قبل طرح الأسئلة المستثارة بتحرشات الواقع، ومع عدم الإخلال بمبدأ تكريس الأنظمة للعدالة، يظهر أن البعض منها أو لنقل جل بنود بعضها، إذا جاز لنا التعبير عطفاً على صياغتها، ورثتنا ثقافة تفترض طبيعتها غياب الضبابية في منطوقها ومراعاتها لمستوى الوعي المجتمعي، وبما يقطع طريق الاجتهاد أو الحاجة إلى تفسير في الأصل، هكذا افترض بحكم تواضع قدراتي في هذا الشأن. المؤكد أن هذه الثقافة عبدت الطريق للتساؤلات حول كيفية التطبيق في معظم الأحيان، إما تفادياً لتحمل المسؤولية، أو رغبة من ضعاف النفوس في تعطيل المصالح وحقوق العباد، أو المماطلة في الحصول عليها من خلال أي هامش متاح لتتسع دائرة الأخذ والرد، ولعل الظاهر انطلاقاً من مبدأ حسن النية يتعلق بضيق مفهوم الفقه الإداري. ما يحتم ضرورة وضوح الأنظمة وإحكامها والسبل المثلى لتنفيذها وجعل ذلك في متناول إدراك واستيعاب العاملين كافة من دون إغفال جوانب التأهيل والدراية في الإدارات التنفيذية الدنيا المعنية بمعظم جوانب الحراك مع أحكام الأنظمة وتطبيقاتها ووضعها في الحسبان، وعلى رأس هذه الأنظمة نظام العمل. إذا كان لكل نظام أطر ترسم حدوده وتحدد مجالات تطبيقه، فإنه من الثابت أن لكل نظام قوة تحميه، ونظام العمل السعودي في عهدة وزارة العمل وإنفاذ أحكامه في حمايتها وحراستها، أي أنه أرض وعرض هذه الوزارة، ومن الموانع الاختلاء به، ومن الكبائر القانونية اغتصابه، حدوث مثل ذلك لا يعكس سوى انخفاض مستوى جدار الحماية وضعف الحراسة وجسرة المعتدي، حفظ النظام دافع ورافد للسلام في مفهومه الشامل، إلا أن الفساد الإداري وانتهاك القوانين لتطويعها وإحاطتها بدوائر تغليب الخاص على العام، أو توجيهها شطر بؤرة المماطلة والالتفاف عليها كوسيلة انتقام، أو مسرح لتصفية الحسابات، من أهم مثيرات الغضب. الملاحظ يُرى أن ثمة استغلالاً لتدني وعي المواطن عاملاً أو غير عامل من فئة تسيطر على بعض إدارات المؤسسة التنفيذية، التي يتدنى أصلاً في ذوات بعض أعضائها مستوى المواطنة، ويغيب عن كيانها مبدأ أخلاقيات المهنة وواجباتها، وما يهيئ المناخ لمثل هذا الطغيان غياب حماية الأنظمة، وحراستها، أو لنقل أيضاً عدم التفاعل مع صوت المواطن وشكواه بالشكل المطلوب بعيداً من المسار المألوف للتعامل مع مثل هذا الأمر، إذ تنتهي الشكوى أو الطلب بكل حيثياته إلى الجهة المدعي عليها، لتطلع على المجمل وتتخذ التدابير الاحترازية والدفاعية في الوقت نفسه، وفي هذا ظهور لوجه من وجوه الفساد الإداري القبيحة، الذي تعجز الدول في ظل تفشيه عن مواجهة التحديات. لم لا؟ وهو وسيلة لإذكاء الغضب والحقد في نفوس الناس، وتحل المصائب حين يقترن به الفساد المالي ليحضر شيطان القوة المدمرة للاقتصاد. وعوداً على ذي بدء، سبق أن طرحت على وزير العمل وأعضاء وزارته أسئلة مهمة، وطلبت إيضاح الأسباب المؤدية لنمو القضايا العمالية، لأن الوقوف على الأسباب يحصر المشكلة ويحدد علاجها، ومن باب الاستعطاف ذكرت له الأسباب العشرة المؤدية للموت، إضافة إلى تساؤلات تلامس وضع شريحة عمالية كبيرة... وهو بذلك خبير، إلا أنه لم يجب عن تساؤلات مواطن، يعلم في الأصل أن المسافة شاسعة بين الوزير والمواطن، في الوقت الذي تنحسر فيه بالأدلة القطعية كل المسافات بين المواطنين وولاة الأمر. أيها الوزراء أنتم من أسس لغياب الصدقية في سلامة أداء الوزارات، فقط فَعِلوا الأنظمة، اعملوا على حمايتها، وأسرعوا في إنفاذ التوجيهات، جددوا الدماء في أطراف وزاراتكم، وتأملوا رجع صدى أصوات المواطنين، لن نطالبكم بتبني رؤى المواطنين ومقترحاتهم، الوقت لم يحن لهذا التفاعل بعد وأنتم السبب، لم لا؟ يا وزراءنا الكرام كفى تعالٍ... أرض الواقع ترحب بكم. مانع بن صالح اليامي - الرياض [email protected]