناطة، فكانت تسيرُ بي كعازفة من خلفها الجوَقَة. مكثنا يومين حتى نستطيع الدخول لقصر الحمراء واستنشاق عبق التراث وفضاءات الطبيعة الخلاَّبة.
هي ترى في عينيَّ أسئلةً وابتساماتِ الطفولة، فكانت كلما هممتُ بالسؤال عزفتْ على وترِ العشق الأندلسي، كانت تتحدث بطلاقة عن عبق الماضي الجميل، وتنتقل بي من معزوفة إلى أخرى من دون أن أشعر، حتى وقعتُ في أسرِ نُبْلِها وذكاءِ فطنتِهَا.
حينما حزمتْ حقائبها خشيتُ العودة، فأمسكتُ بيدين ناعمتي الملمس، والخوف يعقد لساني:
- وكأنَّكِ مللتِ الأندلس حينما حزمتِ حقائبك!
فقالت بأن الطريق طويل طالما أنهُ رُصِفُ بحجرِ العشَّاق:
- وما حجرُ العشَّاق؟!
التفتْ إليَّ بسهمٍ لعين أصاب فؤادي بالجواب، فتناثرت أسطورةَ الحجر، لتبني منزلها الأندلسي على عزفِ العاشقين، وأوتار الحبِّ، فنهضتْ تجولُ في الغرفة باحثةً عن العود الذي ابتاعته مؤخراً من طنجة بالمغرب، فعزفت الكثير من الموشحات التي أحفظها، فتشاركنا الغناء دون كلل أو تعب.
أعدَّتْ لي سهرة غنائية ذات مساء أندلسي، كانت تعزف وأنا أغنّي: أعطيته ما سألا... حكمته لو عدلا وهبته روحي فما... أدري به ما فعلا قلبي به في شُغلٍ... لا ملَّ ذاك الشُّغلا...
حتى أنكسرَ العود فجأة، وريشةٌ بيضاءُ تعرجُ إلى أعلى في فضاءٍ أندلسي جميل، فغدتْ كهالة الصبح أغنية خلَّدها التاريخ.
* قاص سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.