رأس الاجتماع السنوي الثاني للمحافظين ومسؤولي إمارة المنطقة.. أمير الرياض: القيادة حريصة على خدمة المواطن والمقيم واستمرار مسيرة التنمية    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    الزمالك يسقط في برج العرب ويواجه أول هزيمة في الدوري    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    اقتصاد سعودي قوي    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    الأوركسترا السعودية    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    «وسم حائل».. فعاليات متنوعة وتشكيلات فنية    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    ارتباط وثيق بين السكري والصحة النفسية    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    إسرائيل تستهدف قياديًا في «حزب الله»    بوتين: الحرب في أوكرانيا اتخذت "طابعًا عالميًا"    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    المدى السعودي بلا مدى    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    قوة المملكة الاقتصادية ورفع التصنيف    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    جمعية تآلف تحتفل باليوم العالمي للطفل بفعاليات ترفيهية وبرامج توعوية    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    اختتام المؤتمر العربي لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    ضبط شخص في عسير لترويجه الحشيش عبر مواقع التواصل    تعليق الدراسة الحضورية غدًا بمدارس محايل عسير ورجال ألمع    بمبادرة سعودية.. الاحتفاء باليوم العالمي للتوائم الملتصقة    هل تعاقب دول غربية إسرائيل بحظر السلاح ؟    الطقس يهدد الولايات المتحدة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    تأثير الذكاء الصناعي .. دفعت العائلة فدية لكنهم اكتشفوا أن ابنتهم لم تختطف    1850 متدربا ومتدربة على المانجا في اليابان    الانسانية تحتضر    وزير السياحة يدشن شركة رملة للرحلات السياحية والمنتجعات البرية في حائل    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    5 مطارات تتصدر تقارير الأداء لشهر أكتوبر 2024    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    «الحياة الفطرية» تطلق 26 كائناً مهدداً بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الصحراء ... الرواية البدوية
نشر في الحياة يوم 18 - 01 - 2011

في مقالة نادرة يسخر فالح العجمي مما يسمى"ثقافة الصحراء"، فهو ينتقي اقتباسات طريفة ويعلق عليها بكلمات ثاقبة:"بدو الجزيرة العربية نزحوا إلى المدينة مصطحبين ثقافة الصحراء"العكس هو الصحيح...."ثقافة الصحراء"كتاب نقدي للدكتور سعد البازعي لفت النظر في المنطقة العربية إلى وجود ثقافة مغايرة ومسايرة في الوقت نفسه للسائد في العالم"وحتى لو كان الدكتور سعد البازعي صديقاً عزيزاً، إلا أن هذه الثقافة عصية على الفهم...". وفي مقالة جامعة تناول حسين بافقيه هذا الكتاب معترضاً على إيمان البازعي ب"الحتمية الجغرافية"وميله إلى"الكي والعمومي والظاهري لجغرافية الجزيرة العربية، دون ان يلتفت إلى التضاريس المختلفة لها، ودون أن يقف عند التنوع الثقافي لبيئاتها المختلفة لها". هذه هي نظرة روزن للمجتمعات العربية ككل، لكنها هنا تقتصر على الجزيرة العربية وتلقى نفس الاعتراض، لكن اللافت أن كلام البازعي لا يخالف، أو، حسب العجمي"يساير"، تصور كتاب محليين مثل سعد الصويان الذي يتحمس للقول إن"ثقافة الصحراء"المحرك الإبداعي لأدب الحداثة"، لكن قد تكون لمحاولة البازعي صيغة حداثية. ارتبطت الحداثة وما بعد الحداثة في أحد جوانبها بالتوجه إلى الماضي لإيجاد بدائل للسرد السائد والذي اعتبر أنه مني بالفشل. ويرتبط بذلك بما يمكن اعتباره محاولة لتكوين هوية عدت هامشية، وبدا في مقدورها الآن مقاومة المركزية العربية في الثقافة. إنها"عودة"لماضٍ مع فرض نمط ثقافي"يوحد"البلد كما هي الحال مع الدولة ? الأمة حديثة التكوين. من المفارقة أن في اليونان القديمة كان على القبيلة أن تتكون من ثلاثة مكونات: أثينا والجبل والساحل ? كما جاء في توزيع طوبوغرافية الجزيرة عند بافقيه. كانت قبائل أثينا العشر اختراعاً جديداً غرضه التمثيل السياسي، وليست مبنية على صلات ثقافية أو اثنية. تكونت كل قبيلة من سكان عدة مناطق مدن، قرى، أحياء يأتون من ثلاث مناطق مختلفة في الأراضي الأثينية. وهكذا ضمت كل قبيلة رجالاً من الساحل ومن المناطق الداخلية من المدينة.
نجد عند بعض المثقفين اليساريين ميلاً إلى النوستالجيا، وفي هذا السياق يمثل إطلاق صفة"بدوي"على شخص مديحاً له. ففي مناسبة رحيل منيف الخامس يتذكره فواز طرابلسي بأنه"من أصول بدوية"وأنه"قادم من الجزيرة العربية". يختلف طرابلسي عمن يرون في مدن الملح"حنيناً للعودة إلى بداوة ما قبل النفط". فهو يرى فيها"المحاولة الوحيدة في الأدب وفي العلوم الاجتماعية والسياسية لسرد التحولات، التي أدخلها النفط على المجتمع وقد أخذ يسلبه استقلاله والحرية ويخضعه بوحشية للاستبداد السلطوي، ولمنطق السوق والربح والريوع والاستهلاك الباذخ وقطع الرؤوس وقهر المرأة".
لا شك بأن هذه قائمة من المشكلات المعقدة، والعقدية في بعض أجزائها، يصعب على أي عمل التصدي لها، خاصة وأن مشروع منيف"الكتابي"، كما يقول طرابلسي،"يقوم على قناعته العميقة بأن الأدب والفن أوفر حيلة وأكثر ثراء وأوسع حرية من الخطاب السياسي والفكر السياسي في التعبير عن التجربة الإنسانية، والتجربة السياسية خصوصاً". يفضح منيف نفسه أن غرضه من الكتابة كروائي"معالجة الوضع القائم"،"فقد وجدت الرواية الصيغة الأكثر ملاءمة لقراءة متأنية وموضوعية، وفنية أيضاً، وهذا ما دعاني إلى كتابة مدن الملح بأجزائها الخمسة لكي تكون إحدى القراءات التي تساعد في فهم مجتمع في مرحلة مهمة من مراحل تطوره". لكنه لا يتوقف عند الرصد وتقديم"قراءة"، فمهمة روايتيه، مدن الملح وسباق المسافات الطويلة،"أن تطرح الأسئلة وإثارة القلق إلى إثارة القلاقل"، فهذا المجتمع في رأيه لا يتم الخروج منه"إلا بعد عملية كسر"، و"عوامل التفجر والتناقض داخل المجتمع الخليجي هي الغالية".
يوافق بركات على الدور الراديكالي للرواية، فهو يضع منيف في قائمة الروائيين ذوي"التوجه الثوري"مع الياس خوري وغسان كنفائي، فروياتهم هي"رواية التغيير الثوري". يصنف بركات روايته"عودة الطائر إلى البحر"كواحدة منها، ويقوم ب"نقدها"ضمن ها الإطار. يأتي توفيق الحكيم في قائمة"التوفيقين"في روايته"عودة الروح"، أما بالنسبة لنجيب محفوظ، فإن رواياته هي"روايات خضوع"أو"روايات اللا مواجهة"، ولا تسلم حتى"أولاد حارتنا"من هذا الوصف.
يندر فصل الأدب عن السياسة، فحتى"الأنيادة"وصفها الشاعر الإنكليزي"بوب"بأنها"سياسية"يدعم فيرجل فيها الإمبراطور أو غسطين. لا يربط طرابلسي الرواية بالانتصار للبدو كعمال في مصانع حديثة يصيبهم، إلى جانب الانتقال من منطقة إلى أخرى، تحول واغتراب يجعل منهم"بروليتاريا". بخلاف التمجيد السوفياتي لدور البروليتاريا في التصنيع، هذه معارضة للهجمة التحديثية في الصناعة ومواجهة ضد الإدارة الأجنبية لاستخراجها النفط وتعاملها الاستعماري الطابع. بهذا تكون نقمة العمال هي حركة وطنية تشبه ما قام به أحد أجدادهم ضد"الأتراك"، وبهذا تكون الرواية محاولة تأسيس الدولة ? الأمة عبر خلق تصور لماض واحد وعدو مشترك، وعبر تجميع العمال المنتمين إلى قبائل مختلفة لا مدن ولا حضر هنا في الخضوع لتجربة صاهرة تخلق منهم هذا المجتمع الجديد برموزه الفعلية والشبحية. في هذا المجتمع الذي صنعته الرأسمالية والنفطية تظهر بوادر الشعور الطبقي الذي يدفعهم، معززاً بالحس بالاغتراب، إلى عدم التسليم للواقع والعجز، والانخراط في المقاومة ضد التصنيف والاضطهاد. بدل رأسمالية الطباعة، التي جعلها"بينيديكت أندرسون"عاملاً رئيسياً في تكوين الدولة ? الأمة هنا رأسمالية النفط هي السبب وراء تكوين هذا المجتمع المتخيل في الرواية. يبتدع الأنثروبولوجي والروائي أميتاف غوش اسماً لهذا النوع من الرواية: رواية البترول أو النفط. ويضع لها محددات تجعل وجودها صعب المنال، إذ إن بيئة النفط تتعدد فيها اللغات بينما يرى، بخلاف مفهوم باختن، ضرورة وجود لغة واحدة. ولأن الناس يأتون من أصقاع مختلفة فلا يوجد إحساس بالمكان يحتفى بفرادته في إثارة جو أو حالة نفسية خاصة به. لا يعتقد غوش أن رواية منيف نجحت، فهي في نظره تصوير رومانسي مغرق في النوستالجيا، ونهايتها السعيدة بانتصار العمال مفتعلة ومنافية للحقائق الساسية التي تؤكد سحقهم التام. كذلك يجد في مدن الملح تنميطاً للشخصيات وكراهية مرضية للأجانب: زينوفوبيا. على رغم اهتمامات منيف القومية إلا أن في الرواية هجوماً على"الغريب"و"الأجنبي"قد يكون غرضه الأساسي خلق أواصر بين أفراد هذا المجتمع البدوي، وفق تصوره، دون تحديد الانتماءات القبلية. في هذا المنحى يشبه سعى منيف ما يقوله حمد الجاسر عن تماهٍ بين المملكة حديثة النشأة وأهلها من أبناء القبائل العائدين من الخارج. الفصل الثاني يقول منيف إن"قسماً كبيراً من أهالي الجزيرة العربية أي السعودية كما هو عند معظم الكتاب السعوديين موجودون في أقطار عربية مجاورة بحثاً عن سبل العيش... لقد عاد كثيرون ممن يعتبرون أنفسهم من سكان تلك الجزيرة". وفق هذا التصور هناك تمييز واضح ل"الجزيرة"وأهلها عن سواهم لا يخلو من تصنيف يعتمد على افتراض عدم تداخل وتمازج الناس، وكأن"العائدين"هم أنفسهم الذين غادروا. كذلك في الحالتين تأتي الإشارة عابرة لعامل الجذب:"النفط"، مع أن منيف يذكر سبب المغادرة في البداية.
على رغم أن الرواية مباشرة تماماً في بعض جوانبها، إلا أنها تخلق"فردوساً أرضية"من"وادي العيون"، وتجعل من متعب الهذال وسواه شبحاً كالملك الحارس. ومع أن الرواية تقف عموماً ضد هجمة الحداثة والرأسمالية، وتعالج تبعات المعيشة الجديدة الصعبة والاغتراب الكامل إلا أن طرابلسي يعتبر منيف"مهجوساً بالحداثة والنهضة"غير الموالية للغرب. ينتقد منيف المدينة الحديثة في الخليج ويصفها بأنها"لا إنسانية"ومبانيها"ناطحات سحاب من الزجاج والحديد".
والمستقبل، عكس الماضي المتخيل، بائس، والمتضرر الوحيد من ذلك الفقراء، الذين كانوا، حسب منيف،"متكيفين مع ظروف تاريخية ومعيشية معينة". أما الآن، انقطاع عن"الجذور"، وعدم مقدرة على الانتماء للمستقبل. على رغم تصنيفه للرواية ك"رواية ثورية"يؤيد بركات، بمسحة دينية، هذه النظرة ضد"مدن حديثة لا يعرف أهلها الحلال ولا يخافون من الحرام على أنقاض واحة وادي العيون التي كانت تتمثل فيها الصحراء في زمنها البرئ...". هذه النوستالجيا كانت محل انتقاد"كوستنر"و"غوش"الذي وجد فيها تعارضاً مع انتماء منيف السياسي، لكن النوستالجيا قد تكون ثورية، كما هي عند فوكو وجيمسون ووليمز.
كما أن الرواية يمكن أن تقرأ على أنها نوستالجيا راديكالية للماضي، فإنه يمكن النظر إليها كثورية في صياغتها عبر استخدامها أساليب ما بعد كولونيالية تضع الشكل الغربي للرواية لخدمة أغراضها لكن بعد إعادة تكوينه. فلا وجود هنا لأبطال، ومنيف يصف جموع"حران"على أنهم فرد واحد وعلى أن طبقة"حران"موحدة كبطل.
* فصل من كتاب"القبيلية"عجز الأكاديمي ومراوغة المثقف صدر حديثاً عن دار"جداول".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.