مع العبارة الأولى التي نطق بها رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية باراك أوباما،"السلام عليكم"، استشف الكثير من المتابعين العنوان الأبرز لهذا الخطاب الذي صُنّف ضمن"الخطابات التاريخية". على رغم وجود معارضين لهذا التصنيف، الذين رأوا أنه مجرد"خطاب سياسي معتاد فرضته التحركات السياسية العالمية الحالية"، وتشديد أوباما على كلمة أعلن من خلالها عن"استعداد بلاده إلى الدخول في عالم المشاركة ضمن حركة تصحيحية لأوضاع سابقة"، كان جديداً على الأذن العربية. استقرأ أوباما خلال كلمته الموجة التي ستحدثها في العالمين العربي والإسلامي، وتصنيفه لمتلقي هذا الخطاب كان في محله، إذ أكد أن"كثيرين سيشككون في مدلولات هذا التوجّه الجديد، وأن التغيير لن يحدث، لكننا لو نظرنا إلى الماضي لن نتقدم، بل ستبقى الأمور كما كانت من دون تغيير". ووقع هذا الانقسام بعد أن سمر هذا الحدث عيوناً كثيرة من حوله، وأصبح الحدث الأكبر الذي تناقلته وسائل الإعلام العربية والعالمية أمس. واعتبر الداعية الشيخ سعد العبدالهادي، الخطاب"من الخطابات المفاجئة لنا، بل من الخطابات التي يجب أن تدرس لأنه خطاب ذكي جداً، فحين بدأ بتحية الإسلام في أول خطابه أحدث عنصر إثارة شدتنا لتلقي ما بعده، وإن أراد أوباما من هذه التحية أن يتلقى الرد عليها، فنحن نقول له وعليكم السلام كما أمرنا الإسلام. ولعلمه بما تحمله هذه الكلمة من أثر ومعنى أراد أن يبدأ بها". وأشار العبدالهادي إلى استشهاد الرئيس الأميركي بآيات عدة من القرآن الكريم ليؤكد ذلك"ذكاء الخطاب"، فهو شدد على أن"الإسلام يحمل تاريخاً مجيداً في التسامح مع الأديان الأخرى، وهي حقيقة يغفلها الكثيرون من أبناء الغرب، لكن أن يأتي هذا الاعتراف على لسان رئيس الدولة العظمى فهذا يُعطي الآخرين فرصة لدرس هل فعلاً الإسلام متسامح مع الأديان الأخرى، وأن حركات التعصب والإرهاب لا تمت إلى الإسلام بصلة، بل هي بعيدة كل البعد عنه، فأنا أرى إيجابية هذا الخطب من هذا الجانب". بدوره، رأى المهندس عبدالله الشايب مهتم بالجانبين السياسي والاجتماعي، أن الخطاب"يؤخذ من جانبين مهمين، الأول أنه جاء بعملية تصحيحية للفكر الرأسمالي، وتعد الديموقراطية جزءاً منها، فسابقاً كنا نسمع بطنطنة الديموقراطية الأميركية، لكن حدث تغير داخل هذه الدول وبدأ تمريره إلى العالم الإسلامي والعربي". أما الجانب الثاني الذي أراد أوباما أن يوجهه فهو"أننا نفهم إسلامكم، ونعرفه جيداً أكثر من بعضكم، بحسب الأسس التي تحدث عنها حول الإسلام، وتسامحه، وانفتاحه على الآخر". وأكد الشايب أن"ثقافة الشعوب لا تأتي من خطابات رنانة، بل من ترجمتها على أرض الواقع". وحصر تفاؤله بهذا الخطاب من منطلق"فهم المقاصد الكلية له"، مؤكداً"تأثير هذا الخطاب في الإعلام الغربي، لتغيير الصورة النمطية عن الإسلام، وهذا سيكون له صدى أوسع من تأثيره في العالم الإسلامي، وسيخصص له مقاعد بحثية وندوات ومؤتمرات، لقراءة الإسلام من جديد، لأنهم يحملون الخطابات السياسية على محمل الجد، بعكسنا". واعتبر المحلل السياسي سعيد الخرس، طرح أوباما أمس"سليماً وحقيقياً"، مستدركاً:"المشكلة تكمن في أن التوجهات السياسية هي التي تحكم، وكذلك الرؤية المتطرفة، وجراحاتنا نحن سكان الشرق الأوسط في جهات عدة، ويحتاج علاجها إلى سنوات طويلة". ورفض أن"نبني تفاؤلاً كبيراً بهذا الخطاب في شقه السياسي، أما من الجوانب العامة التي طرحها، مثل المرأة وحقوقها، والاقتصاد والتعليم، فهذه قيمنا، ونعرفها جيداً". وأشار الخرس إلى أن الكلمة حملت"اعترافاً ضمنياً بأن الإسلام محرك رئيسي لمصير العالم، ومؤثر فيه، بعكس ما تحاول وسائل الإعلام الغربية أن تشير إليه، وهذا يعطي الدول الإسلامية وزناً أكبر، واعتباراً يساعدهم على وضع أقدامهم في صنع القرار في مجلس الأمن، فلقد سمعت أخيراً، محللاً سياسياً يصف وعود أوباما ب"وعد بلفور"، لذا تتطلب المرحلة المقبلة ترجمة واقعية، وإن حدثت لسنوات طويلة، حتى يرسخ أوباما مشروع المصالحة الذي ينشده". وقال الخرس:"إن أميركا عاشت ولسنوات من منظور فوقي، وتدير العالم من خلال مصالحها، والنزول الآن لم يكن برغبة منها، بل من خلال الضغوط التي واجهتها، وهذا فرض على أميركا التنازل عن بعض ما كانت تؤمن به"، مضيفاً:"أرى أن نساعد أنفسنا أولاً، قبل أن نلبي طلب أوباما في مساعدته لتحقيق مشروعه، لأننا نحمل 80 في المئة من مشكلاتنا الخاصة التي تعقد الأمور". وأكد أن أوباما وحكومته بهذا الخطاب"أعلنوا اعترافهم بأن يكون العالم الإسلامي شريكاً في بناء العالم الجديد، لذا يجب أن نستفيد من هذه النافذة التي فتحت لنا، ويجب أن نتساءل: هل نستطيع أن نبني على هذه النية أم يجب أن نخالف ما هو متوقع؟ وأن نتحرك وفق هذا التحرك العالمي، لنثبت حقيقة الإسلام المتسامح". واشترك كثيرون ممن شاهدوا الخطاب عبر القنوات الفضائية التي تابعته وباهتمام كبير، في أن"الترجمة الحقيقية لهذا الخطاب يجب أن تكون على أرض الواقع"، وقال عبداللطيف العبدي:"هذه فرصة كبيرة أتيحت لأميركا، وأوباما على وجه الخصوص، ليكسب ثقة الشارع العربي والإسلامي، وهو يجب ألا يتأخر في ترجمة بعض ما قاله على أرض الواقع، ويجب أن يكون قريباً جداً، حتى لا يفتر وهج هذا الخطاب التاريخي". وأضاف:"هو أول رئيس استطاع أن يحدد علاقة أميركا مع العرب والمسلمين، وهي خطوة مهمة، خصوصاً حين ربط المصلحة العامة لبلاده بقيام دولة فلسطينية".