لم تكن عملية انتقاله من كتابة النص الأدبي، إلى النص الصحافي سهلة، فشتان بين لغة معولها الرئيسي قائم على التخيل والإنشاء، ولغة صحافية أهم قواعدها رفض الإنشاء، فضلاً عن تجريمها ل"التخيل". حبيب محمود، مسؤول الديسك في مكتب صحيفة"الوطن"في الدمام، ظل في بداياته يصارع لمدة ستة أشهر، من أجل التخلص من لغة الأدب المتغلغلة داخله، ليقع بعد أن أمسك بقواعد اللغة الصحافية في العمل داخل"ملف المرأة والأسرة"في صحيفة"اليوم"بالدمام، يقول عن ذلك ل"الحياة": كانت مرحلة وكما يقول المثل:"حشفاً وسوء كيلة". "محمود"أوضح أنه دخل الصحافة عن طريق الخطأ، فهو يعتبر نفسه في الأساس أديباً وشاعراً،"دخلت الصحافة بالخطأ، مع نهاية عام 1992 كنت أراسل في بداياتي صحيفة"اليوم"، ولم أكن أعرف أحداً فيها، ومع ذلك كانت تنشر مقالاتي المتعلقة بالأدب والنقد، من دون حذف كلمة واحدة، وكان وقتها مشرف القسم الثقافي شاكر عبدالله الشيخ، ورئيس التحرير سلطان البازعي، وفي يوم اتصلت بالصحيفة لأسأل عن موعد نشر أحد مقالاتي، فطلب مني شاكر الشيخ الحضور، وباغتني بسؤال عن قيمة راتبي في البلدية التي كنت أعمل بها، عارضاً مقابلاً أكثر قليلاً حال موافقتي على الانضمام محرر صياغة لديهم، وبعد الموافقة، ضمني إلى فريق العمل في القسم الذي كان وقتها بمثابة فسيفساء ثقافية، لكنه منعني من كتابة أي مادة قبل مرور ستة أشهر، على الأقل، قائلاً:"تنازل عن لغتك الخاصة، وتخلى عن لغتك الأدبية"، وعلى رغم أن الموضوع كان وقتها محبطاً، إلا أنني تلمست أهميته الآن بعد 17 عاماً قضيتها في المهنة". يكمل"محمود":"بعد أن تولى محمد الوعيل رئاسة تحرير"اليوم"نقلني إلى القسم الثقافي مجدداً، بعد أن قرأ مقالاً في صحيفة"الحياة"للراحل عبدالله الجفري، استهله بأبيات شعرية لإحدى قصائدي عنوانها تمزق الشتاء". وفي عام 2003 انتقل حبيب إلى مطبوعة القافلة، الصادرة عن"أرامكو"، لكنه لم يلبث فيها سوى فترة بسيطة انتقل بعدها إلى صحيفة"الوطن":"في تموز يوليو 2005 انتقلت إلى"الوطن"، عن طريق قصي بدران مسؤول مركز الدمام، وفي البداية كنت مسؤول قسم التحقيقات في المركز، ثم توليت قسم الديسك المركزي، وفي العام الماضي عرض علي رئيس التحرير جمال خاشقجي، رئاسة قسم المحليات في الصحيفة، وبالفعل بقيت في هذا المكان 17 يوماً، لكن عملية انتقالي من الدمام إلى أبها واجهت عقبات خاصة بي، ففضلت البقاء في مكاني بدلاً من الانتقال". ولم يخف"محمود"إحباطه من عدم وجود ديسك قادر على صناعة شخصية مميزة للصحيفة إلا نادراً موضحاً:"نلاحظ أن بعض الصحف تغيب عنها الشخصية المهنية، باستثناء عدد قليل منها، يجب على المؤسسات الصحافية المختلفة بناء استراتيجية للبحث عن الموهوبين في هذا المجال، ليس على المستوى القريب، وإنما على مستوى ال40 سنة المقبلة، إن كنا نطمح إلى الارتقاء بالمهنة وأدواتها، فالديسك في غالبية الصحف، لا يعامل بالشكل المأمول، على رغم أن محرري الديسك والمصححين ينقذون أي صحيفة من عشرات الكوارث، ويشكلون جملة صحفية تتفرد بها أي صحيفة عن غيرها، فالديسك في أي صحيفة مطلوب منه ضبط الجودة والابتعاد بالمادة المنشورة عن لغة الإنشاء، أو العاطفة، وهي عملية شاقة ومجهدة، وتأخذ جل وقت القائمين عليها". ويختتم بقوله:"بعيداً عن مشاغل المهنة وهمومها، فإنني أعد حالياً لإصدار مؤلف بعنوان مهد غواية، وهو عنوان على رغم ثقله، إلا أنني متمسك به".