"فبراير" مفرق الطريق بين عهدين... عهدٍ ولّى لن يعود، وعهدٍ أتى عسى أن يَسُود، هلا فبراير لم يعد للكويتيين وحدهم، ومضى أسبوع على جمعة النصر في مصر، نصر السلم، وآتت الإرادة الصادقة أكلها، كم هي مفخرة هذه الثورة السلمية! لم تزدها الأيام إلا حُسناً على حسن، وأناة بعد أناة، تحقق لها مطلبها الأول وهو تنحي الرئيس، فلم تتفرق كلمتها، ولم يتوانَ عزمها، ولم تغتر بمكسبها، بل مضت في إصرار على فرض المطالب الباقية. هذه الثورة السلمية تعلم الآخرين أن ما عجزوا عن تحصيله بالعنف استطاعته بالسلم، بل كان السلم هو مصدر قوتها وثقة الناس فيها وسر نجاحها... خطورتها في سلمها... في عدم انتسابها لحركة أو حزب... في شعبيتها... في حسن تنظيمها ووعي قادتها. وطنيتها الصادقة وعدم تلونها بأي لون جعلها أصدق لهجة في نظر الشعب والآخرين، كانت تعبر عن مطالب الشعب على اختلاف أطيافه وطوائفه، لم يستطع أحد أن يتهمها في وطنيتها مطلقاً، أو يزايدها على ذلك. من مفارقات هذه الثورة المباركة أن الذين سارعوا إلى اتهامها بتلقيها إملاءات خارجية مشبوهة وأنها تنفذ ما يمليه الأعداء المتربصون هم أولى الناس بهذه التهمة، فهم أكثر الناس اتصالاً بالجهات الخارجية وأشدهم علاقة بها، وإنْ سموا هذه العلاقة المشبوهة بالاتصال الثقافي أو المعرفي، أو عبارات نحوها. ومن الصفاقة أن يصم بعضهم الثورة السلمية الوطنية بالرضوخ للوصاية الأجنبية، فلماذا إذن لم يرفض هؤلاء تلك المساعدات الأجنبية التي تتابعت على ذلك الوطن نفسه سنين عدداً، وكلنا يعلم أنها لم تكن لولا شروطٌ تملى لتحقيق مصالح أجنبية تضمن رهن الوطن بشعبه وثرواته؟! من مفارقات ثورة مصر السلمية أن الذين كانوا يعيرون غيرهم بفوبيا نظرية المؤامرة قد أصيبوا بها اليوم بطريقة هي أكثر سخرية وأقل مسوغاً، ومن أظهر المفارقات الغريبة أن الفتنة الطائفية لم يوقد لها شرارة في مصر حتى مع انسحاب قوات الأمن من الشوارع وخروج ما يُسمونهم بالإسلاميين المتطرفين، كانت الفرصة مواتية جداً لمن أراد أن يصفي حساباته مع الآخرين، غير أنه لم تُفجّر كنيسة، ولم يُقتل أجنبي، ولم توقد للفتنة نار، فلماذا لم يحدث شيء من هذا؟ ألا يُرجّح هذا أن يكون تفجير كنيسة الاسكندرية مدبّراً من جهة محسوبة على الوطن تريد أن تشغل الشعب بفتنة طائفية تضيع فيها المطالبات الوطنية، ويضعف معها صوت الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد؟! كانوا يقولون عن هذه الثورة الشعبية السلمية: إنها فتنة. ألا في الفتنة سقطوا! وأظنهم نسوا أن النظام هنالك يأذن لهم بما اختطوه من طريق لهذه الثورة السلمية، فالمظاهرات ليست محظورة، والنظام جمهوري يعطيهم مساحة تسع لهذه التجمعات والمظاهرات والمطالبات. عجباً لمن لا يرى الفتنة إلا في هذه المطالبات والمظاهرات السلمية التي أتت بعد صبر طويل، ولا يرى أي فتنة في ممارسات نظام الحزب الحاكم المستبد الفاسد، إن كان لا يجرؤ على الصدع بهذه الحقيقة فعليه أن يصمت عما يتوهم فيه الفتنة وليس بفتنة، وأن يدع في المسألة مساحةً لتقبل وجهات النظر الأخرى، فلماذا المصادرة وإلقاء التهم والاستقواء على الضعفاء؟! * أكاديمي في الشريعة. [email protected]