تهرب الغرب، وعلى رأسه الولاياتالمتحدة الأميركية، من التدخل العسكري الخارجي لإنقاذ الشعب السوري المكلوم، على رغم تثبته من حقيقة المجازر والإبادة الجماعية التي يقوم بها النظام السوري ضد الأطفال والنساء كل يوم، ورفض تسليح الجيش الحر الذي يذود عن أهله وعرضه"بحجة أن فيهم إسلاميين متطرفين وإرهابيين ينتمون إلى"القاعدة"، وعدنا نسمع من جديد نغمة الإسلام المتطرف والقاعدة، وربط مصطلح الإسلام بالإرهاب. الحقيقة أن قضية ربط الإرهاب بالإسلام ليس جديداً"فما أن بدأت المرحلة التي تلت انهيار"الشيوعية"، حتى انبرت بعض الدول الغربية معلنة"تعريب"، أو"أسلمة"الإرهاب، وأخذت طبول أجهزة إعلام هذه الدول تطبل لنظرية"صموئيل هانتيغتون"، المسماة"صدام الحضارات""وبدأ الترويج لظاهرة"الإسلام فوبيا"، التي تعني الخوف من انتشار الإسلام في العالم. ولا يكاد يخلو اجتماع أو مؤتمر عالمي غربي أو شرقي إلا وعلى رأس بنوده مكافحة الإرهاب، وفي معظم الأحيان، حال فشل هذه القمم، تخرج مقرراتها بأن المجتمعين قد اتفقوا على مكافحة الإرهاب، التي تعني بالضرورة، الحركات الإسلامية في العالم عموماً، والإسلام السنّي خصوصاً، أما المنظمات الضالعة في صميم الإرهاب فلا يجرؤ أحد على فتح ملفها مهما فعلت، كالحركات الدينية اليهودية المتطرفة في إسرائيل، مثل: حركة كاخ، وكاهانا، والعشرات مثيلاتها"وحركتي مانويل رودريغو، ولاوتارو في تشيلي"وجبهة مورانزانيست في هوندوراس"وجيش التحرير الكولومبي"ولجنة نستور باز زامور في بوليفيا"وحركتي الدرب المضيء وتوباك أمارو في البيرو"وحركة نمور تاميل إيلام في سيريلانكا"وحزب كمبوشيا الديموقراطي في كمبوديا"ومنظمة الباسك الإسبانية"ومنظمة الألوية الحمراء في إيطاليا"ومنظمة الجيش الأحمر المنتشرة في اليابان وألمانيا والكثير من البلدان"وطائفة"أووم شيزيكيو"اليابانية"والمافيات الروسية والإيطالية بأشكالها المختلفة. وهذا غيض من فيض. لقد أصبحت كلمة"الإرهاب"ملازمة"للإسلام"فقط، وغُضّ الطرف عما سواه، ولكن الانتقاء، أو الاستثناء في تعريف الإرهاب يهز صدقية دول العالم الغربية برمتها، فقد استثنت الولاياتالمتحدة الجيش الجمهوري الإيرلندي من خططها في مكافحة الإرهاب، بل واستُقبل رئيس الجيش الجمهوري الإيرلندي استقبال الرؤساء في الولاياتالمتحدة الأميركية قبل أعوام. قال راين جنكز، خبير الإرهاب الدولي: إن تعريف الإرهاب يجب ألا يستثني ديناً ولا عرقاً ولا جنسية ولا كياناً ما. وعرّف فقهاء القانون الدولي العام في اتفاق فيينا الإرهاب بأنه:"كل مسلك عدواني من جماعات متعددة تعمل منفردة، أو مشتركة بالتعاون بينها، ضد كل الناس، في مواقع متعددة لتحقيق أهداف غير نبيلة". ونشرت دار لافوزيل في فرنسا قبل أعوام عدة"موسوعة الحركات الإرهابية"، وذكرت الموسوعة أن نسبة الجرائم الإرهابية في القارة الأميركية لوحدها تعادل 80 في المئة"أما نسبتها في أوروبا فهي 11 في المئة"أما ال 9 في المئة الباقية فموزعة على بقية دول العالم، وأحصت الموسوعة آلاف المنظمات والحركات الإرهابية في الولاياتالمتحدة وأشهرها: ميليشيات ولايات فلوريدا، وإيداهو، وإنديانا، وميتشيغان، وميسوري، ومنتانا، ومنظمة كوكلاس ولها 98 فرعاً"واللجنة الأميركية الأولى"والحزب النازي الأميركي"وحزب الشعب الآري وله 18 فرعاً"ومحاربو الحرية البيضاء"والجيش الثوري الأبيض"وزمالة مسيحيي المستقبل"وعصبة الدفاع المسيحي"واتحاد حقوق البيض"وجمعيات أصحاب الرؤوس المحلوقة ولها 35 فرعاً"والاتحاد القومي لتقدم البيض وله 9 فروع"والجمعية الدولية الانفصالية ولها 3 فروع"وجمعية عيسى المسيح ولها 5 فروع"وجمعية الخالق ولها 4 فروع"والمقاومة البيضاء"وأنصار الإنجيل"وحزب الله"والحزب الثوري الآري"والنازيون الأميركيون"وفرسان الليل"والجبهة الانفصالية"والتحالف ضد الأجانب"وحزب العمل الأبيض"والجبهة المعادية للخطر الملون"والمليشيا البيضاء"والإخوان المتمردون...وهلم جراً. إن نسبة أهل السنّة في سورية 80 في المئة"لذلك لا يخفى على كل ذي لب تغليب الصبغة الإسلامية السُّنِّيَّة للثورة التي قامت ضد الطغيان الطائفي، فمعظم المظاهرات تنطلق من المدن والقرى ذات الغالبية السُّنِّيَّة، مثل: درعا، وحماة، وحمص، وإدلب، ودير الزور، وغيرها من المدن والقرى. كما أن معظمها ينطلق من المساجد، والكثير من الشعارات التي رُفعت تحمل الطابع الإسلامي السني، مثل"الله أكبر"، و"لن نركع إلا لله"، و"على الجنة رايحين شهداء بالملايين"، بل لقد أجلت تلك المظاهرات بوضوح علو كعب العلماء وأئمة المساجد في التأثير في شبابها، كما أن معظم التنسيقيات تعبر عن التكتلات الإسلامية، سواء من خلال تأطيرها، أو من خلال عناوين صفحات"فيسبوك"، مثل"شام الرسول"، و"أرض المحشر"، وما يؤكد هذا الطرح أيضاً قلة وندرة عدد الذين شاركوا في تلك المظاهرات من باقي الأديان والطوائف، بل إن السويداء ذات الغالبية الدرزية، والسلمية ذات الغالبية الإسماعيلية، لم تقم فيهما إلا مظاهرة واحدة أو اثنتان"ثم بعدها لم نعد نسمع لهما حراكاً ثورياً أبداً، ناهيك عن المدن والقرى في جبال اللاذقية ذات الغالبية العلوية، التي لم تقم فيها أي مظاهرة البتة"بل إن الإحصاءات الحقيقية أفادت أنه لم يقتل أي سوري علوي مناهض للنظام السوري منذ بداية الثورة. ما يؤكد أيضاً على طابع الصبغة السنّية للثورة أن النظام لا يقصف بالمدفعية والدبابات إلا المدن والقرى التي يقطنها السوريون من أهل السنّة"بينما نجد أن جبل العلويين، وجبل الدروز، ومدينة السلمية في منأى عن هذا القصف"بل إن الأحياء التي يقطنها غير السنّة في مدينة حمص وحماة لم تطلها قذيفة واحدة من جيش النظام منذ بداية الثورة. لقد استطاع النظام السوري بخبث استمالة بعض القوى الغربية بإقناعها بوجهة نظره، بأن من قام بالثورة ضده هم من"القاعدة"من الإسلاميين المتطرفين فقط، ويجب القضاء عليهم، كما فعل حافظ الأسد عام 1982 في مدينة حماة. إذ عمد النظام الشهر الماضي إلى تفجير بعض السيارات في مدينتي دمشق وحلب، واتهم"القاعدة"بارتكابها، وربما سينجح لاحقاً في إقناع المجتمع الدولي بإجهاض الثورة، بحجة أن القائمين بها من الإسلاميين المتطرفين وحدهم، بل وأعرب وزير الخارجية الروسي لافروف الأسبوع الماضي صراحة عن تخوفه من وصول السنة إلى الحكم في سورية. * باحث في الشؤون الإسلامية.