لا تعلو الأنفس إلا بالكبير من الأقوال والأفعال، ولا تستمد هداها إلا من تجنب الهفوات والتعالي عما يسقط بين الأقدام، فتلك هي سمات طُبعت على الأرواح الإيمانية القريبة من ربها، والمتماسكة دينياً والفاضلة دنيوياً، فالحكمة ليست في مظهرها الخارجي بل محددة في مضمونها الفعلي، ولكننا نهفو أحياناً ونسقط متناسين أننا أصحاب هامة تعلو على كل صغيرة، وحين يبات الندم على ذراعي التحسر، وتتهاوى من داخل النفس التي اعتادت على الرفعة شظايا مؤلمة على أرض الانحدار نحو الفقدان لعظمة الروح، فللحياة مواقف ومحطات لابد أن تستوقف الأنفس جميعاً، وبحسب الكبر والصغر أو الشدة واللين لهذه الوقفات أو المحطات إلا أنه لا تبرز سوى الأنفس الثابتة التي تتقي شر الهفوة وتتقد نظراتها دوماً للعلو المتزن، فلابد أن تُرمى ثمار أنفسنا بحجر الغمز واللمز أو التصريح المباشر، ولكن يجب ألا ننساق أو نقف أمام هذا الحجر حماةً، فتتكاثر الأيادي من حولنا وتصعب علينا المجابهة والخوض في اللامفيد، بل يجب أن نتحرك بخطى ثابتة نحو الأمام ولو بحركة واحدة، وبذلك سيبقى ما سقط خلفنا وسيندحر من أراد المساس بعزة أنفسنا بين أحجاره، فكم من كيانات عبرت على جسور الحجارة المرمية عليهم ولم تتعثر أنفسهم، أو يتمكن الوحل من التشبث بأرجلهم، بل ازدادت ذواتهم اعتزازاً، واستحلت أماكن مرموقة في أعين الآخرين، وجُعلوا من قومٍ"لا يُرمى إلا الشجر المثمر". يجب أن نرتقي بأنفسنا دوماً وأن نسكنها قصور العلو مهما عشنا في كبد المنغصات، فلابد أن تُشرق الشمس بنور الحقيقة، وأن تُنصف الأرواح، يجب ألا نخوض مع من هم تحت الأقدام مستقرون، فنُفقد أنفسنا هيبة الثقة والترفع عن رذائل الأمور، فليس كل مُعرِض جباناً، وليس كل متغاضٍ ضعيفاً، وليس كل علو عن صغير وبيان مكانته هروباً، ولعل لنا من قصص الرسول"صلى الله عليه وسلم"وتجارب الآخرين ومواقف الحياة في هذا الجانب مداداً نستزيد منه رقينا وقوقعة أنفسنا داخل دائرة"كن راقياً بتعاملك مهما صفعتك أنامل الضعاف". سعد قطنان البقمي - الرياض [email protected]