ما أن بدأت المرحلة التي تلت انهيار الشيوعية، حتى انبرت بعض الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الأميركية، ومن ورائها إسرائيل، معلنة"تعريب"، أو"أسلمة"الإرهاب... وأخذت طبول أجهزة إعلام هذه الدول تطبل لنظرية صموئيل هانتيغتون المسماة ب"صدام الحضارات"، وبدأت الترويج لظاهرة"الإسلاموفوبيا"التي تعني الخوف من انتشار الإسلام في العالم! وكل يوم نسمع أو نقرأ أن كلمة الإرهاب مربوطة بالإسلام فقط، ولا يخلو اجتماع أو مؤتمر عالمي غربي أو شرقي إلا وعلى رأس بنوده مكافحة الإرهاب، وفي معظم الأحيان، حال فشل هذه القمم، تخرج مقرراتها بأن المجتمعين قد اتفقوا على مكافحة الإرهاب، ولكن الحركات الإسلامية في العراق وفلسطين ولبنان ومصر والسودان ودول المغرب العربي والصومال والبوسنة وكوسوفو والشيشان والباكستان وأفغانستان وكشمير والفيليبين، والجمعيات والمنظمات الخيرية الإسلامية في العالم كافة هي فقط المقصودة بهذه التسمية، بل إن صدام حسين كان قد ألصقت به تهمة دعم منظمة"القاعدة"كذريعة لاحتلال العراق! أما المنظمات الضالعة في صميم الإرهاب فلا يجرؤ أحد على فتح ملفها مهما فعلت، كالحركات الدينية اليهودية المتطرفة في إسرائيل، مثل: حركة كاخ وكاهان، والعشرات مثيلاتها، وحركتا مانويل رودريغو، ولاوتارو في تشيلي، وجبهة مورانزانيست في هوندوراس، وجيش التحرير الكولمبي، ولجنة نستور باززامور في بوليفيا، وحركتا الدرب المضيء وتوباك أمارو في البيرو، وحركة نمو تاميل إيلام في سيريلانكا، وحزب كمبوشيا الديموقراطي في كمبوديا، ومنظمة الباسك الإسبانية، ومنظمة الألوية الحمراء في إيطاليا، ومنظمة الجيش الأحمر المنتشرة في اليابان، وألمانيا والكثير من البلدان، وطائفة"أووم شيزيكيو"اليابانية، والمافيات الروسية، والإيطالية بأشكالها المختلفة، وهذا غيض من فيض، ولم نرَ أن أميركا دخلت يوماً أراضي الدول التي فيها هذه المنظمات أو الحركات الإرهابية واحتلتها، بزعم القضاء على هذه الحركات! أصبحت كلمة"الإرهاب"ملازمة للإسلام فقط، وغض النظر عما سواه، وان الانتقاء أو الاستثناء في تعريف الإرهاب يهز صدقية دول العالم الغربية برمتها، فقد استثنت الولاياتالمتحدة الجيش الجمهوري الأيرلندي من خططها في مكافحة الإرهاب، بل واستقبل رئيس الجيش الجمهوري الأيرلندي استقبال الرؤساء في الولاياتالمتحدة الأميركية. قال راين جنكز، خبير الإرهاب الدولي:"إن تعريف الإرهاب يجب ألا يستثني ديناً ولا عرقاً ولا جنسية ولا كياناً ما، وعرف فقهاء القانون الدولي العام في اتفاق فيينا الإرهاب"بأنه كل مسلك عدواني من جماعات متعددة تعمل منفردة، أو مشتركة بالتعاون بينها، ضد كل الناس، في مواقع متعددة لتحقيق أهداف غير نبيلة". نشرت دار"لافوزيل"في فرنسا قبل سنوات عدة"موسوعة الحركات الإرهابية"، وذكرت الموسوعة أن نسبة الجرائم الإرهابية في القارة الأميركية لوحدها تعادل 80 في المئة مما في العالم، وأما نسبتها في أوروبا فهي 11 في المئة، أما ال9 في المئة الباقية فموزعة على بقية دول العالم. وأحصت الموسوعة آلاف المنظمات والحركات الإرهابية في الولاياتالمتحدة وأشهرها: ميليشيات ولايات فلوريدا، وإيداهو، وإنديانا، وميتشيجان، وميسوري، ومونتانا، ومنظمة كوكنكلاس التي لها 98 فرعاً، واللجنة الأميركية الأولى، والحزب النازي الأميركي، وحزب الشعب الآري وله 18 فرعاً، ومحاربو الحرية البيضاء، والجيش الثوري الأبيض، وزمالة مسيحيي المستقبل، وعصبة الدفاع المسيحي، واتحاد حقوق البيض، وجمعيات أصحاب الرؤوس المحلوقة، ولها 35 فرعاًً، والاتحاد القومي لتقدم البيض، وله 9 فروع، والجمعية الدولية الانفصالية، ولها 3 فروع، وجمعية عيسى المسيح، ولها 5 فروع، وجمعية الخالق، ولها 4 فروع، والمقاومة البيضاء، وأنصار الإنجيل، وحزب الله، والحزب الثوري الآري، والنازيون الأميركيون، وفرسان الليل، والجبهة الانفصالية، والتحالف ضد الأجانب، وحزب العمل الأبيض، والجبهة المعادية للخطر الملون والمليشيا البيضاء، والإخوان المتمردون، وهلم جرا. إن الصراع بين البشر قديم قدم ابني آدم، قابيل وهابيل، فالحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة منذ برأها الله تعالى، وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض، ويتعصب لكل منها أهل عصبيته، فهو أمر طبيعي في البشر لا تخلو منه أمة ولا جيل، وهذا لحكمة أرادها الله عز وجل. والعنف يشمل أتباع جميع الأديان السماوية، فالنبي موسى"عليه السلام"وكز رجلاً بعصاه فقتله، قال تعالى في كتابه العزيز: قال رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون، وورد هذا المعني في الإنجيل في أعمال الرسل 7/24"وإذا رأى واحداً مظلوماً حامي عنه، وأنصف المغلوب، إذا قتل المصري"، ونبي الله سليمان"عليه السلام"قاتل بيده وبسيفه، كذلك أبوه داوود"عليه السلام""فقتل داؤود جالوت وآتاه الله الملك"، وخيل سليمان"عليه السلام"مشهورة أخبارها في القتال... وهذا عيسى بن مريم"عليه السلام"الذي يستشهد بعضهم برسالته بأنها رسالة سلام ومحبة، يحث على القتال والحرب، فقد ورد في"إنجيل لوقا"22/36"فقال لهم- والقول عندهم هنا للمسيح ?"أما الآن فمن عنده مال فليأخذه، أو كيس فليحمه، ومن لا سيف عنده فليبع ثوبه ويشتر سيفاً"... وورد في"إنجيل متى"10/34. وفي"إنجيل لوقا"12/51:"لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى العالم، ما جئت لأحمل سلاماً بل سيفاً، جئت لأفرق بين الابن وأبيه، والبنت وأمها، والكنة وحماتها، ويكون أعداء الإنسان أهل بيته"، وفي"لوقا"أيضاً 19/27"أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فآتوا بهم على هنا واذبحوهم قدامي". أما في"التوراة"فالنموذج واضح في"سفر التثنية 20/10"، الذي يتحدث عن أن النبي موسى"عليه السلام"أصدر تعليماته التي تقضي بأنه في حال المدن البعيدة التي لا تقبل الخضوع، والتي انتصر عليها أبناء إسرائيل، قتل جميع ذكورها"، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً، فلا تستبق منها نسمة ما، بل تحرمها تحريماً"، ثم تتبعها قائمة بالشعوب المطلوب إبادتها كلياً"ما أمرك الرب إلهك"، وثمة قصة مشهورة في"سفر العدد 13/18"، لام فيها موسى"عليه السلام"جيش إسرائيل لأنه ترك الأطفال الذكور والنساء المتزوجات على قيد الحياة، ثم أمرهم بقوله"فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال". إن التوراة تحوي بين دفتيها من التعصب العنصري والتحريض ضد الغرباء من النصوص ما لا يوجد في أية ديانة أخرى على وجه الأرض، فقد جاء في"سفر التثنية 7/6"،"لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك، إياك قد اختار الرب إلهك، لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". الحركات المتطرفة الإرهابية هي التي تحكم إسرائيل الآن، ولا يجرؤ أحد أن يذكر اسمها أمثال حركة"حباد"، التي نشرت كتاباً بعنوان"هاتانيا"، وجاء فيه أن"الأغيار مخلوقات شيطانية كلية، ولا يوجد فيها ما هو خير إطلاقاً"! وتتضمن تعاليم"التلمود"أن المرأة اليهودية بعد أن تتطهر من الدورة الشهرية عليها أن تحذر أن تمر تلك الليلة بأحد الأغيار، أو خنزير، أو كلب، أو حمار". إن لعن اليهود للنصارى في صلواتهم هو أمر معروف لدى الجميع، ففي صلواتهم يرددون يومياً"ليهلك جميع المارقين عن الدين على الفور"، والمارقون هنا هم النصارى، لأن دين الإسلام أتى بعد النصرانية، كما أن كره اليهود للمسيح"عليه السلام"والصليب لا يخفى على أحد، وتصل الجرأة بهم إلى البصق ثلاث مرات لدى مرورهم على أية كنيسة أو معبد نصراني! * باحث في الشؤون الإسلامية