في مُحاولةٍ جادة لاستكشاف.. مَنْ نكون ومن نحن؟! سألت أحد العقلاء... يا تُرى مَنْ تَكون؟! أجاب بِسموٍ: أنا كائنٌ مُستأمنٌ عَلَى خِلافةٍ مُقدسة. فَعدت أسأله: إذن.. هل أتممت واجباتِكَ يا خليفةَ اللهِ في أرضه؟! أغشاه السؤال... فصمت طويلاً! فَقَالتْ إحدى المسترقات للسمع بُقربِنا بكِبرٍ صارخ: أنا بِنتُ مَنْ سَجدتْ لَهُ الملائكة. فَتذّكرتُ قولهم"... أتجعل فيها مَن يُفسدُ فيها وَيسفكُ الدماء..". وَلَمْ أرد عليها! لَمْ تُبهرني الإجابتين! ما أبهرني حقاً زُهدنا في الإرث"الواجب" الذي أعطينا إياهُ تَكليفاً قبل كَونهِ تَشريفاً عاد لي ذاكَ العاقل سائلاً: ومَنْ تكونين أنتِ بِرأيكِ؟ وأجبته: وأنا كائن يَأخذ المواثيق على نفسهُ كُلَّ ليلةٍ أن يكون إنساناً بِالغدِ الذي سَيكون مُختلفاً ومغايراً بإنسانيته كائن قَطعَ عهداً عَلَى نفسه ألا يَلعن الغُراب أبداً فَهو أستاذه الأول الذي شَهد عظيم جَشعه وحسده! تقع.. فتقف فتعود لتقع فتقف.. ينهرك صوت ملء إزعاجك فيقول ماذا بعد!! تهم لفتح جهاز التلفاز فتتذكر أن إبهامك لا يتوقف كل ليلة عن الضغط على جهاز التحكم، فلا شيء يعجبك.. تجلس مع أقاربك في اجتماع عائلي، وتبدو كأن القصص والأحاديث سمعتها للمرة الألف.. تسجل دخول"التويتر"فتتوقع أن فلاناً سيكتب نثراً ينهيه بشعر وسيرد عليه أحدهم بوردة أما الآخر فسيرد بنكتة، ثم سينشغلون في جدل لا علاقة له بأي شيء!! تهم لمشاهدة فيلماً لممثلك المفضل، وبينما أنت في قمة استمتاعك تفكر بأنه في الحقيقة يمثل وبأن عدداً من الأشخاص يقفون أمامه هذه اللحظة، وبأنه في النهاية شخص يمارس مهنته!! أنْ تُمارس إطباق فمك طَواعيةً، هيَّ حُريةٌ تُشْعِركَ بِالرِضا قَدْ لا تَكون محقاً في تِلكَ المُمارسة، وَقَدْ تَكون في نهاية المطاف هو نهج اتَخذتَهُ وتسلحت به نفسك، وَلَمْ تَفرضْهُ عَليكَ جِهةٌ تَكون في غالبِ الأحيانِ جائرة! هذا النوع مِن الإطباق يَكونُ أحياناً هُروباً مِنْ سَعيرِ الجدلِ مع عُقولٍ فارغة! وكلُّ ليلة تَهجع نُعلن توبتنا عَلى الوسادة! وَنوصد المواثيق مع أرواحنا وذواتنا علَى غدٍ مختلفٍ ولا يختلفُ الغد! وتسير الخطى ونعود من جديد لتخديرِ أنفسنا اللوامة كُلّ ليلةٍ بقطع ميثاق جديد لها بغدٍ لَنْ يأتي! أخشى ألا تسألنا من جديد! أخشى أن تموت بإحدى جرعات التخدير حينها يَفرُّ الأمل نهائياً في عودة الغد الضال! وَفجأة! يخيم الصمت! لِيُعلن فِرارَنا مِن حَقيقةِ تَقصيرنا وتَسويفنا! وفي النهاية... نَحنُ قد نكون نتشارك في أُمنياتِنا بالهروبِ، وَلكننا نَختلفُ في أسبابِ الهروبِ وَفي الجِهةِ التي نَنوي الفِرارَ إليها! حتى السطور أعلاه هي محاولة هروب فاشلة! * كاتبة سعودية.