{ أوضح الروائي محمد العرفج أن قيام رواية كاملة حول الجنس من دون اعتبارات إنسانية، هو الهدف الذي ينشده الكتاب، ممن يصفهم ب"الأروستقراطيين"، الذين أساءوا للسرد في السعودية، كما يقول. وقال إنه لم يتصنع المعاناة في روايته"الدور الأعلى"، التي صدرت حديثاً عن دار"الغاوون"، مشيراً إلى أن المعاناة نابعة من ذاته، مضيفاً في حوار ل"الحياة"أن المعلومات التي أوردها ضرورية، وكانت مغيبة خصوصاً أن هناك معلومات مغيّبة وناقضة حول الأوضاع التي تتحدث عنها الرواية. إلى تفاصيل الحوار: بداية هل من علاقة تجمع بين عنوان روايتك"الدور الأعلى"وبين أحداث الرواية وسردها؟ ولماذا اخترت مصطلح"الأعلى"وليس"العلوي"؟ - لابد أن يكون هناك علاقة وثيقة تجمع العنوان بالسرد والحدث، واخترت تسمية الرواية ب"الدور الأعلى"وليس"الدور العلوي"، لأن"العلوي"يكون عليه ما يعلوه مكاناً، بينما الأعلى لا يعلى عليه، ولذلك جاء في كتابنا المقدّس:"سبح باسم ربك الأعلى"فلا شيء يعلو على المعبود، ومن هنا جاءت التسمية في أنه لا يوجد رقيب أو حسيب بشري على رئيس المبنى الصغير وأعوانه من كبار الشخصيات. ثم إن"الأعلى"ترمز إلى أشياء غير مكانية، مثل الصراع الطبقي ووضع الأروستقراطيين والإداريين والجهلاء في كل بلد في العالم. "مرعي الكير"شخصية رئيسية في روايتك، ماذا تعني الشخصية الرئيسية في العمل الإبداعي، الرواية تحديداً؟ - لا بد من شخصية رئيسية لكل رواية، ولا بد من بطل لها وإن تعددت الشخصيات والأبطال كذلك. قد تكون الشخصية الرئيسية تحمل شخصيات عدة كما حصل في شخصية"مرعي الكير"أو شخصيات روائية لروائيين آخرون مثل شخصية"صبحي المحملجي"في رواية"مدن الملح"لعبد الرحمن منيف الذي اعترف هو شخصياً في لقاء أجري معه بأنه تعمّد تضمينه عدّة شخصيات في شخصية المحملجي. وصفت في روايتك التي كتبت بلغة ذاتية من خلال الراوي البطل"سعود الخيرالله"المثقف العربي الذي يبدع بسبب وضع المعاناة التي يعيشها، هل نستطيع القول بأن معاناتك هي ما دفعك إلى كتابة"الدور الأعلى"؟ - هذا معروف من خلال ما أكتب، ومن خلال ما يقرأ لي بأنني لا أتصنع المعاناة وإنما المعاناة حقيقية نابعة من ذاتي، لم أكتب ليقال بأنني كاتب كما يفعل الأروستقراطيون الذين لا يظهر لنا أي هدف سام فيما يكتبون، ولذلك تجد كتاباتي مختلفة تماماً عن كتاباتهم. هناك من النقاد ممن احتفلوا بروايتك وقالوا إنها رواية سياسية من المدرسة الواقعيّة تشخّص أسباب الربيع العربي، هل تمكّنت روايتك فعلاً من الإحاطة بكل تلك الأسباب؟ -"الدور الأعلى"توضح الأسباب من خلال الأحداث المحيطة بالعمل الروائي، وفي معمعتها، في شخوصها، في استطراداتها، فيما بعد النص الروائي أيضاً، كما تحيط بما يستطيع أي امرئ الإحاطة به من الفساد الإداري والبطالة والصراع الطبقي الرأسمالي، وكذلك الصراع المعرفي، والقهر والغبن اللذان يمتلئ بهما القلب. بعض من قرأ روايتك"الدور الأعلى"وجد أنك تجعل من الإداريين شريحة فاسدة لا يهدفون إلى البناء؟ - لم تعم"الدور الأعلى"جميع الإداريين بالفساد، وما يدل على هذا إطراء البطل"سعود الخيرالله"في حديثه مع"مرعي الكير"و"مشاور الدايم"وغيرهما للمالك ونائبه والمدير التنفيذي وهم إداريون يرأسون رئيس المبنى الصغير ل"جمعية الشراكة الخيرية"وهي جمعية وهمية بالمناسبة، على رغم أن لها دلالة رمزية. حضر تابوها الجنس والدين بشكل عابر في روايتك بعكس السياسة، لماذا لم تعتمد على هاذين التابوهين لتشكّل عبوراً أدبياً نحو نجاح الرواية، مثل أغلب الروائيين السعوديين الذين حقّقوا نجاحاً كبيراً؟ - أن تقوم رواية كاملة حول الجنس أو الدين من دون اعتبارات إنسانية، فهذا هو الهدف الذي ينشده الكتاب الأروستقراطيون، الذين أساءوا للسرد في السعودية، حين وصل إلى إطراف العالم العربي، وقتما لم يكن هناك وسائل التقنية الحديثة. إنما السرد الجاد هو الذي يشخّص وضع المجتمع السعودي بصورته الحقيقية، مثلما كتبه عبدالعزيز مشري وحسين علي حسين وأمثالهما. أما الأدب الأروستقراطي أو البرجوازي، فهذا ما لم يكتبه أي سارد في العالم ماعدا غازي القصيبي وتركي الحمد وأمثالهم الذين قلبوا السرد ليتحول إلى مذكرات خالية من الفن السردي الحقيقي ولا هدف منها، ومعمعة جوفاء أساءت للسرد السعودي، إذ بدأ يتقهقر إلى الخلف وأصبحت هناك نظرة عربية دونية للسرد في المملكة حتى أعاد إليها اعتبارها من جاء بعدهم أمثال عبده خال ومحمد المزيني على سبيل المثال، اللذان واكبا السرد العربي والعالمي في الكتابة عن الطبقة المهمّشة. هناك من أخذ عليك كثافة المعلومات في الرواية، ألا تخشى من نفور القارئ من الرواية بسبب البعد عن أحداث الرواية والشخوص؟ - لم تكن معلوماتي في السرد كله مثلما يفعل الروائي اليمني حبيب عبدالرب سروري في رواياته مثل"طائر الخراب"، وليس قول المعلوم من الشائع بالضرورة، كما فعل الروائي التونسي حسن نصر في"كائنات مجنحة"على سبيل المثال. فالمعلومات التي أوردتها رأيتها ضرورية، خصوصاً أن هناك معلومات مغيّبة والحقيقة ستكون ناقصة من دونها حول أوضاع وتاريخ ومجتمع اليمن الذي اخترته مكاناً لشخوص الرواية. قلت مرة، إن الرقابة والمنع قد تخلق إبداعاً وأفكاراً جديدة، ماذا تقصد؟ - نعم هي كذلك بالفعل، وذلك حين لا يصل تسويق المنتج المحلي للمؤلف السعودي إلى القارئ العربي أو يتم حذف يخل بالنص، حتى وإن ابتعد كاتبه عن التابو فيما يكتب. يأبى الرقيب غالباً عدم جعل النص يمر من دون أن يفتته فيعجز عنه التشريحيون والتحليليون والنقاد جميعهم بمختلف مدارسهم، ولذا يلجأ المؤلف حينها لطباعة عمله في الخارج، وبذلك يصل للقارئ. كيف تقوّم كروائي شاب مسيرة المشهد الروائي السعودي؟ - المشهد الروائي السعودي يسير بين تيارين متناقضين، الأول يضع بصمة النفط من فكر أروستقراطي قح، يسير عكس التيار المحلي كإرث والعالمي كنموذج، وخالياً من أي مضمون أو فن أو هدف، وللأسف ينساق له الإعلام ممجداً، والمبتدئون هم الضحية الذين ينساقون تباعاً. فهذا التيار سينضب ويتلاشى مع أصحابه ومن تبعهم، إضافة إلى أنه غير مقروء عربياً حتى من الدول المجاورة، أما التيار الآخر فهو يواكب الإرث محلياً وعالمياً وإنسانياً، ومن خلفه جلٌ المعاناة الإنسانية لمبتدئات ومبتدئين كتبوا بمداد الألم ودم القلم، فقاربوهم من دون أن يشعروا، وهؤلاء سيخلّد التاريخ أسمائهم ومآثرهم كروائيين سعوديين.