من أغرب ما أقرأه في صحفنا المحلية، طرح بعض الكتّاب مواضيع ليس لها أي مناسبة، وقد نفهم من ذلك أنها محاولة لإثارة الفتن، أو لخلق أجواء التوتر والكراهية، فعندما يتحدث أحد الكتّاب عن الاخوة الشيعة في السعودية قائلاً:"إخواننا من المذهب الشيعي أحد أهم المكونات الثقافية الثرية التي يمكن ان نقف وإياهم على مشتركات كثيرة، إنهم في حقيقتهم يحملون حس المواطنة تجاه هذا البلد، وهذه الدولة وأن المواطنة تكمن في عدم التفريق بين أبناء الوطن الواحد مهما كانت نوعية الاختلاف الثقافي، سواء على مستوى الحقوق أو على مستوى الواجبات، على اعتبار أن الدين لله والوطن للجميع"، ماذا نفهم من هذا الكلام؟ وما المقصود من وراء هذا الطرح، وفي مثل هذا الوقت تحديداً؟ إنه أمر يثير الغرابة والاشمئزاز. ثم إننا إذا نظرنا لوضع الشيعة داخل المملكة من ناحية النسبة والتناسب، فهم يمثلون الأقلية مقارنة بالسنة الذين يمثلون الغالبية الساحقة في عدد السكان، ومع هذا لم نلحظ أي اختلاف في الوضع بينهم وبين السنة من ناحية الحقوق المدنية بشكل عام، أو من ناحية الفرص المتاحة لهم بشكل خاص، نجدهم يعملون في الجهات الحكومية من أصغر الوظائف إلى أكبرها، وفي جميع المجالات، ويتمتعون بكامل حقوقهم كمواطنين مثلهم مثل أي مواطن سعودي، وإذا كان لدى ذلك الكاتب عكس ذلك، فليتحدث به لتكون الأمور واضحة، والله من وراء القصد! أمر آخر... عندما يتحدث شخص محسوب على تيار معين ويتم تفسير كلامه من التيار الآخر بشكل سيئ، وتطفو على السطح عمليات التجييش من خلال الكتابات والمنتديات والهجوم الجماعي على ذلك الشخص، ماذا نفهم من ذلك؟ بالنسبة لي، هذا يعني عملية تصفية حسابات لاعتبارات معينة، أو محاولة لتحقيق أهداف ومكاسب شخصية على حساب الطرف الآخر، والضحية في تلك الصراعات ليس الأشخاص المستهدفين بذلك الهجوم فحسب، بل أيضاً المتلقي، فليس كل قارئ متزناً، وليس كل متابع يملك الفكر الوسطي، وبالتالي يكون التأثير على بعض القراء تأثيراً سلبياً، فالقارئ في نهاية الأمر بحاجة إلى كلام واقعي ومعتدل ليجني الفائدة المرجوة من الاطلاع والمتابعة كي يستطيع أن يقرر ما الصواب ليعمل به، أو على الأقل أن يبتعد عن ارتكاب الخطأ، وعندما يستمر تيار معيّن في الانتقاد والاساءة لتيار آخر، يُحدث ذلك ربكة وتشويشاً في ذهن المتلقي، خصوصاً إذا أعطيت مساحة واسعة في الصحف ووسائل الاعلام لتيار بعينه يمارس هجومه وانتقاده للآخر من دون إعطاء المساحة نفسها لذلك الآخر ليدافع عن نفسه أو ليبين حقيقة موقفه، هنا تختل الموازين، وتصبح العملية أقرب للظلم من المساواة، ويصبح التسييس سيد الموقف. مع الأسف إننا على رغم الانفتاح الاعلامي الذي تعيشه المنطقة، وعلى رغم مساحة الحرية المتوسعة يوماً بعد يوم، فإننا في الغالب لم نحسن استخدامها، ولم نرتق بأطروحاتنا إلى مستوى يخدم المصلحة العامة، وإنما لخدمة المصالح الشخصية ولا شيء غيرها، وعلى مستويات عدة، من الكاتب الهاوي إلى المثقف المطلع اطلاعاً واسعاً وشاملاً، وفي جميع المجالات الرياضية والسياسية والفكرية والاجتماعية والدينية وغيرها، لماذا لا نستغل هذه المساحة لطرح الأفكار والآراء التي تخدم المجتمع؟ لماذا يبحث بعضنا عن الشللية التي لا تملك سوى أسلحة الهجوم والقذف ويرتمي في أحضانهم ليشعر أنه موجود وأن صوته مسموع؟ لماذا تُسخّر الأقلام للقدح والنقد غير الهادف والسخرية من أجل السخرية؟! أقصد في ذلك الذين يتبنون بأسلوب سطحي ونظرة ضيقة، الكثير من القضايا التي تمس المجتمع، وليتهم يقبلون لأنفسهم ما يقبلونه للآخرين، فقط هم يريدون أن يسلكوا الطريق الذي يؤدي إلى تحقيق المكاسب الشخصية، حتى لو كان في ذلك الطريق ضرر للآخرين الأبرياء! وتؤخذ الجماعة بذنب الفرد، وربما تؤخذ البلد بذنب الفرد أو الجماعة، من يفعل ذلك، هم الذين يؤمنون ويقدّسون المثل القائل"الغاية تبرر الوسيلة"، ولكن، أية غاية وأية وسيلة!. رياض إبراهيم - الرياض [email protected]