لا أعرف إلى متى سيبقى رجال الأعمال السعوديون يدسون رؤوسهم ليخفوا الجراح التي سببتها أمواس الحلاقة التي تستخدمها الإدارات الحكومية والقرارات الخاطئة، حتى إن الكثير منهم ما عاد يشعر بآلام الجروح، ومنذ عقود والقطاع الخاص يعيش حال تجارب لقرارات وبيانات حكومية، كلها تأتي في الدرجة الأولى من أجل مضايقته وتطفيشه بل حتى التدخل في أعماله والمشاركة في اتخاذ القرار بدلاً منه فيما يخص نمو عمله. ولست رجل أعمال ولا حتى لدي مصالح مع القطاع الخاص، إنما لمست هذا من واقع مشاهدتي ومتابعتي، فالقطاع الخاص كان حقل تجارب على مر السنوات الماضية ويتقلب بحسب مزاج المسؤول الحكومي، ولإرضائه يتسابق رجل الأعمال إلى تنفيذ كل ما يتطلبه فقط من أجل أن يثبت أنه وطني. قد يفسر كلامي بأنني متسلق ومداهن، بينما في الحقيقة هذا هو الواقع. إذا جاءت فكرة مشروع في ذهن"مسؤول"وطرحها لرجال الأعمال، يتسابقون للمساهمة معه من دون النظر إلى الجدوى الاقتصادية والاستثمارية للمشروع. أذكر قبل سنوات طرح أحدهم مشروعاً، وبالفعل تسابق رجال الأعمال للمساهمة فيه، على أنه مشروع تنموي وتعاطف الإعلام والمجتمع معه، وتم جمع نحو 100 مليون ريال، وبعد سنوات لم نعد نسمع أي شيء عن المشروع وتلاشت الأموال التي دفعها رجال الأعمال، وقبل عامين أُعلن مشروع طرحته إحدى الجامعات السعودية في الرياض لصناعة السيارات، ووقتها تحمس أيضاً رجال الأعمال وساهموا بحصص، حتى بلغت حجم المساهمات المالية 800 مليون ريال، واكتشفنا بعد هذا أن المشروع مسروق وأنه ليس هناك أي مصنع للسيارات، فكيف بالله عليكم ستكون رد الفعل؟! حتى لا يقال إنني"مفترٍ": سائقو سيارات الليموزين حينما بدأت حديثاً قبل عقدين في السعودية كانت الشركات تلزم سائقيها على لبس بدلة وكرفته وسيارات تتوافق مع شروط وزارة المواصلات من موديلات حديثه وكانت المنافسة شريفة بين السائقين لأخذ حصصهم من السوق، إنما بعد سنوات حينما ارتفعت أصوات السعودة وسمح للأفراد بامتلاك سيارات أجرة تحت مظلة المؤسسات، اختلط الحابل بالنابل، فما عدنا نرى سائقين بتلك الملابس النظيفة، فأصبحنا نفرق بين السائق الأجنبي والسعودي بالثوب والغترة، والآن جميع سائقي سيارات الأجرة ملابسهم قذرة ورائحتهم لا تطاق وسيارات فمقاعدها لا تصلح للجلوس، أو حتى أن تسير في الشوارع، لأنها متهالكة، وتنافسها في الجانب الآخر سيارات خاصة تعمل في نقل الركاب.. فمن الذي تضرر بالسعودة؟ مؤسسات الدولة تلزم الشركات أن يكون لديها محاسب سعودي وموظف استقبال سعودي، وفي معظم أقسامها أن يكونوا سعوديين وسعوديات. هذا لا يحدث في أي مكان في العالم سوى في دول الخليج، ومع كل هذا كان رجل الأعمال يقابل كل هذه القرارات ببشاشة وسرور، خوفاً من أن يقال عنه إنه رجل غير وطني. وزارة العمل منذ أن أنشئت وحتى الآن وضعت قانون السعودة هاجسها الرئيس، وللأسف لم ينجح أي من برامجها، وإن نجحت في إحدى خططها فهي بالتهديد والوعيد، وما برنامج نطاقات الذي تطبقه منذ عامين سوى أحد أساليب الإدارة غير المدروسة من المؤسسات الحكومية، لم تعمل وزارة العمل في بناء قاعدة تؤسس لبيئة العمل، ولم تتوقف ظاهرة حلق الرؤوس إلى هذا الحد، بل إنها أصبحت تتدخل في تحديد المرتبات، فبالله عليكم ماذا يفعل رجل أعمال مهمته أن يشارك في كل مجالات الحياة الاجتماعية، حينما يطلب منه زيادة المرتبات، ولم يترك الأمر للعرض والطلب والمنافسة الوظيفية، إنما جاء بفرض حكومي، وهذا ما يجعل العلاقة دائماً متوترة بين القطاع الخاص والموظف السعودي. هل يوجد نطاقات حمراء وخضراء وصفراء في دول أوروبا وأميركا، تمارس ضد الشركات، وهل سمعتم أن إحدى الدول تدخلت وطالبت برفع أجور الموظفين الوطنيين فيها، من دون المقيمين والأجانب. القطاع الخاص لدينا مجبر على أن يغير محاسبه ومدير مكتبه وسائقه وموظفي الاستقبال كيفما تريده مؤسسات الدولة، وتحديداً وزارة العمل،"السعودة"تقف على رأسهم كالسيف، ومن أجلها أصدرت العديد من القوانين والتشريعات، وربما لو جاء استفسار من أي المنظمات الحقوقية الخارجية لا نجد جواباً مقنعاً. إذا كانت مؤسسات الدولة إلى هذا الحد تريد أن توظف السعوديين"بالعافية"في القطاع الخاص فلماذا لا تنشئ شركات حكومية وتوظف فيها أبناء البلد وبناته. القطاع الخاص بقي - ولا يزال - يدفع فاتورة القرارات الخاطئة التي تصدر من المؤسسات الحكومية وعدم كفاءة المسؤولين الإداريين التي تبقى حجر عثرة أمام تقدم القطاع الخاص بمنهجيه. القرارات الخاطئة هي التي أجبرت المؤسسات التجارية على أن تبحث عن طرق تحايل وخدع وتسجيل وهمي في التأمينات الاجتماعية، وهي التي أسهمت في لبس المقيم الثوب والعقال في محال الذهب، في الواقع لم يكن تحايلاً بقدر ما كان هروباً من هذه القرارات التي فرضت عليهم وإلا واجهوا عقوبات وصعوبات في إنجاز معاملاتهم وأغلقت حسابتهم المصرفية. وبعد كل هذا"الحلق على الزيرو"يطلبون منه أن يسهم في مشاريع اجتماعية وإنسانية والمساهمة في خدمة المجتمع. ويتبرع لجمعيات خيرية. بصراحة أسلوب ممارسة الضغط على القطاع الخاص بهذه الطريقة لا يخلق بيئة تجارية واقتصادية منافسة، وعلى مر السنوات ستشكل تضخماً وزيادة في الأسعار تنعكس على المواطنين والمستهلكين. الحل هو إلغاء السعودة ووقف الاستقدام من الخارج وترك سوق العمل للعرض والطلب واحترام رغبات وطموحات القطاع الخاص. أما بهذه الطريقة فأخشى أن يصبح الجرح غائراً، وقتها لا نجد كيف نوقف النزيف. * إعلامي وكاتب اقتصادي [email protected] @jbanoon