كنت أتابع إحدى الفضائيات في احد الايام وإذا بأحد شيوخنا الافاضل، الذي يعتبر اسمه من الاسماء اللامعة في المجتمع، يتحفنا بفتوى يقول فيها"بأن الله سبحانه وتعالى لم يعطِ الفقراء اسوة بالاغنياء لأنه يعلم انه لو اعطاهم لأفسدوا بالأرض"، أي أنهم وزيادة على فقرهم قد افترضنا بأن الله سبحانه وتعالى قد حكم عليهم في اللوح المحفوظ بسوء النية والطوية وأنهم فساد محتمل او مفسدون محتملون. أقول لهذ الشيخ الفاضل رفقاً بعباد الله واتق الله ان تفتي بما ليس لك به علم، ولا تحمل الفقراء والمحرومين ذنب الفقر، إن كان الفقر ذنباً! والمصطفى عليه الصلاة والسلام كان في بعض الايام لا يجد الا الخبز اليابس والزيت طعاماً له، وهو اشرف الخلق، والله سبحانه وتعالى قادر على ان يمده بملء الارض ذهباً، وهناك الكثير من السابقين واللاحقين ممن اعطاهم الله الاموال والبنين والخير الكثير وطغوا في الارض وتكبروا وتجبروا وأفسدوا في الأرض فساداً كبيراً. تذكرت حينها فتوى تم الحديث عنها في العام الماضي عن خروف اكل صحيفة صادرة بلغة اجنبية، وأنها ربما تحتوي على لفظ الجلالة، إذ كان السائل يسأل عن حكم ذبح وأكل هذا الخروف كأضحية في عيد الاضحى، وكان رد الشيخ انه لا مانع من ذبحه وأكله في حال تأكد السائل ان الصحيفة التي في احشاء الخروف لا يوجد فيها ما يمس الذات الإلهية! وعلى فرض صحة هذه الفتوى، هل يفترض بالسائل ان يذبح الخروف ويبحث في احشائه عن صحيفة قابلة للقراءة! ومن ثم يبحث عمن يترجمها له وبعد ذلك يتأكد انه لا يوجد فيها ما يمس الذات الإلهية وبعد كل ذلك من الممكن ان تحل له الاضحية؟! وفي هذا السياق تذكرت رد احد المشايخ الافاضل، الذين على درجة من العلم والصلاح ومن اهل الإفتاء على سؤال من احد المشاهدين يقول فيه"إذا كان يفترض به ان يترك جهاز الجوال في الخارج اثناء دخوله الحمام، إذ إن بداخله آيات قرآنية"، وكان رد الشيخ بسؤاله المشاهد"هل تحفظ آيات قرآنية؟"، وكان رد السائل بالايجاب، فقال له الشيخ"إذاً يفترض ايضاً ان تترك رأسك خارج الحمام لأنه يحتوي على آيات قرآنية". ومن الواضح ان الهدف من قول المصطفى"من ضمن ما بين لحييه وبين فخذيه ضمنت له الجنة"، أن نتمسك بأساسيات الدين ونبتعد عن السفسطة، وان يستفتي المؤمن قلبه في صغائر الامور، ويبتعد عن الوسوسة المنهي عنها، فالاصل في الاشياء الحلال ما لم يرد تحريمه في الكتاب، الدين عشر عبادات والتسعة أعشار الباقية معاملات، والعبادات أفعال، والمعاملات نتائج، ولكننا اصبحنا ندور في فلك الفعل وتركنا النتيجة. يتصل مشاهد من الدنمارك على شيخ فضائي في الدوحة، أو الرياض، أو اليمن ليستفسر عن جواز الإفطار بالعصير بدلاً من الماء، وسيدة من سيدني تسأل شيخاً فضائياً في سورية عن جواز كشف الوجه، أنا لا أنكر على هؤلاء تحريهم لأمور دينهم، ولكن اقول ان بإمكان الجميع الدخول على"النت"والاطلاع على أجوبة لاستفساراتهم في عشرات المواقع الدينية الجيدة والموثوقة وفي جميع المذاهب وإعمال الفكر بعد ذلك بما يراه الانسان اقرب الى طاعة الله وتوفير وقته وجهده لما هو انفع له واجدى، انا أجزم انه ان تمسك الناس بما تفضي له العبادات من المعاملات، أجزم انهم من الناجين والله اعلم. وأقول بخجل إنه ربما ان هذا النوع من الناس اصحاب عبارة"هل يجوز يا شيخ...؟"التي اصبحت لازمة للفضائيات، يستحق هذا النوع من المشايخ؟! خالد الدهيمان - الرياض [email protected]