أنت في سورية، تعيشُ بنصف قلبٍ، وبنصف دمٍ، وبنصف أملٍ، أنت تعيشُ بنصف حياةٍ... هل سألت الشَّارع الذي يحملك على ظهرهِ؟! اسألهُ، قل له ما الذي تخفيه لي؟! أتخفي لي كنزًا رومانيًّا؟! أم لُغمًا معدنِيًّا؟! لا تكترثيْ يا سماءُ... ولا تتفاجئي يا غيومُ... أعرف أنكما تعانيانِ رائحةَ الدَّمِ التي تتصاعد يوميًا... أعرفُ أن أبوابكِ أيتُها السماءُ كادت تختربَ من شدَّة ما فُتحت في هذه الأيام...! أنا أعلمُ أنَّها لم تغلقْ أبدًا حتى تُفتَح وتسكَّر...! وأنتِ... لمَّا أن سألتُكِ عن أعظمِ ما يستطيعُ البشرُ إسداءهُ لي، خدعتِنِي وقلتِ لي كلامًا طويلاً جميلاً... قلتِ: إنَّه ثمةَ حفلٌة كبيرٌة ومأتمٌ مليءٌ بالمحبِّينَ والمعجبينَ، إنَّني إنْ مِتُّ فثمةَ من ينتقمُ لموتِي، ويُطالب بدمِي... وأكثرتِ عليَّ من القول... مَا لي أراكِ الآنَ تكذبينَ؟! خدعتِنِي إذن...! لعلَّكِ لم تخدعيننَي ولكن ثمَّة رُخصٌ عامٌّ في أرواحِ البشر تسبب بهذا الهُبوط الحادِّ للأنفسِ والأرواحِ... أمَّا ماذا عنك؟ فكلُّ الأمرِّ أن تُلفَّ بقطعةِ شاشٍ ثم تُدسَّ فِي وسط التُّراب...! مَهلاً أيُّ شاشٍ هذا؟ أليسَ الشهيدُ لا يُكفَّنُ؟ صحيحٌ، فالأمرُ إذن أن تلفَّ بثيابِكَ وتُدسَّ في وسطِ التُّرابِ في ساعةٍ مبكِّرة من اليوم...! فقد يُسببُ موتُكَ قتلَ كثيرٍ من الأنفُسِ... لذلك سنتنازَلُ عنِ الحشدِ الهائلِ والهُتافاتِ والشِّعاراتِ في جِنازتِك، لكي نَحرِصَ على أرواحِ البَاقين...! ولا تَحزنْ، فمَا تهيَّأ لكَ هُنا مِن دَفنٍ، لَيسَ متوفرًا في أماكنَ أُخرى...! نَعم، إنَّك في نعمةٍ عظيمةٍ...! هناكَ من يَبقى طعامًا للمارَّةِ، أو تَنهشهُ ديدانُهُ عجولةً قبلَ أن تَستُرَهُ قطعةُ أرضٍ...! حقًّا إنَّني في نِعمةٍ عظيمةٍ، إِنَّني أجدُ شيئًا أُغَسَّلُ به، وقِطةُ أرضٍ أَدُسُّ جسدي المُتناثِرَ فِيها...! هذا كلُّ مَا عَنِّي وعنك... وإنَّه لَكَثيرٌ...! جعفر الوردي - الرياض